ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى المجلد 6

اشارة

سرشناسه : صافی گلپایگانی، علی، 1281 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : ذخیره العقبی فی شرح العروه الوثقی [محمدکاظم بن عبدالعظیم یزدی]/ تالیف علی الصافی الگلپایگانی

مشخصات نشر : قم: مکتبه المعارف الاسلامیه، - 1372.

شابک : 2500ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 2 (چاپ 1372)؛ بها: 2500 ریال

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1374)؛ بها: 6000 ریال

عنوان دیگر : العروه الوثقی. شرح

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337؟ق. العروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 14

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع40216 1372

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 74-5990

[تتمة كتاب الطهارة]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[فصل في شرائط الوضوء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في شرائط الوضوء الأوّل: إطلاق الماء، فلا يصح بالمضاف و لو حصلت الاضافة بعد الصب على المحل من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه فاللازم كونه باقيا على الاطلاق إلى تمام الغسل.

الثاني: طهارته، و كذا طهارة مواضع الوضوء و يكفى طهارة كل عضو قبل غسله و لا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالّه طاهرا فلو كانت نجسة و يغسل كل عضو بعد تطهيره كفى، و لا يكفى غسل واحد بقصد الازالة و الوضوء و إن كان برمسه في الكرّ أو الجارى، نعم لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء باخراجه كفى و لا يضرّ تنجس عضو بعد غسله و إن لم يتمّ الوضوء.

(1)

أقول: في الفصل يقع الكلام في شرائط الوضوء:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 8

الشرط الأوّل: إطلاق الماء في الوضوء و الكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: اعتبار إطلاق الماء في الوضوء

في الجملة مما لا إشكال فيه فتوى و نصا، أمّا فتوى لكون الحكم مشهورا معروفا، بل حكى دعوى عدم الخلاف عن المبسوط و السرائر، و ادعى عليه الاجماع كما هو المنقول عن غير واحد و لم ينقل الخلاف إلّا ما حكي عن ظاهر ابن أبي عقيل؛ من جواز الطّهارة بالماء المضاف عند فقدان الماء، و عن الصدوق رحمه اللّه من جواز الوضوء بخصوص ماء الورد.

أما نصا فلقوله تعالى: (وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)* «1».

بعد مسلمية عدم كون المضاف ماء و إطلاق الماء عليه يكون مسامحة فتدل (الآتيان) على عدم رافعية المضاف للحدث و أنّه بعد فقد الماء تصل النوبة بالتيمم.

و لما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في الرجل يكون معه اللبن أ

يتوضأ منها للصلاة؟ قال: إنّما هو الماء و الصعيد) «2».

فهي تدلّ على انحصار المطهّر بالماء و الصعيد، فلا يجوز الوضوء بالمضاف و لا يكتفى به.

و أمّا ما حكي عن ابن أبي عقيل من جواز الطّهارة بالمضاف مع عدم الماء فلم نجد له وجها.

و ما قيل في وجهه من التمسك بقاعدة الميسور، فمضافا إلى بعض ما استشكل على هذه القاعدة و أمضينا الكلام فيها في الأصول في بحثنا و فيما كتبنا فيها و ما هو

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 43 و سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 1 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 9

الحق فيها، فلا مجال للتمسك بها في المقام لأنّه بعد تصريح القرآن الكريم و الحديث الشريف على أنّ بعد فقد الماء يكون المطهّر هو الصعيد، فلا معنى للقول بكون بدل الماء، الماء المضاف.

و أمّا وجه قول الصدوق رحمه اللّه فهو ما رواها يونس عن أبي الحسن عليه السلام (قال:

قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة، قال: لا بأس بذلك) «1».

قال في الوسائل (و رواها الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب ثم قال: هذا خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره قال: و يحتمل أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد فإن ذلك يسمّى ماء ورد و إن لم يكن معتصرا منه) «2».

أقول: أما الرواية باعتبار السند فاعلم أنّه مضافا إلى الكلام في بعض رواتها من حيث الوثاقة و عدمها مثل سهل بن زياد و محمد بن عيسى، فقد بينّا ما هو المذكور من الشيخ رحمه اللّه من إجماع العصابة على ترك العمل بظاهرها،

فهذا هو المتيقن من الاعراض، لأنّ الاعراض تارة يقال بحصوله بمجرد مخالفة فتوى المشهور مع مضمون الرواية، و تارة باظهار الاعراض عنها، و أنّهم معرضون عما هو مفاد الرواية، و هذا القسم هو المتيقن من الاعراض، و هو موجود في المقام لأنّ الشيخ رحمه اللّه يحكى ترك العصابة العمل بظاهرها، فليست الرواية بحجة.

و أمّا ما رواها الصدوق (محمد بن علي بن الحسين عليه السلام مرسلا قال: لا بأس بالنبيذ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد توضأ به، إنّ ذلك ماء قد نبذت فيه تمرات، و كان صافيا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الوسائل ج 1، ص 148.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 10

فوقها فتوضأ به) «1».

فلا يصح الاستناد بها لضعفها سندا من جهة ارسالها و اعراض الاصحاب عنها، للاشكال فيها دلالة لعدم كون الظاهر فيها جواز الوضوء بالنبيذ المعروف.

الدالّ على نجاسته و حرمته بعض الأخبار المذكور في الاشربة المحرمة، بل المراد هو القسم الحلال منه كما يظهر من بعض الأخبار مثل الرواية 2 من الباب المذكور فيها هذه المرسلة.

فتلخص من كل ذلك اشتراط كون ماء الوضوء مطلقا في الجملة و قد مضى الكلام فيه في طى الفصل الأوّل في المياه.

المورد الثاني: بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام الغسل و المسح

أعنى: حصول مسمّاهما.

و وجه اعتبار ذلك واضح، لأنّه بعد اشتراط إطلاق الماء في الوضوء و هو عبارة عن الغسلتين و المسحتين فلا بدّ من بقاء الماء على الاطلاق الى حصول مسمّى الغسل و المسح، فلو حصلت الإضافة بعد صب الماء على المحل بسبب وسخ في محل الوضوء أو الغبار أو غيرهما قبل تمام الوضوء الحاصل تماميته بتحقق مسمى الغسل

و المسح لم يتحقق الوضوء بالماء المطلق.

و ما في عبارة المؤلف رحمه اللّه من كفاية بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام الغسل إن كان نظره ما قلنا من كفاية بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام حصول مسمى الغسلتين و المسحتين فتم كلامه، و الظاهر كون نظره الشريف إلى ذلك و إن عبّر (الى تمام الغسل).

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 2 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 11

و إن كان نظره إلى كفاية بقاء إطلاق الماء إلى حصول مسمى الغسل و إن لم يبق اطلاقه إلى حصول مسمّى المسح فغير صحيح، لأنّه لا بدّ من كون المسح بنداوة الماء من الوضوء و مع اضافته حال المسح قبل حصول مسماه لم يحصل المسح بنداوة الماء من الوضوء، فلم يتحقق الوضوء بالماء المطلق فلا يكتفى بهذا الوضوء.

الشرط الثاني: طهارة ماء الوضوء و طهارة مواضع الوضوء،

اشارة

فالكلام في الموردين:

الأوّل: اشتراط طهارة ماء الوضوء،

و يدلّ على هذا الشرط روايات واردة في موارد مختلفة يستفاد منها شرطية طهارة ماء الوضوء مثل الرواية 1 و 3 و 4 و 7 من الباب 3 و الرواية 1 و 2 و 5 من الباب 8 و الرواية 4 من الباب 9 و الرواية 4 و 5 و 8 و 11 و غيرها من الباب 11 من أبواب الماء المطلق من الوسائل، نذكر واحدة منها تيمنا و هي ما رواها حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام (أنّه قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فاذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب) «1».

الثاني: اشتراط طهارة مواضع الوضوء، و الكلام فيه يقع في موردين:
المورد الأوّل: فيما يدل على اشتراطها،

اعلم أن المراجع في الفقه لا يرى تعرضا لهذا الشرط في كلمات القوم إلى الاواخر، فلا مجال لدعوى الشهرة أو الاجماع على اشتراطها فيها، نعم ما يرى هو التعرض في الغسل و بيان اشتراط طهارة محل الغسل فيه.

و على كل حال ما يمكن أن يستدلّ به على اشتراط طهارة محال الوضوء فيه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 12

بعض ما يستدلّ به من الروايات على اشتراط طهارة محل الغسل و موضعه في الغسل، فيقال بعد ثبوت اشتراطها فيه نقول باشتراطه في الوضوء أيضا، للعلم بكون الوضوء مثل الغسل في هذه الجهة.

مثل ما رواها حكم بن حكيم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: افض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم اغسل فرجك و افض علي رأسك و جسدك فاغتسل فإن كنت

في مكان نظيف فلا يضرّك أن لا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك، قلت: إن الناس يقولون: يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال:

و أيّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ) «1».

بدعوى دلالة قوله عليه السلام (افض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك الخ) على أن الأمر بغسل اليمنى و غسل ما أصاب على الجسد من اذى و غسل الفرج يكون لاجل رفع النجاسة الواقعة عليها و تطهيرها بالماء لاشتراط طهارة محل الغسل في صحة الغسل.

و مثل ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك (فتغسلهما) ثم تغسل فرجك، ثم تصبّ (الماء) على رأسك ثلاثا، ثم تصبّ (الماء) على سائر جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر). «2»

و غير ذلك، راجع الباب 2 من أبواب الغسل و أحكامه من جامع أحاديث

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 2 من أبواب الغسل و احكامه من جامع احاديث الشيعة، و الرواية 7 من الباب 25 و الرواية 1 من الباب 26 من أبواب الجنابة من الوسائل فالرواية رواية واحدة تقطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الغسل و احكامه من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 13

الشيعة.

أقول: إن سلّم دلالة الروايتين و نظيرهما على اشتراط طهارة مواضع الغسل في الغسل و عدم حملها على الاستحباب، فلا يكفى ثبوت الحكم في الغسل لثبوته في الوضوء، إلّا أن يدعى العلم أو الاطمينان بكون الوضوء مثل الغسل في هذا الحكم.

و إن تم ذلك يكون دليلا

على اشتراط طهارة مواضع الوضوء في الوضوء و لو لم يتم ذلك فلا وجه لاعتبار طهارة مواضع الوضوء، و حيث إنّه لا يرى تعرض عن هذه المسألة في كلمات القدماء، فلا وجه لدعوى الشهرة أو الاجماع في المسألة، نعم مع التسلم عند المتأخرين يقال: بأن الأحوط وجوبا هو طهارة مواضع الوضوء، هذا ما يأتي بالنظر عاجلا في المقام.

المورد الثاني: بعد فرض كون طهارة مواضع الوضوء شرطا في الوضوء
اشارة

يقع الكلام في أنه:

هل يجب كون تمام أعضاء الوضوء طاهرا قبل الشروع في الوضوء، فكما يجب طهارة الوجه، و هو اوّل موضع من مواضع الوضوء، قبل الشروع فيه يجب طهارة الرجل اليسرى، و هي آخر مواضع الوضوء.

أو تجب طهارة كل عضو قبل الشروع في غسله أو مسحه، فيجب طهارة الوجه قبل الشروع فيه و يجب طهارة اليد اليمنى قبل الشروع فيها، و هكذا، فلو شرع في غسل الوجه و يكون اليد اليمنى أو ما بقى من الاعضاء نجسا لا يضر بالوضوء إذا طهّر كل عضو حين غسله أو مسحه.

أو لا يجب ذلك أيضا، بل يجب كون الفراغ من غسل كل عضو مقارنا لطهارة هذا العضو بحيث لم تبق نجاسة كل عضو بعد غسله، و بعبارة اخرى يكفى في حصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 14

الشرط عدم بقاء نجاسة كل عضو بعد غسل هذا العضو، و أثره الاكتفاء بغسل واحد لرفع الخبث و الحدث، فلو كانت اليد نجسة و أصابها الماء بقصد إزالة الخبث و الحدث يكفى، بل يكفى إصابة الماء على اليد النجسة بقصد رفع الحدث فقط، لأنّ ازالة الخبث لا يحتاج إلى القصد و مجرد إصابة الماء بها يرفع الخبث و لو لم يقصد رفعه بل يقصد أمرا آخر.

أو يفصل بين ما

يكون الغسل في الماء الكثير أو كانت النجاسة في آخر العضو و إن كان الماء الماء القليل فيكتفى بغسل واحد لرفع الحدث و ازالة الخبث، و بين ما كان الغسل في الماء القليل و لا يكون المتنجس آخر العضو من أعضاء الوضوء، فيقال بعدم الاكتفاء بغسل واحد لازالة الخبث و رفع الحدث.

وجه الاحتمال الأوّل، ظهور بعض الروايات الوارد في الجنابة في وجوب تطهير محل الغسل قبل الشروع في الغسل مثل الروايتين المتقدمتين و هي رواية حكم بن حكيم و محمد بن مسلم.

وجه الاحتمال الثاني، لسان بعض الأخبار الوارد في الغسل بعد كون المراد من الغسل غسل كل عضو قبله لشدة اقتضاء المناسبة ذلك خصوصا رواية حكم بن الحكيم المتقدمة.

و أنّ الاصل عدم التداخل لأنّ كل سبب يقتضي مسببا مستقلا، فلا وجه لتداخل ما هو مسبب من الخبث فيما هو مسبب من الحدث.

و للزوم وقوع الغسل على المحل الطاهر و إلّا لأجزأ الغسل و لو مع بقاء عين النجاسة، و بأن الماء ينفصل بمجرد الملاقات فلا يمكن الغسل.

وجه الاحتمال الثالث، هو أنّه بعد كون المطلوب في ازالة النجاسة الخبثية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 15

ليس إلّا ازالة النجاسة بالغسل كيف ما اتفق و لو مع عدم القصد، بل و إن كان مع قصد الخلاف، و المطلوب في ازالة الحدث هو إتيان الوضوء و حصوله مع قصد التقرب، فاجتمع مطلوب مطلق مع مطلوب مقيد، و لا إشكال في تحقق المطلق في ضمن المقيّد فيحصلان بفعل واحد أعنى: غسلا واحدا، و مما مرّ يظهر فساد التمسك بأنّ الاصل عدم التداخل.

وجه الاحتمال الرابع، و هو التفصيل، و أن الماء إن كان كثيرا لا تكون الغسالة

نجسة، و كذا لو كانت النجاسة في آخر العضو فتنفصل الغسالة فلا يصير المحل نجسا، و لهذا يمكن تحقق الطّهارة الخبثية و الحدثية بغسل واحد.

و أمّا إن كان الماء قليلا و كانت النجاسة في غير آخر العضو، مثلا كان في أعلى العضو أو وسطه ينجس المحل بنجاسة الغسالة.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بعد ما لا دليل في البين يدلّ على شرطية طهارة مواضع الوضوء (إلّا ما ذكر و ذكرنا من أنّه بعد اشتراط طهارة مواضع الغسل يشترط طهارة مواضع الوضوء لكونه مثل الغسل في هذا الحكم)، فنقول: إنّ مواضع الوضوء إن كانت نجسة ينجس ماء الوضوء بملاقاتها إن توضأ بالماء القليل، فلا يتمكن معه من الوضوء لأنّ المفروض اشتراط طهارة مائه.

إن قلت: إنّه كما قلتم بأنّه لا يضرّ نجاسة الماء بعد الاستعمال في بقائه على طهارته حال مطهريته و إلّا فلا يطهر متنجس بالماء القليل أصلا، لأنّ الماء ينجس بملاقات النجس فيصير نجسا، فتكون نتيجة ذلك عدم مطهرية الماء القليل و لا يمكن الالتزام به.

قلت: إنّ ما قلنا في طريق تطهير المتنجسات من عدم نجاسة الماء المطهّر بملاقاته للمتنجّس الّذي يطهّره كان من باب ما نرى من مطهرية الماء القليل مسلّما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 16

كما هو مورد كل الأخبار الواردة في الباب، فلا بدّ لنا بعد هذا التسلم من التصرف في بعض العمومات.

و ليس في المقام هذه الضرورة إذ يمكن تطهير الموضع من الوضوء إن كان نجسا قبلا ثم غسله بالماء الطاهر للوضوء.

ثم بعد ذلك نقول: إنّه بعد فرض اشتراط طهارة محل الوضوء لما ورد في باب الغسل، فما ينبغى أن يقال من بين الاحتمالات الاربعة المتقدمة، فنقول

بعونه تعالى:

إنّ ظاهر ما قد منا من الروايتين الواردتين في الغسل هو الاحتمال الأوّل، و هو اعتبار طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء.

لكن ربّما يقال بكفاية طهارة كل عضو قبل الشروع في غسله أو مسحه، و هو الاحتمال الثاني.

إمّا لبعد دخل طهارة عضو في العضو الآخر، مثلا دخل طهارة اليد في غسل الوجه.

و إمّا بأنّ المناسبة تقتضى كون الطّهارة المشترطة شرطا و دخيلة في غسل نفس الموضع النجس، مثلا إذا كانت اليد اليمنى نجسة و أراد غسلها للوضوء فالمناسبة تقتضي طهارتها لغسل نفس اليد لا لغسل عضو آخر.

و إمّا لخصوص ما في رواية حكم بن الحكيم المتقدمة (فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك الخ) بدعوى أنّ الظاهر منها وجوب غسل الرجل و تطهيره من النجاسة قبل غسله.

و ما يأتي بالنظر هو أنّ كل هذه الوجوه قابلة للخدشة (و يأتي الكلام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 17

المسألة إن شاء اللّه في غسل الجنابة في المسألة 5 من المسائل المتعلقة بكيفية غسل الجنابة و متعلقاتها).

أمّا دعوى بعد دخل طهارة عضو في غسل العضو الآخر فمجرد الاستبعاد لا يكون دليلا، خصوصا مع ما نرى من عدم اطلاعنا على الملاكات الشرعية و مصالحها و مفاسدها، فلا وجه للاستبعاد.

و أمّا شدة المناسبة فهي تقتضى دخل طهارة كل عضو في غسله، و لا تقتضى عدم دخل طهارة هذا العضو في غسل عضو آخر.

و أمّا رواية حكم فهذه الفقرة منها ليست إلّا في مقام بيان وجوب غسل الرجل على فرض نجاستها، و أمّا كون التطهير في أيّ وقت فلا تعرض لها.

بل الظاهر

منها كون الحكم بالتطهير كما يستفاد من بعض الروايات المذكورة في بابها غير مربوط بالغسل أصلا، بل مربوط ببعد الفراغ من الغسل، و أنّه إن صارت رجليه نجسه يطهّره، فلا وجه للاستشهاد بالرواية على الاحتمال الثاني.

و مما مرّ من كون لأقوى الاحتمال الأوّل، و هو طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء،

يظهر لك امور:
الأمر الأوّل: أنّه لا يكتفى بغسل واحد لازالة الخبث و رفع الحدث

و إن كان الغسل بالماء العاصم أو كانت النجاسة في آخر موضع من الغسل يوجب انفصال الغسالة عن المحل، لأنّ مقتضى الدليل تقديم تطهير موضع الغسل قبل الغسل و قبل الشروع في الوضوء بناء على كونه مثل الغسل في هذا الحكم.

الأمر الثاني: فيما يزيل الشخص النجاسة بالغمس في الماء العاصم،

فلا يمكن قصد الوضوء بالاخراج عن الماء و لا يتحقق الغسل الوضوئي إلّا فيما كانت النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 18

في خصوص الوجه، لأنّه بعد فرض ما قوّينا من اشتراط طهارة الأعضاء قبل الشروع في الوضوء، فالنجاسة إن كانت في الوجه فيطهر الوجه بالغمس في الماء و يقصد غسل الوجه للوضوء بالاخراج عن الماء.

و أمّا إن كانت النجاسة في ساير الأعضاء فلا يحصل الغسل الوضوئي بالاخراج، لأنّه وقع الغسل للجزء السابق على الجزء المتنجّس بلا شرط، لاشتراط طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع، مثلا إن كانت النجاسة في اليد فتطهيرها، و إن كان يحصل بالغمس لكن لا يصح الوضوء لوقوع غسل الوجه و هو من أجزاء الوضوء قبل تطهير اليد عن النجاسة، و على الفرض يشترط في الوضوء طهارة تمام أعضاء الوضوء قبل الشروع و من جملة الأعضاء الوجه، فلا يصح الوضوء.

نعم بناء على الاحتمال الثانى و هو اشتراط طهارة كل عضو قبل غسله إن كان العضو نجسا، يحصل تطهيره بالغمس في الماء العاصم و يصح قصد غسل الوضوء بالاخراج سواء كان هذا العضو وجها أو اليدين.

الامر الثالث: أنه فيما قلنا من أنه إذا كانت النجاسة في الوجه

و يريد المتوضى إزالة النجاسة عن الوجه بالغمس في الماء العاصم و الوضوء بالاخراج، فلا يحتاج إزالة الخبث و النجاسة بالغمس إلى القصد بذلك، لأنّ إزالة الخبث غير محتاج إلى القصد بل لو غمس وجهه في الماء و لو بلا قصد أو لقصد التبريد و غيره حصلت الطهارة عن الخبث، فلو أراد الوضوء يمكن أن يقصد غسل الوجه بالاخراج للوضوء، و في هذا يحتاج إلى القصد، لأنّه لا تحصل الطّهارة عن الحدث إلا بقصد التقرب.

كما أنّه على الاحتمال الثاني لو كان بعض أعضاء الوضوء

نجسا و لو غير الوجه لا يحتاج في ازالة النجاسة الخبثية القصد، بل للازم للطّهارة الحدثية، فالفرق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 19

بين الاحتمال الأوّل و ما اخترنا و بين الاحتمال الثاني ليس إلّا أن النجاسة الخبثية إن كانت في الوجه فقط إذا حصلت ازالة الخبث بالغمس و لو بلا قصد يصح الوضوء و غسل الوجه له بالاخراج إذا قصد به التقرب على الاحتمال الأوّل.

و أمّا على الاحتمال الثاني فاذا كانت النجاسة في الوجه أو في غيره إذا حصلت الطّهارة بالغمس و لو بلا قصد يصح أن يقصد الغسل للوضوء بالاخراج عن الماء.

فما يظهر من ظاهر عبارة المؤلف رحمه اللّه من قوله (نعم لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء باخراجه كفى) من دخل قصد إزالة النجاسة في تحقق ازالة النجاسة بالغمس في الماء غير تمام، إلّا أن يقال بانه فرض صورة القصد لا أنّه إذا كان الغمس في الماء العاصم بلا قصد لا يتحقق إزالة النجاسة بالغمس في الماء.

تتمة: لا يضرّ تنجس عضو بعد غسله

و إن لم يتم الوضوء لعدم دليل على اشتراطه، و مع الشك في اعتباره يكون مجرى البراءة، لأنّ في الشك في جزئية شي ء أو شرطيته تجرى البراءة.

***

[مسئلة 1: التوضى بماء القليان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا بأس بالتوضؤ بماء القليان ما لم يصر مضافا.

(1)

أقول: واضح لأنّه بعد عدم كونه مضافا يكون ماء و لا فرق بين المياه من حيث الحكم بعدم البأس بالتوضؤ منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 20

[مسئلة 2: لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة ساير مواضع البدن]

قوله رحمه الله

مسئلة 2: لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة ساير مواضع البدن بعد كون محالّه طاهرة، نعم الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله.

(1)

أقول: أما عدم مضرية نجاسة ساير مواضع البدن في صحة الوضوء لعدم دليل على اشتراط طهارتها للوضوء و لا مانعية نجاستها له، و مع الشك في دخلها فيه يحكم بعدمه بمقتضى أصالة البراءة.

و أمّا وجه مضرية ترك الاستنجاء قبل الوضوء، و لزوم إعادة الوضوء بترك الاستنجاء، فكما بيّنا في طى المسألة 4 من المسائل المتعلقة بفصل موجبات الوضوء بعض الروايات:

منها ما رواها أبو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام إن أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت فعليك إعادة الوضوء و غسل ذكرك «1».

و منها ما رواها عمر و بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صلّيت، قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوئك «2».

و غير ذلك المذكور في الباب المذكور، و مقتضى الاولى غسل الذكر و إعادة الوضوء، و مقتضى الثانية غسل الذكر و إعادة الصلاة لا إعادة الوضوء.

و ما يدلّ على عدم وجوب إعادة الوضوء مثل الرواية الثانية.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 21

هى

ما رواها علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يبول و ينسى غسل ذكره، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء «1».

و ما يدل على عدم وجوب إعادة الصلاة مثل الرواية الاولى.

و هي ما رواها عمر و بن أبي نصر الرواية 13 و 14 المذكورين فى باب 4 باب أنّه لا يعاد الوضوء بترك الاستنجاء و حكم إعادة الصلاة من كتاب جامع أحاديث الشيعة جلد 2 صفحه 365، كما أنّ ما يدل على إعادة الوضوء معارض مع الرواية الثالثة و الثانية المذكورتين فى هذا الباب.

و على فرض حجيتها بعد نصوصية بعض ما في الروايات على عدم وجوب اعادة الوضوء و الصلاة، لا بدّ من حمل الأمر باعادة الوضوء و الصلاة، كما في بعض الآخر من الروايات على الاستحباب فتكون النتيجة استحباب إعادة الوضوء و الصلاة مع نسيان الاستنجاء، و لازم ذلك عدم مضرّية عدم الاستنجاء و عدم مانعيته لصحة الوضوء، أو عدم اشتراط طهارته في صحة الوضوء.

و لكن حيث احتمل صدور ما دلّ على وجوب إعادة الوضوء أو الصلاة بنسيان الاستنجاء تقية يقال: إن الأحوط استحبابا عدم ترك الاستنجاء قبل الوضوء.

***

[مسئلة 3: إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 22

لا يضره الماء و لا ينقطع دمه فليغمسه بالماء و ليعصره قليلا حتى ينقطع الدم آنا ما، ثم ليحرّكه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الاخر، و المحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى بأن يقصد الوضوء بالاخراج من الماء.

(1)

أقول: بيّن المؤلف رحمه

اللّه على مبناه المذكور في الفصل في كيفية شرطيّة طهارة مواضع الوضوء طريقا للوضوء لمن يبتلى بالجرح.

و على ما اخترنا- من وجوب تطهير مواضع الوضوء قبل الشروع فيه بناء على دلالة رواية حكم و محمد بن مسلم المتقدمتين على شرطية طهارة مواضع الغسل و بناء على التعدى من الغسل إلى الوضوء- يمكن فرض المسألة فيما كان الجرح في الوجه: فيغمس الوجه المجروح في الماء و يعصره قليلا حتى ينقطع الدم آنا مّا، ثم يخرجه عن الماء بقصد الوضوء و حصل الغسل الوضوئي، فلو أخرج الدم عن الجرح الواقع في الوجه بعد غسله لا يضر بالوضوء و إن كان قبل إتمام الوضوء لعدم مضرية تنجس العضو بعد غسله كما مر في ذيل الفصل.

و أمّا إن كان الجرح في غير الوجه من أعضاء الوضوء فإن أمكن غسله بالنحو المذكور قبل الشروع في الوضوء، و بقى على الطّهارة إلى أن غسل هذا العضو أو مسحه، و لم يخرج منه الدم من الشروع إلى تمام غسله أو مسحه فأيضا يصح الوضوء.

و أمّا لو لم يمكن ذلك بأن لا ينقطع الدم قبل الشروع في الوضوء إلى تمام غسل الموضع المجروح أو مسحه، فلا يتمكن من غسله قبل الشروع، أو لو تمكن لم يبق على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 23

الطهارة إلى تمام غسله أو مسحه لا يصح الوضوء، لما قلنا من أنّ الأقوى طهارة تمام مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء.

***

[الشرط الثالث: أن لا يكون على المحل حائل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: أن لا يكون على المحل حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، و لو شك فى وجوده يجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه، و مع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله.

(1)

أقول:

تقدم وجه الحكم المذكور في المسألة في طى المسألة 9 من غسل الوجه و نقول إجمالا:

إنّ في المسألة مسائل:
المسألة الاولى: أن لا يكون على المحلّ حائل

يمنع وصول الماء إلى البشرة، و وجهه واضح لأنّه بعد كون الواجب غسل البشرة فاللازم رفع المانع حتى يصل الماء إلى البشرة.

المسألة الثانية: لو شك في وجود الحاجب

يجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن المعتبر بعدمه، و لا يكفى مطلق الظن و لو لم يكن دليل على اعتباره كما يتوهم ذلك من إطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه لعدم حجية مطلق الظن، و ما في بعض شروح «1» العروة- من الاكتفاء بمطلق الظن بدعوى انّ السيرة قائمة على الاكتفاء به في مقام

______________________________

(1) المحقق الآملى، مصباح الهدى، ج 3، ص 362.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 24

الفحص و يقال: بأنّ الشارع لم يردع عنه فهى حجة- ففيه أوّلا على هذا يكون الظن من الظن المعتبر لا من باب حجية مطلق الظن، و ثانيا وجود السيرة حتى مع عدم حصول الاطمينان أو الظنّ الخاص المعتبر غير مسلّم إن لم يكن مسلّم العدم.

و أمّا وجه لزوم تحصل العلم أو الظن المعتبر، فلانه بعد فرض الاشتغال اليقينى بوجوب غسل البشرة أو مسحها، فلا بدّ من تحصيل البراءة اليقينية، و هي تحصل بالعلم أو ما يقوم مقامه من الظن المعتبر.

و قد يقال بعدم وجوب الفحص تمسكا بأمور:

الامر الأوّل: دعوى الاجماع على عدم وجوب الفحص.

و فيه إن الاجماع إن كان منقولا فلا دليل على حجيته، و إن كان محصّلا فتحققه غير معلوم إن لم يكن معلوم العدم.

الامر الثاني: دعوى السيرة على عدم الفحص في صورة الشك في وجود الحائل.

و فيه إن كان النظر في دعوى السيرة، السيرة المتشرعة بما هم متشرعة فوجود هذه السيرة فعلا غير معلومة فضلا عن السيرة المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم عليه السلام الكاشفة عن قوله أو فعله أو تقريره

عليه السلام.

و إن كان النظر إلى سيرة العقلاء، فسيرتهم حتى مع عدم الاطمينان بوجود الحائل و عدمه غير معلوم.

الامر الثالث: ما رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه بلغه أنّ نساء كانت إحداهنّ تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر إلى الطهر، فكان يعيب ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 25

و يقول: متى كان النساء يضعن هذا «1».

بدعوى دلالتها على عدم وجوب الفحص في صورة الشك فى حصول الطهر فيقال: مع الشك في الطهر لا يجب الفحص بمقتضى الرواية، فكذلك فى ما نحن فيه لا يجب الفحص مع الشك فى الحائل.

و فيه أن هذه الرواية وردت في الحيض، و مثلها رواية ثعلبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان ينهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن في المحيض بالليل، و يقول: إنها قد تكون الصفرة و الكدرة «2».

و المراد من الطهر مقابل الحيض، فمورده صورة الشك في بقاء الطهر أو طرو الحيض، و في هذا المورد لا يجب الفحص، لأنّه يكون الشك في التكليف فلا يحصل اشتغال يقينى به كى يجب تحصيل البراءة اليقينية بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التكليف بالوضوء و غسل البشرة يقينى، و إنّما الشك في البراءة فيجب تحصيل البراءة اليقينية.

و إن أبيت عن ذلك نقول: بأنّ الرواية واردة في الحيض فلا وجه للتعدى بغيره.

المسألة الثالثة: و مع العلم بوجود الحائل يجب تحصيل اليقين بزواله

أو ما يقوم مقام العلم، لأنّ اشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

و قد مضى الكلام في الشك فى حاجبية الموجود في المسألة 9 من غسل الوجه، فراجع.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 بن أبواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من أبواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 26

[الشرط الرابع: أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا، فلا يصح لو كان واحد منها غصبا من غير فرق بين صورة الانحصار و عدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار و إن لم يكن مأمورا بالتيمم إلّا أنّ وضوئه حرام من جهة كونه تصرفا أو مستلزما للتصرف في مال الغير فيكون باطلا، نعم لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبى فى الظرف المباح ثمّ توضأ لا مانع منه، و إن كان تصرفه السابق على الوضوء حراما، و لا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار و عدمه، اذ مع الانحصار و إن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمّم إلّا أنّه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظرف المباح، و قد لا يكون التفريغ أيضا حراما كما لو كان الماء مملوكا له و كان إبقائه في ظرف الغير تصرفا فيه، فيجب تفريغه حينئذ، فيكون من الأوّل مأمورا بالوضوء و لو مع الانحصار.

(1)

أقول: أمّا شرطية الاباحة في الجملة مما لا إشكال فيها لدعوى الاجماع عليها بحد الاستفاضة، و لما بينا في الأصول في مسئلة اجتماع الأمر و النهى بعد كونها ذات قولين، قول بعدم جواز الاجتماع، و قول بجوازه.

أمّا على القول بعدم جواز الاجتماع و تغليب جانب النهى على جانب الأمر فمعلوم، لأنّه على هذا لا يكون الوضوء المجتمع مع الغصب مأمورا به، سواء كان الماء منحصرا بالمغصوب أو غير منحصر به.

نعم في صورة الانحصار لا يكون المكلف مأمورا بالوضوء أصلا و تكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 27

وظيفته التيمم، و في صورة عدم الانحصار يكون مأمورا بالوضوء بما عدى ماء المغصوب من

المياه.

و أمّا على القول بجواز الاجتماع، فلما ادعي من الاجماع على بطلان الوضوء بالمغصوب بلا فرق بين صورة انحصار الماء بالمغصوب و عدمه، أو لأنّه بعد كون الفعل منهيا عنه لا يكون قابلا لأن يتقرب به و هذا الوجه اختاره سيدنا الاعظم قدس سره لا أن يكون إجماعا تعبديا في المقام فلا يجوز التوضى بالمغصوب و قال: إن الوجه في بطلان العبادة هو هذا لا أن يكون هنا اجماع تعبدى على بطلانها.

و أمّا على القول بامتناع الاجتماع و تغليب جانب الأمر، فلا يبقى وجه لبطلان العبادة إذا أتاها في ضمن الفرد المنهى عنه إلّا الاجماع على فساد العبادة على فرض تحققه، و لكن امكان الالتزام بتغليب جانب الأمر مشكل.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه

يقع الكلام في المسألة في طى مسائل:
المسألة الاولى: إذا كان ماء الوضوء غصبا لا يجوز التوضى به،

و يكون الوضوء باطلا مع العلم بالحكم و الموضوع أعنى: حكم الغصب و غصبية الماء، و أمّا فى غير هذا المورد فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 4، و وجهه ما قلنا من عدم كون الوضوء مع ماء المغصوب مع علمه بحرمته و غضبيته مقرّبا، فلا يصح أن يتقرب به مضافا إلى دعوى الاجماع على بطلانه.

المسألة الثانية: يشترط إباحة ظرف ماء الوضوء،
اشارة

بيانه أنّ الوضوء عن الظرف المغصوب يتصور على نحوين:

النحو الاول: أن يكون بالرمس فى الظرف، مثل أن يتوضأ وضوء الارتماسى فى الآنية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 28

النحو الثانى: بالاخذ من مائه و التوضى به.

و فى كل منهما تارة يكون بقصد التخلص عن الحرام، و تارة لا يكون لذلك.

أمّا إذا كان بقصد التخلص

مثل ما إذا كان الماء ملكه و وقع فى ظرف الغير، إمّا منه لا بسوء اختياره، و إمّا بفعل الغير و يطلب منه مالك الظرف إفراغ ظرفه عن الماء، فيجب إفراغه و تخليصه، ففى هذه الصورة لا إشكال فى جواز التوضى من الماء و صحة الوضوء و إن كان تصرفا فى الظرف، لكن لا يكون تصرفا حراما سواء كان الوضوء بالرمس فيه، أو بالاغتراف، أو بالصب على محالّ الوضوء، أو بالصب فى الظرف الآخر المباح و التوضى منه، و سواء كان الماء منحصرا به أو لا، و سواء كان بالاغتراف الدفعى أو التدريجى، لانه بعد عدم كون هذا التصرف حراما يكون مطلق ما يصح الوضوء بلا اشكال، إنّما الكلام فى ما يعتبر فى صدق التخليص و ضابطه بنحو يوجب رفع الحرمة عن التصرف فى المغصوب، و هو أن يكون التصرف في المغصوب جائزا أو واجبا و إن كان تصرفا.

أما صورة جوازه مثل ما إذا كان الماء الواقع في الاناء المغصوب ملكا للشخص و وقع في إناء الغير بعدوان الغير، أو برضاء مالك الاناء لا غصبا و لا بسوء اختياره فيجوز لمالك الماء تخليص مائه عن الاناء.

أما صورة وجوبه مثل صورة التماس مالك الاناء تفريغ إنائه عن الماء و عدم رضائه بابقائه في إنائه.

فعلى هذا لو كان وقوع الماء بسوء اختياره قد يجوز افراغه

و قد يجب و قد لا يجوز، فكلما يجوز أو يجب فهو داخل في التخلص، فلا يحتاج إلى قيد عدم كون ايقاع الماء في الآنية بسوء اختياره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 29

كما أن اعتبار كون الماء ملكا في التخلص غير لازم لأنّه ربّما يجب التخلص و إن لم يكن ملكا للمتوضى المتخلص، مثل أن يكون الماء الواقع في الاناء المغصوب من الآخر و غصب آخر و أدخله في إناء الغير فيجيز مالك الاناء افراغه أو يلزمه و مالك الماء يجوّز للمتوضى المحتاج بالماء للتوضى تخلص الماء و الوضوء به، فيجب عليه التخلص مع عدم كونه ملكه، فما قلنا من كون ضابط التخلص هو جواز التصرف في المغصوب أو وجوبه كاف عن اشتراط كونه ملكا للمخلّص.

و أيضا يعتبر فيه القصد لأنّ التخليص من العناوين القصدية، فلا بد فى حصوله من القصد.

و أمّا إذا كان بقصد العدوان، أو قصد أمر آخر، أو بلا قصد فلا يعدّ تخليصا و يأتي حكمه إن شاء اللّه.

و أما إذا لم يكن بقصد التخليص فيقع الكلام في صور:
الصورة الاولى: أن يكون الوضوء بالرمس في الماء

الواقع في الاناء المغصوب و لها فرضان:

الفرض الأوّل: أن يكون الرمس في الماء للوضوء موجبا لتحرك الماء و تموّجه في السطح الداخل من الاناء، ففي هذا الفرض لا إشكال في بطلان الوضوء لكونه تصرفا في الاناء و الظرف المغصوب.

الفرض الثاني: في المقام هو أن لا يوجب الرمس في الماء تموّجا فى السطح الداخل من الاناء حتى بتغير سطح الماء فيه.

فنقول في هذا الفرض على فرض إمكان الرمس في الماء و عدم ايجاد أثر من التحرّك و التموّج حتى الحركة الضعيفة في الظرف المغصوب لكن مع ذلك يعد عند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 30

العرف هذا الرمس

تصرفا في الاناء فيكون حراما لكون الوضوء تصرفا في المغصوب و متحدا معه.

الصورة الثانية: أن يكون الوضوء باغتراف الماء عن الظرف

و التوضى به و لها فرضان:

الأوّل: أن يكون بالاغتراف الدفعى، مثل أن يغترف الماء عن الظرف المغصوب بيده أو بوسيلة اخرى فيصبّه في ظرف و يتوضأ به.

الثاني: أن يكون الاغتراف تدريجيّا، مثل أن يغترف الماء مرة لغسل وجهه و مرة ليده اليمنى و مرة لليسرى.

و في كل منهما، مرة يكون الماء منحصرا بالماء في الظرف المغصوب، و اخرى غير منحصر به فالفروض أربعة.

الفرض الأوّل: أن يكون الاغتراف دفعيا و كان الماء منحصرا بهذا الماء فنقول بعونه تعالى:

لا وجه لأن يقال ببطلان الوضوء من باب كون الوضوء بالاغتراف عن الظرف المغصوب تصرفا في الظرف، لأنّه من الواضح عدم كون الوضوء تصرفا فى الظرف، بل هو أمر خارج يتحقق بعد الاغتراف، و ليس عند العرف الغسل و المسح الوضوئي تصرفا في الاناء المغصوب.

بل الوجه لبطلان الوضوء في الفرض هو أنّه بعد كون مقدمة الواجب منحصرة في الحرام و تكون منهيا عنها، و مع كون المقدمة منهيا عنها فلا يكون قادرا على الوضوء لأنّ الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، فيكون التكليف التيمم لعدم كونه واجد الماء فلا يكون مأمورا بالوضوء لعدم الأمر به في فرض عدم القدرة به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 31

إن قلت: يكفى بقاء ملاك الامر لصحة الوضوء بعد الاغتراف.

قلت: قد مضى بيان هذا الاشكال من بعض شرّاح المحترم «1» و بينا جوابه، و حاصله أنّه لا طريق لاثبات الملاك إلّا الأمر و هو غير موجود على الفرض.

الفرض الثاني: أن يكون الاغتراف تدريجيا، و كان الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب و الحكم في هذه الصورة كسابقها من حيث بطلان

الوضوء لعين ما قلنا فيها.

الفرض الثالث: أن يكون الوضوء بالاغتراف الدفعى، و لكن لا يكون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب فهل يصح الوضوء أولا؟

وجه صحة الوضوء في الفرض هو القدرة على الوضوء، لأنّه و إن كان بعض أفراد مقدمته حراما مثل الاغتراف من هذا الماء الواقع في الاناء المغصوب، لكن حيث يتمكن من الوضوء في ضمن المقدمة الغير المحرّمة لوجود الماء الآخر و عدم انحصاره بما في هذا الاناء فيحكم العقل باتيان ذى المقدمة في ضمن المقدمة الغير المحرمة فيكون الأمر بالوضوء باقيا و كذا ملاك الأمر، فلو اغترف الماء عن الاناء المغصوب و توضأ به يكون وضوئه صحيحا و إن كان الاغتراف حراما.

وجه عدم الصحة هو دعوى كون الوضوء بالاغتراف نوع تصرف في الاناء، فيكون الوضوء متحدا مع الغصب فيبطل الوضوء.

و فيه أنّه لا إشكال في عدم كون الوضوء تصرفا في الاناء عرفا، بل التصرف فيه هو الاغتراف و هو غير الوضوء فلا وجه لفساد الوضوء، فالاقوى صحة الوضوء.

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 160 و ص 427.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 32

الفرض الرابع: أن يكون الوضوء بالاغتراف عن الاناء تدريجا، لكن مع عدم انحصار الماء بما في هذا الظرف المغصوب فالحكم فيه حكم الفرض الثالث من حيث صحة الوضوء و إن كان اغترافه حراما.

الصورة الثالثة: أن يكون الوضوء بصب الماء من الاناء

و يتصور على نحوين:

النحو الأوّل: أن يصب الماء من الاناء المغصوب في الاناء المباح ثم يتوضأ من الاناء المباح.

و الظاهر كون حكمه حكم الصورة الثانية من فروضها الاربعة من حيث الفساد في الفرضين الاولين و صحة الوضوء في الفرضين الآخرين.

و إن كان المؤلف رحمه اللّه حكم بصحة الوضوء في الصور الاربعة إذا كان الصب بالنحو

المذكور مع حكمه بالبطلان في صورة كون الوضوء بالاغتراف مطلقا حتى مع عدم كون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب.

و لا أفهم الفرق بين صورة الاغتراف بين الظرف المغصوب و الوضوء منه و صورة الصب في إناء مباح و الوضوء منه فتامل.

النحو الثاني: أن يكون الوضوء بالصب من الظرف المغصوب على محال الوضوء مثلا يأخذ الاناء المغضوب فيصب مائه على وجهه أو يديه للغسل الوضوئي، فلهذا النحو أيضا يفرض الصور الأربعة:

أن يكون الصب دفعيا، و أن يكون تدريجيا و فى كل منها، مرة يكون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب، اخرى لا يكون منحصرا به.

و لم أجد فرقا بين هذا النحو بصوره مع صورة الوضوء بالاغتراف بصوره،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 33

فكما قلنا بعدم صحة الوضوء في الفرض الأوّل و الثاني منها نقول هنا، و كما قلنا بصحة الوضوء في الفرض الثالث و الرابع منها نقول في المقام.

نعم هنا كلام و هو أنّه في مورد صبّ الماء من الاناء المغصوب بمحل الوضوء.

يبطل الوضوء في جميع الفروض من باب اتحاد الوضوء مع الغصب لأنّ صب الماء من الاناء للوضوء تصرف في الاناء فاتحد الغصب و الوضوء فيبطل الوضوء.

و لكن الحق عدم الاتحاد و عدم كون الوضوء في الفرض تصرفا في الاناء عرفا إذ الوضوء هو الغسلتان و المسحتان و صبّ الماء على العضو يكون مقدمة للوضوء لا أن يكون هو الوضوء، فالحق صحة الوضوء في هذا النحو إذا لم يكن الماء منحصرا بما في الاناء المغصوب فافهم.

المسألة الثالثة: يشترط إباحة مكان الوضوء.

و المراد من المكان إن كان هو الموضع الذي يتمكّن فيه الشخص و يقرّ فيه للوضوء أو لفعل آخر، فلا دليل على اشتراط إباحة هذا

المكان، فلا يوجب القرار و التمكين في المكان المغصوب بطلان الوضوء إذا لم يكن الفضاء الواقع فيه أفعال الوضوء غصبا لعدم اتحاد الغصب مع الوضوء بالحمل الشائع، و لا يكون الوضوء تصرفا في هذا المكان المتمكن فيه فلا وجه لمانعيته كما لا وجه لاشتراط إباحته.

و إن كان المراد من المكان هو الفضاء الواقع فيه الغسل و المسح من الوضوء، فقد يقال بعدم اشتراط إباحة الفضاء في الوضوء، بدعوى أن مجرّد حركة اليد في الفضاء ليس تصرفا في فضاء الغير، و عدم اتحاد تصرف الفضاء مع الوضوء لأنّ حقيقة الوضوء الغسل و المسح، و الغسل عبارة عن جريان الماء بالمحل و هو غير متحد مع التصرف في الفضاء، نعم في خصوص المسح إن كان الفضاء منحصرا بالمغصوب يحرم لكونه مقدمة منحصرة للمسح من باب كون حقيقة المسح إمرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 34

الماسح على الممسوح و هو يحتاج إلى الفضاء، فلا يكون المسح مأمورا به و لا فيه ملاك الأمر.

و أن ما قيل من عدم كون إمرار اليد على موضع الغسل تصرّفا في الفضاء المتعلق بالغير.

ففيه أنّ هذا يعدّ تصرفا عرفا في الفضاء.

و ما قيل من عدم اتحاد التصرف في الفضاء مع الوضوء.

ففيه أن غسل مواضع الوضوء عبارة عن اجراء الماء عليها و اجراء الماء على المحل متحد مع الغصب لأنّ بالامرار يتصرف في الفضاء، بل نفس الجريان يشتغل الفضاء و هو على الفرض غصب.

المسألة الرابعة: في اشتراط إباحة مصبّ ماء الوضوء.

اعلم أنّه تارة يكون المصبّ منحصرا بحيث يقع فاضل ماء الوضوء لا محالة في هذا المكان، و تارة لا يكون منحصرا.

فإن كان منحصرا و كان غسل العضو مستلزما للصبّ فيه يمكن القول ببطلان الوضوء، لأنّه يكون

الوضوء مقدمة توليدية للحرام فيكون الوضوء فاسدا لكونه مقدمة توليدية للحرام، و ذلك من باب أن الحرمة تزاحم الوجوب و يغلب جانب الحرمة، إمّا لأهمية تركها على فعل الواجب مطلقا، و إمّا من باب استفادة أهمية الحرمة من جعل البدل و هو التيمم للوضوء، فنكشف كون الحرام أهمّا، فلهذا لا بد من ترك الوضوء.

و إمّا لما قلنا سابقا فى طى المباحث فى شرطية إباحة ظرف الوضوء من أنّه لا يكون الوضوء باعتبار مزاحمته مع الحرام مقدورا لممنوعيته شرعا و الممنوع شرعا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 35

كالممنوع عقلا، فهو ممن لا يجد الماء و تكليفه التيمم، و ما يوجب القول لفساد الوضوء هو هذا الوجه، و إلّا فوجه الاول لا يوجب فساد الوضوء، لانه مع فرض أهمية الحرام لو ترك الأهم و أتى بالوضوء المهم صحّ الوضوء لوجود ملاك الوجوب فى الوضوء.

و أمّا لو لم يكن منحصرا فلا يفسد الوضوء و إن توضأ في موضع يصل فاضل مائه إلى الموضع المغصوب لعدم اتصاف هذه المقدمة بالحرمة و موجبيتها للفساد.

هذا تمام الكلام في الشرائط الأربعة المتقدمة و قد عرفت صورها و ما ينبغى أن يقال فيها.

***

[مسئلة 4: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو الحائل بين العلم و العمد و الجهل أو النسيان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد و الجهل أو النسيان، و أمّا في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم و العمد سواء كان في الماء أو في المكان أو المصبّ، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان، بل و كذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصرا، بل و مقصرا أيضا إذا حصل منه قصد القربة و إن كان الأحوط

مع الجهل بالحكم خصوصا في المقصّر الاعادة.

(1)

أقول:

أمّا عدم الفرق بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان

في عدم صحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 36

الوضوء بالماء المضاف أو الماء النجس أو مع الحائل، فلان إطلاق أدلتها يشمل جميع الصور.

و أمّا في الغصب فالبطلان في صورة العلم و العمد واضح

من باب أنّ الدليل إن كان الاجماع فقدر المتيقن منه هذه الصورة، كما أنّه لو كان عدم قابلية الفعل للتقرّب فالقدر المتيقن صورة العلم و العمد، لأنّه في هذه الصورة يكون النهى فعليا منجّزا و مع فعليته و تنجزه لا يمكن التقرب به.

و أمّا مع الجهل بالموضوع أعنى: الجهل بالغصبية

فلا يكون الوضوء بماء المغصوب أو ظرفه أو مكانه أو مصبه باطلا إذا كان جاهلا بالموضوع لعدم فعلية التكليف بالنسبة إليه فيصح أن يتقرب به.

و أمّا إذا كان ناسيا للموضوع فله صورتان:

لأنّ الناسى إمّا لا يكون هو الغاصب فأيضا لا إشكال في صحة الوضوء في صورة النسيان لعدم فعلية النهى بالنسبة إليه فيصح التقرب به لعدم كونه على الفرض مبغوضا للمولى.

و إمّا أن يكون الناسى هو الغاصب، فهل يقال بصحة وضوء الناسى الغاصب مثل الصورة الاولى، أو يقال بعدم صحة وضوئه لأنّ التكليف و إن لم يكن فعليا بالنسبة إليه لنسيانه، لكن باعتبار كونه الغاصب يكون الفعل مبغوض المولى فلا يصح أن يتقرب به.

و لأنّ دليل رفع التكليف عن الناسى منصرف عن الناسى الذي يكون نسيانه لتركه التحفظ و نسيان الغاصب يكون كذلك.

و بدعوى صحة توجه التكليف بالغاصب الناسى قبل طرو النسيان عليه نظير التكليف بترك التصرف في الارض المغصوبة قبل الدخول فيها، و باستصحاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 37

التكليف الثابت عليه قبل النسيان يحكم على الغاصب بترك الفعل.

أقول: انّ العمدة في صحة عبادة الناسى للغصبية إذا كان هو الغاصب و عدم صحته فهم ما هو الملاك في فساد العبادة المتحدة مع الغصب و ما هو سبب عدم كون هذا الملاك في صورة النسيان حتى يظهر انّه موجود فيمن يكون غاصبا و أتى بالعبادة متحدة مع الغصب نسيانا أم لا.

فنقول: إنّ منشأ بطلان العبادة في صورة اتحاده مع الغصب إن كان كاشفية تعلق النهى الفعلى بالغصب عن مبغوضية العبادة المتحققة في ضمن الغصب المنهى عنه و بعد مبغوضيته لم يكن الفعل المجامع مع النهى عنه قابلا لان يتقرب به.

و ببيان آخر تكون صحة العبادة كالوضوء و

الصلاة و غيرهما المتحدة مع الغصب و فسادها من باب كون الغصبية مؤثرة فى اتصاف الفعل الخارجى الّذي قصد به الوضوء مثلا من حيث صدوره عن المكلف بالقبح و عدمه، فان اتصف بالقبح تفسد العبادة، و إلا تقع صحيحة، و كون الغصبية مؤثرة فى القبح ليست إلا بعد فعلية النهى المتعلق بها، و هذا مختص بحال العمد و مع عدم فعليته ليست مؤثرة فى القبح (و هذا البيان من العلامة الهمدانى رحمة اللّه عليه فى باب اللباس من الصلاة) «1».

فإذا كان هذا وجه بطلان العبادة، نقول: بأنّه فى صورة نسيان الموضوع أعنى: نسيان الغصبية لا يكون النهى الفعلى متعلقا بالغصب المنسى، و مع عدم النهى الفعلى حال النسيان لا يكون الفعل العبادى المجامع و المتحد مع الغصب مبغوضا للمولى و بعد عدم مبغوضية الفعلية، و الفرض كونه في حدّ ذاته مطلوب المولى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 10، ص 362.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 38

و مأمورا به فيقبل لأن يتقرب به فيصير قابلا للاتصاف بالصحة.

فإذا كان ما قلنا وجه صحة العبادة في صورة نسيان الموضوع نقول: إنّه لا فرق في ذلك بين كون الناسى غير الغاصب أو كان هو الغاصب، كما لا فرق بين كون منشأ النسيان ترك التحفظ أولا، لأنّ فى كل منهما صار النسيان سببا لعدم كون النهى المتعلق بالغصب فعليا، و بعد عدم فعليّته لا يكون مبغوضا، و بعد عدم مبغوضيته و الفرض كون الأمر بالوضوء فعليا، و الفعل قابل لان يتقرب به فيقع صحيحا.

و أمّا إن كان منشأ عدم صحة العبادة في صورة النسيان هو مبغوضية الفعل عند المولى و إن لم تكن هذه المبغوضية كاشفة عن فعلية

النهى، بل كانت المبغوضية حاصلة من عصيان المكلف عالما و تجاوزه عن رسم العبودية و مخالفة المولى، فهى لا تدور مدار فعلية النهى، فمن كان غير غاصب و ناس للغصب فحيث إنّ مبغوضية فعله ناشئة من فعلية النهى فقط لا عن عصيانه، و الفرض عدم فعلية النهى و عدم مبغوضية الفعل فيصير فعله مقرّبا.

و أمّا من كان غاصبا و نسى الغصبية و توضأ بالمغصوب فحيث إنّ غصبه صار سببا لعصيانه و مبغوضيته عند المولى فكل عمل يصدر منه من التصرفات الغصبية يكون مبغوض المولى، و ان لم يكن نهى فعلا متعلقا بعمله، فعلى هذا لا يصير عمله مقرّبا مع هذه المبغوضيّة.

فما قيل من كون الفعل مبغوضا إذا كان الناسى هو الغاصب عرفت عدم تماميته لأنّه مع عدم النهى الفعلى لا يكون الفعل مبغوضا للمولى.

و ما قيل من أنّ دليل رفع التكليف عن الناسى منصرف عمن يكون غاصبا و إن كان ناسيا من باب انصرافه عمن ترك التحفظ و الناسى كذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 39

ففيه أوّلا: إن كان الدليل تماما فلازمه القول بفساد عبادة كل ناس ترك التحفظ لا خصوص الغاصب الناسى.

و ثانيا: أنّه مع فرض نسيان الموضوع لا معنى للنهى الفعلى أعنى: البعث و الزجر عقلا، و ليس هذا الحكم قابلا للتخصيص أو الانصراف عن بعض الموارد.

و لكن العمدة ما قلنا من أن المبغوضية لا تدور مدار النهى الفعلى حتى يقال مع عدم النهى الفعلى لا يكون الفعل مبغوضا، بل الفعل مبغوض بالنسبة إلى الغاصب الناسى و إن لم يكن نهى فعلىّ متعلقا به.

كما أن ما قيل من كون الفعل بالنسبة إلى الغاصب الناسى منهيا عنه بالنهى السابق قبل النسيان

غير تام لانّه:

فيه أوّلا: أن كان النهى السابق مؤثرا في فساد الوضوء بالنسبة إلى الغاصب الناسى، كذلك يكون مؤثرا بالنسبة إلى غيره، فكل من كان عالما بالحكم و الموضوع إذا نسى الموضوع لا بدّ أن تقول بفساد عبادته و لا وجه للاختصاص بالغاصب الناسى.

و ثانيا إنّ النهى ما دام يكون فعليّا يكون مؤثرا في مبغوضية الفعل و قبحه و إذا لم يكن كذلك فلا يؤثّر في مبغوضيته و قبحه، فيكون العمل صحيحا قابلا لأن يتقرب به، بل العمدة ما قلنا في وجه الفرق بين الصورتين.

فتلخص وجود الفرق في صحة العبادة في صورة نسيان الموضوع بينما كان الناسى غاصبا أو غير غاصب كما فرّق بين الصورتين جمع من الاكابر و من جملتهم سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدس سره.

و أمّا مع نسيان الحكم

فهل يصح الوضوء مع نسيان حكم الغصبية أو لا يصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 40

أو يفصّل بين ما كان النسيان عن تقصير فلا يصح الوضوء، و بين ما كان من غير تقصير يصح الوضوء، و لم يتعرض المؤلف رحمه اللّه لصورة نسيان الحكم رأسا فنقول:

الاقوى التفصيل أمّا إذا كان النسيان من غير تقصير فلما عرفت من عدم فعلية النهى مع النسيان، فلا يكون الفعل مبغوضا للمولى و قبيحا فيصحّ أن يتقرب به.

و أمّا إذا كان النسيان عن تقصير فلما يأتي إنشاء اللّه في عدم معذورية الجاهل المقصّر، فالناسى لاجل تقصيره لا يكون معذورا و يكون بحكم العامد.

إن قلت: إن الناسى للحكم مثل الناسى للموضوع لا يكون النهى بالنسبة إليه فعليا فلا وجه لفساد وضوئه.

قلت: إنّ التكليف و إن لم يكن فعليا لكن الفعل باق على مبغوضيته و قبحه لتقصيره كالجاهل المقصّر فيكون

عمله فاسدا لعدم قابليته لأن يتقرب به كما قلنا فى الناسى للموضوع إذا كان الناسى هو الغاصب.

و أمّا مع الجهل بالحكم فله صورتان الاولى في الجاهل القاصر، و الثانية الجاهل المقصر و في كل من الصورتين مورد الكلام فيما يتمشى من الجاهل قصد القربة، و إلّا إذا لم يتمش قصد القربة من الجاهل فلا إشكال فى فساد العبادة فى كل من الصورتين لاحتياج العبادة مثلا الوضوء بقصد التقرب، فالكلام فى صورة تمشى قصد القربة.

فنقول بعونه تعالى: أما الصورة الاولى فيصح وضوء الجاهل القاصر لأنّه و إن تصرّف في المغصوب إلّا انّه لا منشأ لمبغوضية عمله العبادى حتى يقال بفساده سواء كان كاشف المبغوضية النهى الفعلى المتعلق بالفعل فهو لا يكون فعليا بالنسبة إلى الجاهل القاصر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 41

أو كان الكاشف هو عصيانه للمولى حال علمه كما قلنا في الغاصب الناسى من مبغوضية عمله عند العقل و إن لم يكن نهى فعلى متعلقا بالغصب.

فهو غير موجود أيضا في الجاهل القاصر لأنّ إتيانه مبغوض المولى يكون عن قصوره لا عن تقصيره، فلا يكون وضوئه من حيث كونه تصرّفا في الغصب مبغوضا فيصحّ أن يتقرّب به فيصحّ الوضوء.

أما الصورة الثانية أعنى: صورة كون الجهل عن تقصير و كان الجاهل جاهلا بالحكم، فقد عرفت في المسألة 6 و 16 من المسائل المتعلقة بالتقليد عدم معذوريته لعدم كون جهله عذرا مع تقصيره، فيكون عمله المتحد مع الغصب مبغوضا للمولى و ليس قابلا لأن يتقرب به، فلا يصح وضوئه في المغصوب.

***

[مسئلة 5: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صحّ ما مضى من أجزائه و يجب تحصيل المباح للباقى، و إذا التفت

بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده و يصحّ الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأوّل، لأنّ هذه النداوة لا تعدّ مالا و ليس مما يمكن ردّه إلى مالكه، و لكن الأحوط الثاني، و كذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الاعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب، أو الصبر حتّى تجف أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني و أحوطهما الأوّل، و إذا قال المالك: أنا لا أرضى أن تمسح بهذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 42

الرطوبة أو تتصرف فيها لا يسمع منه بناء على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك، و لا يجوز المسح بها حينئذ.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء

صحّ ما مضى من أجزائه، لأنّ ما مضى من الوضوء مع الغصبية، إمّا كان من باب جهله بالموضوع كما لا يبعد كون نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الفرض، و إمّا من باب نسيان الموضوع، و فى كل منهما كان النهى عن الغصب غير فعلى، فلا يكون الوضوء مبغوضا.

نعم لو كان منشأ عدم الالتفات النسيان و كان الناسى هو الغاصب لا يصحّ الوضوء كما مرّ في المسألة السابقة و إن لم يكن النهى في حقه فعليا.

المسألة الثانية: و يجب تحصيل الماء المباح لباقى غسلات الوضوء

الواقع بعضها في المغصوب من باب عدم الالتفات بالغصب وجه، لزوم تحصيل الماء المباح لما بقى من الغسلات أنّ اتيان باقى غسلات الوضوء بعد الالتفات بالغصب بهذا الماء يوجب فساد الوضوء و لا يصح الوضوء معه.

هذا إذا التفت في ضمن غسلات الوضوء، مثلا التفت بعد غسل الوجه، أو بعد غسل اليد اليمنى قبل غسل اليسرى.

المسألة الثالثة: ما إذا التفت إلى الغصبية بعد تمام الغسلتين

قبل الشروع بالمسح، أو قبل تمام المسح.

فهل يجوز المسح بما بقى من الرطوبة في يده، و يصح وضوئه أولا يجوز ذلك؟

قال المؤلف رحمه اللّه: يجوز ذلك و ذكر في وجهه شيئين:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 43

الأوّل: أنّ النداوة الباقية على اليد لا تعدّ ما لا فلا مانع من التصرف فيه.

الثاني: أنّ هذه النداوة الباقية على اليد لا يمكن ردّها إلى مالكه.

أقول: أمّا الوجه الأوّل فما قاله من أنّ النداوة ليست مالا فيجوز التصرف فيه.

ففيه أنّها و إن لم تكن ما لا إلّا أنه لا يجوز التصرف فيها بدون رضى صاحبه لأنّ مجرد عدم كونها ما لا لا يوجب جواز التصرف فيها بدون رضى صاحبه، بل يحرم التصرف إذا كان ملكا للغير كحبة من حنطة أو كان متعلقا لحقه.

فما يمكن أن يكون وجها له هو الوجه الثاني، و هو عدم امكان ردّ النداوة الباقية إلى مالكها، فيقال: بعد عدم إمكان رد العين إلى المالك يكون بحكم التالف عرفا فينتقل الضمان من العين بالمثل أو القيمة، و مع انتقال العين بأحدهما تصير هذه النداوة ملكا للغاصب من باب عدم إمكان الجمع بين العوض و المعوّض.

و ما يمكن أن يستدلّ به على عدم صحة المسح بالنداوة المغصوبة هو انّه متى تكون عين المغصوبة باقية و إن فقد بعض خصوصياتها

لا ينتقل الضمان بالمثل أو القيمة، بل يجب تدارك العين بالغرامة.

و الحق الأوّل، لأنّه إذا كانت العين موجودة:

تارة يعدّ من التالف، و العين إذا لا يمكن الانتفاع بها على أيّ وجه يكون مثل العين التالفة عرفا ينتقل الضمان إلى مثلها أو قيمتها لا كما إنّ الظاهر في النداوة الباقية على اليد بعد الغسل هو هذا، لعدم، إمكان انتفاع المالك بها، فبناء على كونها من التالف يجوز المسح بالنداوة الباقية، لأنّها بعد انتقال الضمان بمثلها أو قيمتها على عهدة الغاصب تصير ملكا للغاصب.

و تارة لا يعد من التالف مثل ما إذا يمكن الانتفاع بالعين المغصوبة للمالك، و قد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 44

استثنى المؤلف رحمه اللّه هذا الفرض في ذيل المسألة، فيمكن أن يقال بعدم كون العين بحكم العين التالفة، بل يأخذ المالك العين و ينتفع بها ما شاء، و يأخذ من الغاصب الغرامة بالنسبة إلى ما نقص عنها و بناء على عدم كونها من التالف عرفا و إن لم يمكن الانتفاع به فلا يجوز الوضوء، و لا يبعد الأوّل و إن كان الأحوط الثاني، و لكن في المقام وجود هذا الفرض بعيد، بل يكون مجرّد التصور.

المسألة الرابعة: إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد تجديد الوضوء بالماء المباح،

فهل يجب تجفيف مواضع الوضوء من الماء المغصوب الواقع على محل الوضوء أو الصبر إلى أن يجفّ مواضعه، أولا يجب ذلك؟

أقول: و حكمها مثل حكم المسألة الثالثة فكلّ ما قلنا فيها نقول فيها.

المسألة الخامسة: إذا نهى المالك عن المسح بالنداوة عن الماء المغصوب.

فلو كانت النداوة بحكم التلف لا أثر لنهيه، بل يجوز المسح بالنداوة الباقية عن الماء المغصوب.

و إن قلنا بعدم كونها بحكم التلف مثل ما إذا فرض إمكان انتفاع المالك بالنداوة الباقية فمجرد غصبية الماء كاف لعدم جواز المسح، و لا حاجة إلى نهى مجدد عن المالك.

نعم لو لم يكن التصرف في الماء قبل المسح محرما مثل ما إذا تصرف في الماء و غسل وجهه و يديه من باب اعتقاد المتوضى رضى المالك، فلا يكفى مجرد غصبية الماء واقعا، بل يظهر عدم رضاه من نهيه، فيحتاج عدم جواز التصرف إلى النهى، فبعد النهى لو لم نقل بكون النداوة بحكم التلف لا يجوز المسح بها مع نهى المالك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 45

[مسئلة 6: مع الشك في رضى المالك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: مع الشك في رضى المالك لا يجوز التصرف و يجرى عليه حكم الغصب فلا بدّ فيما إذا كان ملكا للغير من الاذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعى.

(1)

أقول: أمّا عدم جواز التصرف مع الشك في رضى المالك مضافا إلى استصحاب عدم الرضا إذا كان مسبوقا بعدم الرضا من المالك هو أنّه بعد كون شرط الوضوء إباحة مائه و مكانه و مصبه بالتفصيل المتقدم ذكره فلا بدّ من تحصيل الشرط نعم إن كانت الحالة السابقة الرضا يجوز التصرف للاستصحاب.

و أمّا اعتبار إذن المالك فلانه بعد كون عدم جواز حلية مال الغير إلّا بطيب نفسه حكم واقعى فلا بد من كشف طيب النفس إما بتصريح المالك يعنى إذنه صريحا، أو الفحوى أعنى: الاولوية القطعية، و هذا يحصل بورود الاذن عن المالك ببعض الامور الّذي يعلم من الاذن به إذنه بالتصرف في مائه أو ملكه

حال الوضوء بطريق الاولى.

و إمّا بالشاهد الحال القطعى، و لا يكفى مطلق الظن لعدم اعتباره، و ما ادعى من كفاية مطلق الظن من باب دعوى السيرة على الاكتفاء به، محل منع لعدم تحقق السيرة عليه، نعم يكفى الظن الخاص بشاهد الحال.

و لا يخفى عليك أن ما قلنا من أن الحكم الواقعى هو الرضى و طيب النفس و لا بدّ من كشفه بالاذن هو مقتضى الجمع بين بعض الأخبار الدالة على عدم حلّية التصرف فى مال الغير إلّا بطيب نفسه مثل «1» موثقة سماعة (لا يحلّ مال امرئ مسلم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 46

إلّا بطيبة نفسه) و بين بعض الآخر الدال على أنّ التصرف منوط باذن المالك مثل التوقيع الشريف (فلا يحلّ لأحد أن يتصرف فى مال غيره بغير إذنه) «1» ففى مقام الجمع نقول: بأنّ جواز التصرف مشروط بطيب النفس كما هو مقتضى بعض الاخبار، و يكون طريق طيب النفس و كاشفه إذن المالك كما هو مقتضى التوقيع الشريف الدال على كون التصرف منوطا باذن المالك فافهم.

***

[مسئلة 7: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار، سواء كانت قنوات أو منشقة من شط، و إن لم يعلم رضى المالكين بل و إن كان فيهم الصغار و المجانين، نعم مع نهيهم يشكل الجواز، و إذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأوّل، بل يمكن بقائه مطلقا، و أمّا للغاصب فلا يجوز، و كذا لأتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و كل من يتصرف فيها بتبعيته، و كذلك الأراضى الوسيعة يجوز الوضوء

فيها كغيره من بعض التصرفات كالجلوس و النوم و نحوهما ما لم ينه المالك و لم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك و لكن فى بعض أقسامها يمكن أن يقال: ليس للمالك النهى أيضا.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 47

(1)

أقول هنا مسائل:

المسألة الاولى: في جواز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار
اشارة

سواء كانت قنوات أو منشقة من شط و إن لم يعلم رضى المالكين و لا يعلم بوجود الصغير و المجنون بينهم و إلّا فمع العلم برضا هم فلا إشكال فيه و

استدلّ على الجواز بأمور:
الأوّل: أنّ الوضوء و الشرب منها حق للمسلمين فيجوز لهم استيفاء حقهم.

و فيه أنّه لا دليل على ثبوت هذا الحق لهم.

إن قلت: يستفاد ذلك من الوجوه التى تذكر بعد ذلك.

قلت: فاذا ليس ما قلت من كونه حقا لهم دليلا، بل هو المدّعى، و نتعرض لما يمكن أن يكون دليله إنشاء اللّه.

الثاني: ما رواه محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام

قال: سألته عن ماء الوادى، فقال: إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء «1».

بدعوى دلالتها على اشتراك المسلمين في الماء و النار و الكلاء.

إن قلت: إنّ الضرورة قائمة على انتفاء اشتراك المسلمين في كثير من الموارد.

قلت: إنّ ذلك يوجب تخصيص هذا العموم في الموارد التي ادعي قيام الضرورة على عدم اشتراكهم، و أمّا في غير هذه الموارد فالعموم حجة في عمومه و منه هذا المورد.

و فيه، مضافا إلى ما في سند الرواية من الاشكال من حيث محمد بن سنان المختلف في وثاقته و ضعفه، أنّ الرواية ظاهرة في اشتراكهم في الأشياء الثلاثة في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب احياء الموات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 48

المباحات الأصلية منها لا مطلقا حتى مع سبق حق بعض عليها، و بعبارة اخرى بحسب الطبع الأوّلى المسلمون مشتركون في الأمور الثلاثة كما هو مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، لأنّ ما يصلح لاشتراكهم فيه هو قبل ورود يد بعض منهم، عليه و إلّا فلو كان هذا الحكم حتى بعد تقدم يد بعضهم عليه باحياء فى الارض مثلا، فيلزم ذلك تضييع حقوق البعض بدون وجه، و التشاجر و التنازع و كل ذلك مناف مع مذاق الشرع.

و إن أبيت عن ظهور الرواية فيها فلا بدّ من حملها على هذه الصورة، لأنّه مع دلالة كثير من الروايات «1» على أنّ من أحيى أرضا

فهو أحق بها، أو أنّ الماء «2» الجارى عن الوادى يكون للمقدم حق التقدم على المؤخر الأسفل.

و قابلية تمليك الأشياء و صيرورتها ملكا للأشخاص و عدم جواز «3» التصرف في ملك الغير بغير إذنه تكون دليلا على عدم الاشتراك و اختصاص هذه الأمور بمن هو أولى به، فلا بدّ من حمل الرواية على ما قلنا.

و ما قيل من أنّ عموم الرواية يقتضي اشتراك المسلمين في الأشياء الثلاثة غاية الأمر يخصّص عمومه ببعض ما قلت، مثلا بصورة إحياء الارض فإنّه للمحيي و يبقى العموم بحاله في غيره.

فيه أوّلا ما قلنا من كون الخبر ظاهرا فى المباحات الأصلية، أو محمولا على المباحات الأصلية.

و ثانيا كما قيل إن قلنا بعمومه بحيث يشمل كل الموارد و تخصيصه بالمخصصات

______________________________

(1) الكافى، ج 5، ص 279.

(2) الكافى، ج 5، ص 278.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 49

يوجب تخصيص الأكثر.

و إن كان الاشكال هذا الاشكال يمكن الدفع بأنّ العام له فردان المباحات الأصلية و غير المباحات و تخصيص العموم بفرد لا يوجب تخصيص الأكثر.

و ثالثا لا إشكال في تخصيص عموم الخبر على فرض عمومه بصورة كون الأرض و النار و الماء ملكا لشخص أو أشخاص خاصة بأحد الأسباب المملكة، و فرض الكلام هذه الصورة، فلا يمكن الاستدلال على كل حال بهذا الخبر.

و رابعا لو قلنا بشمول عموم الخبر لمثل هذه الموارد يلزم جواز التصرف في غير الشرب و الوضوء، و لا يمكن الالتزام به.

الثالث: شهادة الحال برضى المالك أو المالكين

و قد حكي الاستدلال بها عن العلامة و الشهيد و غيرهما رضوان اللّه تعالى عليهم.

و فيه أنّ شاهد الحال في كل الموارد غير معلوم إن لم

يكن معلوم العدم في بعضها.

الرابع: دعوى انصراف حرمة التصرف في مال الغير عن هذا القبيل

من التصرفات من الشرب و الوضوء.

و فيه انّ هذا دعوى بلا دليل.

الخامس: أصالة إباحة هذه التصرفات

فيقال: بعد معارضة ما يدلّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه مع ما يدل على مطهرية الماء، و ما يدل على جواز الشرب و الوضوء بالماء ما لم يتغير، و تساقط كل من الأدلّة بسبب المعارضة، فتصل النوبة بالأصل و مقتضاه إباحة التصرف.

و فيه أوّلا لا تعارض بين ما يدلّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 50

و بين ما يدل على مطهرية الماء لعدم منافات بين كون الماء طاهرا و مع ذلك لا يجوز التصرف فيه لكونه ملك الغير.

كما أنّه لا تعارض بين ما يدلّ على حرمة التصرف و بين ما يدلّ على جواز الشرب و الوضوء عن الماء ما لم يتغير، لأنّ الظاهر من الطائفة الثانية هو اشتراط إطلاق الماء في جواز الوضوء و الشرب و ليس إلّا في مقام بيان ذلك، لا في مقام بيان جواز التصرف في الماء المطلق مطلقا حتى إذا كان ملك الغير و إلّا لو كان لها عموم من هذا الحيث كان لازمه عدم جواز التصرف إذا صار مضافا و الحال أنّه لا يمكن القول به، و بعد عدم كونها في مقام هذه الجهة فلا تعارض بينها و بين الطائفة الاولى الدالة على عدم جواز التصرف فى ملك الغير.

و ثانيا على فرض وقوع التعارض بين الطائفتين فحيث تكون النسبة بين الطائفتين عموما من وجه و تعارضهما في مادة الاجتماع فمقتضى الطائفة الاولى عدم جواز الوضوء و الشرب بالماء المطلق، و مقتضى الثانية جوازه، فحيث إنّ الاولى ظاهرة في عدم الجواز، و الثانية نص في

الجواز، فيحمل الظاهر على النص، و تكون النتيجة جواز الشرب و الوضوء من الأنهار الكبار، و لا تصل النوبة بالأصل العملى حتى يقال: إنّ لأصل هو الاباحة.

و ثالثا على فرض تعارض الطائفتين و سقوطهما بالمعارضة و وصول النوبة بالاصل فاجراء أصالة الاباحة مشكل، لما يقال من أنّ الاصل في الشك فيما إذا كان في الاموال هو العدم لما يستفاد من الخبر «1» من عدم الجواز في الاموال إلّا من حيث ما أحله اللّه، و هو قوله عليه السلام فى ضمن رواية (لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه) إلا أنّه ضعيفة السند فلا يتم الاستدلال به مضافا إلى الاشكال فى دلالته على كون

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 51

الأصل فى الأموال فى صورة الشك الحرمة لا الحلية كما يأتى إنشاء اللّه فى مسأله 8 من هذا الفصل.

السادس: انّه لو لا جواز هذا القبيل من التصرفات

مثل الشرب و الوضوء يلزم العسر و الحرج.

و فيه أنّ العسر و الحرج في كل مورد كان يوجب رفع الحكم، مثلا مع العسر و الحرج لا يجب الوضوء و لا يحرم الشرب من الماء، لا إثبات الحكم و هو حلية التصرف في مال الغير للوضوء، بل يجب مع العسر التيمم.

مضافا إلى أن العسر و الحرج في كل الموارد غير موجود.

السابع: سيرة المسلمين

من الصدر الأوّل إلى الآن على هذا القبيل من التصرفات بحيث يعلم رضى سادع الدين بذلك.

أقول: و ما يمكن الاستدلال به على المدعى هذا الوجه لوجود السيرة في الجملة على ذلك بلا إشكال من السلف و الخلف بحيث يكشف من سيرة المسلمين رضى المعصومين عليهم السلام.

فالسيرة دليل قطعى على جواز التصرف بالشرب و الوضوء من الأنهار الكبار.

المسألة الثانية: ما قلنا من جواز التصرف في الجملة للسيرة

جوازه في صورة عدم العلم بكراهة صاحب الماء و هل يكون هذا الحكم حتى في صورة العلم بكراهة صاحب الماء أو لا؟

الحق الثاني لعدم تحقق السيرة حتى مع وجود العلم بكراهة صاحبه.

المسألة الثالثة: اعلم أنّه تارة يعلم بعدم وجود الصغير و المجنون

في جملة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 52

مالكى الماء فلا إشكال في جواز الشرب و الوضوء مع عدم العلم بكراهة مالكيه.

و تارة لا يعلم بوجود الصغير و المجنون بين مالكى الماء كما لا يعلم بعدم وجودهما بينهم، فهل يجوز التصرف مع ذلك أو لا يجوز؟

الاقوى الجواز لوجود السيرة في المورد من حيث إنّ صورة العلم بعدم وجود الصغار و المجانين بين المالكين قليل جدا، بل الغالب أو الاغلب صورة الشك في كونهما بينهم و، عدمه فدعوى وجود السيرة في صورة الشك بوجود هما بينهم دعوى قريب، فتحقق السيرة في هذه الصورة لا ينبغى أن ينكر.

و تارة يعلم بوجود الصغير و المجنون بين مالكى الأنهار، فهل يجوز الشرب و الوضوء أيضا مثل الصورة الاولى و الثانية أو لا يجوز ذلك؟

الأقوى عدم الجواز لأنّ الدليل كما عرفت منحصر بالسيرة، و تحققها في المورد غير معلوم.

و لا فرق في عدم الجواز بين وجود الولى الاجبارى للصغير و المجنون كالأب و الجدّ و بين وجود الولى الاختياري لهما كالحاكم و المنصوب من قبله.

فالتفصيل بين صورة وجود الولى الاجبارى و بين الاختياري، لأنّ الأوّل يجوز و تنفذ ولايته حتى في صورة عدم وجود المصلحة للصغير، و بعبارة اخرى يكفى في نفوذ ولايته عدم الضرر على الصغير فلا مانع من التصرف.

و في الثاني يدور مدار نفوذ ولايته في خصوص ما كان مصلحة للصغير و المجنون و عدم ولايته في غير هذه الصورة، و عدم نفوذ

ولايته حتى في صورة عدم وجود المصلحة لها، فعلى الأوّل يجوز التصرف بالشرب و الوضوء، و على الثاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 53

لا يجوز كما قال بعض شراح العروة «1».

لا وجه له لأنّه كما قلنا تحقق السيرة فيما علم وجود الصغير أو المجنون بين مالكى النهر غير معلوم، و على الفرض لا دليل في البين غير السيرة، فلا يجوز التصرف فيما علم وجود الصغير أو المجنون بين المالكين للنهر.

المسألة الرابعة: إذا صارت الأنهار الكبار مغصوبة بغصب غاصب
اشارة

فهل يجوز التصرف فيها لغير الغاصب كما كان جائزا له قبل غصبه أولا؟ فنقول: إنّ له صورتين:

الصورة الاولى: ما إذا غصبها و لم يتغير مجراها

فهل يجوز التصرف لغير الغاصب من الشرب أو الوضوء أولا؟ الحق عدم الجواز لعدم تحقق السيرة، إذ وجود السيرة محتاج إلى وجود خارجى لأنهار مغصوبة و تحقق وضوء المتشرعة منها فى كل عصر إلى أن يصل بزمان المعصوم عليه السلام حتى يكشف عن الجواز، و تحقق السيرة في الأنهار المغصوبة لم يثبت.

و مع الشك فى الجواز هل يجوز التمسك بالجواز السابق بالاستصحاب لو شك فى تحقق السيرة بعد الغصب أم لا؟ يأتي الكلام فيه في الصورة الثانية.

الصورة الثانية: إذا غصبها غاصب و غيّر مجراها،

فهل يجوز التصرف لغير الغاصب مع فرض تغيير مجراها بيد الغاصب أو لا؟ فهل نقول بالجواز لوجود السيرة و لو ارتكازا أو نقول بعدم الجواز لعدم تحقق السيرة؟

أقول: القول بتحقق السيرة حتى في هذه الصورة مشكل، و مع الشك كون المحكم عموم عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه فالأحوط عدم الجواز في

______________________________

(1) الآملى، مصباح الهدى، ج 3، ص 377.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 54

الصورة الثانية أعنى: صورة تغيير المجرى بيد الغاصب.

و أمّا استصحاب الجواز السابق فيما إذا كانت الحالة السابقة الجواز، مثلا كان مأذونا سابقا من قبل المالك، ثم شك في الزمان اللاحق في بقاء إذنه.

فقال بعض شراح العروة: بأن الاستصحاب محكوم بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه.

و قال بعض شراحها: بعدم كون استصحاب بقاء جواز التصرف محكوما بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه، و ذلك لكون تصرفه قبل الغصب محكوما بالجواز فيستصحب.

أقول: الظاهر عدم مجال لجريان الاستصحاب أمّا أوّلا فلان منشأ جواز التصرف قبل تغيير المجرى كان هو السيرة فخصص عموم عدم جواز التصرف بالسيرة، و حيث إنّ السيرة من المخصصات اللبّية، و قلنا

بأنّه كلما يكون المخصص لبيّا يكون المرجع في مورد الشك في زيادة التخصيص- سواء كان الشك من جهة الشبهة في المفهوم أو في المصداق- هو العام، فلا وجه لاستصحاب حكم المخصص.

و أمّا ثانيا حيث يكون الشك في المورد من الشك في الأقل و الأكثر، أعنى:

يكون منشأ الشك الشك في شمول التخصيص للأكثر مع تيقن شموله للأقل، لأنّ الشك يكون في أنّ السيرة القائمة على جواز التصرف في الماء بالشرب و الوضوء الشاملة لصورة عدم تصرف الغاصب في الأنهار هل تشمل لصورة تصرف الغاصب كما فى الصورة الأولى من المسألة الرابعة أو لا تشمل لها.

و كذلك لا إشكال في أنّ السيرة جارية فيما لا يتصرف فيها الغاصب و لا يغيّر مجراها مسلما و يكون الشك في أنّ السيرة قائمة على صورة تصرف الغاصب و تغيير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 55

مجرى النهر أولا كما في الصورة الثانية في هذه المسألة.

فيكون الشك في المخصص شكا فى الأقل و الأكثر و قد عرفت فى مبحث العام و الخاص أنّ الشك إذا كان لأجل دوران المخصص بين الأقل و الأكثر يكون العام محكّما في مورد الشك سواء كان المخصص لفظيا أو كان لبيّا، فعلى هذا يكون في المقام عموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه محكّما فلا يجوز التصرف.

المسألة الخامسة: هل يجوز التصرف بالشرب و الوضوء من الأنهار الكبار لمن يكون غاصبا

و كذا لأتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و غيرهم ممن يتصرف بتبعية الغاصب أو لا؟

الحق عدم الجواز لعدم قيام السيرة على جواز تصرفهم، و فقد دليل آخر يدل على الجواز.

المسألة السادسة: هل يجوز الوضوء في الأراضى الوسيعة
اشارة

و غيره من التصرفات كالجلوس و النوم و نحوهما أم لا؟

اعلم أن للمسألة صورا:

الصورة الاولى: ما إذا لا يعلم برضى مالكيها

و لا يعلم بوجود الصغير أو المجنون بين المالكين، ففي هذه الصورة يجوز هذا النحو من التصرفات لقيام السيرة المتشرعة على الجواز.

الصورة الثانية: ما إذا نهى بعض المالكين، أو كلهم،

أو علم بكراهة المالكين، أو بعضهم، فلا إشكال في عدم جواز التصرف لعموم حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه، و عدم دليل على التخصيص، لأنّ ما يمكن أن يكون مخصصا لهذا العموم ليس إلّا السيرة، و هى لا تشمل هذه الصورة لعدم تحقق السيرة عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 56

الصورة الثالثة: ما إذا ظن كراهة المالك

فقال المؤلف رحمه اللّه: الأحوط ترك التصرف في هذه الصورة.

أقول: الظن إن كان معتبرا فهو بحكم العلم، فلا يجوز التصرف لعدم السيرة فلا وجه لقوله: الأحوط الترك.

و إن كان الظن الغير المعتبر فيمكن أن يقال: حيث لم يتحقق السيرة بجواز التصرف لا يجوز التصرف أيضا، و لا وجه لقوله: الأحوط لأنّه مع الشك في تحقق السيرة فعموم حرمة التصرف فى مال الغير بغير إذنه محكم.

الصورة الرابعة: صورة عدم العلم بكراهة المالكين

في التصرف لكن تارة يعلم بوجود الصغير أو المجنون بينهم، فكما قلنا في الأنهار الكبار لا يجوز التصرف لعدم السيرة في جواز التصرف مع وجود واحد منهما بين المالكين.

و تارة لا يعلم بوجودهما بينهم، ففي هذه الصورة يجوز التصرف لوجود السيرة كما مر فى التصرف في الأنهار الكبار.

الصورة الخامسة: قال المؤلف رحمه اللّه

(لكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال ليس للمالك النهى أيضا).

و غرضه جواز التصرف في بعض الأقسام من الأراضى المتسعة حتى مع نهى مالكيها، و هو بعض الأراضى المتسعة اتساعا عظيما كما حكي عن صاحب الجواهر رحمه اللّه القول به بحيث يتعذر أو يتعسر اجتناب الناس عنها مع نهى مالكيها.

فأقول: بأنه إن كان النظر في جواز التصرف حتى مع نهى مالكيها إلى قيام السيرة على جوازه فهو غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم، لعدم وجود السيرة مع نهى المالك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 57

و إن كان النظر في الجوار من باب العسر و الحرج عن الاجتناب، فدليل العسر و الحرج لا يقتضي إلّا رفع الحكم الثابت في مورد هما، لا حلية التصرف في مال الغير مطلقا.

***

[مسئلة 8: الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلى فيها أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها إلّا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد فانّ ذلك يكشف عن عموم الاذن، و كذا الحال في غير المساجد و المدارس كالخانات و نحوها.

(1)

أقول: اعلم أنّ كيفية وقف الحياض الواقعة في المساجد و المدارس و غيرهما تارة يكون معلومة من حيث الاختصاص بطائفة خاصة و عدم اختصاصها، فلا إشكال في عدم الجواز في صورة الاختصاص لغير المخصوصين، و الجواز في صورة عدم الاختصاص.

و تارة لا يعلم كيفية الوقف من حيث اختصاصها ببعض دون بعض و عدم اختصاصها، و في هذه الصورة ليس الكلام في صورة إذن المتولى لأنّ أمرها بيده فهو المالك إلّا إذا علم كون

إذنه على خلاف الواقع، بل الكلام في غير صورة إذن المتولى و الكلام في هذه الصورة مرة فى فرض جريان العادة بالوضوء منها ممن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 58

يكون له المبالات و الاعتناء بموازين الشرعية مع عدم منع أحد من الوضوء منها فيجوز الوضوء في هذه الصورة لأنّ هذا كاشف عن عموم الاذن.

و اخرى لا يكون كذلك، فهل يجوز الوضوء من الحياض الواقعة فيها أو لا؟

و

ما يمكن أن يتمسك به على عدم الجواز امور:
الأوّل: ما رواه محمد بن الحسن و على بن محمد جميعا عن سهل

عن أحمد بن المثنّى عن محمد بن زيد الطبرى قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الاذن في الخمس، فكتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّ اللّه واسع، كريم ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ، لا يحل مال إلّا من وجه أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا (أموالنا) و ما نبذله و نشترى من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لانفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفى للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام «1».

فهذه الرواية تدلّ على عدم حلّية مال إلّا من حيث أحلّه اللّه، فلا بد في جواز التصرف في الأموال الغير المتعلقة للشخص من كشف كونه مما أحلّه اللّه، فلا يجوز فيما لا يعلم ذلك، فلا يجوز الوضوء من الحياض الواقعة في المساجد و غيرها إلا إذا عرف حليّته، و مع الشك فى ذلك لا يجوز التصرف.

و فيه- مضافا إلى ضعف سند الرواية من حيث احمد

بن المثنى الّذي هو غير مذكور في الرجال و من حيث كون محمد بن زيد الطبرى مجهولا كما قيل إن لم نقل في

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 59

سهل لما قيل من الأمر في سهل سهل-

أنّ الرواية تكون في مقام بيان الحكم الواقعى، و هو عدم حلية الأشياء واقعا إلّا من وجه أحلّه اللّه.

و هذا لا ينافى مع كون الحكم الظاهرى فيما جهل حليته و حرمته من باب الشك في أنّه مما أحلّه اللّه أم لا هو الحلية، فما يأتي بالنظر عدم كون الرواية منافية مع أصالة حلية الأشياء عند الشك حتى في الأموال، فالتمسك بالرواية على كون الأصل في الأموال في صورة الشك في الحلية هو الحرمة لا وجه له.

و أمّا التمسك برواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده أمانة فيؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه «1».

و ما رواها في تحف العقول عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في خطبة الوداع: أيّها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحل لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه «2».

و ما رواه أبو الحسين محمد بن جعفر الاسدى قال: كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمرى قدس اللّه روحه في جواب مسائلى إلى صاحب الدار عليه السلام و أمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من

أموالنا (إلى أن قال) و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التى لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر و تقربا إليكم فلا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا الخ «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 60

فلا وجه له لأنّه بعد فرض كون المسجد و المدرسة و غيرها وقفا، فلا يكون مال أحد، فيكون مورد الوقف خارجا عن مورد الروايات و مما بينا ظهر لك عدم صحة الاستدلال باستصحاب جواز التصرف قبل الوقف لو كان جائز التصرف، لأنّه بالوقف خرج عن ملكية المالك، فلا معنى لاستصحاب جواز السابق الّذي كان متفرعا على ملكه.

الثاني: ما رواه محمد بن على بن الحسين

باسناده على محمد بن الحسن الصفار أنّه كتب إلى أبي محمد الحسن بن على عليهما السلام في الوقف و ما روى فيه (الوقوف و ما روى فيها) عن آبائه عليهم السلام، فوقّع عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إنشاء اللّه «1» (و كذا ما رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبى محمد عليه السلام فى الوقوف و ما روى فيها، فوقّع عليه السلام: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء اللّه).

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة و على كل حال يدّعى أن المستفاد منهما توقف جواز التصرف في الوقف على أن

يكون على طبق ما أوقفه أهله، فلا بدّ من فهم كون التصرف في حدود ما أوقفه أهله، فمع الشك في كونه مواقفا له أولا لا يجوز التصرف.

و فيه أنّ مقتضى الخبرين كون التصرفات جائزة على حسب ما يوقفه الواقف فإن كان الوقف بنحو العموم لكان الوضوء جائزا، و إن كان بنحو خاص- مثل كونه لأشخاص خاصة، مثلا ساكنى المدرسة- لا يجوز الوضوء، و مع الشك لا يمكن التمسك بالعموم الوارد في الخبرين لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من العام، و لا يكون العام حجة فيها مسلّما.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 61

الثالث: الاستصحاب بمعنى استصحاب عدم جعل الوقف بنحو العموم،

و أثره عدم حلية الوضوء لمن شك في جوازه.

و فيه أنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم جعل الوقف بنحو الخاص و لاشخاص مخصوصين، و أثره حلية تصرف العموم بالوضوء في الحياض الواقعة في المساجد و غيرها.

فتلخص أنّه فيما لا يعلم كيفية الوقف لا دليل على عدم جواز الوضوء لأصالة الحلّية.

نعم إذا كانت هذه التصرفات مزاحمة لحق الموقوف عليهم الثابت اختصاصه بهم، أو لهم الاولوية بحسب الوقف، لا يجوز ذلك لعدم جواز مزاحمتهم بحسب الوقف و إنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

***

[مسئلة 9: إذا شق نهر أو قنات من غير إذن مالكه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا شق نهر أو قنات من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الّذي فى الشق و إن كان المكان مباحا أو مملوكا له، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق و توضأ في مكان آخر و أن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة.

(1)

أقول: لعدم وجود السيرة على جواز الوضوء كما عرفت في المسألة 7.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 62

[مسئلة 10: إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه و إن لم يغصب الماء، ففي بقاء حق الاستعمال الّذي كان سابقا من الوضوء و الشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال، و إن كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير و أمّا ما قبله و ما بعده فلا إشكال.

(1)

أقول: المفروض في المسألة صورتان:

الاولى: ما إذا غيّر مجرى نهر بغير إذن مالكه و إن لم يغصب الماء فيقع الكلام في جواز الوضوء من مكان التغيير.

قد يقال: بجواز الوضوء في هذا الصورة من باب أنّه لا وجه لعدم الجواز إلّا توهم عدم كونه من موارد السيرة، و الحال أن تغيير المجرى من دون غصب الماء لا يخرج المورد عما قامت السيرة القطعية على جوازه.

و فيه أنّ المقدار المسلّم من السيرة هو جواز الوضوء من الأنهار الكبار إذا كانت بالوضع الّذي أراد ملّاكها و لم يبلغ بها يد الغصب و العدوان، و أمّا في مورد تغيير المجرى عدوانا ما قامت السيرة على الجواز، و لا أقلّ من الشك فلا يبعد عدم الجواز في هذه الصورة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول،

1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 62

الثانية: الصورة الاولى بحالها لكن يقع الكلام في جواز الوضوء ممّا قبل مكان التغيير أو ما بعده و عدم جوازه، و في هذه الصورة يمكن القول بالجواز، لأنّ التصرف بالوضوء أو الشرب من هذا الماء في هذا المكان من المجرى كان جائزا للسيرة و تصرف الغاصب في بعض الآخر من المجرى لا يوجب ارتفاع السيرة في ما قبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 63

مورد تغيير المجرى أو ما بعده.

***

[مسئلة 11: إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثمّ بدا له أن يصلّي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه، بل هو معلوم في الصورة الثانية كما، أنّه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، و لا يجب عليه أن يصلّى فيه و إن كان أحوط، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه و التمكن منها.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلين فيه

لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر و لا يصح وضوئه، و كذا إذا توضأ و قصد عدم الصلاة في المسجد سواء قصد الصلاة في مكان آخر أو لا، و كذا إذا توضأ و قصد غاية اخرى من غايات الوضوء، ففى كل الصور لا يجوز الوضوء.

أمّا عدم لجواز تكليفا بمعنى كونه حراما، فلأنّ الوضوء على الفرض تصرف في الوقف على خلاف ما أوقفه واقفه، فيكون حراما.

و أمّا الحرمة الوضعية أعنى بطلان الوضوء، فلما عرفت من عدم صلاحية فعله لان يتقرب به مع علمه باختصاص الحوض بمن يصلّى في المسجد بحسب وقفه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 64

فيفسد وضوئه.

المسألة الثانية: ما إذا توضأ بقصد الصلاة في المسجد

ثم بدا له أن يصلّى في مكان آخر، فالظاهر صحة وضوئه و عدم بطلانه، و صحة الصلاة الواقعة معه في مكان آخر.

أمّا صحة وضوئه فلكون فعله مقرّبا، و يصح أن يتقرب به، و قد وقع مع قصد التقرب فوقع صحيحا.

و أمّا صحة الصلاة الواقعة معه فلأنّ شرط الصلاة الطّهارة، و على الفرض حصلت الطّهارة بالوضوء، و وقعت الصلاة مع الطّهارة.

(ثم إنّ دخل قصد الصلاة فى الوضوء ليس من باب القول بالمقدمة الموصلة حتى يتوهم أنّه على القول بها لا يصح الوضوء و لا يصح الصلاة الواقعة معه فى غير المسجد، بل يكون من باب أنّه بعد انحصار وقف الحوض بخصوص المصلين يكون التصرف لغيرهم غصبا، فلا بد من قصد الوضوء للصلاة فى المسجد حتى يصح الوضوء و يكون مقرّبا، لأنّه على القول بالمقدمة الموصلة تكون المقدمة واجبة بقيد الايصال، أو إذا اراد الايصال، أو مع قصد الايصال بذى المقدمة، سواء كان ايجاد المقدمة بغصب أو مباح، فهو غير مربوط بالمقام).

المسألة الثالثة: إذا توضأ بقصد الصلاة في المسجد،

ثم بعد الوضوء لم يتمكن من الصلاة فيه، فالظاهر صحة وضوئه و عدم بطلانه لعين ما قلنا في الصورة الثانية و الظاهر عدم الفرق بين الصورة الثانية و الثالثة.

فما قاله المؤلف رحمه اللّه (فالظاهر عدم بطلان وضوئه، بل هو معلوم في الصورة الثانية) و نظره الفرق بين الصورتين من حيث استظهار البطلان بأنّه في الاولى ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 65

و فى الثانية معلوم.

لا وجه له لأنّ كليهما مثلان من حيث صحة الوضوء بنظر الدليل.

المسألة الرابعة: إذا توضأ من الحوض الوقف المختص بالمصلين في المسجد

من لا يريد الصلاة في المسجد غفلة عن اختصاص ماء الحوض بمصلى المسجد، أو باعتقاد عدم اشتراط كون المتوضى يصلّى في المسجد، ثم بعد الوضوء التفت إلى ذلك، فهل يصح صلاته مع هذا الوضوء في غير هذا المسجد أو لا؟

الظاهر كون هذه المسألة مثل سابقها في الحكم لأنّ وضوئه وقع لأجل غفلته عن الاشتراط أو اعتقاده عدم الاشتراط صحيحا، فلا مانع من الصلاة معه فى غير هذا المسجد و يصحّ صلاته.

بل يمكن أن يقال: بأنّ هذه الصورة أولى بالصحة من الصورتين السابقتين لأنّ في هذه الصورة لا يكون النهى عن الغصب فعليا لأجل غفلته، أو اعتقاده عدم الاشتراط، بخلاف الصورتين السابقتين لكون النهى عن التصرف فعليا.

***

[مسئلة 12: إذا كان الماء في الحوض و ارضه و اطرافه مباحا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان الماء في الحوض و ارضه و اطرافه مباحا لكن في بعض اطرافه نصب آجر أو حجر غصبى يشكل الوضوء منه مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا.

(1)

أقول: بعد ما يكون المنهى عنه التصرف في الغصب، ففي كل مورد يصدق عرفا أنّ الوضوء تصرف في المغصوب لا يصحّ الوضوء، و أمّا إذا لم يصدق التصرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 66

فيصح الوضوء.

و ليس مجرد نصب آجر أو حجر في بعض أطراف الحوض مطلقا موجبا لكون الوضوء من الحوض غير جائز، بل يدور مدار صدق التصرف و عدمه.

***

[مسئلة 13: الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا مشكل بل لا يصح لأنّ حركات يده تصرف في مال الغير.

(1)

أقول: قد عرفت في طى الشرط الرابع في المسألة الثالثة التي انعقدناها ها أنّه قد يقال بعدم اشتراط إباحة الفضاء في الوضوء.

إمّا بدعوى أن مجرد حركة اليد في الفضاء ليس تصرفا في فضاء الغير.

و قلنا في جوابه بأنّ حركة اليد في فضاء الغير يعدّ تصرفا فيه.

و إمّا بدعوى أنّ التصرف في الفضاء غير متحد مع الوضوء، لأنّ حقيقة الوضوء هي الغسل و المسح، و الغسل عبارة عن جريان الماء على المحلّ و هو غير متحد مع التصرف في الفضاء.

نعم في خصوص المسح إن كان الفضاء منحصرا بالمغضوب يحرم المسح لكونه مقدمة منحصرة للمسح من باب أنّ حقيقة المسح إمرار الماسح على الممسوح، و هو محتاج إلى الفضاء، فلا يكون المسح مأمورا به، و لا فيه ملاك الأمر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 67

و قلنا في جوابه بأنّ الغسل عبارة عن إجراء الماء على المحلّ

و إجراء الماء على محل الوضوء متحد مع الفضاء المغصوب.

فتكون النتيجة اشتراط إباحة الفضاء الّذي يقع فيه الوضوء.

***

[مسئلة 14: إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

لأنّه تارة يكون تحريك المغصوب بالوضوء من باب المقارنات الاتفاقيّة بدون كون الوضوء سببا، ففي هذه الصورة لا وجه لبطلان الوضوء.

لعدم كون الوضوء متحدا معه بحيث يقال بالحمل الشائع: إنّ الفعل الواحد وضوء و غصب، و لا من باب كون الوضوء مقدمة له.

و تارة يكون الوضوء سببا لتحريك المغصوب فيكون الوضوء مقدمة له، و في هذه الصورة مرة يكون الوضوء مقدمة منحصرة له، فيبطل الوضوء لكونه علة للحرام، و ليس في الموارد أمر بالوضوء و لا ملاك المحبوبية له، فلا يقع متصفا بالصحة كما قلنا في اشتراط كون مصب ماء الوضوء مباحا.

و اخرى لا يكون الوضوء مقدمة منحصرة لتحريك المغصوب، فكما عرفت يصح الوضوء و إن لم يكن مأمورا به لوجود الملاك و هو كاف.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 68

[مسئلة 15: الوضوء تحت الخيمة المغصوبة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفا فيها كما في حال الحرّ و البرد المحتاج إليها باطل.

(1)

أقول: المستفاد من كلام المؤلف رحمه اللّه دوران بطلان الوضوء و عدمه مدار عدّه تصرّفا في الخيمة المغصوبة و عدمه، فيظهر منه أنّ مجرد الانتفاع عن الخيمة المغصوبة يكون موجبا لبطلان الوضوء و هل يكون مطلق الانتفاع بمال الغير حراما أم لا، فهو ساكت عنه.

فبناء عليه ما ينبغى أن يتكلم فيه موضعان:

الموضع الأوّل: في أن حرمة مال الغير هل يكون بالتصرف فيه،

و بعبارة بعض بالاستيلاء على مال الغير، مثل أن يأخذ ملك الغير عنده و يتصرف فيه ما شاء.

أو يكون بمجرد الانتفاع بمال الغير و إن لم يكن تصرفا، مثل الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بمصباح الغير، فهو انتفاع عن مال الغير لكن لا يكون تصرفا في ماله، و لا استيلاء عليه.

قد يقال: بأنّه يظهر من الروايات الثلاثة- التى ذكرناها في طى المسألة 8 المستدل بها على عدم جواز الوضوء من الحياض الواقعة في المساجد و غيرها إذا لم يعلم كيفية وقفها من حيث اختصاصها بطائفة خاصة و عدم اختصاصها- أنّ المحرم هو التصرف في مال الغير، و ليس مجرد الانتفاع فيما لا يكون تصرفا في المال عرفا حراما لأنّ بعضها نص في عدم حليّة التصرف في مال الغير مثل التوقيع الشريف لأنّ فيه قال روحى فداه: (فلا يحلّ أن يتصرف فى مال غيره).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 69

و بعضها ظاهر في ذلك مثل رواية سماعة (لا يحلّ دم امر سلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه).

و المروى عن تحف العقول (و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه).

و قد يقال: إنّ الظاهر من عدم حلية

مال الغير بغير إذنه هو التصرف فيما له من التصرف في ماله بمقتضى سلطنة التي يكون للمالك عليه، فيشمل المال الأعيان و المنافع، فكما لا يجوز التصرف في عين مال الغير لا يجوز التصرف في منفعة من منافع الغير لأنّها أيضا مال عند العرف.

فتلخص أنّ الحرمة المتعلقة بمال الغير تدور مدار صدق التصرف، فكلّ ما يكون عند العرف تصرفا في مال الغير يكون محرّما.

و من يقول بأن الاستيلاء على المال محرم إن أراد ذلك لأنّه مع التصرف يصدق الاستيلاء فهو، و إن أراد معنى آخر فلم أر لاعتباره في صدق الحرمة وجها.

كما أنّه يظهر أنّ مجرد الانتفاع عن مال الغير فيما لا يكون تصرّفا فيه لا يكون محرما لعدم الدليل عليه، مضافا إلى أنّ الضرورة بخلافه في بعض الموارد، فلا يعدّ الاستظلال بجدار الغير تصرفا في مال الغير، هذا كله في الموضع الأوّل.

الموضع الثاني: يقع الكلام في أنّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة مع عدم كون المكان غصبا،

من باب أنّه يعدّ تصرفا في الخيمة يكون الوضوء حراما و باطلا، أو من باب أنّه تصرف في منافع الخيمة، و التصرف في المنافع مثل التصرف في العين حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، و باطل لكون وضوئه متحدا مع الغصب، فليس وضوئه قابلا لان يتقرّب به فيبطل وضوئه.

أولا يعدّ تصرفا لا فى الخيمة و لا في منافع الخيمة، أو يفصّل بين زمان الحرّ أو البرد، فيقال، الوضوء تحتها تصرف كما عن المؤلف رحمه اللّه، و بين غير هذا الزمان، فيقال:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 70

ليس الوضوء تصرفا في الخيمة.

قد يقال بالثانى لأنّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة لا يعدّ عند العرف تصرفا لا في الخيمة و لا في منافعها.

أمّا في نفس الخيمة فلأنّ من تمكن تحت الخيمة يتصرف

في أرض الخيمة و فضائها، و لا يتصرف في نفس الخيمة و لا استيلاء له عليها، نعم ينتفع بها، و لا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير.

و أمّا منافع الخيمة فالاستيلاء و التصرف في المنافع يحصل بتبع الاستيلاء و التصرف في العين، و بعد عدم كون الوضوء تحت الخيمة، و هي العين، تصرفا في الخيمة فلا يكون تصرفا في منافع الخيمة أيضا.

و مما مرّ يظهر عدم الفرق بين حال البرد و الحرّ و بين غير هذا الحالين لأنّه في كل من الفرضين لا يكون الوضوء تصرفا.

نعم يكون انتفاعا من الخيمة، و مجرد الانتفاع لا يعد تصرفا، و لا استيفاء منفعة من منافعها.

أقول: و عندى فيما قاله نظر إذ مرة نحن نقول: بعدم فرض تصرف عرفى للخيمة أصلا فيمكن الالتزام بما قاله من عدم كون الوضوء تصرفا.

و لكن كيف يمكن القول به إذ الخيمة مثل ساير الأعيان تكون معدة للاستفادة و التصرف فيها، فاذا غصبها غاصب فقد غصب مالا، و غصبه بأنّ يتصرف فيها تصرفا يكون من شأنها، و شأن التصرف في الخيمة ليس إلّا بالتمكن تحته و المعاملة معها معاملة البيت، فلو وقع الغاصب تحتها يعدّ عرفا متصرفا في الخيمة، فعلى هذا يكون الوضوء من التصرفات، فيكون حراما و يوجب بطلان الوضوء، هذا ما يأتي عاجلا بنظرى القاصر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 71

و ليس ذلك مجرد الانتفاع، بل يعدّ تصرفا، و لهذا لا فرق بين حال الحرّ و البرد و بين غيره في كون الوضوء و الأفعال الواقعة تحتها تصرفا في الخيمة، فتلخص أنّ القول ببطلان الوضوء يكون أرجح.

***

[مسئلة 16: إذا تعدّى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا تعدّى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى

المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه.

(1)

أقول: إذ لا وجه لعدم الجواز، فهو ماء مباح يجوز الوضوء منه و إن تعد بنفسه عن المكان المغصوب إلى المكان المباح.

***

[مسئلة 17: إذا اجتمع ماء مباح كالجارى من المطر في ملك الغير]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا اجتمع ماء مباح كالجارى من المطر في ملك الغير إن قصد المالك تملّكه كان له و إلّا كان باقيا على أباحته، فلو أخذه غيره و تملّكه ملك، إلّا أنّه عصى من حيث التصرف في ملك الغير، و كذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد و ما اطارته الريح من النباتات.

(2)

أقول: أمّا فيما إذا اجتمع الماء المباح كالجارى من المطر في ملك شخص، فهل يكون الماء لمالك الملك إذا قصد تملّكه أم لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 72

اعلم أنّ له صورتين:

الاولى: أن يجعل ملكه

لأن يصير وعاء الماء و هيأه له بوضع حوض و مصنعة اخرى و قصد تملك الماء، فلا إشكال في صيرورته ملكا له، لأنّ حيازة الماء المباح تحصل بذلك، مثل جعل الشبكة بقصد اصطياد الصيد لحصول الحيازة بالفعل الاختيارى، و هو ما صنعه لان يقع ماء الغيث فيه مع قصده الحيازة.

الثانية: أن لا يصنع شيئا و لا يصدر منه فعل اختيارى للحيازة،

بل اجتمع الماء النازل من السماء في ملكه فقصد حيازته، فهل يحصل بذلك الحيازة، و يخرج بمجرد ذلك هذا الماء عن الحكم الأوّلى الذي يكون له من أنّ الناس أو المسلمين فيه شرع سواء أو لا؟

قد يقال «1» بكفاية ذلك في صدق الحيازة تبعا لظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه بدعوى أنّ الحيازة في المقام يحصل باجتماع الماء في ملكه، فلا يبقى لتملكه إلّا قصده، فاذا حصل القصد تحقق الملك.

و فيه: أنّ الحيازة لا بد فيها من فعل اختيارى من المحيز مع قصده من هذا الفعل الاختياري الحيازة عرفا و لا يكفى مجرد القصد، و العجب من القائل من أنّه قال: و ليس حصول الملك بقصد التملك فقط حتى يقال بعدم كفايته في صدق الحيازة.

وجه العجب أنّه مع فرض عدم صدور شي ء للحيازة منه إلّا القصد، فهل القول بحصول الحيازة ليس معناه حصولها بمجرد القصد.

نعم ربّما يقال بصيرورته ملكا له بتبع ملكه و لو بلا قصد، و لكن هذا مشكل في مثل الماء الوارد على الارض، و ليس مثل الماء النابع في ملك الشخص أو العشب النابت في ملكه فعلى هذا يبقى الماء على إباحته إلّا أن يفعل المالك بعد ذلك فعلا

______________________________

(1) التنقيح، ج 4، ص 399.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 73

يوجب حصول الحيازة مع قصد الحيازة.

أو يأخذه غيره و تملكه،

لأنّه قابل للحيازة فيصير بالحيازة ملكا للغير، و إن كان عاصيا من حيث تصرفه في ملك الغير إذا كان تصرفه بغير إذنه.

و كذا الحال في غير الماء من المباحات، فتحصل حيازتها بفعل يصدق معه الحيازة بقصد الحيازة، مثل وضع الشبكة للصيد بقصد الاصطياد، و كذا فيما أطارته الريح فى ملكه بأخذها بقصد الحيازة، و أمّا مجرد وقوعها في ملكه فحصول الحيازة بمجرده مشكل و إن قصد الحيازة.

***

[مسئلة 18: إذا دخل المكان الغصبى غفلة و في حال الخروج توضأ]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: إذا دخل المكان الغصبى غفلة و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافى فوريته فالظاهر صحته لعدم حرمته حينئذ، و كذا إذا دخل عصيانا ثم تاب و خرج بقصد التخلص من الغصب، و إن لم يتب و لم يكن بقصد التخلص ففى صحة وضوئه حال الخروج إشكال.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

اعلم أنّ المراد بالمكان كما عرفت سابقا هو الفضاء بالتفصيل المتقدم ذكره بناء على كون إباحة الفضاء شرطا كما اخترنا و بيّنا وجهه.

الاولى: ما إذا دخل الشخص المكان المغصوب لا بسوء اختياره،

مثل ما إذا كان دخوله غفلة و في حال الخروج توضأ و لا يستلزم وضوئه تصرفا زائدا، فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 74

إشكال في صحة وضوئه، لأنّه على الفرض لم يكن دخوله منهيا عنه، فلا يكون خروجه منهيا بالنهى الفعلى و لا معاقبا عليه بالنهى السابق، و يجب عليه الخروج بمعنى عدم جواز التصرف في المغضوب بالبقاء فيه، و لا يكون وضوئه مستلزما للتصرف الزائد على مقدار الخروج، فلا مانع من اتصاف الوضوء بالصحة.

الثانية: ما إذا دخل بسوء اختياره و كان عاصيا بالدخول،

لكن تاب و كان خروجه للتخلص عن التصرف الزائد في الغصب، و في حال الخروج توضأ، و لا يكون وضوئه مستلزما للتصرف الزائد، فيصح وضوئه لأنّه بعد فرض التوبة لا يكون معاقبا و عاصيا للنهى السابق لأنّ التوبة أزالت أثر النهى و هو العقاب، و كون خروجه بقصد التخلص، فلا يكون خروجه منهيا بالنهى الفعلى و لا معاقبا عليه بالنهى السابق، فلا مانع من صحة عبادته وضوءا كانت أو غيرها.

الثالثة: ما إذا دخل المكان المغصوب بسوء اختياره عصيانا و لم يتب،

و لم يكن خروجه بقصد التخلص عن الغصب و توضأ حال الخروج مع فرض عدم كون وضوئه مستلزما لتصرف زائد، فهل يصح وضوئه أو لا؟

وجه الصحة عدم حرمة الخروج بالنهى الفعلى و لا كونه معاقبا بالنهى السابق و اتصافه بالوجوب الفعلى لكون الخروج واجبا.

وجه فساد الوضوء أنّه و إن لم يكن الخروج منهيا بالنهى الفعلى، و لكن يكون معاقبا عليه و عاصيا بالنهى السابق و مبغوضا عليه، و على الفرض لم يتب حتى تؤثر فى رفع عقاب النهى السابق و مبغوضية فعله

و عدم اتصافه بالوجوب الفعلى أمّا أوّلا فلأنّه على التحقيق لا يكون الخروج واجبا حتى للتخلص، بل المحرم هو التصرف في مال الغير مطلقا، حتى لو لم يكن في البين عنوان الدخول و البقاء و الخروج، فيكون بهذه العناوين التصرف مورد النهى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 75

بل كما عرفت عن الأدلّة ليس المنهى إلّا التصرف في مال الغير، فكلما يكون تصرفا في مال الغير فهو محرّم، فالبقاء حرام لأنّه تصرف، و يجب الخروج بحكم العقل كى لا يتصرف تصرفا زائدا إلّا أن يكون التخلص واجبا بالوجوب الشرعى.

و أمّا ثانيا في فرض كون التخلص واجبا لا يكون على الفرض خروجه

بقصد التخلص، فلا يكون واجبا، فلا يصح الوضوء في هذه الصورة.

الرابعة: ما إذا دخل عصيانا و بسوء اختياره، ثم تاب

و كان خروجه بعد التوبة، لكن لا بقصد التخلص، فهل يصح وضوئه حين الخروج مع عدم استلزامه تصرفا زائدا أو لا؟

الحق صحة وضوئه لأنّه على الفرض لا يكون الخروج منهيا بالنهى الفعلى و لا يكون معاقبا عليه و مبغوضا لأنّه تاب، و الخروج لا يوجب التصرف، فلا يكون الفعل مبغوضا، فيصح أن يتقرب به فيصح وضوئه.

الصورة الخامسة ما إذا دخل عصيانا و بسوء الاختيار و بعد الدخول لم يتب و لكن يكون خروجه بقصد التخلص عن الحرام، و يتوضأ حين الخروج و ليس وضوئه مستلزما لتصرف زائد، فهل يصح وضوئه أولا؟

الحق عدم صحة وضوئه لأنّه و إن لم يكن الخروج منهيا بالنهى الفعلى، لكن يكون معاقبا بالنهى السابق و مبغوضا عليه، و لم يتب على الفرض حتى تزيل المبغوضية.

و لا يكون التخلص واجبا لما قلنا من عدم كون التخلص واجبا بالوجوب الشرعى حتى يقال: إنّ طرّ و عنوان آخر و هو التخلص المأمور به يوجب رفع المبغوضية و صيرورة الفعل أعنى: الخروج حسنا.

لما قلنا من عدم كون التخلص واجبا إلّا من باب كونه مقدمة لرفع التصرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 76

الزائد فيحكم العقل بوجوبه، و ليس فيه ملاك آخر، فالحق في هذه الصورة عدم صحة الوضوء.

***

[مسئلة 19: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح فإن أمكن ردّه إلى مالكه و كان قابلا لذلك لم يجز التصرف فى ذلك الحوض، و إن لم يمكن ردّه يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه لأنّ المغصوب محسوب تالفا، لكنه مشكل من دون رضى مالكه.

(1)

أقول: المفروض للمسألة صورتان:

الاولى: ما إذا وقع الماء المغصوب في الحوض المباح و يمكن ردّه إلى

مالكه يجب ردّه، و لم يجز التصرف في الحوض قبل ردّ المغصوب.

الثانية: الصورة بحالها و لكن لا يمكن ردّه، فهل يكون بحكم التالف و انتقال ضمانه بالمثل أو القيمة، و يجوز التصرف فيه بدون رضى المالك.

أو لا يكون كذلك، بل هو باق على ملك مالكه و يصير شريكا في مجموع ماء الحوض بنسبة مائه من باب أن التلف يفرض في غير المتماثلاث و أمّا في المتماثلات فتكون الشركة و المختار الشركة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 77

[الشرط الخامس: أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أوانى الذهب او الفضة]

اشارة

الشرط الخامس: أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أوانى الذهب او الفضة و إلّا بطل سواء اغترف منه أو أداره على أعضائه، و سواء انحصر فيه أم لا، و مع الانحصار يجب أن يفرغ مائه في ظرف آخر و يتوضأ به، و إن لم يمكن التفريغ إلّا بالتوضؤ يجوز ذلك حيث إنّ التفريغ واجب، و لو توضأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة صحّ كما في الآنية الغصبية، و المشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه كما يجوز ساير استعمالاته.

(1)

أقول: مرّ الكلام في الوضوء و الغسل من أو انى الذهب و الفضة في طى مسئلة 13 من المسائل المتعلقة بالأوانى فراجع، و نقول هنا بنحو الاختصار بعونه تعالى:

إنّ الوضوء أو الغسل من آنية الذهب و الفضة يفرض له صور، لأنّه تارة يمكن تفريغ الماء من آنيتهما في ظرف آخر، و تارة لا يمكن ذلك، و في كل منهما، مرة يكون الماء منحصرا بما في الآنية من أحدهما، و اخرى لا يكون منحصرا بما فيهما،

فالصور أربع، فنقول بعونه تعالى:
الصورة الاولى: و هى ما يمكن تفريغ الماء من الآنية

من الذهب أو الفضة في وعاء و ظرف آخر و لا يكون الماء منحصرا بما في الآنية، فالكلام يقع تارة في صحة الوضوء و عدمها، و تارة في جواز التفريغ و عدمه.

أما الكلام في صحة الوضوء و عدمها فلا إشكال في صحة الوضوء من الماء بعد تفريغه عن الآنية لواجدية الوضوء للشرائط و فاقديته للموانع، سواء كان الوضوء من الظرف المباح الواقع فيه ماء الآنية بالارتماس، أو بالاغتراف، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 78

بالصب على مواضع الوضوء، و إن كان التفريغ من آنية الذهب و الفضة حراما في بعض الصور كما يأتي إنشاء اللّه.

و أمّا الكلام

في جواز الافراغ و عدمه، فنقول بعونه تعالى: بأنّه كما بينّا في الأوانى بعد كون إبقاء الماء استعمالا لآنية الذهب و الفضة، فيكون الافراغ واجبا مقدمة إن كان ايقاع الماء في الانية بفعله و لو كان على غير وجه المحرم، مثل ما أوقع الماء فيها غفلة، و خصوصا إن كان ايقاعه بسوء اختياره و عصيانه، فيجب عليه الافراغ، نعم لو لم يجب عليه الافراغ مثل ما كان ايقاعه بفعل غيره، و قلنا بأنّ افراغ الماء عن آنيتهما نحو استعمال لهما يكون الافراغ حراما.

الصورة الثانية: الصورة الاولى بحالها و لكن يكون الماء منحصرا بما في الآنية.

فحكمها حكم الصورة السابقة من حيث صحة الوضوء بعد الافراغ و وقوع الماء في الظرف المباح من باب أنه بعد الا فراغ يكون واجد الماء، فيصح وضوئه لكون فعله مقربا إلّا أن يقال: إنّ حكمها حكم الصورة الثالثة من أنّه بعد كون المقدمة منحصرة لا يكون امر و لا ملاكه فى الوضوء فيبطل الوضوء.

و كذا من حيث جواز الافراغ و عدمه.

الصورة الثالثة: ما إذا لا يمكن إفراغ الماء من آنيتهما في ظرف آخر

و كان الماء منحصرا بما في الآنية، فهل يجوز الوضوء من هذا الماء أم لا؟

الأقوى بطلان الوضوء فى هذه الصورة سواء كان بالارتماس في الآنية أو بالاغتراف عنها بيده و صبه بواسطة يده على مواضع الوضوء أو بصب الماء بسبب الآنية على محل الوضوء و مواضعه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 79

لأنّه بعد كون مقدمة الوضوء منحصرة، لانحصارها بما في الآنية منهما، يكون فاقد الماء، فينتقل تكليفة إلى التيمم، و ليس امر متعلقا بالوضوء و لا فيه ملاك الأمر، فلا يكون الوضوء مقربا.

نعم، فيما إذا كان تخلص الآنية من الذهب و الفضة عن الماء واجبا مثل ما إذا كان ابقاء الماء فبها بفعله كما بينا فى الصورة الاولى، و كان إبقاء الماء فيها استعمالا لها، و لا يمكن إفراغ منها إلّا بالاغتراف و لو تدريجا، أو بصب الماء منها على مواضع الوضوء، بل و إن لم يمكن الّا بالرمس فيها و الوضوء ارتماسا، يصح الوضوء حتى فى صورة الانحصار.

و قد يقال بصحة الوضوء في هذه الصورة و إن كان الاغتراف حراما من باب الترتب كما في النتقيح «1» بدعوى كون الترتب على القاعدة. (فيمكن تصحيح العبادة بالترتب حتى مع عدم كشف الملاك خلافا للعلامة النائينى قدس سره استاد العلامة الخوئى الّذي

يكون التنقيح من تقريراته، و نحن حيث يكون لنا الاشكال فى أصل صحة الترتب لم نتعرض له).

الصورة الرابعة: الصورة الثالثة بحالها

و لكن لا يكون الماء منحصرا بما في آنية الذهب و الفضة و في هذه الصورة نقول بعونه تعالى:

أما الوضوء بنحو الارتماس في آنية أحدهما فباطل لكونه من صغريات اجتماع الأمر و النهى، و لا يكون الفعل قابلا لأن يتقرب به، فلا يقع صحيحا إلّا فيما إذا كان تفريغ الماء واجبا و لم يمكن إلّا بالوضوء فيها ارتماسا.

و أمّا بنحو الاغتراف فيصحّ الوضوء سواء كان إفراغ الماء واجبا أو حراما،

______________________________

(1) التنقيح، ج 3، ص 337.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 80

و سواء كان بالاغتراف الدفعى أو التدريجى، لأنّ الاغتراف لا يكون محرما كما عرفت في الصورة الاولى في بعض الصور.

و إن كان محرّما كما يفرض في بعض الصور فحيث لا يكون الغسل و المسح الوضوئي متحدا مع الاغتراف، فلا يكون الوضوء باطلا من حيث كونه صغرى الاجتماع.

و حيث إنّ الاغتراف عن الآنية و إن كان مقدمة للوضوء لكن ليس مقدمة منحصرة فلا يوجب حرمة المقدمة إلّا عدم اتصافه بالوجوب المقدمى للوضوء، لكن الأمر بذى المقدمة و هو الوضوء باق بحاله، فيقع الوضوء صحيحا و إن أتى به المكلف في ضمن المقدمة المحرمة.

و أمّا بنحو الصب عن الآنية منهما في مواضع الوضوء فحيث إنّ الوضوء غير متحدّ مع الحرام و صب الماء مقدمة للغسل لا نفس الغسل لأنّه يصبّ الماء على المحل ثم يغسل به مواضع الوضوء، فلا يكون الوضوء باطلا و إن كان تفريغ الآنية حراما فى بعض الصور كما أنه يكون واجبا فى بعض صور غصبيتها.

ثم إنّه كلما قلنا من الصور فى الوضوء من

الماء المغصوب يجرى فيما كان الوضوء من الآنية المصنوعة من الذهب و الفضّة، فاذا كان عالما فقد عرفت حكم الوضوء من حيث الصحة و الفساد و قلنا بالفساد، و أمّا إن كان الوضوء عنهما جهلا بالموضوع أو نسيانا أو غفلة أو جهلا بالحكم إذا كان عن قصور صح وضوئه، ثم إنّه يجوز الوضوء فى الآنية المشكوكة من الذهب و الفضّة أو عن غيرهما كما يجوز غير الوضوء من ساير الاستعمالات.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 81

[مسئلة 20: إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيته، أو كونها من الذهب أو الفضة ثم تبيّن عدم كونها كذلك، ففي صحة الوضوء إشكال، و لا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة.

(1)

أقول: بعد ما لا إشكال فى أنّ صحة العبادة تتوقف على كون العمل قربيا يصح أن يتقرب به و أن يكون الفاعل ممن يتمشى منه قصد القربة، فعلى هذا نقول في فرض المسألة: من أن الوضوء و إن كان واقعا مما يمكن التقرب به، و لكن الفاعل باعتقاده غصبية الآنية أو كونها من الذهب أو الفضة فيعتقد كون استعمالها بالوضوء مبعّدا للمولى، فلا يمكن منه قصد التقرب و لا تتمشّى منه قصد القربة، و لو فرض تمشى قصد القربة فيصح الوضوء، فما قال المؤلف قدس سره من الاشكال الشامل لصورة عدم تمشى قصد القربة فى غير محله، لأنّه فى هذا الفرض يكون الوضوء باطلا بلا إشكال.

و اعلم أنّ مفروض الكلام فيما يكون الوضوء من الآنية حراما إن كانت مغصوبة، أو من الذهب أو الفضة، و قد مضى تفصيله فراجع.

***

[الشرط السادس: أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث]

اشارة

الشرط السادس: أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث و لو كان طاهرا مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المقدمة، و لا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب على الأقوى حتى مثل وضوء الحائض، و أمّا المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 82

إشكال في جواز التوضؤ منه، و الأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر و إن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر، و أمّا المستعمل في الأغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضا.

و المراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجارى

على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان، و أمّا ما ينصبّ من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل، و كذا ما يبقى في الاناء و كذا القطرات الواقعة في الاناء و لو من البدن.

و لو توضأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل، و لو توضأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالاعادة.

(1)

أقول: تقدم الكلام في المسألة في فصل الماء المستعمل، و نقول هنا بنحو الاختصار: إنّ الكلام يقع في مقامين:

[المقام] الأوّل: فى جواز الوضوء بالماء المستعمل و عدمه

فنقول بعونه تعالى:

أما الماء المستعمل في رفع الخبث و إن كان طاهرا مثل ماء الاستنجاء مع شرائطه، فهل يجوز الوضوء منه أم لا؟

اعلم أنّ الكلام يقع تارة في المستعمل في رفع الخبث غير ماء الاستنجاء، و تارة في ماء الاستنجاء.

أما الكلام في ماء الاستنجاء فإن التزمنا بنجاسة ماء الغسالة فلا إشكال في عدم جواز الوضوء منه لاشتراط طهارة ماء الوضوء، و أمّا لو التزمنا بطهارته،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 83

كما لا يبعد ذلك، فمنشأ القول بعدم جواز الوضوء منه ليس إلّا الاجماع المدعى على عدم كونه رافعا للحدث.

و أمّا ما رواها عبد اللّه سنان عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الّذي يغسّل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه، و أمّا الّذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

المدّعى دلالة منطوقها على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في الحدث، لأنّ مفروض الرواية هو الماء الّذي

يغسّل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ، فيقال: كما تدلّ الرواية على ذلك نقول: بعدم الجواز في الماء المستعمل في الاستنجاء لعدم الفرق بينهما، لأنّ كلا منهما استعمال الماء في إزالة الخبث.

ففيه أوّلا إنّ الرواية ضعيفة السند، و ثانيا لو أغمضا عن ذلك كما قلنا يحتمل أن تكون خصوصية للجنب ليست فى الاستنجاء كما يكون بعض الخصوصيات فى الماء المستعمل فى الاستنجاء، فالقول بكونه مثله قياس مع الفارق.

و ثالثا يمكن كون منشأ عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل فى رفع الحدث الأكبر أو في رفع الخبث، ابتلاء الماء بنجاسة البدن، و كذا الثوب و لأجل النجاسة لم يجز رفع الحدث به.

و بعد عدم وجود دليل غير بعض الاجماعات المنقولة القابلة للخدشة و لا يعتنى به كما حكي عن صاحب الجواهر رحمه اللّه لعدم وجود إجماع كاشف عن قول المعصوم، أو وجود نص معتبر، لا يمكن الافتاء بعدم الجواز، بل نقول: بأنّ الأحوط

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 84

وجوبا عدم جواز الوضوء منه.

و أمّا المستعمل في الخبث غير ماء الاستنجاء فعلى القول بنجاسته لا إشكال في عدم جواز الوضوء منه.

و أمّا على القول بعدم نجاسته فما يمكن أن يكون وجها لعدم الجواز هو الاجماع و رواية عبد اللّه بن سنان و قد عرفت الخدشة في كل منهما.

فكما قلنا في المستعمل في الاستنجاء إنّ الأحوط عدم جواز الوضوء نقول فيه.

و أمّا وجه عدم الفرق في عدم جواز الوضوء بالمستعمل في الخبث بين الوضوء الواجب و المستحب حتى مثل وضوء الحائض فلشمول الدليل لكل منهما.

و على ما قلنا الأحوط

عدم الجواز.

و أمّا الوضوء مع الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر فيجوز، لأنّه ماء طاهر فلا مانع من التوضى.

و أمّا الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ففي جواز الوضوء منه و عدمه قولان:

القول الثاني منسوب إلى جمع من القدماء رضوان اللّه عليهم.

و القول الأوّل منسوب إلى جلّ المتأخرين و إلى السيد رحمه اللّه من القدماء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و قد بينا في الماء المستعمل ما يمكن أن يستدلّ به على عدم الجواز من الأخبار، و قلنا بعدم تمامية الاستدلال بها و قد ذكر بعض الأخبار يدل على الجواز، و بعد عدم الدليل على عدم الجواز يكون الماء طاهرا و لا مانع من الوضوء منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 85

و لو شككنا في الجواز و عدمه فيكون الشك فى الشرطية، و يكون مورد أصالة البراءة، نعم باعتبار دعوى شهرة القدماء على عدم الجواز ينبغى الاحتياط بترك الوضوء منه، نعم لو صار الماء نجسا لملاقاته مع بدن الغاسل أو غيره فلا يجوز الوضوء لنجاسة الماء.

و أمّا الماء المستعمل في الاغسال المندوبة فلا دليل على عدم جوازه، فهو ماء طاهر يجوز الوضوء منه.

المقام الثاني: يقع الكلام فيما هو المراد من الماء المستعمل

في رفع الحدث الأكبر.

و المراد به هو الماء الجارى على البدن للاغتسال المجتمع في مكان، فيقال به الماء المستعمل في الحدث الأكبر.

و أمّا ما ينصب من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل، كذا ما يبقى في الاناء، و كذا القطرات الواقعة في الاناء و لو من البدن.

و لو توضأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل من باب إطلاق الدليل، و هو الاجماع أو رواية عبد

اللّه بن سنان، و قد عرفت أن الأحوط عدم جواز الوضوء منه، فلو توضأ فالاحوط عدم الاكتفاء به.

و لو توضأ من المستعمل في رفع الحدث الأكبر جهلا أو نسيانا فكما عرفت ينبغى الاحتياط بعدم الاكتفاء بالوضوء به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 86

[السابع أن لا يكون مانع من استعمال الماء]

قوله رحمه اللّه

السابع أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش أو نحو ذلك و إلّا فهو مأمور بالتيمم، و لو توضأ و الحال هذه بطل، و لو كان جاهلا بالضرر صحّ و إن كان متحقّقا في الواقع، و الأحوط الاعادة أو التيمم.

(1)

أقول: يأتي الكلام في المسألة في مبحث التيمم إنشاء اللّه و مجمل القول فيها أنّه مع الضرر حيث يكون الوضوء ضرريّا و يحرم الضرر، فمع حرمة الضرر لا يصير الوضوء مقرّبا لعدم قابليته للتقرب به، و هذا بخلاف الحرج فإنّ لسان (لا حرج) حيث يكون لسان الامتنان فلا يرفع إلّا الوجوب، أعنى: التكليف، و أمّا ملاكه فباق، و ليس جعل النفس فى الحرج حراما في مورد الحرج بخلاف الضرر، فإنّ الاضرار بالنفس حرام فلهذا لا يقبل الوضوء لأن يتقرب به.

و لا فرق بين صورة العلم بالضرر أو الظن أو الاحتمال العقلائي لأنّ في كل منها يحرم الاقدام.

كما لا فرق بين القول بكون المحرّم هو الضرر الواقعى، و العلم و الظن و احتماله العقلائى طريق إليه، أو يقال: بأنّ موضوع الحرمة ليس واقع الضرر، بل العلم أو الظن أو الاحتمال للضرر موضوع للحرمة، لأنّ في كلى الفرضين مع العلم أو أحد أخويه يكون النهى فعليا، فمع النهى لا يكون الوضوء قابلا لأن يتقرب به.

و أمّا الخوف سواء كان الخوف من استعماله لنفسه أو الخوف

لنفس محترمة غير نفسه او لغير بالنفس مثل تلف المال فمع حرمة الاضرار بالنفس و وجوب حفظ النفس أو المال أو الطرف لا يصح الوضوء لعدم كون الوضوء مقرّبا بناء على استفادة حرمة الوضوء من دليله و أمّا إن كان المستفاد عدم وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 87

الوضوء، مثل ما إذا كان دليله لا حرج، فلو توضأ يقع صحيحا، أو كان عدم وجوب الوضوء من باب المزاحمة مع الواجب الأهم و قلنا بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضدّه فلو توضأ يكون صحيحا.

و العطش كذلك، أعنى: لا يصح الوضوء مع الخوف على العطش، كما يظهر من بعض الأخبار الأمر بالتيمم معه، فمعه لا يكون وضوئه مقرّبا لو كان له ملاك المحبوبية حتى في هذا الحال.

و لو لم نقل ببقاء الملاك مع الخوف و العطش فلا يصح الوضوء لعدم وجود ملاك المحبوبية فيه.

أمّا إن كان الشخص جاهلا بالضرر و إن كان الضرر متحققا في الواقع صح الوضوء لأنّه بعد كون سبب عدم قابلية الوضوء لأن يتقرب به هو النهى عن الضرر أو وجوب حفظ النفس، فمع الجهل بالضرر لا يكون النهى فعليّا فيقع الوضوء صحيحا لأنّه قصد التقرب به و يصح التقرب به و إن كان الأحوط إعادة الوضوء أو فعل العبادة مع التيمم فيما يكون تكليفه التيمم من باب احتمال عدم وجود الملاك للوضوء في هذا الحال، أو أنّ الاحتياط حسن في كل حال.

***

[الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته و لو ركعة منها خارج الوقت و إلّا وجب التيمم إلّا أن يكون التيمم أيضا كذلك بأن يكون

زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر، إذ حينئذ يتعين الوضوء، و لو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 88

توضأ في الصورة الاولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد، نعم لو توضأ لغاية اخرى أو بقصد القربة صح، و كذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعى لا التقييد.

(1)

أقول: بعد ما لا إشكال في وجوب الوضوء فى فرض التمكن من إتيان تمام الصلاة فى الوقت مع الوضوء

يقع الكلام في موردين:
المورد الأوّل فيما يلزم من التوضؤ وقوع تمام الصلاة في خارج الوقت،

أو لا يتمكن مع الوضوء من إيقاع ركعة واحدة من الصلاة في الوقت و إن كان متمكنا من إتيان بعض من الركعة الواحدة فى الوقت.

المورد الثاني ما يلزم من التوضؤ وقوع تمام الصلاة في خارج الوقت،

لكن يمكن إتيان ركعة منها أو أزيد من الركعة في الوقت.

و في كل منهما تارة يكون متمكنا من إدراك الصلاة في الوقت مع التيمم، و تارة لا يكون كذلك، بل كما لا يتمكن من إتيان تمام الصلاة في الوقت كما في المورد الأوّل و إتيان ركعة منها كما في المورد الثاني مع الوضوء كذلك لا يتمكن مع التيمم.

و بعبارة اخرى يكون الوقت الّذي يصرف للوضوء بقدر الوقت الّذي يصرف للتيمم، أو يكون وقت التيمم اكثر فنقول بعونه تعالى:

أمّا فيما يكون الوقت المصروف للوضوء بمقدار الوقت المصروف في التيمم، أو أقل فلا ينبغى الاشكال في وجوب الوضوء و عدم انتقال التكليف إلى التيمم لأنّ ما أوجب انتقال التكليف من الوضوء إلى بدله، و هو التيمم، ليس إلّا أهمية الوقت،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 89

و بعد عدم إمكان حفظه الوقت حتى بالتيمم لكون زمانه بقدر زمان الوضوء فلا وجه لسقوط وجوب الوضوء فيجب الوضوء.

و لا إشكال في وجوب التيمم فيما يكون الاتيان بالوضوء مستلزما لوقوع تمام الصلاة في خارج الوقت، و لكن مع التيمم يتمكن من تمام الصلاة أو ركعة تامة منها أقلا في الوقت، لأنّه بعد الدوران بين الوقت و بين الوضوء يكون حفظ الوقت مقدما.

إمّا لأنّ الوضوء له البدل، و هو التيمم، و الوقت لا بدل له، و مع الدوران بين الواجب الّذي لا بدل له و بين ماله البدل، يجب تقديم ما لا بدل له، لأنّه في صورة تزاحم الواجبين يكون التقديم لما لا بدل

له كما عن بعض.

و إمّا لأنّا نعلم أهمية الوقت بالنسبة إلى الوضوء، فيحكم العقل في مقام تزاحمهما بتقديم الوقت و الاكتفاء عن الوضوء ببدله و هو التيمم، و يظهر وجه أهميته من جعل التيمم، فإنّ جعل التيمم لفاقد الماء يكون لأن يتمكن من الصلاة في وقتها كما يظهر ذلك من الآيتين الشريفتين الواردتين في التيمم، و هذه الأهميّة صارت موجبة لجعل التيمم، فليس الوقت و الوضوء على هذا من قبيل الواجبين المتزاحمين لأنّ أهمية حفظ الوقت صارت ملاكا لعدم المصلحة فى الوضوء فى ضيق الوقت، و كون المصلحة فى التيمم، و لهذا لو توضأ بقصد الصلاة فى ضيق الوقت يكون صلاته باطلا لعدم أمر بالصلاة فى هذا الحال مع الوضوء، و لا ملاك للأمر، فالوجه فى وجوب التيمم و فى عدم الاكتفاء بالوضوء فى الفرض، هو هذا الوجه.

و أمّا فيما لا يتمكن مع الوضوء من إدراك تمام الصلاة في وقتها، و لكن يتمكن من إتيان ركعة تامّة منها أقلا في وقتها، و لكن لو تيمم يتمكن مع التيمم من إدراك تمام الصلاة في وقتها، فهل يتوضأ و يأتي ركعة من الصلاة في الوقت و ما بقيها في خارج الوقت، أو يجب التيمم و اتيان تمام الصلاة في الوقت؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 90

أقول: بعد ما نعلم أهمّية الوقت بالنسبة إلى الوضوء، و هذه الأهمية تكون لمجموع الصلاة بمعنى أهمية وقوع كل جزء جزء منها في الوقت بالنسبة إلى الوضوء فلا بدّ من حفظ الأهمية.

لأنّ هذه الأهمية أوجبت جعل التيمم و عدم جعل الوضوء، فلا يكون الوضوء مطلوبا مع إمكان حفظ وقت الصلاة بالنسبة إلى تمام الصلاة، فيجب التيمم في الفرض و

الصلاة في الوقت.

إن قلت: إنّ المروى أنّ من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الوقت كله، و مفاده التوسعة في الوقت، فمع الوضوء و إدراك ركعة أدرك الوقت، فلا بدّ من حفظ كل من الواجبين الوقت و الوضوء لإمكان جمعهما.

قلت: إنّ لسان (من أدرك) هو جعل الوقت الاضطرارى في صوره فوت الوقت لا جواز تفويت الوقت عمدا، فعلى هذا مع فرض إمكان حفظ الوقت لمجموع الصلاة مع الطّهارة الترابية لا يجوز تفويت الوقت بالوضوء لادراك ركعة من الصلاة.

كما انّه لو توضأ في الصورة التي يجب عليه التيمم، فتارة يقصد بوضوئه وضوء هذه الصلاة التي ضاق وقتها بقصد التقييد فلا يصح الوضوء لما قلنا من عدم كون الوضوء متعلق الأمر في هذا الحال، و لا فيه ملاك الأمر، لعدم أمر بالوضوء من قبل هذه الصلاة و لا ملاك امر فيه، و على الفرض لم يقصد غاية اخرى فيبطل وضوئه.

و تارة يقصد بوضوئه وضوء هذه الصلاة التى ضاق وقتها، لكن لا بنحو التقييد بل بنحو الداعى.

و تارة يقصد غاية اخرى من غايات الوضوء و يتوضأ بقصدها، فيصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 91

وضوئه لأنّه و إن كان في الحال مأمورا بالتيمم لأجل الصلاة، و هو ضد الوضوء، لكن لا يوجب هذا فساد الوضوء لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن الضد.

و تارة يتوضأ بقصد القربة و لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطهارة فأيضا لا يصح وضوئه، لعدم دليل على استحباب الوضوء بنفسه حتى بدون قصد غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة.

***

[مسئلة 21: في صورة كون استعمال الماء مضرّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: في صورة كون استعمال الماء مضرّا لو صبّ الماء على ذلك المحل الذي يتضرر به

و وقع في الضرر، ثم توضأ صحّ إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته، لكنه عصى بفعله الأوّل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الاولى: أن يصب الماء على المحل، ثم بعده يصبّ الماء مرّة اخرى و يتوضأ، و لا يكون صبّ الماء للوضوء مضرّا له فصح وضوئه، لأنّ وضوئه ليس بضررى، و لا موجبا لزيادة الضرر على الفرض.

الثانية: أن يتوضأ بالماء الّذي صبّ على المحلّ و كان يتضرّر به، فهل يجوز الوضوء من هذا الماء المصبوب الضررى أم لا؟

أقول: قد مرّ منّا فى الآنية المغصوبة و فى آنية الذهب و الفضة فى الوضوء منهما بأنّه فى هذه الصورة إن كان الماء منحصرا بما صبّ على محل الوضوء فلا يصحّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 92

الوضوء، و إذا كان غير منحصر به يصحّ الوضوء، و قد مضى وجهه فراجع فكذلك فى المقام.

و أمّا عصيانه فللإضرار بنفسه بصبّ الماء على المحل الّذي يتضرر به.

***

[التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار]

اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار، فلو باشرها الغير أو أعانه في الغسل أو المسح بطل.

و أمّا المقدمات للأفعال فهى أقسام:

أحدها: المقدمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك، و هذه لا مانع من تصدى الغير لها.

الثاني: المقدمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه، و في هذه يكره مباشرة الغير.

الثالث: مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لاجرائه و غسل أعضائه، و في هذه الصورة و إن كان لا يخلو تصدى الغير عن إشكال إلّا أنّ الظاهر صحته، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الاجراء و الغسل منهما معا.

(1)

أقول:

الكلام يقع في مقامين:
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 93

(1)

الأوّل: في وجوب مباشرة نفس المتوضّئ أفعال الوضوء،
اشارة

و عدم جواز تولية غيره عنه، فنقول بعونه تعالى:

يستدلّ عليه بأمور:
الأوّل: دعوى الاجماع على عدم جواز التولية

في الوضوء حتى قيل أنّ نقل الاجماع عليه مستفيض، و لم يحك الخلاف إلّا عن ابن جنيد.

الثاني: ظهور الأدلّة الدالة على وجوب الوضوء من القرآن و الأخبار على وجوب المباشرة،

لأنّ ظاهر الأمر بالغسل أو المسح أو الوضوء ظاهر في وجوب المباشرة، و قيام المكلف بنفسه على إتيانه.

و هذا الظهور يكون في كل من الأوامر المتعلقة بالأشخاص إلّا أن يكون في البين بعض القرائن الداخلية، مثل ما إذا طلب عن المكلف ما لا يمكن صدوره منه بالمباشرة، مثلا قال المولى (ابن مسجدا) لمن لا يقدر على بنائه إلّا بالتسبيب لا بالمباشرة.

أو بعض القرائن الخارجية على عدم اعتبار المباشرة، كما إذا علم من الخارج أنّ المطلوب من الأمر ليس إلّا وجود المطلوب في الخارج كيفما اتفق، و من أىّ شخص اتفق، مثل الأمر بغسل الثوب عن الخبث.

الثالث: قوله تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1».

بضم ما ورد في تفسيره في بعض الأخبار المستفاد منه أنّ تولية الغير في الوضوء من الشرك (ذكرناه في مكروهات الوضوء و نذكره هنا تتميما للفائده).

منها ما رواها الحسن بن علي الوشاء قال: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه

______________________________

(1) سورة كهف، الآية 110.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 94

إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك، فقال: عليه السلام مه يا حسن، فقلت له: لم تنهانى أن أصبّ على يديك تكره أن اوجر؟ قال توجر أنت و اوزر أنا، فقلت: فكيف ذلك؟ فقال: أ ما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، و هي العبادة فأكره أن يشركنى فيها أحد «1».

وجه الاستدلال عدم تجويز الرضا عليه السلام تولية الحسن صبّ ماء وضوئه لكونه من الشرك في العبادة، و بعد عدم تجويزه صب الماء على يده للوضوء و الحال أنّه من

مقدمة الوضوء، فتولية الغير الوضوء غير جائز بطريق الأولى، و بعد كونه من الشرك فى العبادة، فيكون الوضوء باطلا لعدم كونه مقرّبا.

و فيه أنّ صبّ الماء من المقدمات و إن كان اتيان الغير بعض المقدمات من الشرك فكان للازم القول بعدم جواز تولية الغير مطلق المقدمات حتى البعيدة و لا يمكن الالتزام به، مثلا وضع الماء في الابريق، أو في الحوض لأن يتوضأ الشخص.

فنقول: بأنّ الرواية محمولة على الكراهة بدليل أن تولية الحسن لصب الماء إن كان حراما فكيف هو يوجر بفعله و الحال أنّه عليه السلام قال (توجر انت) فهذا شاهد على حصول حزازه للمباشرة و هو الكراهة لا الحرمة.

و منها مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء،: فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال: لا احبّ أن اشرك في صلاتي أحدا و قال اللّه تبارك و تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «2» (و رواها في العلل مسند أو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 95

كذا الشيخ رحمه اللّه).

وجه الاستدلال كسابقها.

و فيه أنّ قوله عليه السلام (لا احبّ أن اشرك في صلاتي الخ) أقوى شاهد على كون التولية في المقدمات عن الغير يكون مكروها لا حراما بالحرمة التكليفية أو الوضعية.

و منها ما رواها السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عن على عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلم: خصلتان لا أحبّ أن يشاركنى فيهما أحد: وضوئى فإنّه من صلاتى، و صدقتى فإنّها من يدى إلى يد السائل، فإنّها تقع في يد الرحمن «1».

و هذه الرواية ليست في مقام التمسك بالآية الشريفة و تفسيرها بأن تولية الغير في الوضوء شرك، بل يستدلّ بها على عدم جواز التولية، لأنّه صلى اللّه عليه و آله قال: (لا احبّ أن يشاركنى فيهما أحد وضوئى) الخ فلا يجوز التولية.

و فيه أولا أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (لا أحبّ) شاهد على كراهة التولية، و ثانيا بعد ما يجوز التولية في الصدقة و عدم وجوب المباشرة مسلما، كذلك في الوضوء، لأنّهما متحدان في الحكم على ما في الرواية، فهذا قرنية على كون الرواية محمولة على الكراهة، و ثالثا تدلّ الرواية على أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لا يحب مشاركة أحد في وضوئه، و نحن نقول به لأنّ المشاركة في نفس الوضوء غير جائز لما قلنا في الوجه الاول و الثاني.

فعلى هذا تكون الرواية وجها ثالثا لعدم جواز المشاركة و تولية الغير فى نفس الوضوء، و هذا غير مربوط بما دلّ عليه رواية حسن بن على الوشاء و رواية

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب الاستعانة فى الوضوء ج 2، ص 272 من جامع الاحاديث الشيعة رواها فى الوسائل فى باب 47 من ابواب الوضوء حديث 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 96

الصدوق و رواية الارشاد، لأنّ هذه الاخبار يتوهم دلالتها على عدم جواز تولية الغير و مشاركته مع المتوضى حتى فى المقدمات، و قد بينا ما فيها، فإن تمت دلالة رواية السكونى و يحمل قوله صلى

اللّه عليه و آله (لا احبّ) على حرمة المشاركة، و أغمضنا عن الجواب الاول و الثانى الذين أجبنا بهما عن الرواية، تدلّ الرواية على عدم جواز التولية و الاستعانة للغير فى الوضوء و هو المطلوب.

و منها ما رواها المفيد رحمه اللّه في الارشاد قال: دخل الرضا عليه السلام يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصبّ على يده الماء، فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربّك أحدا، فصرف المأمون الغلام و تولّى تمام وضوئه بنفسه «1».

وجه الاستدلال بها معلوم.

و فيه أن الرواية تكون مرسلة فتكون ضعيفة السند، و مع قطع النظر عن ذلك تحمل الرواية على الكراهة بقرينة ما بقى من الروايات المذكورة.

مضافا إلى أنّه يحتمل أن ما فى الرواية (و تولّى تمام وضوئه بنفسه) هو أن المأمون بعد نهى الامام عليه السلام تمّ ما بقى من وضوئه بنفسه، لا أنّه أعاد وضوئه من الاول، فعلى هذا تدلّ الرواية على الكراهة، لأنّه لو لم يكن مكروها كان المناسب أن يأمره عليه السلام باعادة الوضوء.

ثم لو أغمضا عن ذلك كله، و فرض دلالة هذه الأخبار على عدم جواز الاستعانة بالغير، و لكن ما رواها أبو عبيدة الحذاء قال: وضأت أبا جعفر عليه السلام بجمع و قد بال فنا ولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفّا فغسل به وجهه (و كفّا غسل به

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 97

ذراعه الأيمن) و كفّا غسل به ذراعه الأسير، ثم مسح بفضله الندى رأسه و رجليه. «1»

و لم يكن في المطبوع بالطبع أمير بهادرى، على ما رايته، فقرة (و كفا غسل به ذراعه الأيمن) لكن

بعد كون الفقرة موجودة في التهذيب و الاستبصار على نقل جامع أحاديث الشيعة فهذه الفقرة سقطت عن الرواية في الوسائل.

ثم إن كان الصادر عن الراوى هو (ثم صببت عليه كفّا) يجمع بين هذه الرواية و بين الروايات المتقدمة بحملها بقرينة هذه الرواية الدالة على الجواز على الكراهة، و أمّا إن كان ما رواه الراوي هو جملة (ثم أخذ كفا) يعنى: أخذ المعصوم عليه السلام كفا فغسل به وجهه، فلا يستفاد من الرواية جواز الاستعانة بالغير فى المقدمات القريبة مثل صبّ الماء على اليد لأن يتوضأ و المنقول فى جامع أحاديث الشيعة هو (ثم أخذ كفا) كما انّه بعد ذكر الرواية فى الوسائل المطبوع بطبع امير بهادرى قال: و رواه أيضا فى موضعين آخرين مثله متنا و سندا إلّا انه قال (ثم أخذ كفا) بدل (ثم صببت عليه كفا) فلا يمكن الاستشهاد بالرواية على جواز الاستعانة فى المقدمات إلا أن يقال إنّه تارة يروى فأخذ كفا و تارة ثم صببت عليه كفا و هو بعيد، مضافا بأنّ رواية حذاء على تقدير كون عبارتها (صببت) تدل على جواز الاستعانة لصبّ الماء على يد المتوضى لأن يغسل يده و هذه الروايات تدل على عدم جواز صبّ الماء بنفس محل الوضوء يعنى اليد فلا تعارض.

اعلم أنّه مع قطع النظر عما قلنا في الروايات الثلاثة التي جعل فيها الاستعانة في مقدمات العبادة من الشرك، فنقول: إن المراد من الشرك في قوله تعالى وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً هو الرياء مقابل الاخلاص في العبادة، و هو أن ينوى الفاعل غير اللّه في عمله.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص:

98

كما يظهر من رواية جراح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال:

الرجل يعمل شيا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه، إنّما يطلب تزكيه النفس يشتهى أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه ثم قال: ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسرّ شرا فذهبت الأيام حتى يظهر اللّه له شرا «1».

و هو غير مربوط بالاستعانة بالغير في إتيان عمل للّه، ففي ما نحن فيه يكون الكلام فى من يتوضأ للّه و لا ينوى غير اللّه، و لكن يستعين بأحد لاتيان هذا العمل الآتى للّه.

نعم لقائل أن يقول، إنّه لا تعارض بين ما دل على كون الاستعانة بالغير في العبادة شرك و بين ما دل على كون العامل الّذي ينوى غير اللّه في عمله فعمله شرك لعدم مانع من كون كل منهما فردا من الشرك.

فالعمدة عدم دلالة الأخبار الثلاثة المتقدمة على كون تولية الغير من الشرك المحرّم مضافا إلى ضعف سند بعضها أو كلها، و مضافا إلى دعوى الاجماع على جواز الاستعانة في مقدمات الوضوء، فلو أعانه في الغسل أو المسح من الوضوء بطل وضوئه.

إذا عرفت ما فى المقام الأوّل من وجوب المباشرة في الوضوء، للاجماع و لظهور الأدلّة الآمرة بالوضوء أو بالغسل و المسح و لرواية السكونى على احتمال فلا يبقى إشكال في أصل المسألة إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 12 من ابواب مقدمه العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 99

المقام الثاني هل يجوز التولية و الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء،
اشارة

بعد مفروغية عدم

جوازها في نفس الوضوء، أم لا؟ فنقول بعونه تعالى: قال المؤلف رحمه اللّه:

أمّا

المقدمات للأفعال فهى أقسام:
القسم الأوّل المقدمات البعيدة

كإتيان الماء أو تسخية أو نحو ذلك، و هذه لا مانع من تصدى الغير لها، لعدم دليل على عدم الجواز.

و ما قاله بعض شراح «1» العروة من شمول الأخبار المتقدمة- المذكورة في المقام الأوّل المتمسك بها على عدم جواز الاستعانة بالغير للمورد- لدلالتها على حرمة الاستعانة مطلقا.

فيه أن مورد الروايات الثلاثة- أعنى: الحسن بن على الوشاء، و رواية الصدوق رحمه اللّه، و إرشاد- هو صورة صبّ الماء على يد المتوضى، و لا إطلاق لها يشمل حتى المقدمات البعيدة.

و دعوى عدم الفرق بين المقدمات دعوى في غير محلّها لامكان الخصوصية في المقدمة القربية، و هو صبّ الماء على يد المتوضى لأن يغسل محل الوضوء.

و أمّا رواية السكونى فهو على تقدير دلالتها على الحرمة تدلّ على حرمة الاستعانة في نفس الوضوء.

الثاني المقدمات القربية

مثل صبّ الماء في كف المتوضى قال المؤلف رحمه اللّه: و في هذه يكره مباشرة الغير.

و وجه قوله بالكراهة كون هذا القسم مورد الأخبار المتقدمة المتمسك على عدم جواز الاستعانة، و بعد حمل هذه الأخبار على الكراهة يكون الاستعانة بهذا

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 447.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 100

النحو مكروهة.

أقول: القول بالكراهة بعد الاغماض عن ضعف سند الأخبار، يمكن أن يقال من باب التسامح في أدلة السنن و المكروهات إن قلنا به.

الثالث مثل صب الماء على اعضائه مع كونه هو المباشر لا جرائه و غسل أعضائه.

قال المؤلف رحمه اللّه: و في هذه الصورة و إن كان لا يخلو تصدى الغير عن إشكال إلّا أن الظاهر صحته.

أقول: إن قلنا بدلالة الأخبار المتقدمة على حرمة الاستعانة بإلقاء الماء و صبه على يد المتوضى لأن يتوضأ، ففي المقام نقول بالحرمة بالأولوية القطعية، و

إن حملناها على الكراهة فلا إشكال في كراهة هذا القسم بالأدلة القطعية.

و أمّا مع قطع النظر عن هذه الأخبار فوجه الاشكال هو دعوى كون صب الماء على مواضع الوضوء من الوضوء عرفا، فيكون الاستعانة فيه استعانة في نفس الوضوء، و لهذا لا تجوز الاستعانة بل يبطل الوضوء.

فالفرق بين القول بكون هذا القسم من المقدمة حراما أو مكروها مثل ساير المقدمات، و بين القول بكون هذا القسم غير جائز من باب كونه استعانة بنفس الوضوء هو أنّ الحكم فى الاول هو الحرمة التكليفية أو الكراهة، و فى الثانى هو الحرمة الوضعية و هى البطلان.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لا وجه للقول بحرمة الاستعانة في هذا القسم من المقدمات من باب الأخبار المتقدمة لما قلنا من أنّ فيها الشاهد على الكراهة مضافا إلى ضعف سند بعضها أو كلها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 101

كما لا وجه لان يقال: بعدم جواز الاستعانة في هذا القسم من باب عدها استعانة بنفس الوضوء، لأنّه بعد كون الوضوء الغسلتين و المسحتين، و صبّ الماء على مواضع الوضوء خارج عنه، فلا يعدّ صبّ الماء على المواضع وضوءا حتى تعدّ الاستعانة بالصب استعانة بالوضوء.

نعم بعد دلالة الروايات المتقدمة على النهى عن الاستعانة بصب الماء على يد المتوضى، و لا أقلّ من حمل النهى على الكراهة، فنقول: ينبغى الاحتياط بترك الاستعانة بهذا النحو في الوضوء.

فتكون النتيجة أنّ بطلان الوضوء منحصر بما إذا باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الاجراء و الغسل منهما معا، أو المسح من الغير أو منهما معا.

***

[مسئلة 22: إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته بحيث

جرى الماء عليه بقصد الوضوء صحّ، و لا ينافي وجوب المباشرة، بل يمكن أن يقال: إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد و جعل هو يده أو وجهه تحته صحّ أيضا، و لا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضا.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه

فجعل وجهه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 102

و يده تحته بحيث جرى الماء عليه، و كان ذلك بقصد الوضوء، صحّ الوضوء لأنّه المباشر لوضوئه، و ليس شخص آخر يتولى وضوئه و لو بايجاد بعض مقدماته.

الصورة الثانية: ما يكون صبّ الماء من مكان عال مثلا من الميزاب بفعل الغير

لكن لا بقصد أن يتوضأ منه أحد، و يجعل المتوضى بقصد الوضوء وجهه و يده تحته هل يصحّ الوضوء أم لا؟

منشأ الاشكال في صحة الوضوء أحد الأمرين:

إمّا عدم صحة استناد فعل الصاب، و هو صب الماء، إلى المتوضى بمجرد قصد المتوضى من هذا الماء المصبوب على وجهه و يده الوضوء، و بعد عدم صحة الاستناد بالمتوضى فلا تحصل المباشرة المعتبرة.

و فيه أنّ الوضوء هو الغسلتان و المسحتان، و هو يتحقق من المتوضى بالمباشرة لأنّه يقع وجهه و يده بقصد الوضوء تحت الماء المصبوب، و لا يستند فعل الصاب إلى المتوضى بمجرد القصد بل المتوضى يقصد و يقع وجهه و يده تحت الماء، فليس مجرد القصد بل الفعل الّذي يكون وضوءا مستندا إلّا الى المتوضى يقصده و يقع وجهه و يده تحت الماء، فلا فرق بين الصورة الاولى و الثانية.

و إمّا من أنّه بعد كون الصّاب شخصا آخر يصدق التشريك، لأنّ الوضوء حصل بصب الصاب و بايقاع المتوضى عضوه تحت الماء بقصد الوضوء، و هذا معنى التشريك، فليس الوضوء بمباشرة نفس المتوضى بل باستعانة غيره.

و فيه أنّه كما قلنا في طى شرط المباشرة يكون صب الماء خارجا عن حقيقة الوضوء، بل هو من مقدماته، فلا تكون الاستعانة بالصب حتى مع القصد في صبّه الاستعانة بالوضوء موجبا لبطلان الوضوء لكونه من المقدمات، و غاية الأمر إذا كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 103

بقصد الاستعانة

يكون مكروها و لا يبطل الوضوء، لأنّ الاستعانة و تولية الغير في نفس الوضوء يكون مبطلا، فافهم فتلخص صحة الوضوء في هذه الصورة.

***

[مسئلة 23: إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب و إن توقف على الاجرة، فيغسل الغير أعضائه و ينوى هو الوضوء، و لو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده و يصب الماء فيها و يجريه بها، هل يجب أم لا؟

الأحوط ذلك و إن كان الاقوى عدم وجوبه، لأنّ مناط المباشرة في الاجراء و اليد آلة، و المفروض أنّ فعل الاجراء من النائب، نعم في المسح لا بدّ من كونه بيد المنوب عنه لا النائب، فيأخذ يده و يمسح بها رأسه، و رجليه و إن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده و يمسح بها، و لو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعّض.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا لم يتمكن المكلف من مباشرته

للوضوء جاز أن يستعين بالغير بل يجب ذلك و استدل عليه بأمور:

الأوّل الاجماع عليه كما حكي عن المنتهى، و الاتفاق من الفقهاء عليه كما حكي عن المعتبر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 104

أقول: و لا يبعد الاتفاق، و لكن الكلام في أنّ اتفاقهم كان من باب دلالة بعض الروايات كما نذكره إنشاء اللّه، أو كان إجماعا تعبّديا.

الثاني قاعدة الميسور فيقال: بعد عدم إمكان إتيان الوضوء بالمباشرة يسقط وجوب المباشرة، و يجب ما بقى من الأجزاء و شرائط الوضوء بالاستعانة بالغير لقاعدة الميسور.

و فيه أنّه كما بينّا في الاصول لا يمكن التعويل على هذه القاعدة لضعف مستندها و عدم دلالة بعضها.

الثالث بعض الروايات.

منها ما رواها هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و عن حماد بن عيسى عن شعيب عن ابى بصير و عن فضالة عن حسين ابن عثمان عن ابن مسكان عن عبد اللّه

بن سليمان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فحملونى و وضعونى على خشبات، ثم صبّوا عليّ الماء فغسّلوني «1».

و الرواية و إن كانت واردة في الاستعانة بالغير في الغسل لكنه يدعى عدم الفرق بينهما.

أقول: و لا بدّ من حمل الرواية على صورة عدم الضرر بالغسل بقرينة بعض ما دل من الأخبار على وجوب التيمم مع الضرر بالنفس لمرض أو لزيادته، و يأتي الكلام إنشاء اللّه في التيمم.

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 48 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 105

قال: قيل له: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه ألّا سألوا ألّا يمموه إنّ شفاء العىّ السؤال «1».

و هذه الرواية و إن كانت دالة على جواز تولية الغير التيمم و الاستعانة به لكن يدعى عدم الفرق بينه و بين الوضوء.

فأصل الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه من حيث جواز الاستعانة، بل وجوبها، لأنّ مقتضى الدليل في صورة العجز عن المباشرة هو وجوب تولية الغير.

المسألة الثانية: في كل مورد تجب الاستعانة للعجز عن المباشرة تجب الاستعانة

و إن توقفت على الاجرة لاطلاق الدليل، و هو معقد الاجماع إن كان الدليل الاجماع، و كذا إن كان الدليل قاعدة الميسور.

و أمّا إن كان الدليل الخبرين المتقدمين فاطلاقهما من هذا الحيث غير معلوم بل معلوم العدم.

المسألة الثالثة: فيما يباشر الغير الوضوء

سواء كان هذا الغير مباشرا بدون دخالة بعض أعضاء الذي يوضأه هذا الغير، أو كان بدخالة بعض أعضائه، مثل أن يصب الغير الماء في يد العاجز عن المباشرة، و يصب المعين و المباشر من يد العاجز على أعضاء العاجز- هل يجب نية الوضوء على المباشر للوضوء، أو على العاجز الّذي يوضأه المباشر المعين له.

أقول: بعد كون الواجب الوضوء على العاجز عن المباشرة، غاية الأمر لاجل عجزه سقط شرط المباشرة، فهو مكلف باتيان الفعل بتوسيط الغير، فالمأمور هو نفس الشخص العاجز عن المباشرة، و هو الّذي لا بدّ أن يأتي بالوضوء متقربا إلى اللّه،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 106

فيجب عليه النيّة و يكون الغير بمنزلة الآلة للفعل، مثل ما إذا كان مأمورا بعبادة لا بالمباشرة مثل بناء مسجد، فلا إشكال في وجوب النية على البانى لا على البناء و العملة.

و لا فرق فيما قلنا من وجوب النية على المكلف العاجز عن المباشرة، لا على المباشر و المعين، بين ما كان الدليل على جواز تولية الغير في صورة الاضطرار الاجماع، أو قاعدة الميسور، أو الخبرين المتقدمين، لأنّ كلا منها لا يقتضي إلزام عمل على المعين، بل مقتضاه سقوط شرطية المباشرة و إتيان الوضوء بلا مباشرة و بلا استعانة.

قال بعض «1» شرّاح العروة فى الجواب عن الوجوه الثلاثة: أمّا الاجماع فيمكن أن يكون مستند المجمعين أحد الوجوه

المتمسك بها على هذا الحكم، و أمّا قاعده الميسور فلا يمكن الاستدلال بها فى المورد، لأنّ موردها كل مركب فقد بعض أجزائه و يعدّ الفاقد من مراتب الواجد، و فى المقام يكون المامور به هو المحصل من ذلك المركب، فعند انتفاء شي ء من الأجزاء و القيود يشكل جريان القاعدة لأنّ المأمور به هو الطهارة لا المركب، فمع انتفاء بعض القيود يشكل جريان القاعدة، و أمّا الخبرين، فالخبر الأوّل معارض مع رواية «2» محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة فى أرض باردة و لا يجد الماء، و عسى أن يكون الماء جامدا فقال: يغتسل على ما كان حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: اغتسل على ما كان، فإنّه لا بدّ من الغسل، و ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أنّه اضطر إليه و هو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل و قال: لا بدّ من الغسل.

______________________________

(1) العلامة الآملى، فى مصباح الهدى، ج 3، ص 403.

(2) الرواية 4 من الباب 17 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 107

و بمخالفته مع القاعدة فى التيمم حيث إنّه يتعين التيمم مع الوجع الشديد و بأنّ حمله على تعمد الجنابة مع الوجع الشديد المسقط للمباشرة فى الغسل بعيد جدا و عروض الاحتلام له مناف لما عليه المذهب من عدم عروضه لهم عليهم السلام، و احتمال كونه بوجه آخر كضعف الاعصاب و نحوه بعيد، مضافا إلى أنّه فى مورد الغسل فيحتاج إسراء الحكم إلى الوضوء إلى عدم القول بالفصل، و هو فى معنى الاجماع، و قد عرفت المناقشة فى الاستدلال به فى المقام.

و أمّا

الخبر التيمم فلقوة احتمال أن يكون قوله عليه السلام (ألا يمموه) بمعنى أمر المجدور، بالتيمم لا توليتهم له مضافا إلى جواز الاستنابة فى التيمم بمكان كونه آخر مراتب الطهارة، و مما لا بدل له لا يدل على الجواز فى الوضوء لأنّ له البدل.

أقول: ما قال فى الاجماع، فنحن قلنا بأنه صحّ احتمال كون نظر المجمعين مع اتفاقهم إلى بعض الادلة، فلا يكشف إجماع تعبدى، و أمّا ما قال فى قاعدة الميسور فالمأمور به إن كان الطهارة، فيمكن أن يقال بعدم كونها مورد قاعده الميسور، لكن من المعلوم أنّ المأمور به الغسلتان و المسحتان و إن كانا هما محصّل الطهارة، نعم كما قلنا لا وجه للتمسك بقاعدة الميسور للاشكال فى نفس القاعدة.

و أمّا ما قال فى الخبرين، فما قال فى الخبر الاول فنقول: أمّا ما توهم من معارضته مع خبر محمد بن مسلم، فمنشأ التعارض يكون من باب أنّ المستفاد من خبر عبد الله بن سليمان هو تولى غسله عليه السلام غيره، و من خبر محمد بن مسلم أنّ المعصوم عليه السلام اغتسل بنفسه مع كون المفروض فى كل منهما ابتلائه بالمرض فيتعارضان.

ففيه أنّ مورد رواية محمد بن مسلم لم يكن المرض بحدّ لا يمكن له تولّى غسله بنفسه، بل يمكن له ذلك، و أنّه اغتسل بنفسه عليه السلام، و أمّا مورد خبر عبد اللّه بن سليمان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 108

كون المرض شديدا، و لهذا قال (كان وجعا شديد الوجع) فهو لا يتمكن من تولى نفسه عليه السلام للغسل و لهذا أمر أن يغسلوه، فلا تعارض بينهما.

و أمّا ما قال من أنّه وجب فى الوجع الشديد التيمم، فنقول: ما تمسك

به من رواية محمد بن مسلم مناف مع كون الواجب مع المرض التيمم، و مثل الروايتين بعض الروايات يدل على وجوب الغسل حتى مع العلم بالضرر، و لا بد من توجيه هذه الأخبار بنحو لا ينافى مع عدم جواز الاضرار بالنفس أو ردّ علمها إلى أهله.

و أمّا ما قال فى الجواب عن الخبر الثانى أعنى: خبر ابن مسكين، من أنّه يحتمل أن يكون المراد أمرهم المجدور بالتيمم لا مباشرة الغير له.

ففيه أنّه خلاف ظاهر الرواية لأنّ قوله عليه السلام (ألا يمموا) ظاهر بل صريح فى التوبيخ على تركهم تيممه لا تركهم الأمر بالتيمم، فافهم.

المسألة الرابعة: لو أمكن جعل يد المتوضى العاجز آلة لاجراء الماء

على مواضع غسل الوضوء بأن يصب المباشر الماء على يد المتوضى و يجريه على مواضع غسله، بيده هل يجب ذلك أو لا؟

أقول: بعد ما عرفت من أنّ الواجب أوّلا مباشرة المتوضى الوضوء بنفسه و يسقط للعجز عنه، فكلما يمكن للمتوضى المباشرة يجب عليه، كما ذكر المؤلف رحمه اللّه فى ذيل هذه المسألة فعلى هذا وجه وجوب صبّ الماء على يد المتوضى و إجراء المتولى يد المتوضى على مواضع الغسل، هو كون صب الماء على اليد من المقدمات القريبة التي يعدّ من الوضوء عرفا، فبعد إمكان صب الماء من يد المتوضى على محل الغسل و إن كان ذلك بمباشرة الغير يكون ذلك واجبا.

و أمّا وجه عدم الوجوب هو عدم كون صبّ الماء من الوضوء، بل هو من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 109

مقدماته، و لهذا قلنا بعدم مانع من استعانة الغير فيه، و بعد عدم كونه من أجزاء الوضوء فلا وجه لوجوب مباشرة المتوضى حتى مع الامكان.

و الحق ذلك فلا يجب صبّ الماء على يد المتوضى، ثم إجراء

المباشر الماء المصبوب باعانة يد المتوضى على مواضع الوضوء.

المسألة الخامسة: هل يجب كون المسح بيد المتوضى

مع الامكان دون يد المتولى و إن كان إمرار يده على الممسوح بيد المباشر أم لا؟

الأقوى وجوب ذلك مع الامكان، لأنّه بعد ما كان الواجب المسح باليدين، بمعنى أنّ الواجب في المسح، و هو إمرار الماسح على الممسوح، أن يكون الماسح يدى المتوضى على تفصيل مرّ في محلّه، فمع الامكان يجب حفظ الشرط، فلا بدّ من أن يأخذ المعين يد المتوضى و يمسح بيده الممسوح، و هو مقدم الرأس و ظهر الرجلين بنحو الّذي ذكرنا في محله.

المسألة السادسة: لو لم يمكن إمرار يد المتوضى على الممسوح

و لو باعانة المباشر يجب أخذ البلة و الرطوبة من يد المتوضى و المسح بها على مواضع المسح و ذلك لوجوب كون المسح ببلة الوضوء و نداوته.

المسألة السابعة: لو كان المتوضى متمكنا عن مباشرة بعض أفعال الوضوء

بنفسه دون بعض، يجب عليه المباشرة في كلّ ما تمكن منه من الأفعال.

و وجهه واضح، لأنّ هذا مقتضى وجوب المباشرة، و يسقط ما لا يقدر عليه و لا يسقط وجوب ما قدر عليه من المباشرة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 110

[العاشر: الترتيب]

اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر: الترتيب بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليد اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجلين.

و لا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو.

نعم يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مرّ، و لو أخلّ بالترتيب و لو جهلا أو نسيانا بطل إذا تذكر بعد الفراغ و فوات الموالات، و كذا إن تذكر في الاثناء لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه.

و إن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب.

و لا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبى و الارتماسى.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: في وجوب الترتيب بتقديم الوجه،

ثم اليد اليمنى، ثم اليد اليسرى، ثم مسح الرأس، ثم الرجلين.

و هذا الحكم مما لا إشكال فيه في الجملة.

أما فتوى فللاجماع عليه كما حكي عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و غيرها.

و أمّا نصا فلدلالة قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 111

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «1» بالنحو المذكور عن بحر العلوم قدس سرّه من أنّ الفصيح لا يذكر امورا على الترتيب إلّا من باب اعتبار الترتيب و إن لم يكن التعبير بلفظة (ثم) فاللّه تعالى كلامه أفصح الكلام لم يجز أن يذكر الترتيب المذكور فى الآية إلّا لدلالة الترتيب مضافا إلى استفادة ذلك من بعض الروايات الّذي قال فيه (ابدأ بما بدء اللّه) فما بدء اللّه فى الآية دليل على تقديمه هذا بالنسبة الى الآية.

و الروايات منها ما رواها زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام عليهم السلام تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمنّ

شيئا بين يدى شي ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل، ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدء اللّه عزّ و جلّ به «2».

و منها ما رواها أيضا زرارة قال: سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدء بيده قبل وجهه، و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدء اللّه به و ليعد ما كان «3».

و منها ما رواها منصور قال سألت أبا عبد اللّه عمن نسى أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال: ينصرف و يمسح رأسه و رجليه. «4»

و منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال: يعيد الوضوء من حيث أخطأ

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 112

يغسل يمينه، ثم يساره، ثم يمسح رأسه و رجليه. «1»

و غيرها لعله نذكره في بعض المسائل الآتية إنشاء اللّه.

المسألة الثانية: ما نتعرض هنا وجوب الترتيب بين الأعضاء

فيقدم غسل الوجه على اليد اليمنى و اليمنى على اليسرى و اليسرى على مسح الرأس و مسح الرأس على الرجلين، و لا ربط له بالترتيب بين أجزاء كل عضو، و قد قدمنا في طى غسل الوجه و اليدين وجوب كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا.

المسألة الثالثة: لو أخلّ بالترتيب

و فرض إمكان تحصيله بما لا يوجب تحصيل الترتيب إخلاله بشي ء آخر يجب مراعاته من الموالات أو النية، مثل ما إذا كان قبل فوت الموالاة و لم يأت بما أخل فيه الترتيب بقصد التشريع.

فهل يصح الاكتفاء بالاتيان بما يحصل به الترتيب و لا يحتاج إلى استيناف الوضوء مطلقا سواء كان الاخلال عن عمد أو كان عن سهو كما نسب إلى المشهور أو يقال بوجوب الاعادة في صورة العمد و لو لم يفت المولاة كما حكي عن التحرير.

أو يقال بوجوب الاعادة على الناسى مطلقا و لو مع عدم الجفاف كما حكي عن التذكرة.

وجه القول الاول: الروايات الثلاثة المتقدمة في المسألة الاولى.

و ما رواها منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه السلام في حديث تقديم السعى على الطواف قال: ألا ترى إنك إذا غسلت شما لك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «2».

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 113

و غيرها كمرسلة الفقيه. «1»

وجه القول الثاني: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الا يسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن، ثم اغسل اليسار و

إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك «2».

بدعوى أن مفهوم قوله عليه السلام (إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك) و كذا قوله (فإن بدأت بذراعك الايسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن) هو أنّه إن لم تنس فلا تعد غسل وجهك و غسل الأيمن، و في هذا الفرض إما أن لا يجب اعادة غسلهما و يصح مع فقد الترتيب و مع عدم رعاية الترتيب فهو خلاف الاجماع، أو يكون الوضوء باطلا فيجب إعادة الوضوء فتكون النتيجة وجوب إعادة الوضوء في صورة العمد و لو لم يفت الموالاة.

و إمّا بدعوى أنّ الموالاة المعتبرة في الوضوء تحصل حال الاختيار بالمتابعة في الأفعال و تحصل حال الاضطرار بمراعات عدم الجفاف.

و في صورة كون الاخلال بالترتيب عمديا لا تحصل المتابعة في الأفعال فلا تكفى الاعادة بما يحصل به الترتيب فيكون الوضوء باطلا في صورة العمد لا خلا له بالموالاة.

و فيه أمّا رواية أبي بصير فحيث تكون الجملة الشرطية فيها من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع فلا مفهوم لها، و إن فرض له مفهوم فمفهوم قوله عليه السلام (ان نسيت

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 114

فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاعد غسل وجهك) هو أنّه إن لم تنس و لم تغسل ذراعيك قبل وجهك فلا تعد غسل وجهك و هو المطلوب إذ لم يخالف الترتيب.

و أمّا دعوى منافاته مع الموالاة المعتبرة.

ففيه أنّه لو تمّ ما قال و كان اعادة ما خالف الترتيب منافيا مع الموالاة المعتبرة فتكون الصورة خارجة عن

فرض المسألة لأنّ مفروض المسألة وجوب اعادة ما خالف الترتيب إذا لم يكن منافيا مع شرط آخر مثل شرطية الموالاة أو النية.

وجه القول الثالث يمكن أن يكون ما رواها على قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بدء بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد ألا ترى لو بدء بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء «1».

بدعوى أن ظاهر الرواية صورة النسيان لبعد الاقدام العمدى على ترك الترتيب و إطلاقها من حيث فوت الموالاة و عدمها و دلالتها على وجوب اعادة الوضوء فتصير دليلا على القول الثالث، و هو وجوب إعادة الوضوء لترك الترتيب و إن لم يخلّ بالموالاة.

و فيه أولا من المحتمل قريبا كون مورد الرواية صورة فوت الموالاة.

و ثانيا على فرض إطلاقها حتى لصورة عدم فوت الموالاة بعد دلالة الأخبار المتقدمة على عدم وجوب إعادة الوضوء، و كفاية إعادة ما يحفظ به الترتيب فقط لا بدّ من حمل (يعيد) في هذه الرواية على الاستحباب، أو يحمل الطائفة الاولى على صورة عدم فقد الموالاة و هذه الرواية على صوره فقد الموالاة، فتكون النتيجة إتيان ما يحصل به الترتيب مع عدم فوت الموالاة، و إعادة الوضوء مع فقد الموالاة

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 115

فتلخص أن الأقوى هو القول الأوّل.

المسألة الرابعة: لو أخلّ بالترتيب

سواء كان عن عمد أو عن جهل أو عن نسيان و تذكر بعد الفراغ عن الوضوء، مع فقد الموالاة يجب إعادة الوضوء، و لا يكتفى باتيان ما يحصل به الترتيب.

و وجهه فقد الموالاة المعتبرة كما يأتي إن شاء اللّه، و لدلالة رواية على المتقدمة على ذلك، لأنّ المتيقن منها

صورة فقد الموالاة أو يحمل عليه جمعا كما عرفت.

نعم لو جمع بينها و بين الروايات المذكورة في المسألة الرابعة بحمل (يعيد) في هذه الرواية على الاستحباب فلا تدلّ على وجوب الاعادة حتى في صورة فقد الموالاة.

المسألة الخامسة: إذا أخلّ بالترتيب و لم يخلّ بالموالات
اشارة

لكن أتى على خلاف الترتيب تشريعا، فكما قال المؤلف رحمه اللّه له صورتان:

الصورة الاولى: ما يكون ناويا للوضوء

الذي يأتي به على خلاف الترتيب الواقعى، فيكون في مقام الامتثال بالجزء للأمر التشريعى لا الأمر الواقعى المتعلق بالوضوء، ففي هذه الصورة حيث أنّه نوى الوضوء بهذا الوجه يكون تشريعا و يبطل الوضوء.

الصورة الثانية: ما إذا كان ناويا في وضوئه للأمر الواقعى،

لكن أتى بهذا الجزء على خلاف الترتيب بالأمر التشريعى في مقدار هذا الجزء و بالنسبة إليه، ففي هذه الصورة و إن كان يبطل الجزء للتشريع فيه، لكن لا يبطل الوضوء لعدم فساد نية الوضوء فيجب عليه الاعادة بمقدار يحفظ معه الترتيب.

المسألة السادسة: فيما تجب إعادة الفعل الذي أتى به على خلاف الترتيب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 116

هل يكتفى باعادة ما أتاه على خلاف الترتيب فقط، أو يجب إعادة ما أتاه مؤخرا على خلاف الترتيب أيضا أوّلا، ثم اتيان ما قدّمه على خلاف الترتيب، مثلا إذا غسل اليسرى قبل اليمنى على خلاف الترتيب ثم غسل اليمنى بعده هل يكتفى باعادة غسل اليسرى فقط، أو يجب أوّلا غسل اليمنى ثم غسل اليسرى، لأنّ غسل اليمنى أوّلا وقع على خلاف ترتيبه لأنّ حقه كان التقديم.

الأقوى الأوّل كما نسب إلى المشهور، ففي المثال يأتي بالغسل اليسرى فقط و يحفظ به الترتيب، لدلالة بعض الأخبار على وجوب هذا فقط، مثل الرواية منصور بن الحازم المتقدمة في المسألة الثالثة، لأنّ فيها قال: (ألا ترى إنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «1».

و ما رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك، ثم استيقنت بعد أنّك بدأت بها، غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك «2» و وجه الدلالة واضح.

وجه الاحتمال الثاني المحكى عن الصدوقين رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و غيرهم أمران:

الأوّل بعض الأخبار (ذكرناه في المسألة الثالثة) منه ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأسير

قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن، ثم اغسل اليسار، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك، ثم اغسل رجليك «3».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 117

و منه ما ذكرناه فى المسألة الاولى و هو ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: سألته عن رجل توضأ و غسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال يعيد الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه، ثم يساره، ثم يمسح رأسه و رجليه «1».

و فيه أنّه يمكن الجمع بين ما دلّ على وجوب إتيان المتقدم، ثم المتأخر، و بين ما دلّ على الاكتفاء بإتيان خصوص المتأخر ترتيبا الذي قدم على المتقدم ترتيبا، بحمل الطائفة الثانية، و هي رواية أبو بصير و على بن جعفر عليه السلام، على الاستحباب لنصوصية الطائفة الاولى، و هي رواية منصور بن الحازم و ابن أبي يعفور، على كفاية إعادة ما قدّمه مع كون حقه التأخير، مثلا لو قدّم غسل اليد اليسرى على اليمنى يكفى غسل اليسرى و ما بعدها، و لا يجب غسل اليد اليمنى الّذي غسله بعد اليسرى ثانيا.

و يمكن حمل الطائفة الاولى على صورة الاخلال بالترتيب باتيان المؤخر قبل المقدم و اتيان المقدم ترتيبا بعد المؤخر؟، مثلا مسح رجليه قبل مسح الرأس، ثم مسح الرأس، ففي هذه الصورة يكتفى بمسح رجليه فقط.

و حمل الطائفة الثانية على صورة إخلاله بالترتيب و باتيان المتأخر، و لكن لم يأت بالمتقدم ترتيبا بعده، مثلا أتى بمسح

الرجلين قبل مسح الرأس و لم يأت بعده بمسح الرأس، ففي هذه الصورة أمر بوجوب إتيان مسح الرأس ثم مسح الرجل، لأنّه لم يأت بمسح الرأس أصلا، فبذلك يجمع بين الطائفتين من الأخبار.

و أمّا حمل الطائفة الاولى على صورة كون منشأ فقد الترتيب هو النسيان و الطائفة الثانية على صورة العمد، لا وجه له لكون رواية أبي بصير من الطائفة الثانية

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 118

واردة في صورة النسيان.

و أمّا القول بأنه لو لم يمكن الجمع الدلالى بين الطائفتين و كانتا من المتعارضين.

فيقال بأنّه لا يكون مقتضى الحجية موجودا في الطائفة الثانية لا عراض المشهور عنها لافتائهم على طبق الطائفة الاولى فتسقط الطائفة الثانية عن الحجية.

ففيه أوّلا مجرّد موافقة الفتوى لا تدلّ على الاعراض لامكان جمعهم بين الطائفتين بما قلنا.

و ثانيا مع ما حكى من الصدوقين رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و غيرهم العمل على طبق الطائفة الثانية كيف يثبت الشهرة فضلا عن إعراض المشهور من القدماء رضوان اللّه عليهم.

و إن كان النظر إلى الشهرة عند المتأخرين رضوان اللّه تعالى عليهم فلا تكون شهرتهم مرجحا و لا موهنا.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 118

الأمر الثاني: أن وجوب إعادة ما قدم من الأعضاء مع كون حقه التأخير ليس إلّا من باب تحصيل صفة التأخر، فكما أنّ اتصاف المتأخر بوصف التقدم يوجب إعادته لحصول وصف التأخر كذلك يجب إعادة ما حقه التقدم بعد اتصافه بالتأخر حتى تحصل له صفة

التقدم، مثلا إذا قدّم اليد اليسرى على اليمنى فكما اتصفت اليسرى بالتقدم مع وجوب اتصافه بالتأخر، و لهذا تجب إدعاتها كذلك اتصفت اليمنى بالتأخر مع أن حقها التقدم، فتجب إدعاتها لتحصيل وصف التقدم و فيه أوّلا أنّ الترتيب شرط فى الجزء الآخر فيعتبر وجوده بعد الجزء السابق، و ثانيا بعد إتيان الجزء الآخر ثانيا لحصول الترتيب يصير الجزء السابق متصفا بالتقدم لتأخر الجزء اللاحق عنه، و ثالثا بعد دلالة النص على كفايته يكون ما قيل من الأمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 119

الثانى استدلالا على مدعاه اجتهادا فى مقابل النص.

المسألة السابعة: لا فرق في شرطية الترتيب بين تمام العضو و بعضه،

فمن ترك شيئا مثلا من وجهه و دخل في غسل ذراعه، يجب عليه غسل الجزء المتروك غسله، ثم إتيان ما بقى من وضوئه على الترتيب المعتبر بشرط عدم فوت الموالاة، و عدم الاخلال بالنية كما مر بيانه في البعض المسائل السابقة في هذه المسألة.

فما حكي عن ابن الجنيد من أنه إذا كان المنسى لمعة دون سعة الدرهم يكفى بلّه من غير إعادة ما بعده من الأعضاء لم نجد مدركا لمدعاه.

نعم روى روايتان يمكن أن يستدل بهما على عدم وجوب رعاية الترتيب إن كان المتروك بعض العضو بل يكفى بلّ العضو المتروك غسله من بعض جسده.

أمّا الروايتان:

أوّلها: مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: يجزيه أن يبلّه من بعض جسده «1».

ثانيها: ما رواها في عيون الأخبار عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن (احمد بن محمد عن سهل عن أبيه) قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل و ذكر مثله «2».

فى العيون حدثنا

ابى رضى قال حدثنا (سعد بن عبد اللّه قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن محمد عيسى عن محمد بن سهل عن أبيه قال) سلت الرضا عليه السلام و ذكر مثله «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 43 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) رواها فى الوسائل فى ذيل الرواية 1 من الباب 43 من ابواب الوضوء.

(3) الرواية 19 من الباب 27 من ابواب الترتيب الموالات فى الوضوء، ج 2 ص 331 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 120

و فيه أنّ الرواية الاولى مرسلة و الثانية ضعيفة لأنّ سهل مجهول مضافا إلى أنّهما معرض عنهما لعدم عمل الاصحاب بهما.

و قول ابن الجنيد لم يكن على طبق الخبرين، لأنّ مقتضاهما الاطلاق في الجزء المتروك سواء كان بقدر الدرهم أو الأقل أو الأكثر و مقتضى قول ابن الجنيد هو كفاية بلّ الجزء إذا كان لمعة دون سعة الدرهم.

فلا فرق كما قلنا في مخالفة الترتيب بين تمام العضو و بعضه في وجوب رعاية الترتيب.

المسألة الثامنة: لا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبى و الارتماسى

(بعد عدم الاشكال في الارتماسى من جهة اخرى مثل لزوم كون المسح بماء جديد في بعض صوره و مرّ الكلام فيه) لاطلاق الأدلّة.

***

[الحادى عشر: الموالاة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الحادى عشر: الموالاة بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فلو جفّ تمام ما سبق بطل.

بل لو جفّ العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستيناف و إن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق.

و اعتبار عدم الجفاف إنمّا هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الاعضاء أو طول الزمان، و أمّا إذا تابع في الإفعال و حصل

______________________________

جامع الاحاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 121

الجفاف من جهة حرارة بدنه، أو حرارة الهواء، أو غير ذلك فلا بطلان.

فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفى و عدم الجفاف.

و ذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع و إن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف.

ثم إنّه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق بل يكفى بقائها في الجملة و لو في بعض أجزاء ذلك العضو.

(1)

أقول: امّا التكلم فيما هو المراد من الموالاة لغة و عرفا فمما لا ثمرة له، لأنّ (الموالاة) لا تكون بهذه الهيئة و هيأتها الاخرى مذكورة فى نصّ و لا في معقد إجماع حتى نحتاج إلى ما هو موضوع له اللغوى أو العرفى.

إذا عرفت ذلك نقول: إن الاحتمالات بل الأقوال فيما هو المراد من الموالاة في الوضوء كثيرة نذكر إنشاء اللّه الأقوال و ما يمكن أن يكون وجها و دليلا له، و ما

ينبغى أن نختار من الأقوال:
القول الأوّل: [الموالاة في الوضوء تحصل بأن يغسل و يمسح قبل أن يجفّ جميع ما تقدمه]

ما ينسب إلى الأشهر بل إلى المشهور من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و هو أن الموالاة في الوضوء تحصل بأن يغسل و يمسح قبل أن يجفّ جميع ما تقدمه، فلو أخّر المتوضى الغسل أو المسح إلى أن جفّ بلل الأعضاء المتقدمة عليه

جفافا كان ناشيا عن التأخير لا عن سبب آخر بطل وضوئه.

و اعلم أن البطلان في هذه الصورة مسلم لا تفاق كل الأقوال في بطلانه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 122

هذه الصورة.

أما وجه هذا القول فقد ذكر له بعض طوائف من الأخبار، مضافا إلى دعوى الاجماع الاولى ما يدل على بطلان الوضوء و وجوب إعادته للاخلال بالموالاة:

منها ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك، فأعد وضوئك فإنّ الوضوء لا يبعّض «1».

فإنها تدلّ على عدم جواز الفصل بين الوضوء حتى يبس ما تقدم من أعضاء الوضوء، و كان سبب اليبوسة التأخير لا أمرا آخر، و أنّ ترك الموالاة يوجب بطلان الوضوء و لزوم إعادته، لا أن يكون الفصل سببا لفعل حرام حتى يكون محرّما بالحرمة التكليفية فقط، أو الحرمة التكليفية و الوضعية كليهما، بل مقتضاها هو الحرمة الوضعية، و هو بطلان الوضوء و وجوب الاعادة.

و منها ما رواها معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئى، فقال أعد «2».

أقول: و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على وجوب الاعادة فيما جف الوضوء.

و أمّا عدم وجوب الاعادة فيما لم يجفّ، فلا تدلّ عليه لعدم مفهوم لها، فعلى هذا لا تدلّ على القول المشهور و هو عدم وجوب الاعادة إذا لم يجفّ و إن لم يبق التوالى العرفى، لأنّ الرواية ساكتة عن صورة عدم تجفيف المواضع المتقدمة من الوضوء.

الطائفة الثانية: ما ورد فيمن نسى مسح رأسه حتّى جفت الرطوبة من أعضاء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 33 من

ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 123

وضوئه بوجوب إعادة الوضوء.

و منها ما رواها مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى مسح رأسه، ثم ذكر أنّه لم يمسح رأسه، فإن كان في لحيته بلل فلياخذ منه و ليمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء «1».

و منها مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: قال الصادق عليه السلام إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقى في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقى منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و اشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، فإن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء «2».

وجه الدلالة أن عدم الموالاة صار سببا لعدم بقاء الرطوبة و البلة و لهذا اوجب عليه السلام إعادة الوضوء، فالروايتان دليلان على اعتبار الموالاة بالمعنى المتقدم.

و فيه أن الظاهر من الروايتين كون وجوب الاعادة من باب عدم بقاء الرطوبة و تعذر المسح بنداوة الوضوء، لا من باب الاخلال بالموالاة.

الطائفة الثالثة: ما دل على لزوم اتباع الوضوء بعضه بعضا.

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال اتبع وضوئك بعضه بعضا «3».

و منها ما رواها حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية

1 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 124

من الوضوء الذراع و الرأس، قال: يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا «1».

وجه الاستدلال هو انّه معنى اتباع بعض الوضوء ببعضه هو الموالاة.

و فيه أن الظاهر كون المراد من الأمر باتباع الوضوء بعضه ببعض هو الترتيب أمّا أوّلا فإن رواية الحلبى لها صدر يدل على أن المراد من اتباع الوضوء في ذيلها هو الترتيب.

لأنّ صدرها هكذا (الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه، و ذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضأ و قال اتبع وضوئك بعضه بعضا «2».

و أمّا ثانيا فلأنّ رواية زرارة التي ذكرناها في المسألة الاولى من المسائل المتعلقة بالترتيب، تدلّ على أنّ المراد من الاتباع هو الترتيب لأن فيها قال عليه السلام (تابع بين الوضوء كما قال للّه عز و جل ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين و لا تقد منّ شيئا بين يدى شي ء الخ) «3».

و أمّا ثالثا على فرض دلالة الخبرين على أنّ المراد من الاتباع هو الموالاة يدلّان على وجوب الموالاة، و أما على قول المشهور فى الموالاة و هى كونها عبارة عن عدم جفاف الأجزاء السابقة جميعا فلا يدلّان عليه لدلالتهما على فرض كون

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 33 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 27 من أبواب الوضوء من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2، و الرواية 9

من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الوضوء من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2 و الرواية 1 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 125

التتابع الموالاة على نفس الموالاة فى الأجزاء، و أمّا الموالاة بالمعنى المنسوب الى المشهور أو غير قولهم من الأقوال الاخر فى الموالاة فلا.

فتلخص أن الطائفة الثانية و الثالثة و إن لم تدلّ على القول المشهور، و لكن في دلالة الطائفة الاولى غنى و كفاية.

لكن هنا كلام في أنّ نظر المشهور في الموالاة من تفسيرها بالغسل و مسح كل عضو قبل جفاف جميع ما تقدمه، إن كان إلى أنّ بطلان الوضوء يكون في صورة تأخير العضو اللاحق تأخيرا يوجب جفاف جميع الأعضاء السابقة حتى إذا كان الجفاف لأجل علة خارجية مثل حرارة الهواء، و عدم البطلان في غير هذه الصورة مطلقا سواء يحصل التتابع العرفى أم لا.

فاستفادة مختارهم من الخبرين المذكورين بعنوان الطائفة الاولى، و هو خبر أبي بصير و معاوية بن عمّار، مشكل بل على خلاف ظهورهما لأنّ مقتضاهما كون الجفاف مستندا إلى ترك المتابعة و عدم حصول التتابع العرفى.

إذ قوله عليه السلام في رواية أبي بصير (إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك فاعد وضوئك الخ).

و كذا رواية معاوية بن عمار حيث يكون قوله سؤالا (ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ الماء، فيجفّ وضوئى، فقال عليه السلام: أعده) هو كون التأخير لأجل عروض الحاجة كما في الرواية الاولى و إبطاء الجارية عن عرض الماء عليه كما في الثانية صار سببا لجفاف الوضوء.

فمن هنا نكشف أنّ الميزان هو

التوالى، فلو أتى بالأفعال متتابعة صح وضوئه جفّ أو لم يجفّ، و يكفى ذلك في حفظ الموالاة، و تذهب هذه المتابعة بجفاف الاعضاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 126

لأنّه مع جفاف تمام الأعضاء بحسب متعارف الهواء، كما لا يبعد كونه ظاهر الروايتين، لا تبقى المتابعة العرفية و توالى الأفعال.

و هل يكون نظر المشهور هذا أو كلماتهم محمولة على ذلك أم لا؟

و على كل حال أمكن حمل كلام المشهور على ما قلنا أو لم يمكن، نقول: بعد عدم تحقق إجماع على كون الصحة و بطلان الوضوء مدار نفس عدم جفاف الأعضاء المتقدم على العضو الذي حصل الشك في وقوع جفافها، و كذلك عدم تحقق الشهرة عليه.

نقول: بأنّ المستفاد من الخبرين هو موجبية الجفاف لبطلان الوضوء إذا كان سببه تأخير التتابع لا مطلقا فندور في الصحة و البطلان مدار التوالى و التتابع و عدمه.

نعم مع عدم جهة خارجية في البين يكون الجفاف كاشفا عن فقد التوالى و التتابع.

القول الثاني: هو التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار في الموالاة

فيقال: بأنّ الموالاة في حال الاختيار عبارة عن المتابعة بين الأعضاء بأن يشتغل في كل عضو لاحق بغير فصل عرفى بينه و بين العضو السابق عليه، و الموالاة المعتبرة حال الاضطرار عبارة عن عدم جفاف السابق قبل الشروع في اللاحق، و هذا القول محكى عن المبسوط و الخلاف و المعتبر.

و يستدلّ على اعتبار المتابعة حال الاختيار بقوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ «1» إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الخ) بدعوى أن الفاء تدلّ على التعقيب بالاتصال، فيعتبر وقوع أفعال الوضوء متعاقبة بعضها ببعض.

______________________________

(1) سورة مائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 127

و بما روى زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء

كما قال اللّه عزّ و جلّ ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمنّ شيئا بين يدى شي ء الخ) ذكرنا الرواية في المسألة الاولى من المسائل الراجعة إلى شرط الترتيب «1» بدعوى أنّ المتابعة المأمور بها في التتابع في الأفعال و تواصلها.

و بما روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فاعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك «2».

بدعوى انّه لو لم تجب المتابعة لما أمر باعادة غسل الوجه.

و يستدلّ على كون المتابعة المعتبرة حال الاضطرار عدم جفاف السابق قبل الشروع في اللاحق، بالروايتين المتقدمتين رواية «3» أبي بصير و معاوية بن عمار «4» الواردتين في صورة عروض الحاجة بين الوضوء أو نفاد الماء و كليهما حال الاضطرار فعلّق وجوب الاعادة بصورة جفاف الوضوء.

و فيه أمّا ما تمسك به على اعتبار المتابعة في الموالاة في حال الاختيار بقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فالفاء و إن كانت للاتصال تدلّ على أنّ حين التهيؤ للصلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ اى توضئوا و لا ربط لها بالاتصال و التتابع بين أعضاء الوضوء.

______________________________

(1) رواية 1 من باب 34 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) رواية 2 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) رواية 3 من باب 21 من ابواب الوضوء من وسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 128

و امّا روايتا زرارة و أبي

بصير ففيهما أنّه قد عرفت عدم كونهما مربوطتين بالتتابع في الموالاة، بل كونهما متعرضتين لاعتبار الترتيب بين الأعضاء بالنحو الذي بينّا.

و أمّا ما تمسك به على كون الاعتبار بعدم الجفاف في الموالاة حال الاضطرار.

ففيه أوّلا أن مجرد كون المورد مورد عروض الحاجة أو نفاد الماء لا يوجب اختصاص الحكم بصورة عروض الحاجة، و ثانيا بعد كون الظاهر من الروايتين أن الجفاف حصل من التأخير، فما هو المعتبر هو التتابع العرفى، غاية الأمر حيث يحصل عدم التتابع بالجفاف أمر بالاعادة في صورة الجفاف، و بعد كون المعتبر في الموالاة التتابع العرفى فلا فرق فيه بين حالتى الاختيار و الاضطرار.

القول الثالث: أنّ الموالاة عبارة عن المتابعة و عدم الفصل بين الأعضاء

و الموالاة واجبة بهذا المعنى لكن وجوبه يكون بالوجوب التكليفى لا بالوجوب الوضعى، بمعنى اعتبارها في صحة الوضوء، بل الصحة منوطة بعدم الجفاف.

و يستدلّ عليه بظاهر بعض الأوامر الواردة بالغسل و المسح في الوضوء بعد كون الأمر ظاهرا في الفور، و بما في بعض الروايات التي ذكرناه أن الوضوء يتبع بعضه بعضا، لأنّ التتابع عبارة عن الموالاة.

و فيه أمّا ما ادعى من كون ظاهر الأوامر الفور.

ففيه انّه لو قلنا بأن ظاهر الأمر يقتضي الفورية لا يمكن أن نقول هنا، لأنّه إن كان الأمر بغسل الوجه و اليدين أو الأمر بالمسح للفور فلازمه القيام للوضوء فورا لأنّ الامر بغسل الوجه لو كان للفور معناه القيام به فورا، و الحال أنّه لا يمكن القول به بل أمر الوضوء يكون شرطيا وضعيا للصلاة أو لغاية اخرى واجبة، فالوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 129

التعبدى لا دليل له لأنّ الأمر بالوضوء أو الغسل أو المسح فيه هو الوجوب الشرطى فلو ترك يؤاخذ لترك مشروطه و هو الصلاة،

لا لتركه الوضوء كما مر الكلام فيه في مقدمة الواجب.

و أمّا ما ورد من أن الوضوء يتبع بعضه بعضا فقد عرفت فى طى هذا المبحث و في مسئلة الترتيب أن النظر فيه بالترتيب المعتبر بين أعضاء الوضوء لا بالموالاة.

القول الرابع: [هو كفاية أحد الأمرين من المتابعة و عدم الجفاف]

و هو مختار المؤلف رحمه اللّه و جلّ المتأخرين و المحكى عن الصدوقين رحمه اللّه و هو كفاية أحد الأمرين من المتابعة و عدم الجفاف في صحة الوضوء فبطلان الوضوء يتوقف على فقد المتابعة و حصول جفاف الأعضاء السابقة.

و وجهه على ما أشار المؤلف رحمه اللّه هو أن المستفاد من رواية أبي بصير و معاوية بن عمار المتقدمتين هو أن الشرط في الوضوء عدم الجفاف الحاصل من عدم التأخير بمقدار يحصل به الجفاف.

فالمبطل هو الجفاف الحاصل عن التأخير، لا ترك المتابعة مطلقا و لو لم يحصل بتركها الجفاف، و لا بالجفاف مطلقا و لو لم يحصل من ترك المتابعة.

و لازم هذا القول صحة الوضوء عند متابعة أفعال الوضوء بعضها للبعض و إن حصل الجفاف، و صحة الوضوء عند عدم حصول الجفاف و لو مع عدم متابعة، الافعال فينحصر بطلان الوضوء بصورة حصول الجفاف الناشئ عن ترك المتابعة.

فمرجع هذا القول إلى كفاية التواصل بين اعضاء الوضوء بالمعنى الاعم الحاصل من تتابع نفس الأفعال بعضها بالبعض، و بتتابع أثرها و هو بقاء الرطوبة و عدم جفافها.

أقول: اعلم أن المدرك في الموالاة إن كان الاجماع، فترى أنّ كلماتهم من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 130

حيث المراد من الموالاة تكون مختلفة، فلا يمكن استفادة أحد من الاقوال من الاجماع.

و إن كان النص، فالنص في المسألة، كما عرفت الاشكال في التمسك ببعض الروايات، ليس إلّا الخبرين خبر

أبي بصير و خبر معاوية بن عمار.

أما خبر معاوية بن عمار فمفاده ليس إلا وجوب الاعادة في صورة نفاد الماء في اثناء الوضوء و يبوسة الوضوء، و لا مفهوم له يدل على عدم وجوب الاعادة في غير صورة جفاف الوضوء و يبوسته، لأنّ معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئى، فقال: اعد).

لأنّه عليه السلام فى مورد سؤال السائل (قال: أعد) فلا مفهوم له يدل على عدم وجوب الاعادة في صورة عدم الجفاف و إن أخلّ بالمتابعة العرفية، كما لا دلالة له على أنّ وجه وجوب الاعادة هو فوت الموالاة بمعنى المتابعة العرفية، أو هو مع جفاف الأعضاء.

نعم لا يدل على كون الجفاف بنفسه سببا لوجوب الإعادة، لأنّ مورد السؤال الجفاف المستند بعدم التتابع، هذا بالنسبة إلى هذا الخبر.

فيقى خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك فأعد وضوئك فإنّ الوضوء لا يبعّض).

و هو كما ترى منطوقه وجوب إعادة الوضوء إذا توضأ بعض الوضوء فعرضت له حاجة موجبة لأن يبس وضوئه، و مفهومه عدم وجوب الاعادة فيما توضأ و لم يعرض له حاجة يوجب يبوسة الوضوء، فالخبر بمنطوقه، مع قطع النظر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 131

عن العلة المذكورة في ذيله، يدل على أنّ الجفاف المستند بترك المتابعة في أفعال الوضوء يوجب بطلان الوضوء، و بمفهومه يدلّ على أن الجفاف الغير المستند بترك المتابعة لا يوجب الإعادة، لأنّ مقتضى دخل عروض الحاجة في الجفاف هو عدم موجبة الجفاف بنفسه للاعادة.

فالرواية مع قطع النظر عن العلة المذكورة في

ذيلها تدلّ إمّا على موجبية نفس الفصل بسبب عروض الحاجة لوجوب الاعادة لوضوح عدم خصوصية للجفاف بنفسه، بل الجفاف كاشف عن الفصل و فقد المتابعة العرفية.

و إمّا على كون الموجب للاعادة كل من عروض الحاجة أعنى: فقد المتابعة و الجفاف معا.

فعلى الأوّل ما هو السبب للاعادة فقد التتابع و الجفاف كاشفه، و يؤيد هذا الاحتمال، بل تدل عليه، العلة المذكورة في ذيل الرواية (فإنّ الوضوء لا يبعّض) فإنّ المستفاد من العلة هو ان الوضوء امر وحدانىّ ليس قابلا للتبعيض، فليس قابلا لان يفصل بين أجزائه بما يخل بوحدانيته، و ليس هذا الّا اعتبار التتابع فيه التتابع العرفى فلا تعارض على هذا بين الصدر و بين العلة أصلا.

و أظهر الاحتمالين بل الظاهر من الرواية هذا الاحتمال.

و أمّا على الثاني أعنى: احتمال كون السبب لوجوب الاعادة كل من فقد المتابعة الحاصلة من عروض الحاجة، و الجفاف فتكون النتيجة وجوب الاعادة مع تحقق كلا الشرطين: فقد التتابع و جفاف الاعضاء.

فاذا لم يحصلا لا تجب إعادة الوضوء سواء حصل واحد منهما أو لا فلو حصل الجفاف و لم يفقد التتابع يصح الوضوء و لا تجب اعادته كما أنّه لو فقد التتابع و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 132

يحصل الجفاف يصح الوضوء و لا تجب إعادته.

فلازم هذا الاحتمال تعارض الصدر مع العلة، لأنّه على هذا الاحتمال إذا فقد التتابع العرفى و لم يجف الأعضاء المتقدمة لا تجب الاعادة.

مع أن ظاهر العلة و هي (إنّ الوضوء لا يبعّض) هو بطلان الوضوء، لأنّه مع فقد التتابع العرفي فقد تبعّض الوضوء، و إن لم يجفّ الاعضاء السابقة.

فلا بد أمّا من الالتزام بأن دخل كل من الأمرين في وجوب

الاعادة فقد التتابع و الجفاف، يكون من باب ملازمتهما غالبا بحسب المتعارف في الاشخاص و الأمكنة و الازمنة، فتكون النتيجة كفاية كل منهما في صورة انفكاكهما.

أو من الالتزام بأن ظهور الصدر أقوى من ظهور العلة، و هذا مما لا يمكن القول به، لأنّه مع الاحتمال الأوّل الذي قلنا في صدر الرواية و أنّه الا ظهر، كيف يقال بأقوائية ظهور الصدر في دخل كل من الأمرين عن ظهور العلة الدالة على كون الحكم بعدم وجوب الاعادة و الإعادة مدار التتابع و فقده.

فما يأتي بالنظر و إن لم يساعدنى أحد، هو أنّ الاقوى في المقام القول الخامس و هو مختارنا، و هو ما بينّا في مطاوى كلماتنا في توجيه القول الأوّل و في رد القول الرابع.

و هو أنّ الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن التتابع العرفى سواء حصل فقده بجفاف الأعضاء أو بالفصل و لو بغير الجفاف، و السر في ذلك كما ذكرنا في مطاوى كلماتنا أنه ليس الدليل على اشتراط الموالاة إلّا الخبرين المتقدمين.

واحد منها و هو خبر معاوية بن عمار، و لا يستفاد منه إلا وجوب اعادة الوضوء مع جفاف الاعضاء المستند جفافها إلى فقد التتابع، لأنّ مفروض سؤاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 133

نفاد الماء و إبطاء الجارية عن الاتيان بالماء صار سببا للجفاف، و لا تعرض فيه لكون منشأ وجوب الاعادة دخل الجفاف أو عدم دخله.

و لكن يستفاد منه عدم كون الجفاف بنفسه سببا للاعادة لان مفروض السؤال الجفاف المستند بفقد التتابع.

و يبقى الآخر و هو خبر أبو بصير و فيه شرط و جزاء و علة.

أما الشرط فهو إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك) و

مفاد الشرط هو أنه إذا توضأ أحد و صار عروض الحاجة سببا ليبوسة الوضوء.

و الجزاء قوله عليه السلام (فأعد وضوئك) فتكون النتيجة أنه إذا توضأت بعض الوضوء و عرضت لك حاجة حتى صار عروض الحاجة موجبا للفصل و فقد التتابع بحيث يبس الوضوء أعد الوضوء.

و بعد مسلّميّة عدم كون الجفاف بنفسه سببا لوجوب الاعادة، لأنّه مخالف لظهور كل من الروايتين فى عدم كونه بنفسه سببا، بل إما كاشف عن السبب و هو فقد التتابع و إما جزء السبب بمعنى كون فقد التتابع مع الجفاف فيبقى احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كون السبب نفس فقد التتابع العرفى، غاية الأمر ذكر كاشف له و هو أنّه لو حصل الفصل بمقدار يبس الوضوء، فيبوسة الوضوء و جفافه كاشف عن فقد التتابع المعتبر في الوضوء، لا لدخل الجفاف في الحكم بوجوب الاعادة، بل لكونه كاشفا عن فقد التتابع المعتبر في الوضوء.

و يؤيد هذا الاحتمال، بل يدلّ عليه العلة المذكورة في ذيل الرواية (فانّ الوضوء لا يبعّض) لأنّ ظاهر العلة أعنى: علة الحكم و هو وجوب الاعادة، عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 134

قابلية الوضوء للتبعّض و صيرورة بعضه منفصلا عن بعض.

و بعبارة اخرى الوضوء امر وحدانى يضر الانفصال بوحدانيته فيخل بسبب الفصل و عدم التتابع العرفى، فلا بد من اعادته، فعلى هذا نقول: يساعد هذا الاحتمال و هو كون سبب الاعادة فقد التتابع العرفى مع العلة المذكورة و هي (إنّ الوضوء لا يبعّض).

الاحتمال الثاني: كون السبب لوجوب الاعادة كلا من فقد التتابع العرفى و الجفاف، فيكون كل منهما جزء السبب و ثمرته هو البطلان في صورة الجفاف الناشئ عن فقد التتابع، و صحة الوضوء مع فقد أحدهما أعنى:

مع التتابع يصح الوضوء و إن جف الوضوء، و يصح مع عدم الجفاف و إن فقد التتابع.

و لكن يبعّد هذا الاحتمال ان على هذا مع بقاء الرطوبة و عدم الجفاف يصح الوضوء، فنقول: إنّ الجفاف الذي مع حصوله يبطل الوضوء إن كان مطلق الجفاف حتى ما إذا حصل لبعض الأسباب الغير المتعارفة كحرارة الهواء أو حرارة البدن، فلازمه عدم كون الجفاف المستند إلى عدم التوالى موجبا للابطال، و هو خلاف مفروض الرواية، و لم يقل به المشهور، و لا المؤلف رحمه اللّه و من يقول بقوله، و هو القول الرابع من الأقوال المتقدمة.

و إن كان المراد من الجفاف الموجب للبطلان خصوص الجفاف المستند إلى طول الزمان و الفصل المنافى مع التتابع، فيكون الجفاف دائما مسا و قامع فقد التتابع لأنّه على الفرض الجفاف المستند إلى فقد التتابع مبطل، فهو حاصل في طول فقد التتابع، و بعبارة اخرى يكون متأخرا عنه رتبة و زمانا، فنقول: بعد كون الجفاف الذي نقول بكونه جزء السبب دائما حاصلا في صورة فقد التتابع و في طوله، فلا فائدة لدخل فقد التتابع فيه فلا حاجة إلى ذكر قوله (فعرضت لك حاجة) لأن ذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 135

اليبوسة مستغن عنه.

إن قلت: إن وجه ذكر مستند الجفاف و هو فقد التتابع بقوله عليه السلام (فعرضت لك جماعة) يكون لاجل بيان أن الجفاف مطلقا ليس منشأ البطلان حتى فى ما لا يكون مستندا إلى فقد التتابع بل الجفاف الخاص و هو المستند إلى فقد التتابع يوجب البطلان.

قلت: إنّه على هذا يظهر أن للجفاف ليس دخل في بطلان الوضوء و وجوب اعادته، بل ما هو السبب هو فقد التتابع،

غاية الأمر يكون الجفاف كاشفا عنه، فتكون النتيجة أن السبب الوحيد في وجوب اعادة الوضوء فقد التتابع، فلا يدور حكم وجوب الاعادة مدار الجفاف، بل يدور مدار فقد التتابع العرفى.

و لعل هذا صار سببا لذهاب بعضهم إلى كفاية الجفاف التقديرى، لأنّ معنى الجفاف التقديرى عدم لزوم فعليته، فمن الفصل العرفى يستكشف الجفاف التقديرى و هذا شاهد على أن العبرة في البطلان عدم التتابع العرفى.

و لعل اكتفاء بعضهم بعدم لزوم جفاف تمام الاعضاء السابقة أو كفاية جفاف بعض المتقدم على العضو المتقدم هو هذا أعنى: حصول الفصل العرفى و فقد التتابع.

و إلّا لو جمدنا على اعتبار الجفاف بنفسه فلا بد من جفاف تمام ما تقدم على العضو اللاحق.

و أمّا إن كانت العبرة بفقد التتابع فربما يحصل بجفاف البعض كما يحصل تارة بجفاف تمام ما تقدم.

مضافا الى أن الالتزام بالخصوصية للجفاف و انّه متى لم يتحقق الجفاف لا يبطل الوضوء ينافي ظاهر العلة المذكورة في الرواية (فإن الوضوء لا يبعّض) لانها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 136

كما قلنا تدلّ على اعتبار التتابع العرفى في الوضوء بحيث يوجب اخلاله تبعّض الوضوء.

و لا وجه لأن يقال بالتصرف فى ظهور العلة بظهور الصدر الدال على اعتبار الجفاف، لأنّ هذا يوجب رفع اليد عن عليّة العلة و ظهور الذيل في العليّة مما لا ينكر فلا بد من التصرف في الصدر.

و المتحصل من البحث هو أن الأقوى بالنظر عاجلا كون الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن فقد التتابع العرفى الحاصل تارة بجفاف الأعضاء السابقة و تارة بنفس الفصل العرفى و لو لم يجف الاعضاء السابقة بعضها أو جميعها.

و لكن حيث لم أر من يقول بمقالتنا نقول: بأن الأحوط

في مقام العمل وجوبا هو أنّه مع حصول فقد التتابع العرفى و عدم حصول جفاف تمام الاعضاء عدم الاكتفاء بما بقى من أفعال الوضوء، بل الصبر الى أن يجفّ تمام الاعضاء، ثم اعادة الوضوء و في ضيق الوقت يتم وضوئه بهذا الحال ثم يتيمم.

ثم إنّه على ما استظهرنا من الدليل ليست العبرة دائما بجفاف تمام أعضاء الوضوء في صدق فوات الموالاة حتى نبحث في أنّه لو بقيت الرطوبة في بعض الاعضاء من الافعال السابقة لم تفت الموالاة.

بل العبرة ببقاء التتابع العرفى و فقده، فمع بقائه لم تفت الموالاة و يكون الجزء الباقى قابلا للحوق بالأجزاء السابقة و مع عدمه فلا، بل يجب اعادة الوضوء، فتأمل جيّدا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 137

[مسئلة 24: إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته و وضوئه أيضا إذا لم يبق الرطوبة في اعضائه، و إلّا أخذها و مسح بها و استأنف الصلاة.

(1)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا توضأ و شرع في صلاته ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها و لم تبق الرطوبة

في أعضائه، فلا إشكال في بطلان الوضوء لفقد الرطوبة في أعضائه و لا بدّ من كون المسح بنداوة الوضوء و مع جفاف الاعضاء لا يتمكن منه فيبطل وضوئه.

و أمّا بطلان صلاته لوقوعها في غير طهارة مضافا إلى دلالة بعض الأخبار بالخصوص على بطلان الصلاة فيما وقعت الصلاة بغير طهارة.

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتمّ الّذي نسيته من وضوئك و اعد صلاتك «1» و غيرها راجع الباب المذكور فيه الرواية.

و إطلاق هذه الرواية و إن كان يقتضي وجوب إتمام الّذي نسيه من الوضوء سواء فاتت الموالاة أم لم تفت، لكن لا بدّ من تقيدها بما دل على شرطية الموالاة.

الصورة الثانية: ما إذا تذكر في الصلاة ترك بعض المسحات أو تمامها و بقيت الرطوبة في بعض أعضائه
اشارة

فالكلام في موضعين:

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 138

الموضع الأوّل: في بطلان صلاته و وجوب استينافها

فنقول لا إشكال فى فسادها و وجوب استينافها لوقوع ما وقع منها بلا طهارة، و دلالة الرواية المتقدمة و غيرها على وجوب الانصراف عن الصلاة و استينافها بعد تحصيل الطّهارة المعتبرة.

الموضع الثاني: في الوضوء و أنّه هل يكفى أخذ البلة من بعض مواضع وضوئه

و المسح بهذه البلة و يصحّ وضوئه أو يجب إعادة الوضوء من رأس فيما فقد التتابع العرفى و إن لم يجفّ تمام أعضائه السابقة من وضوئه؟

أقول: أمّا على قول من يقول بأن الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن عدم جفاف الاعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فعلى الفرض حيث تكون النداوة باقية لم تفت الموالاة و يمسح بنداوة الوضوء و يصح وضوئه.

و أمّا على ما قوينا من أن الموالاة المعتبرة هو فقد التتابع العرفى فلا بدّ من ملاحظة ذلك.

فإن فقد التتابع بطل الوضوء سواء جفّت أعضاء وضوئها أو لم تجفّ، و إن لم يفقد التتابع العرفى يمسح بنداوة وضوئه و يصح وضوئه.

و حيث قلنا في مقام العمل بالاحتياط فلا بدّ في الفرض على تقدير فقد التتابع العرفى من الصبر إلى أن يجفّ تمام أعضاء الوضوء ثم يعيد الوضوء، و مع ضيق الوقت عن الصبر يمسح بالنداوة الموجودة، ثم يتيمم و يصلّى.

***

[مسئلة 25: إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى بالمسحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 139

بالمسحات لا بأس، و كذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقى، و يجوز التوضى ماشيا.

(1)

أقول: بعد ما فسّر المؤلف رحمه اللّه الموالاة بعدم جفاف جميع الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فالعبرة في صحة الوضوء بعدم الجفاف المستند إلى عدم الفصل الطويل و بطلانه بالجفاف المستند إلى الفصل الطويل، فلا بأس بالمشي خطوة أو خطوات بين الغسلات أو بين المسحات، و في أىّ حال من أحوال الوضوء إذا لم يجف الأعضاء السابقة بطول المشي لعدم اخلال المشى بالموالاة.

و إن كان الشك في جواز المشي و عدمه من جهة احتمال شرطية السكون أو مانعية المشى،

فبعد عدم الدليل عليها يكون مع الشك مجرى أصالة البراءة.

***

[مسئلة 26: إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوئه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوئه مع فرض عدم التتابع العرفى أيضا، و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبين الخلاف.

(2)

أقول: كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى أنّه لو ترك الموالاة بمعنى عدم الجفاف بالموالاة بطل وضوئه مع عدم التتابع العرفى، فتعبيره نفس عدم الجفاف بالموالاة مع كونها بنظره، على ما عرفت في بيان معنى الموالاة المعتبرة في الوضوء، أنها عدم الجفاف المستند جفافه إلى الفصل الطويل مخالف مع ما اختاره في معنى الموالاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 140

و على كل حال مع فرض الجفاف و عدم التتابع العرفى يبطل الوضوء سواء يقال بكون الموالاة الجفاف المستند بعدم الفصل الطويل كما هو مختاره أو كانت الموالاة التتابع العرفى على ما فهمنا من الدليل، لفقد الشرط، و الشرط ليس شرطا علميا حتى يقال: بأن فقده حال النسيان لا يضر بالمشروط.

و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبيّن خلافه، فبناء على كون الميزان حصول الجفاف، فقد حصل ترك الموالاة فيبطل وضوئه.

نعم على ما اخترناه نقول: بأنه في الفرض لو فقد التتابع و اعتقد وجوده ثم تبين فقده، أو في فرض اعتقاده عدم الجفاف تبين الجفاف لو أخل بالتتابع العرفى يبطل الوضوء و إلّا فلا.

***

[مسئلة 27: إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية أو الأطراف الخارجة عن الحدّ ففي كفايتها إشكال.

(1)

أقول: قد مر في المسألة 25 المتعلقة بالمسح و كونه بنداوة الوضوء بأن الأحوط بل الأقوى عدم جواز الأخذ من مسترسل اللحية.

ففي المقام نقول: بعد كون مترسل اللحية و كذا الأطراف الخارجة عن الحد غير داخل في ما يجب غسله

من الوجه فى الوضوء، فمع جفاف الوجه على تقدير كون الجفاف الأجزاء السابقة مخلا بالموالاة، فقد أخل بالموالاة و يجب اعادة الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 141

نعم بناء على كون المخل بالموالاة فقد التتابع العرفى فإن فقد التتابع العرفى بطل الوضوء و الّا فلا.

و لكن يمكن أن يقال: بأنّه مع جفاف الأعضاء حيث يكون مستندا إلى الفصل فيخلّ بالموالاة و إن كانت الموالاة عبارة عن التتابع العرفي.

***

[الثاني عشر: النية]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: النية، و هى القصد إلى الفعل مع كون الداعى أمر اللّه تعالى، إمّا لأنّه أهل للطاعة و هو أعلى الوجوه، أو لدخول الجنة و الفرار من النار و هو ادناها و ما بينهما متوسطات و لا يلزم التلفظ بالنية، بل و لا اخطارها بالبال، بل يكفى وجود الداعى في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول أتوضأ مثلا و أما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقى متحيّرا فلا يكفى و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين المقدمات، و يجب استمرار النية إلى آخر العمل، فلو نوى الخلاف أو تردّد و أتى ببعض الأفعال بطل إلّا أن يعود إلى النية الاولى قبل فوات الموالاة، و لا يجب نيّة الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية، و لا نيّة وجه الوجوب و الندب بأن يقول:

أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب، أو لوجوبه أو ندبه، أو أتوضأ لما فيه من المصلحة، بل يكفى قصد القربة و اتيانه لداعى اللّه، بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع أو التقييد، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثم تبيّن عدم دخوله صحّ إذا لم

يكن على وجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 142

التقييد و إلّا بطل كأن يقول: أتوضأ لوجوبه و إلّا فلا أتوضأ.

(1)

أقول: و التكلم في هذه المسألة يقع في طى امور:

الأمر الأوّل: في أنّ النيّة جزء للوضوء

و كذا لسائر العبادات أو شرط له الظاهر كونها شرطا، لأنّ الجزء يتحقق منه و من غيره الكل، فالمؤلف من الأجزاء و هو المركب، يكون عبادة لا بد فى حصولها من القصد و إتيانه بداعى الأمر فهى، أمر خارج عن العبادة تعتبر فيها، و على كل حال لا ثمرة فى البحث عن كون النية جزء أو شرطا ثمرة عمليّة، و معنى شرطيتها ليس الّا انّ صيرورة الفعل العبادى فعلا اختياريا يستند إليه و صادرا منه بعنوان العبادية تحتاج إلى النية، أعنى: القصد يعنى إتيان الفعل بداعى الأمر.

الأمر الثاني: قال المؤلف رحمه اللّه: النية
اشارة

و هي القصد إلى الفعل مع كون الداعى أمر اللّه تعالى، فللكلام جزان الأول القصد إلى الفعل، و الثاني كون هذا القصد و داعيه أمر اللّه تعالى.

أمّا اعتبار القصد إلى الفعل فلا إشكال فيه لأنّه بعد ما لا يعنون العنوان القصدى بعنوانه في الخارج إلّا بالقصد، فلا بدّ لصيرورة الفعل معنونا بالعنوان من القصد.

حيث إنّه بعد قابلية الفعل لأن يكون منطبق عنوانين أو عناوين فتعنونه بأحد من العناوين يحتاج إلى القصد، مثلا إذا كان القيام، و هو فعل من الأفعال، قابلا لانطباقه بعنوان التعظيم و قابلا لانطباقه بعنوان الاستراحة، لا يعنون باحد العنوانين إلّا بالقصد، فلا بد من وقوعه منطبق أحدهما من قصد أحدهما، و غسل الوجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 143

و اليدين في الوضوء، و كذا المسح فيه قابلا لكونه للوضوء و قابلا لكونه للتبريد، أو لدفع الوسخ و التطهير، فلا بدّ في كونه وضوءا من قصد الوضوء فيه.

و مما قلنا من أنّ القصد معتبر فى الامور التى تقع بالعنوان المقصود بالقصد و معنونا بعنوانه، يظهر بأنّ ما فى مصباح «1» الفقيه

من التمسك بما رواه «2» حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال: إنّما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، و إنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء، إنّما يكفيه مثل الدهن) لا يدل على اعتبار قصد التقرب، لأنّ ما يستفاد من الرواية هو أنّ الوضوء مأمور به و ربما يحصل به إطاعة اللّه و هو وسيلة الامتحان لمن يطيعه و من يعصيه، و هذا لا يدل على أنّ الا طاعة فى الوضوء لا يحصل بمجرد إيقاع المأمور به، أو يحصل بايقاعه مع قصد الأمر، و أنّ امتثاله هل يحصل بحصول المامور به كيف اتفق، أو لا يحصل امتثاله إلّا بقصد الأمر، و لو فرض دخل القصد فى تعنون عنوان الغسلتين و المسحتين بتعنون الوضوء، فهو من باب كون القصد سببا لتعنونه، و هذا القصد غير قصد التقرب لإمكان قصد الوضوء و قصد إتيانه، لكن لا بداعى الأمر و التقرب

و مما مرّ يظهر أنّ اعتبار بعض الخصوصيات فى النية مثل الظهريّة و العصريّة مثلا فى نية الصلاة يكون من باب ما قلنا من احتياج تحقق الوضوء القصدية فى الخارج إلى القصد كما يأتى إنشاء اللّه فى محلّه.

و أمّا كون القصد و الداعى أمر اللّه تعالى فلأنّ الوضوء عبادة و يعتبر في العبادة قصد الأمر، و كون الداعى أمر اللّه تعالى، و قد

ذكر في وجه عبادية الوضوء وجوه:
اشارة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 126.

(2) الرواية 1 من الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 144

الوجه الأوّل: و هو العمدة، بل هو الدليل التّام، الاجماع

على كون الوضوء عبادة، بل عدّ بعض كون ذلك من ضروريات المذهب.

الوجه الثاني: بعض الآيات

مثل قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. «1»

وجه الاستدلال أن الآية تدل على وجوب اطاعة اللّه، و هى لا تحصل الّا باتيان المأمور به بداعى امره.

و فيه انّ الامر فى الآية ارشاديّا، فيرشد إلى ما يحكم به العقل من وجوب اطاعة اللّه و رسوله و اولى الامر، مضافا الى انه إن كان الامر فى الآية مولويّا ليس مفاده الّا اطاعة امرهم فى مقابل المعصية، فإن كان الامر تعبديّا فاطاعته اتيانه مع قصد الامر، و إن كان توسليا فاطاعته تحصل باتيان المأمور به فقط فلا يمكن إثبات تعبدية الامر من الآية الشريفة.

و مثل قوله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «2».

وجه الاستدلال أنّ مفاد الآية، و اللّه أعلم، هو انّ الناس ما امروا إلّا لغاية، و هي عبادة اللّه في حال يخلصون له القصد فيكون (لام) في قوله (ليعبدوا) للغاية، و المراد بقوله (الدين) النيّة.

و فيه أنّه قد فسّر، كما عن بعض المفسرين، الآية بالتوحيد أى: لم يأمرهم إلّا ليعبدوا اللّه وحده لا يشركون بعبادته: مضافا إلى ان الظاهر ان كلمة (لام) في قولة

______________________________

(1) سورة نساء، الآية 59.

(2) سورة البينة، الآية 5.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 145

تعالى (ليعبدوا) تكون بمعنى كى كما حكي مثل قوله تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و غير ذلك، كما أن الظاهر من (الدين) هو ما يتدين به لا القصد، كما أن ظاهر الآية

هو أنّ قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أمر الناس بالاصول، و قوله تعالى وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ الخ امرهم بالفروع.

و مع قطع النظر عما قلنا إن كان المراد من الآية الشريفة ما ادعى من الأمر بقصد التقرب في المأمور به يلزم تخصيص الأكثر لعدم وجوب قصد الأمر في أكثر الواجبات أعنى: التوسليات.

الوجه الثالث: بعض الروايات و هو طائفتان:
الطائفة الاولى: ما يدل على أنّه لا عمل إلّا بنيّة.

منها ما رواها أبو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا عمل إلّا بنية «1».

و منها ما رواها أبو عثمان العبدى عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا قول إلّا بعمل، و لا قول و لا عمل إلّا بنية، و لا قول و عمل و نية إلّا باصابة السنة «2».

و منها ما رواها أبو حمزة الثمالى عن علي بن الحسين عليه السلام قال: لا حسب لقرشى و لا عربى إلّا بتواضع، و لا كرم إلّا بتقوى، و لا عمل إلّا بنية، و لا عبادة إلا بتفقه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 146

الحديث «1»، و لعلها متحدة مع الرواية الاولى، غاية الأمر ذكر في الاولى بعض الرواية

منها ما رواها علي بن حمزة عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم (لا حسب إلّا بالتواضع، و لا كرم إلّا بالتقوى، و لا عمل بنية «2».

الطائفة الثانية: ما يدل على أن الأعمال بالنيات.

منها ما رواها أبو المفضّل عن أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوى عن أبيه عن اسماعيل بن محمد بن إسحاق بن محمد قال حدثني علي بن جعفر بن محمد و علي بن موسى بن جعفر هذا عن أخيه و هذا عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: إنّما الاعمال بالنيات، و لكل امرئ ما

نوى، فمن غزى ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع اجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى «3».

و منها ما رواها محمد بن الحسن الطوسى رحمه اللّه قال: روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: انّما الاعمال بالنيات، قال: و روى أنّه قال: إنّما الأعمال بالنيات، و انما لامرئ ما نوى «4».

وجه الاستدلال هو دلالة الطائفة الاولى على أنّ العمل يصير عملا بالنية و المراد بالنية هو قصد الأمر، و دلالة الطائفة الثانية على أن الاثر المرغوب من الاعمال هو حصول الاطاعة، و ترتب الثواب على الاطاعة يحصل بالنية، و النية قصد الأمر.

______________________________

(1) رواية 3 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(4) الرواية 6 و 7 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 147

و فيه أن هذه الأخبار تكون في مقام بيان اعتبار الاخلاص في العبادة و عدم الاثر لها مع عدمه من كونه للرياء و غير ذلك مما لا يكون ابتغاء وجه اللّه، فليست مربوطة بالمقام، و هو كون العمل عبادة محتاجا إلى قصد التقرب.

و إلّا لو كانت في مقام بيان اعتبار قصد التقرب في الأعمال فيلزم تخصيص الاكثر بالنسبة إلى عمومها، لأنّه على هذا مقتضى عمومها وجوب قصد التقرب في كل الاعمال، و الحال أن اكثر الاعمال الواجبة من التوصليات الغير المعتبرة فيها قصد التقرب، فيلزم التخصيص الاكثر المستهجن، فلا يمكن

القول بعمومها فلا يتم الاستدلال بهذه الأخبار.

فالعمدة في كون الوضوء من العبادات هو الاجماع.

الأمر الثالث: أنّه بعد ما يكون الفعل الصادر من الفاعل

العاقل المختار لوجود الداعى إلى فعله، لعدم امكان صدور الفعل من العاقل المختار بلا داع من الدواعى، فاتيان الفعل العبادى من العبد و إن كان لأمر المولى، لكن يكون الداعى إلى إطاعة المولى مختلفا.

فقد يكون داعى العبد إلى امتثال مطلوب المولى نفس أهلية المولى للعبادة كما هو المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك، و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك «1».

أو حبه لجنابه تعالى كما يستفاد مما رواها هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العبادة (ان العبّاد) ثلاثة قوم عبد اللّه عزّ و جل خوفا فتلك عبادة

______________________________

(1) رواها مرسلا الكافى في باب نية العبادة من ابواب جنود الايمان في ذيل الرواية الاولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 148

العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الاحرار، و هي أفضل العبادة «1».

و ما رواها يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر محمد عليهما السلام: إنّ الناس يعبدون اللّه عزّ و جلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع، و آخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد و هي الرهبة، و لكنى أعبده حبّا له عزّ و جل فتلك عبادة الكرام و هو الآمن لقوله عزّ و جلّ وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ و لقوله عزّ و جلّ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ

ذُنُوبَكُمْ فمن أحبّ اللّه عزّ و جلّ أحبه اللّه، و من أحبه اللّه كان من الآمنين «2».

أو شكرا للّه تعالى كما يستفاد مما روى السيد الرضى رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال: إن قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إن قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الاحرار «3».

أقول و قال المؤلف رحمه اللّه: إنّ كون الداعى إلى اطاعة أمر اللّه تعالى هو كونه أهلا للعبادة هو أعلى الوجوه

و ما يمكن التمسك به المرسلة المذكورة المنسوبة إلى امير المؤمنين عليه السلام قال في ضمن كلامه (بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) و المستفاد منه كون عبادته له تعالى لأهلية جنابه للعبادة.

و المستفاد من رواية هارون و يونس المتقدمتين هو أن أفضل الوجوه في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 149

العبادة كون الداعى حبّ اللّه تعالى لأن في الاولى قال عليه السلام (و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الاحرار و هي أفضل العبادة.)

و قال في الثانية (و لكنى أعبده حبّا له عزّ و جل) و من المعلوم أن الصادق عليه السلام يأخذ بأفضل الوجوه.

و المستفاد من الرواية المذكورة في نهج البلاغة المتقدمة هو كون الداعى إلى اطاعة أمر المولى الشكر له أفضل الوجوه في العبادة لأنّ فيها قال عليه السلام (و إن قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الاحرار.)

فهل يكون منافات بين

الروايات لأنّه من بعضها يستفاد كون افضل الدواعى العبادة لكونه تعالى اهلا للعبادة و من بعضها لحبه تعالى و من بعضها لشكره تعالى، أو لا منافاة بينها؟

أقول: أمّا بحسب ملاحظة حكم العقل فلا إشكال في كفاية كون الداعى واحدا من الأمور الثلاثة، و لا يبعد تساوى كون الداعى للاطاعة أهلية اللّه تعالى للعبادة مع كون الداعى حبّه عزّ و جلّ، بل كذا إذا كان الداعى شكره تعالى، لأنّ من يشكره يعلم أهليّته، و يمكن أن يقال: بكون داعى الشكر أنزل من كون الداعى أهليته او حبّه، و يأتى الكلام فيه عن قريب

و أمّا بمقتضى الاخبار المذكور فنقول بعونه تعالى: لا يبعد عدم المنافاة بينها، إذ من بلغ مقام معرفته بمقام يعرف أنّ اللّه تعالى أهلا للعبادة فيحبّه أيضا لأنّ أهليّته ليس إلّا لأنّه الجامع للصفات الجلالية و الجمالية و انّه المنعم على العباد، فكل ما يحبّه من الكمال فهو فيه فيحبه و يشكره، فإن قاله امير المؤمنين عليه السلام مع ماله من المعرفة باللّه تعالى حتى لو كشف الغطاء فرضا لم يزده يقينا، فهو يطيع اللّه بأفضل الدواعى، كما أنّه لو كان يعبده شكرا كان بأشرف الدواعى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 150

و إن كان جعفر الصادق عليه السلام يعبده حبّا له فهو بأشرف الدواعى، و بعبارة اخرى عباراتنا شتّى و حسنك واحد، و يدل عليه أنّ مقتضى رواية هارون بن خارجة كون العبادة بداعى الحب عباده الأحرار، كما أنّ مقتضى ما روى فى نهج البلاغة كون العبادة بداعى الشكر عباده الأحرار، و هذا شاهد على أنّ كلا من الداعيين بوزان واحد، لأن كلا منهما عبادة الاحرار.

و لكن يمكن أن يقال

كما أشرنا إنّ الاطاعة بعنوان داعى الشكر أنزل مرتبة من كون الداعى أهلية أو حبّه، لأنّ من يأتي بداعى الشكر يلاحظ جهات من النعم التي أنعم اللّه تعالى عليه، فهو أنزل ممن لا يرى في إطاعته إلّا أهليته أو حبّه لجنابه.

أقول: كما يمكن أن يقال: إنّ الاطاعة بداعى الشكر يكون مشوبا بما يلاحظ العبد لنفسه من النعم الواصلة إليه، كذلك يمكن أن يكون الاطاعة بداعى أهليّته أو حبه مشوبا بذلك، لأنّ من وجوه أهليته و حبّه هو ما أبدعه فيه و أعطى به.

فالحق أنّ في كل منها ما هو الداعى هو اللّه تعالى، لا ما يرد عليه من الفيوضات و إن كان موردا للنعم و الفيوضات فلا فرق بين هذه الدواعى.

و على كل حال لا إشكال في كفاية كون الداعى إلى اطاعة أمر اللّه تعالى أحد هذه الأمور الثلاثة.

و إن أبيت عما قلنا من عدم منافاة بين الدواعى الثلاثة نقول: بأن الرواية الدالة على أن أفضل المراتب أهليته تعالى، و كذا الرواية الدالة على أن الأفضل داعى الشكر تكونان مرسلتين، فتبقى الروايتان الدالتان على كون أفضل الدواعى هو حبّ اللّه تعالى.

و قد يكون الداعى إلى اطاعة أمره تعالى التقرب إلى جنابه، و من المعلوم انّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 151

ليس المراد من القرب القرب المكانى لاستحالة ذلك بل المقصود القرب المعنوى.

و قد يكون الداعى إلى إطاعة أمر المولى الشوق إلى الجنة أو الفرار من النّار و قد وقع الخلاف كما ترى في كلماتهم في الاكتفاء في مقام الاطاعة بأحد من الداعيين، أعنى: داعى الشوق إلى الجنة، و داعى الفرار من النار، و عدم الاكتفاء به.

فنقول: إنّه تارة يكون الداعى إلى

الامتثال و اتيان المأمور به نفس أحدهما بدون توسيط طاعة اللّه تعالى، فلا ينبغى الاشكال في عدم الاكتفاء به، لأنّه لا يريد بعمله اطاعة اللّه تعالى، بل إمّا يريد الفوز الى الجنة، أو النجاة من النار.

و تارة يكون الداعى إلى امتثال امر المولى إطاعته كى يفوز بسبب اطاعته بالجنة، أو ينجى من النار، أو كل منهما، فلا ينبغى الاشكال في كفايته لأنّه يريد إطاعة المولى، و من اطاعة جنابه يطلب أحدهما، فإن كان داعيه احدهما يكون من باب أن إطاعة الأمر يوجب الوصول به، لا أنّه يطلبه حتى بدون توسيط الاطاعة، بل يطلبه بتوسيط اطاعة امره تعالى فلا إشكال في كفايته.

و وجه الكفاية أن ما يكون شرطا في العبادة ليس إلّا كون الداعى اطاعة أمر المولى و هو حاصل في المقام، و إن كان أثر الاطاعة الفوز بالجنان، أو النجاة من النار.

و الشاهد على عدم مضرّية النظر إلى أحدهما في طول الاطاعة ما ورد من الوعد و الوعيد في الآيات و الأخبار الكثيرة لترغيب الناس و تحذيرهم، و ليس ذكرها إلّا لايجاد الداعى للعبد على امتثال أوامر المولى و نواهيه.

و أيضا ما ورد في الروايات المتقدمة من تقسيم العبادة على ثلاثة أقسام: قسم للفوز بالجنان، و قسم للنجاة عن النار، و قسم لكون اللّه تعالى أهلا للعبادة، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 152

لحبه، أو لشكره، و جعل القسم الثالث أفضل مراتب العبادة، فهو دليل على أن العبادة و الاطاعة إذا كانت بداعى الفوز بالجنان، أو النجاة من النار تكون فيها الفضل، و لو لم يكن الداعى من الاطاعة أحدهما كافيا كان المناسب أن يقول: بأنّ القسم الثالث فيه الفضل فقط،

فكل ذلك شاهد على كفاية كون الداعى أحدهما بتوسيط اطاعة اللّه تعالى و ترتبها على الإطاعة.

الأمر الرابع: هل يجب التلفظ بالنية أو لا يحب ذلك؟

أقول: ما يرى من الأقوال فى المسألة ثلاثة: قول بعدم وجوبه و الالتزام باستحباب التلفظ بها، و قول باستحباب الاخطار على القلب، و قول بعدم الوجوب و لا استحباب التلفظ إلّا ما دل الدليل على استحبابه مثل استحبابه في أفعال الحج و لا كراهة التلفظ و لا حرمته إلّا ما يقال من أنّ الاحتياط ترك التلفظ فى الصلاة، و عدم جوازه فى خصوص صلاة الاحتياط، و يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه فى الصلاة، و هذا القول، و هو القول بعدم وجوب التلفظ بالنية في الوضوء، و جواز التلفظ به، لعدم الدليل على وجوب التلفظ، و عدم الدليل على عدم جواز التلفظ بها من ناحية الشارع، فمع عدم حكم العقل و لا ورود النقل لو شك في اعتبار التلفظ في النية يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه.

الأمر الخامس: هل يعتبر الاخطار بالبال في النية،

أو يكفى وجود الداعى في القلب.

اعلم أن الفعل الصادر من الفاعل المختار مسبوق بتصور الفعل و ملاحظة جهاته من المصالح و المفاسد، ثم بعد ذلك إذا يرى الشخص وجوب المصلحة فيه بلا مفسدة، أو كون مصلحته اقوى من مفسدته يحصل له الشوق المؤكّد إلى الفعل و يريده و يعزم على فعله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 153

و يظهر من بعض الكلمات أنّ من يقول بكون النية الاخطار بالبال يقول:

إنّ هذه الإرادة التفصيلية المخطورة بالبال هى النية، و معنى كون النية الاخطار بالبال هو هذا و معنى استدامة النية هو بقاء الإرادة الاجمالية الارتكازية من باب عدم إمكان حفظ الإرادة التفصيلية إلى آخر العمل.

و أن من يقول بكونها الداعى يريد من الداعى هو ما يبقى مركوزا في الذهن بعد الإرادة التفصيلية التي حصلت بعد تصور الشي ء و

جهاته على أن يعمل العمل فمعنى استدامة النية على هذا هو بقاء هذا الداعى المركوز في الذهن إلى آخر العمل.

و يقال: إنّه على القول بكون النية الاخطار بالبال لا بدّ من وجود الإرادة التفصيلية حال الشروع في نفس العمل المخطورة بالبال.

و أمّا على القول بكونها الداعى فلا يلزم ذلك، بل يكفى الداعى الحاصل من الإرادة التفصيلية المخطورة بالبال حين الشروع ببعض مقدمات العمل؛

فعلى هذا يكون الفرق بين كون النية الاخطار بالبال و بين كونها الداعى هو أنّه على الأوّل لا بدّ من وجود الإرادة التفصيلية حين الشروع في نفس العمل، و بعد الشروع في العمل لا بدّ من بقاء الإرادة الاجمالية إلى آخر العمل.

و السر في كفاية بقاء الإرادة الاجمالية بقاء هو استحالة بقاء الاراده التفصيلية إلى آخر العمل، و هذا معنى كفاية الاستدامة الحكمية.

و أمّا على الثاني فيكفى وجود الداعى المنبعث عن الإرادة التفصيلية حال الشروع في بعض مقدمات العمل و لو لم تكن الإرادة التفصيلية موجودة حال الشروع في نفس العمل، و لزوم وجود بقاء هذا الداعى إلى آخر العمل، فعلى الثاني لا فرق بين حال الشروع في العمل و بين أثناء العمل إلى تمام العمل في لزوم كفاية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 154

وجود الداعى و عدم لزوم الإرادة التفصيلية.

و ما بينا في مقام بيان المراد من الاخطار بالبال او الداعى هو المحكى عن الشيخ المرتضى رحمه اللّه و لا فائدۀ في البحث أزيد من ذلك في بيان حقيقة المراد من الاخطار أو الدعى، و أنّ ما نسب إلى المشهور من أن النية هو الإخطار بالبال صحيح أو لا.

بل ما ينبغى التكلم فيه هو البحث أوّلا عن النية

بنظر العرف و العقلاء، و أنهم يعتبرون أىّ شي ء فيها، ثم البحث ثانيا في أنّ الشارع هل تصرف فيما هو نظر العقلاء في مقام النية التى دخيلة في صدق الاطاعة أم لا؟

فنقول بعونه تعالى: أما النية بنظر العرف و العقلاء في امورهم فليس إلّا ما يكون المحرك و الداعى الى الفعل بحيث لو سئل عنه لم أقدمت على هذا الفعل يقول:

الداع الكذائى، فمن يتصور مثلا اللحم، و يتصور وجود المصلحة في شرائه من السوق يحصل له الشوق إلى شرائه و هذا الداعى يوجب لأن يقوم بعد هذه الإرادة التفصيلية و يروح إلى السوق، و معنى كونه مريدا لشراء اللحم ليس إلّا وجود هذا الداعى بحيث لو سئل عنه: أين تروح؟

يقول: لشراء اللحم، و لا يصير معطّلا في الجواب، و إن لم يكن له حين شراء اللحم هذه الاراده التفصيلية، بل يكفى كونه مركوزا فى ذهنه، فيقال لهذا الشخص أنّه مريد لشراء اللحم، و انّ فعله كان مع النية، هذا حال العقلاء.

و كما هو حالهم يحكمون بأن النية اللازمة في صدق اطاعة الأمر ليست إلّا هذا، لعدم فرق عندهم بين العبادات و بين غيرها من الأفعال الاختيارية إلّا في احتياج العبادات إلى كون الداعى إطاعة امر اللّه تعالى، و أمّا فى كيفية صيرورة الفعل اختياريّا بالنية فلا فرق بين العبادات و غيرها؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 155

و بعد ما يحكم العقل و العقلاء بكفاية هذا المقدار تصل النوبة إلى ما قلنا ثانيا، و هو أنّه هل ورد تصرف من الشرع، تضييقا أو توسعة، أو لا؟

فالمراجع يرى عدم ورود تصرف في النية من قبل الشارع، فيكون حكم العقل في باب الاطاعة و المعصية

لو لا تصرف الشرع متبعا، فتكون النتيجة كفاية الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول مثلا أتوضأ لوجود الإرادة الارتكازية موجودة له.

نعم لو لم تبق الإرادة الارتكازية أعنى: الداعى، بحيث لو سئل عن شغله يصير متحيرا، فلا يكفى و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين الشروع في بعض مقدماته، لعدم صدق الاطاعة في هذه الصورة.

و مما مر من كفاية الداعى يظهر لك أن من يقول: بكون النية هي الاخطار بالبال و مع هذا يقول بكفاية الإرادة الاجمالية الارتكازية بقاء الذي عبّرنا عنها بالداعى شاهد على كفاية الداعى مطلقا، لعدم فرق بين حال الشروع و أثناء العمل عند العقلاء.

و ليس الاكتفاء بالداعى بقاء من باب استحالة الإرادة التفصيلية بقاء، بل يكون من باب كفاية الداعى و الإرادة الارتكازية مطلقا شروعا و بقاء في صدق النية المعتبرة في باب العبادة و الاطاعة.

الامر السادس: و يجب استمرار النية إلى آخر العمل
اشارة

لأنّه بعد اعتبارها في العبادة فهى معتبرة في تمام العبادة و هذا في الجملة لا إشكال فيه.

كما لا كلام في بطلان الوضوء فيما نوى الخلاف في اثناء الوضوء او تردد و لم يعد الى النية الاولى حتى فقدت الموالاة المعتبرة فى الوضوء لأنّه على الفرض نوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 156

الخلاف او تردد و لم يرجع الى النيّة الاولى حتى فقدت الموالاة المعتبرة فالبطلان في هذه الصورة مسلم سواء نقول بمضرية نية الخلاف أو ترديده في النية و إن رجع الى النية الاولى أو لم نقل بها لان هذا الوضوء باطل مسلما و لا اقل من جهة فقد الموالاة المعتبرة فيه.

انما الكلام فيما نوى الخلاف اثناء الوضوء أو تردد ثمّ عاد إلى النية الاولى قبل فقد الموالاة

فهل يصح وضوئه أو لا.

و الكلام فيه في موردين:
اشارة

المورد الأوّل: ما نوى الخلاف في الاثناء أو تردد و بعد الاخلال بنيّته لم يأت جزء من الوضوء؛

و المورد الثاني: ما إذا أتى بجزء بعد نيّة الخلاف أو التردد.

أمّا الكلام في المورد الأوّل

فنقول:

إنّ الكلام ليس هنا في مطلق العبادات، و أنّه تبطل العبادة بنيّة الخلاف، أو التردد أم لا، حتى يقال: بأنه لا يمكن الالتزام بعدم مبطلية نيّة الخلاف في مطلق العبادات بل العبادة إن كانت أمرا واحدا مستمرا تبطل بنية الخلاف، أو التردد كالصوم، فإن نية الخلاف يبطله، بل الكلام يكون في المقام في خصوص الوضوء، فهل يبطل بنية الخلاف، أو التردد أم لا؟

أقول: ما يمكن أن يكون وجها لعدم بطلان الوضوء.

امّا دعوى «1» أنّ استمرار النية غير معتبر في الوضوء، بل غاية ما يجب هو وجود النية حين اتيان كل جزء جزء منه، فإذا أتى بكل جزء مع داعى القربة كفى

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 465.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 157

و إن يخلل بالنية بين الفراغ عن جزء و قبل الشروع في جزء آخر.

و امّا دعوى «1» أنّ الوضوء ليس فعلا واحدا مستمرا، بل أفعالا متعددة، فلا تصر نية الخلاف، أو التردد بين فعل و فعل آخر.

و امّا دعوى «2» أن الوضوء و إن كان شيئا واحدا ذا أجزاء و شرائط، لكن الواجب نفس الأجزاء بالاسر، لا أن يكون الواجب الأجزاء مع الجزء الآخر الصورى المعبّر عنه بالهيئة الاجتماعية، أو الهيئة الاتصالية.

فبعد كون الواجب نفس الأجزاء و هى الغسلتان و المسحتان، فالمعتبر وجود النية فيها و لا يضرّ نيّة الخلاف و التردد الواقع بين الغسلات و المسحات إذا عاد إلى نيّته فيما بقى من أجزاء الوضوء.

أقول: يمكن أن يقال: بأنه بعد

ما لا إشكال في اعتبار الموالاة في الوضوء فالمستفاد من اشتراطها كون الوضوء بأجزائه شيا واحدا، فلا بدّ من توالى بعض أجزائه ببعض، و أنّ المعتبر فيه جهة اتصال ينافيها فقد الموالاة، و اعتبار الموالاة فيه يكون لأجل دخل الهيئة الاتصالية.

و الشاهد على ذلك ما فى رواية أبي يصير المتقدمة في بحث اشتراط الموالاة من ذكر العلة لاعتبار الموالاة المعبّر عنها بعدم يبوسة الأجزاء السابقة بقوله عليه السلام (فإنّ الوضوء لا يبعّض) فإن المستفاد من هذه هو أنّ اعتبار عدم الجفاف يكون لأجل أنّ الوضوء ليس قابلا للتبعيض، و هذا ليس إلّا بمعنى أن الوضوء شي ء واحد من أوّله الى آخره، و لا يتحقق وحدته إلّا باتصال الجزء المتأخر بالجزء المتقدم و معنى ذلك

______________________________

(1) العلامة الآملى، المصباح الهدى ج 3، ص 432 نقلا فى كتابه ربما ينسب القول بالبطلان الى بعض.

(2) العلامة الآملى المصباح الهدى، ج 3، ص 433.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 158

ليس إلّا اعتبار هيئة اتصاليه فيه.

و فيه أن غاية ما يستفاد من اعتبار الموالاة و الرواية المذكورة هو أن الوضوء شي ء واحد و مركّب فارد، ذو الاجزاء و الشرائط و يعتبر فيه النية، و مقتضى اعتبار النية وجودها في تمام أجزائه، فما دام لم يثبت أن له جزءا صوريا غير الأجزاء و هو الهيئة الاتصالية، فلا يمكن إثبات وجوب بقاء النية في الآنات و الازمنة المتخللة بين الأجزاء حتى يضرّنيه الخلاف، أو التردد في هذه الآنات، فلا وجه لكون نيّة الخلاف أو التردد بعد فعل بعض الأجزاء و قبل الشروع فيما بعده من الأجزاء مبطلة للوضوء إذ عاد إلى نيته حال إتيان بعض الأجزاء الباقية.

المورد الثاني: فيما إذا أتى ببعض أجزاء الوضوء، ثم نوى الخلاف،

أو تردد

في النية و اتى بعض أجزاء الوضوء في حال نية الخلاف أو التردد.

فتارة يكتفى بهذا الجزء الذي أتى به حال الاخلال بالنية، أو التردد، و لم يعده بعد الرجوع إلى النية الاولى، فلا إشكال في بطلان الوضوء، لأنّه أتى بجزء منه بلا نية.

و تارة يأتي به بعد الرجوع إلى النية الأوّل فله فرضان:

الفرض الأوّل: أن لا يخلّ بشرط آخر مثل الموالاة، ففي هذا الفرض لا يبطل، الوضوء لأنّه أتى به مع النية و لم يقع شي ء آخر يوجب بطلان الوضوء.

الفرض الثاني: أن يصير سببا للاخلال بشرط آخر مثل الموالاة، فيبطل الوضوء لفقد شرط الموالاة.

الأمر السابع: هل يجب في النية نية الوجوب و صفا أو غاية أم لا؟
اشارة

و معنى نية الوجوب و صفا هو أن ينوى الوضوء الواجب، أو الوضوء المستحب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 159

و معنى نية الوجوب غاية هو أن ينوى الوضوء لوجوبه أو لاستحبابه.

و الظاهر عدم وجوب نيتهما، أمّا عقلا فلعدم دخل قصدهما في صدق الاطاعة، و أمّا شرعا فلعدم الدليل عليه، و بعد كون نظر العقل في باب الاطاعة و المعصية متبعا لو لم يرد تصرف سعة أو ضيقا من الشارع، فيكفى عدم ورود الدليل من الشارع فلا يجب نيتهما.

بل يمكن التمسك على عدم اعتبار نيتهما بالإطلاق المقامى، لأنّه بعد عدم حكم العقل بدخل نيتهما فى الاطاعة و كونهما مغفولا عنهما عند العامة، فلو كانت نيتهما معتبرة عند الشارع كان عليه البيان، فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتبارهما.

و قد نسب إلى المشهور من القدماء اعتبار قصد الوجوب و الندب و صفا و غاية، و استندوا على اعتبارهما ببعض الامور فنذكرها لك.

منها أن الفعل الذي يكون قابلا للتعنون بعناوين متعددة و وجوه مختلفة لا يصير معنونا بواحد منها و لا وجه

من هذه الوجوه إلّا بمعيّن و هو النية و إلّا يلزم الترجيح من غير مرجح.

و الوضوء كذلك لقابلية الوضوء لان يقع معنونا بعنوان الوجوب و معنونا بعنوان الندب حيث يكون قابلا لأن يقع من هذا المكلف و لو فى غير هذا الوقت على وجه الندب و وقوعه في هذا الوقت على وجه الوجوب، فلا بدّ من قصد الوجوب كى يصير معنونا بعنوان الوضوء الواجب.

و فيه أولا مقتضى هذا الدليل على تقدير تماميته هو كفاية قصد واحد من الوجوب و صفا، او غاية لأنّ باحدهما يحصل التعيين، فاذا قصد الوضوء الواجب يتعين و لا حاجة إلى قصد الوضوء لوجوبه، فلا يصح الاستدلال بهذا الوجه لوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 160

قصد كل من الوجوب و صفا و غاية.

و ثانيا مقتضى هذا الدليل على تقدير تماميته لزوم تعيين الوضوء القابل لتعنونه بأكثر من عنوان واحد بمعين، و لا يستفاد من هذا الدليل كون المعيّن هو قصد الوجوب و صفا و غاية فقط، بل يكتفى بتعيينه بمعين آخر أيضا، مثلا يقصد الوضوء للصلاة الحاضر وقتها.

و ثالثا ليس الكلام في اعتبار قصد الوجوب و صفا أو غاية لاحتياج المأمور به إلى التعيين، بل الكلام في اعتبار قصد هما بنفسهما مع قطع النظر عن لزوم التعيين.

و منها ان امتثال المأمور به لا يحصل الّا باتيانه بالنحو المطلوب، و هو لا يتحقق إلّا باتيان الواجب بقصد وجوبه و المندوب بقصد ندبه.

و وجهه أن تشريع فرد من الطبيعة واجبا و فرد منه مستحبا و فرد منه حراما ليس إلّا لاجل خصوصية أو خصوصيات يعلمها الشارع، مثلا جعل الصلاة للمكلف واجبا و للصبى مستحبا بناء على مشروعية عبادته و

للحائض و النفساء حراما ليس إلّا لخصوصية أو خصوصيات، فمجرد تصور المأمور به مثلا الصلاة حين إتيانه لا يمتاز هذا الفرد من الفرد المستحبّ أو الفرد الحرام الا بقصد الوجوب أو الندب، فلا بدّ من قصد الوجوب و صفا و غاية.

و فيه انّ هذا الوجه إذا تأملت فيه ليس غير الوجه الأوّل، و هو لزوم تعيين المأمور به لأنّه لو سلّم ما قيل، فغايته لزوم القصد لأن يمتاز عما عداه، فالجواب ما قلنا عن الوجه الأوّل.

و منها أصالة الاشتغال لأنّه بعد اشتغال اليقينى بالوضوء و معلومية اشتراطه بالنيّة، فنشك في أنّه هل يتحقق الامتثال بدون قصد الوجوب و صفا و غاية أم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 161

لا، فيحكم العقل بوجوب قصد هما لأن الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينة.

و فيه أنّه كما عرفت لا يحكم العقل بدخل قصد الوجوب أو الندب في تحقق الاطاعة و انّه تحصل الاطاعة و إن لم يقصدهما، و لم يرد من الشرع دليل على اعتباره بل مقتضى الاطلاق المقامى عدم اعتباره، فلا يبقى شك في اعتباره حتى يتوهم كون المرجع أصالة الاشتغال.

و لو انتهى الأمر إلى الاصل العملى فالاصل هو البراءة، لأنّ الشك من الاقل و الاكثر الارتباطيين.

[لا يجب نية الوجوب و الندب]
اشارة

قال المؤلف رحمه اللّه

و لا يجب نية الوجوب و الندب لا و صفا و لا غاية و لا نية وجه الوجوب و الندب بأن يقول أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه أو أتوضأ لما فيه من المصلحة الخ.

(1)

و هل غرضه انّه لا يجب نية وجه الوجوب و الندب تخييرا بينه و بين قصد الوجوب أو الندب و صفا و غاية لأنّ قوله

بأن يقول: أتوضأ

الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه و ندبه) فرد من فردى التخيير، و قوله (أو أتوضأ لما فيه المصلحة) فرد آخر من فردى التخيير.

أو يكون غرضه من العطف بيان انّه لا يجب نية وجه الوجوب كما لا يجب نية أصل الوجوب و صفا و غاية الذي قد بينه قبل ذلك، ثم بعد ذلك بيّن كيفية نية أصل الوجوب و صفا و غاية بقوله (أن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب) و هو بيان نية الوجوب و الندب و صفا (أو لوجوبه أو ندبه) و هو بيان نية الوجوب و الندب غاية (أو أتوضأ لما فيه من المصلحة) و هو بيان نية وجه الوجوب و الظاهر هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 162

و على كل حال يقع الكلام في اعتبار نية وجه الوجوب.

فنقول بعونه تعالى: اختلف في أن الاوامر و النواهى هل تكون تابعة للمصالح و المفاسد أم لا، فذهبت الاشاعرة إلى عدم التبعية للمصالح و المفاسد.

و ذهبت العدلية إلى تبعيّة الأوامر و النواهى للمصالح و المفاسد، و هم بين من يقول بتبعيّتها للمصالح و المفاسد في المأمور به و هم الاكثر، و بين من يقول بكفاية تبعيتها للمصالح و المفاسد في نفس الأمر و إن لم يكن في المأمور به ملاك و هو قول نادر.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنه على القول الأول و هو قول الاشاعرة لا يكون وجه الوجوب أو الندب إلّا الأمر لان الأمر لا يتتبع ملاكا أصلا.

و أمّا على القول الثاني و هو قول العدلية فوجه الوجوب هو المصلحة الكامنة في الفعل المأمور به الموجبة لايجاب المأمور به كما قال المشهور من العدلية، أو في الأمر كما عليه نادر

منهم.

ثم بعد ما عرفت ما هو المراد من وجه الوجوب عند العدلية يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّه هل يصح الاكتفاء بقصد وجه الوجوب أو الندب
اشارة

في نية العبادة، مثلا يقصد إتيان الوضوء لوجود المصلحة فيه، أم لا؟

و له صورتان:

الصورة الاولى: صورة وجود الأمر الفعلى المتعلق بالمأمور به، مثل ما كان إذا وقت الصلاة فالأمر الفعلى المنجّز متعلق بها.

الصورة الثانية: في الاكتفاء به مع عدم وجود الأمر الفعلى المنجّز مثل ما إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 163

كان الواجب مبتلى بالضد الأهم مثلا يكون وقت الصلاة و تجب ازالة النجاسة عن المسجد أيضا، فمع كون وجوب الإزالة أهمّ لا يكون الأمر الفعلى بالصلاة لأن الأمر بالشي ء لو لم يقتض النهى عن ضده يقتضي عدم الأمر بضده.

اما الكلام في الصورة الاولى

فمجمل القول فيه أن الداعى إلى الفعل تارة يكون نفس المصلحة الكامنة في الفعل بدون توسيط أمر المولى و إطاعته فلا ينبغى الاشكال في عدم كفايته لعدم كون صدور الفعل بداعى اطاعة اللّه تعالى.

و تارة يكون الداعى إلى الفعل المصلحة الكامنة فيه لكن بتوسيط أمر المولى و اطاعته أو لمحبوبيته في نظر المولى، فلا ينبغى الاشكال في كفايته في صدق الاطاعة عند العقلاء، كما قلنا في الاطاعة بداعى الفوز بالجنان أو الفرار من النيران.

اما الكلام في الصورة الثانية

و هي ما اذا لم يكن امر فعلى منجز متعلقا بالفعل مثل صورة ابتلاء الواجب المهم بالضد الأهم، فهل يكتفى في صدق الاطاعة اتيان الفعل بداعى وجه وجوبه أم لا؟ فنقول: بأنه تارة يكون الداعى نفس المصلحة الكامنة بدون توسيط المحبوبية التى للمولى على الفعل باعتبار هذه المصلحة، فلا إشكال في عدم الاكتفاء في مقام النية بهذا القصد في مقام الاطاعة، لأنّه لا يقصد اللّه تعالى أصلا، بل أتى بالفعل للمصلحة التي فيه.

و تارة يحصل للعبد باعتبار محبوبية المصلحة و فضلها عند المولى الداعى إلى حفظ هذه المصلحة المحبوبة له لأجل أحد الدواعى الكافية في مقام الاطاعة، مثل أهلية اللّه تعالى، أو حبه لجنابه، أو للتقرب بساحة قدسه

فلو أتى بهذا الداعى يكون كافيا في مقام الاطاعة عند العقلاء مسلّما، بل ربّما يكون العبد الآتى بفعل يحفظ به مصالح المولى للتقرب به يكون أفضل عند العقلاء من العبد المقتصر فقط باطاعة أو امر المولى و نواهيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 164

المقام الثاني: يقع الكلام في وجوب قصد وجه الوجوب في النية و عدمه

و احتمال دخله في النية، إمّا بالوجوب التخييرى بين قصد وجه الوجوب و بين قصد الوجوب و صفا أو غاية، و إمّا بوجوب قصد وجه الوجوب في النية تعيينا.

و قد استدل على اعتباره بأن الواجبات الشرعية الطاف في الواجبات العقلية بمعنى كون الواجبات الشرعية مقرّبة للعبد بالواجبات العقلية.

إمّا بمعنى أن الواجبات النقلية مقدمات لحصول الواجبات العقلية، فما وجبت الواجبات الشرعية إلّا لأجل التوصل بالواجبات العقلية، ففي الحقيقة ما هو المأمور به هو الواجب العقلى و الواجب الشرعى محصّله، مثلا ما هو الواجب في الأمر بالصلاة هو ترك الفحشاء و المنكر و هو الواجب العقلى، و الصلاة مقدمة لحصوله أعنى: الواجب

الشرعى، و تكون كما قيل نسبة الصلاة إلى ترك الفحشاء و المنكر نسبة الالقاء في النار بالنسبة إلى الاحراق.

و إمّا بمعنى أن الواجبات الشرعية موجبة لاستعداد النفس و تهيؤها لان تصدر منها الواجبات العقلية مثل شكر المنعم و غيره، فلو لا هذه الواجبات الشرعيّة لم تستعد النفس لأن يصدر منها الواجبات العقلية.

فعلى الاحتمال الأوّل تكون الواجبات الشرعية محصّلة للواجبات العقلية بحيث إذا أتى بها تحصل الواجبات العقلية.

و أمّا على الاحتمال الثاني يكون الغرض من الواجبات الشرعية الواجبات العقلية، و بعبارة اخرى الواجبات العقلية علة غائية للواجبات الشرعية.

و لا يبعد كون المراد من أن الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية هو الاحتمال الثاني لأنّ الواجب العقلى لا يكون نظير المسببات التي ترتب على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 165

الواجبات النقلية ترتب المسببات بالأسباب بل الواجب العقلى يكون الملاك و الغرض من الواجب الشرعى.

و على كل حال يقال بعد كون الواجبات الشرعية الطافا فى الواجبات العقلية فيكون امتثال الأمر المتعلق بالواجب الشرعى و اطاعته متوقفا على نية اتيان متعلقه، أعنى: المأمور به بداعى وجه وجوبه و هو المصلحة القائمة بفعله التى تكون الواجب العقلى، هذا حاصل الاستدلال.

و فيه انّه بعد قبول كون الواجبات الشرعية الطافا في الواجبات العقلية فلم كان المعتبر في النية قصد وجه الوجوب أعنى: الواجب العقلى، لأنّ احتمال دخل قصده في نية العبادة إمّا لتوهم كون هذه المصلحة من الأمور القصدية التى لا يتحقق إلّا بالقصد فمن المعلوم عدم كونها كذلك، بل على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدمين في معنى كون الواجبات الشرعية الطافا في الواجبات العقلية تكون النسبه بينهما النسبة بين السبب و المسبب كالالقاء بالنسبة إلى الاحراق فيحصل

الاحراق بالالقاء سواء قصده بالالقاء أو لم يقصده.

و على الاحتمال الثاني منها يكون الواجب العقلى بمنزلة الغرض و الغاية للواجب الشرعى، فهو يحصل باتيان الواجب الشرعى على الوجه المعتبر فيه سواء قصد الغاية أم لم يقصدها.

و إمّا لتوهم دخل قصدها في صدق الاطاعة.

فهو ممنوع لعدم دخله لا عقلا لعدم حكم العقل بدخله في صدق الاطاعة و لا شرعا لعدم دليل عليه، بل الاطلاق المقامى يقتضي عدم دخله، إذ مع عدم حكم العقل به و مغفولية اعتباره عند العامّة، فإن كان قصد وجه الوجوب دخيلا في العبادة كان على الشارع البيان، فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 166

مضافا إلى انه لو فرض دخل قصد الملاك و وجه الوجوب في امتثال الأمر لا يتعين قصده بالخصوص في تحقق الاطاعة و الامتثال، بل يحصل ذلك بقصد امتثال الأمر الّذي كان معلول هذا الملاك كفاية داعى معلول الملاك عن نفس الملاك، فافهم.

الأمر التاسع: لو نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس،
اشارة

صحت العبادة مطلقا حتى فيما كان على وجه التقييد أو التشريع، أو لا تصح مطلقا حتى فيما كان على غير وجه التقييد أو التشريع.

أو التفصيل بين ما لا يكون على وجه التقييد فتصح العبادة، و تفسد العبادة إذا كان على وجه التقيد، أو التفصيل بين ما لا يكون على وجه التقيد و التشريع تصح العبادة، و بين ما يكون على وجه التقييد أو التشريع على كلام يأتي في تشريعه فلا تصح العبادة.

الحق هو الاحتمال الثالث، فنقول بعونه تعالى: لو نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس فللمسألة صورتان:

الصورة الأوّل: ما إذا كان المكلف قاصدا لاتيان المأمور به الواقعى

و امتثال أمره الواقعى المتعلق به، و يكون توصيف المأمور به الواقعى، أو الامر الواقعى في مقام النية بالوجوب أو الندب مثلا، إمّا لاعتقاده بأن المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى هو الوجوب، فبان كونه ندبيا، أو هو الندب فبان كونه وجوبيا.

و إمّا أن يكون توصيفه بالوجوب أو الندب بعنوان التشريع، بأن يلتزم في قلبه بكون المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى وجوبيا مع كونه عالما بأنه ندبى، أو التزم بكونه ندبيا مع علمه بكونه وجوبيا فلهذه الصورة فرضان:

الفرض الأوّل: ما يعتقد كون المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 167

متصفا بالوجوب مثلا و الحال أنّه متصف بالندب، فهو مع قصده الامتثال الأمر الواقعى يوصف هذا الأمر الواقعى بالوجوب في مقام النية مع كونه واقعا متصفا بالندب.

ففي هذا الفرض يصح ما اتى من العبادة مع هذا القصد، لأنّ المحتاج إليه في نية العبادة ليس إلّا القصد باتيان ما تعلق به الأمر و كونه بداعى التقرب، غاية الأمر توصيفه بخلاف ما هو موصوف به يكون من باب

الخطاء في التطبيق، و هو لا يضرّ بنيته، و هذا معنى الانحلال في الداعى ينسب إلى الشيخ المحقق صاحب حاشية المعالم رحمه اللّه لأنّ الداعى إلى اتيان الفعل هو الأمر بوصف كونه وجوبيا بدون تقيد اعتبار الامر بهذا الوصف، فالداعى منحل إلى أمرين: الأمر و وصفه بالوجوب فيؤخذ بداعى أمره و يلغى وصفه لكونه من باب الخطاء في التطبيق.

الفرض الثاني: ما يكون المكلف مريدا لامتثال الأمر الواقعى المتعلق بالمأمور به الواقعى و يعلم أنّ الأمر المتعلق به مثلا متصفا بوصف كونه أمرا وجوبيا فيعزم عمدا تشريعا على قصد توصيفه بالندب، فيقصد امتثال الأمر الواقعى لكن بوصف كونه ندبيا أو بالعكس، فيقصد الأمر الواقع المتصف بكونه ندبيا بوصف كونه وجوبيا.

و بعبارة اخرى يكون تشريعة في الوصف لا فى الموصوف، فهل تصح العبادة في هذا الفرض أولا؟

وجه عدم الصحة كونه تشريعا و مع كونه تشريعا يكون منهيا عنه و النهى في العبادة يوجب فسادها.

و لكن الأقوى الصحة في هذا الفرض لأنّه بعد عدم كون التشريع في الموصوف، و هو الأمر الواقعى المتعلق بالمأمور به الواقعى، فلا يكون الموصوف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 168

منهيا عنه فلا وجه لفساده.

و الوصف، و هو كون هذا الأمر الواقعى متصف بالوجوب و هو عالم به و يقصده ندبيا، و إن كان منهيا عنه للتشريع فيه، لكن لا يسرى نهيه و قبحه إلى الموصوف فالموصوف يقع صحيحا.

الصورة الثانية: ما يكون نية الوجوب في مورد الندب أو بالعكس على وجه التقييد

بأن يقصد الأمر المتعلق بالمأمور به وجوبا بحيث يكون الموصوف مع وصفه شيئا واحدا في نظره بخلاف الصورة الاولى لأنّه في الصورة الاولى تعلق قصده بالموصوف، و هو الأمر المتعلق بالمأمور به الواقعى مستقلا، و تعلّق قصد منه بكون هذا الأمر

الواقعى وجوبيا.

و لكن في هذه الصورة تعلق القصد بمجموع القيد و المقيّد بحيث يكون تارة على وجه لا يتعلق قصده بالموصوف إلّا من باب اتصافه بصفة الوجوب، فلا يتعلّق قصده بامتثال المأمور به الفعلى: و لا الأمر الفعلى المتعلق به، بل القصد تعلق بما اعتقده من باب الجهل المركب، أو التشريع من الوجوب أو الندب، ففي هذه الصورة تبطل العبادة سواء كان قصده كذلك من باب جهل المركب و اعتقاده ما نواه، أو من باب التشريع.

لان ما تعلق به القصد لا يكون متعلقا بامتثال المأمور به الفعلى، و لا الأمر الفعلى المتوجه إلى المأمور به الفعلى، فتختل نيته فيبطل عمله خصوصا إذا كان بحيث لو لم تكن العبادة بالوصف الذي قصده لم يقصده أصلا، فالبطلان أوضح لعدم كونه قاصدا لامتثال ما تعلق به إرادة الآمر، و عدم صدور القصد إلى امتثال الأمر الواقعى منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 169

[مسئلة 28: لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الاقوى، و لا قصد الغاية التى امر لاجلها بالوضوء، و كذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم كما مر.

نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال بمعنى أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للامر الآتى من جهتها و إن لم يقصدها يكون أداء للمأمور به لا امتثالا، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة و إن كان معتبرا في تحقق الامتثال.

نعم قد يكون الأداء موقوفا على الامتثال فحينئذ لا يحصل الأداء أيضا كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة فتوضأ و لم يقصدها، فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذرى، و لا يكون أداء للمأمور به

بالأمر النذرى أيضا و إن كان وضوئه صحيحا، لأنّ ادائه فرع قصده، نعم هو أداء للمأمور به بالامرى الوضوئي.

(1)

أقول: يقع الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: في أنه هل يعتبر قصد رفع الحدث أو الاستباحة تعيينا،
اشارة

بمعنى اعتبار قصد كل من رفع الحدث و الاستباحة معينا كما حكي عن الكافى و الغنية و غيرهما.

أو يكتفى بنية أحدهما تخييرا كما حكي عن المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 170

أو يجب قصد الاستباحة كما حكي عن السيد رحمه اللّه تعيينا.

أو يجب قصد رفع الحدث تعيينا كما حكي عن الشيخ رحمه اللّه في بعض كتبه.

أو لا يجب قصد أحدهما في النية لا تعيينا و لا تخييرا كما هو المنسوب إلى المشهور بين المتأخرين، ففي المسألة احتمالات بل أقوال.

استدل على القول بوجوب قصد كل منهما تعيينا.
امّا لوجوب قصد رفع الحدث تعيينا بأمور:
الأوّل: أنّه بعد كون تشريع الوضوء لرفع الحدث،

فلا بدّ في مقام اتيانه من قصد رفع الحدث حتى تصير الإرادة الفاعلية مطابقة مع الإرادة الآمريّة.

و فيه أنّ كون تشريع الوضوء لرفع الحدث لا يقتضي ايجاده بقصد رفع الحدث لعدم كون قصد رفع الحدث دخيلا في ماهية الوضوء، و لا دخيلا في عباديته و لو كان علة التشريع رفع الحدث، فليس قصد رفع الحدث دخيلا في امتثال الأمر المتعلق بالوضوء و اطاعته.

الثاني: انّه بعد كون الوضوء مشتركا بين ما هو رافع للحدث،

مثل الوضوء المحدث، و بين غيره كالوضوء التجديدى، فيجب تمييز كل منهما عن الاخر بالقصد.

و فيه أوّلا أن الوضوء الرافع للحدث ليس نوعا من الوضوء في قبال الوضوء الغير الرافع للحدث حتى يكونين قسمين و نوعين من الوضوء، فيحتاج تعيين كل منهما و تمييزه عن الآخر بالقصد في النية.

بل الوضوء نوع واحد، غاية الأمر إن صادف المحل القابل لرفع الحدث يصير رافعا كما في المحدث بالحدث الاصغر، و إلّا فلا.

و ثانيا على فرض كونهما حقيقتين و نوعين مختلفين فكما يمكن تعيينه بقصد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 171

كونه رافعا عن غير الرافع، كذلك يمكن تميزه بغير ذلك، مثلا ينوى الوضوء الواجب فيما يتوضأ لغاية واجبة في قبال الوضوء المستحب و هو الوضوء التجديدى، كما يمكن غيره بقصد الاستباحة، فلا يجب قصد رفع الحدث تعيينا كما هو المدعى، فلا يقتضي هذا الدليل وجوب قصد رفع الحدث تعيينا.

الثالث: بعض ما دلّ من النصوص على (إنّ لكل امرئ ما نوى)

و (إنّما الاعمال بالنيات) «1» بدعوى أن مفادهما أنّ الاثر المرغوب من العمل يتوقف على نيته فرفع الحدث و هو الاثر المرغوب على الوضوء يترتب بقصده.

و فيه أنّه كما بينّا في الأمر الثاني من الأمور المتعلقة بالنية أن هذه الأخبار تكون في مقام بيان الاخلاص في العمل و التوحيد في العبادة، كما يظهر من بعض رواياته و ليست مربوطة بالمقام.

و أمّا لوجوب قصد الاستباحة تعيينا
اشارة

فقد استدل عليه أو يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الوجه الاول و الثانى و الثالث:

الوجوه الثلاثة المتقدمة؛ بأن يقال بعد كون تشريع الوضوء لأجل استباحة الصلاة، فلا بد من قصده حتى يكون الإرادة الفاعلية مطابقة للارادة الآمريّة، هذا هو الوجه الأوّل.

و يقال بأن الوضوء بعد كون نوع منه يوجب استباحة الدخول في الصلاة و نوع منه لا يفيد ذلك مثل وضوء الحائض فلا بدّ من قصد استباحة الصلاة، هذا هو

______________________________

(1) و قد ذكرنا الروايات الواردة بالمضمونين المذكورين في الأمر الثاني من الأمور المتعلقة بالشرط الثانى عشر و هو النية فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 172

الوجه الثاني.

أو يقال بأنّ (انّما الاعمال بالنيات) أو (لكل امرئ ما نوى) فلا بدّ في حصول الاستباحة من نيّتها، هذا هو الوجه الثالث.

و قد عرفت جواب الوجوه الثلاثة مما بيّنا في جواب الوجوه الثلاثة المستدل بها على وجوب قصد رفع الحدث.

الوجه الرابع: قوله تعالى

إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الخ «1».

وجه الاستدلال أنّه يستفاد من الآية أن وجوب الوضوء يكون لاجل الصلاة، و ليس كون وجوبه لأجلها إلّا لاجل استباحة دخول الصلاة به، فيستفاد كون استباحته للصلاة عنوانا للمأمور به و هو الوضوء، و هذا مثل أن يقول المولى: إذا لقيت العدوّ فخذ سلاحك، الظاهر في أن وجوب أخذ السلاح يكون لأجل لقاء العدوّ، فيصير عنوانا للمأمور به، و بعد كون استباحة الوضوء للصلاة عنوانا له، فيجب قصدها حين اتيانه.

و فيه أولا أن محل الكلام إن كان في اعتبار قصد الاستباحة للصلاة و عدمه لخصوص الوضوء للصلاة، فصح الاستدلال بالآية لانها على تقدير دلالتها كما توهم المستدل تدلّ على اعتبار ذلك في الوضوء الواقع للصلاة، لدلالتها على فرض المستدل على قصد استباحة الصلاة في خصوص الوضوء الذي يقع

للصلاة.

و أمّا اعتبار قصد الاستباحة مطلقا حتى فيما يتوضأ مثلا لقراءة القرآن استحبابا، أو لمس آياته وجوبا، فلا تدلّ الآية على اعتبار قصد استباحة القراءة أو مس آية القرآن في صحة الوضوء الواقع لاحدهما.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 173

و ثانيا أن الآية لا تدلّ إلّا على وجوب الوضوء لا قامة الصلاة و مقتضاها هو اشتراط الصلاة به، و أمّا كون الاستباحة الحاصلة من الوضوء عنوانا للوضوء بحيث كان الواجب قصد هذا العنوان فلا يستفاد منها، بل الاستباحة أو رفع الحدث أمران مترتبان على الوضوء سواء قصدهما أو لم يقصد هما.

نعم فيما كان المأمور به امرا قصديّا الّذي لا يتحقق مصداقه في الخارج إلّا بالقصد يجب قصده كالقيام الواجب لاكرام شخص مثلا، فإن القيام لا يصير منطبق عنوان كونه إكراما إلّا بالقصد.

و رفع الحدث أو الاستباحة و إن كانا من الأمور القصدية الّتي كان الواجب قصده على تقدير تعلق الوجوب بهما، لكن كما قلنا لا دليل على اعتبار قصدهما في الوضوء و ان كانا يترتبان على الوضوء في بعض الموارد.

و استدل على وجوب قصد رفع الحدث أو الاستباحة، تخييرا،

بدعوى الملازمة بين رفع الحدث و بين الاستباحة، فيكتفى قصد أحدهما عن الآخر.

فيه أوّلا انّه لا ملازمة واقعا بين رفع الحدث و بين الاستباحة لإمكان حصول أحدهما مع عدم حصول الآخر، لإمكان حصول الاستباحة مع عدم حصول رفع الحدث في مثل وضوء المسلوس و المبطون و المستحاضة لأنّ فيها و إن كان يتحقق بالوضوء استباحة الصلاة لكن لا يرفع به الحدث.

كما يمكن عكسه بحصول رفع الحدث مع عدم حصول الاستباحة كما في وضوء الحائض بعد حصول النقاء لأنّ وضوء المرأة و غسلها بعد النقاء رافع للحدث الأكبر و

لا يستباح بالوضوء قبل الغسل الصلاة.

و ثانيا لو سلّمنا وجود الملازمة بينهما واقعا لكن الملازمة الواقعية لا تقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 174

وجود الملازمة بينهما في مقام القصد حتى يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر، لإمكان علم المكلف باشتراط الوضوء في الصلاة، و لا يعلم بكون الوضوء رافعا للحدث فيعلم بكونه مبيحا فيقصده، و لا يعلم بكونه رافعا فلا يقصده، فلا يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر.

و ثالثا أن ما قيل من الاكتفاء بقصد أحدهما عن الآخر إن كان النظر إلى أنّه بعد وجوب قصد هما يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر فنقول: بأنه بعد ما قلنا من عدم وجود دليل على اعتبار قصدهما في النية، فلا تصل النوبة بما قيل أصلا لأنّه لا يجب قصد هما، و مع عدم وجوب قصدهما لا يبقى مجال لأن نبحث في أنّه هل يجب ذلك تعيينا أو تخييرا.

و مما مر منا من عدم دليل على وجوب قصد كل منهما، و لا أحدهما تعيينا و لا على وجوب قصدهما تخييرا، يظهر لك أن الحق هو عدم وجوب قصدهما لا تعيينا و لا تخييرا، و لو شككنا فى وجوب قصدهما فمقتضى القاعدة البراءة.

بل يمكن التمسك على عدم وجوب قصدهما بالإطلاق المقامى، فلا تصل النوبة بالأصل العملى، لأنّه بعد عدم حكم العقل بوجوب قصدهما، و كون ذلك مغفولا عنه عند العامة، فلو كان واجبا عند الشارع كان عليه البيان و إلّا لأخلّ بغرضه، و حيث إنّ الاخلال بالغرض قبيح لا يصدر من الشارع، فمن عدم بيان وجوبه من الشارع نكشف عدم وجوبه، و هذا معنى الاطلاق المقامى.

الأمر الثاني: هل يجب قصد الغاية التي امر لأجلها بالوضوء أم لا؟
اشارة

اعلم انّه

ينبغى التكلم في الموردين.
اشارة

المورد الأوّل: في أنّه هل يجب قصد الغاية التى امر لأجلها بالوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 175

في الجملة سواء كان بقصد خصوص الغاية، أو بما يشير إليها أو لا؟

المورد الثاني: في أنّه بعد فرض وجوب قصدها فيه هل الواجب قصد الغاية بخصوصها، أو لا يجب ذلك، بل كما يكتفى بقصدها يكتفى بقصد ما يشير إليها فنقول بعونه تعالى:

أما الكلام في المورد الأوّل،

فتارة يقال باستحباب الوضوء و مطلوبيته بنفسه، و لو لم يقصد به أحد من الغايات الواجبة أو المستحبة حتى الكون على الطّهارة.

و بعبارة اخرى يقال: باستحباب نفس الغسلتين و المسحتين، فلا إشكال في صحته و لو لم يقصد به غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة.

و تارة يقال بعدم استحباب نفس الغسلتين و المسحتين إذا لم يقصد بهما غاية من الغايات، فلا إشكال في اعتبار قصد الغاية في الوضوء.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنه بعد عدم الدليل على استحباب الوضوء بنفسه إذا لم يقصد غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة مثل الكون على الطّهارة، بل يكون مستحبا في خصوص صورة وقوعه بداعى أحد غاياته و إن كانت الكون على الطّهارة، لا فيما لا يقصد فيه غاية من غاياته، فلا بد من قصد الغاية التى امر لأجل وجوبها أو استحبابها بالوضوء.

فما قال المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار قصد الغاية في الوضوء يكون من باب ذهابه إلى استحبابه النفسى حتى فيما لم يقصد غاية من غاياته.

و الحق خلافه، و ما قلنا من وجوب قصد الغاية في نية الوضوء يكون من باب عدم استحباب الوضوء بنفسه كما عرفت، و أمّا في العبادات التى دل الدليل على وجوبه بنفسه و لو لم يقصد غاية كالصلاة، فلا يجب

قصد الغاية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 176

و أمّا الكلام في المورد الثاني

و هو أنّه بعد اعتبار قصد الغايه في الوضوء، هل يجب قصدها بخصوصها مثلا يقصد الوضوء لصلاة أو لحصول الطّهارة، أو يكفى و لو بقصد ما يشير إليها و غير منفك عنها، مثلا يقصد في الوضوء للصلاة الأمر الغيرى المتعلق بالوضوء من باب أن قصد الأمر الغيرى المترشح من الأمر بالصلاة لا ينفك عن قصد امتثال الأمر المتعلق بهذا الغير و هو الصلاة، فمن يقصد الوضوء المتعلق به الأمر الغيرى المترشح من الأمر بالصلاة فقصده غير منفك عن قصد الغاية و هي الصلاة، لا يبعد كفايته لأنّ بهذا القصد يشير إلى الغاية التى وجب الوضوء لاجلها أو صار مستحبا لأنّ قصد ما يشير إليها غير منفك عن قصدها.

الأمر الثالث: هل يجب قصد موجب الوضوء من البول و الغائط و النوم

و غيرها أو لا يجب ذلك.

أقول: قد مر في طى المسألة 4 من الفصل المنعقد لبعض الوضوءات المستحبة، عدم وجوب قصد موجب الوضوء لعدم دليل على اعتباره، لا عقلا لعدم حكم العقل به في مقام الاطاعة و لا شرعا لعدم ورود دليل عليه، بل مقتضى الاطلاق المقامى عدم وجوبه شرعا لأنّه مع عدم حكم العقل و كونه مما يغفل عنه العامة، فلو كان واجبا كان على الشارع البيان و إلّا لأخل بغرضه و هو قبيح لا يصدر من الحكيم، فمن عدم بيان اعتباره نكشف عدم اعتباره.

الأمر الرابع: [عدم اتصاف الوضوء بالصحة و الاداء]

بعد ما قال المؤلف رحمه اللّه بعدم وجوب قصد الغاية التي امر لاجلها بالوضوء، و قد بينا الكلام فيه في الأمر الثاني و أنّ الحق وجوب قصدها لعدم كون الوضوء بنفسه مستحبا.

و أن المؤلف رحمه اللّه يقول: بعدم وجوب قصد الغاية من باب ذهابه إلى استحبابه النفسى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 177

قال: (نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال بمعنى أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للامر الآتى من جبهتها و إن لم يقصدها يكون اداء للمأمور به لا امتثالا الخ).

أقول: اعلم انّ سقوط الامر المتعلق بشي ء و إن كان بحسب مقام الثبوت، يحصل بأمور:

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 177

الأوّل: بالامتثال، و هو فيما يؤتى بالمأمور به بداعى التقرب و اطاعة أمر المولى سواء كان تعبّديا أو كان توصليّا، لأنّ التوصلىّ و إن لم يتوقف صحته على قصد التقرب لكن لو قصد به التقرب، يعدّ ممتثلا للأمر.

الثاني: باداء المأمور به و اتيانه و

لو لم يكن امتثالا للامر، مثل ما يكون الأمر توصليّا يؤتى بالمأمور به بدون قصد التقرب، مثلا امر بغسل الثوب فيغسل المكلف الثوب بدون قصد التقرب فيسقط أمره بادائه.

الثالث: بذهاب موضوع الأمر مثل ما امر بغسل ميت فاكله السبع فيسقط الأمر بالغسل، لكن لا بامتثاله و لا بادائه بل بذهاب موضوعه.

الرابع: بذهاب ملاكه كما في غسل الميت مثلا فاذا غسله بعض المكلفين يسقط الامر عن الآخرين، لكن لا بامتثال بامره و لا باداء المأمور به و لا بذهاب موضوعه بل بذهاب ملاكه.

فسقوط الامر و إن كان يتصور على الانحاء الأربعة، لكن نقول في المقام: بأنه بعد ما بيّنا فى الأمر الثاني من أنّه لا دليل على استحباب نفس الوضوء، أعنى:

الغسلتين و المسحتين، بل استحبا به أو وجوبه يكون فى ما يقصد به أحدا لغايات المستحبة أو الواجبة، فلو توضأ و لم يقصد احدا من الغايات فكما لا يكون امتثالا للامر لا يكون أداء لها أيضا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 178

فما قاله المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار قصد الغاية في صحة الوضوء لا فى امتثال أمره غير تمام، لأنّه كما عرفت لو لم يقصد الغاية لا يكون امتثالا و لا صحيحا، و يكون بعين ما قاله رحمه اللّه بعد ذلك:

(نعم قد يكون الاداء موقوفا على الامتثال فحينئذ لا يحصل الاداء أيضا كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة فتوضأ و لم يقصدها فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذرى، و لا يكون اداء للمأمور به بالأمر النذرى أيضا).

و السر في عدم اتصاف الوضوء بالاداء و الصحة، كما لا يتصف بكونه امتثالا، في كل من الفرضين- أعنى: فرض الوضوء مع عدم قصد احد

غايات الوضوء، و فرض نذر الوضوء لغاية و اتيانه الوضوء بدون قصد الغاية المنذورة هو عدم قصد الغاية في كل من الفرضين مع فرض اعتبار قصدها.

و ما قال رحمه اللّه بعد ذلك من صحة الوضوء في فرض نذره لغاية معينة مع عدم قصد هذه الغاية أيضا غير تمام، لما قلنا من عدم دليل على استحباب الوضوء إذا لم يقصد به غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة، فافهم.

***

[الثالث عشر الخلوص]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر الخلوص، فلو ضمّ إليه الرياء بطل، سواء كانت القربة مستقلة و الرياء تبعا، أو بالعكس، أو كان كلاهما مستقلّا، و سواء كان الرياء في أصل العمل أو في كيفياته، أو في أجزائه.

بل و لو كان جزءا مستحبا على الأقوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 179

و سواء نوى الرياء من أوّل العمل، أو نوى في الأثناء.

و سواء تاب منه أم لا، فالرياء في العمل بأىّ وجه كان مبطل له لقوله تعالى على ما في الأخبار (أنا خير شريك، من عمل لى و لغيرى تركته لغيرى) هذا و لكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءا من الداعى على العمل و لو على وجه التبعية.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرد خطور فى القلب من دون أن يكون جزءا من الداعى فلا يكون مبطلا.

و إذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها و من الرياء فالعمل باطل لعدم إحراز الخلوص الّذي هو الشرط في الصحة.

و أمّا العجب فالمتأخر منه لا يبطل العمل، و كذا المقارن و إن كان الأحوط فيه الاعادة.

و أمّا السمعة فإن كانت داعية على العمل، أو كانت جزءا من الداعى بطل و إلّا فلا كما

في الرياء.

فإذا كان الداعى له على العمل هو القربة إلّا أنّه يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده لا يكون باطلا.

لكن ينبغى للانسان أن يكون ملتفتا فإن الشيطان غرور و عدو مبين.

و أمّا سائر الضمائم فإن كانت راجحة كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 180

فإن كان داعى القربة مستقلا و الضميمة تبعا، أو كانا مستقلين صحّ.

و إن كانت القربة تبعا، أو كان الداعى هو المجموع منهما بطل.

و إن كانت مباحة فالأقوى أنّها أيضا كذلك كضم التبرد إلى القربة.

لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الاعادة.

و إن كانت محرّمة غير الرياء و السمعة فهى في الابطال مثل الرياء لأنّ الفعل يصير محرما فيكون باطلا، نعم الفرق بينها و بين الرياء أنّه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلّا القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء، فلو عدل عن قصده و أعاده من دون فوات الموالاة صحّ.

و كذا لو كان ذلك الجزء مستحبا و إن لم يتداركه بخلاف الرياء على ما عرفت فإنّ حاله حال الحدث في الابطال.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يكون في اشتراط الخلوص في العبادة و بطلان العبادة بالرياء و العجب و السمعة و عدمه، فالكلام يقع في مطالب:

المطلب الأوّل: في وجوب الاخلاص في العبادة و عدمه،
اشارة

و

قبل الورود في المطلب نذكر بعض الآيات المربوطة و بعض الأخبار تيمنا
اشارة

يفيدك إنشاء اللّه في المباحث المربوطة بالمطالب التي نتعرض في طى الشرط الثالث عشر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 181

أمّا الآيات فعلى قسمين:

قسم منها يدلّ على وجوب الاخلاص في العبادة.

مثل قوله تعالى قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ «1».

و مثل قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «2» و غير ذلك.

و قسم منها ما يدلّ على ذم الرياء.

مثل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ الخ «3».

و مثل قوله تعالى «4» فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ وَ يَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ.

و الانصاف دلالة الآتين الاولتين على اعتبار الخلوص في العبادة، فكلما كان من العبادة غير واجد له، فهو على غير وجه ما أمر اللّه به.

و امّا الآية الثالثة فما يأتي بالنظر- و إن لم أر بعد من يستدلّ بها على بطلان العبادة إذا كانت رياء- لكن دلالتها ظاهرة في بطلان العمل الريائى، لأنّ الآية و إن كانت في خصوص الانفاق، لكن لا فرق بينه و بين ساير العبادات.

و أما الآية الرابعة فلا تعرض فيها لبطلان العبادة الريائية.

______________________________

(1) سورة الزمر، الآية 11.

(2) سورة البيّنة، الآية 5.

(3) سورة البقرة، الآية 264.

(4) سورة الماعون، الآية 4- 5- 6- 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 182

و أمّا الأخبار نذكر بعضها تيمّنا.
الرواية الاولى: ما رواها مسعدة بن زياد

عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم سئل فيما النجاة غدا، فقال: إنّما النجاة في أن لا تخادع اللّه فيخدعكم فإنّه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر، قيل له: فكيف يخادع اللّه؟ قال: يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره، فاتقوا اللّه في الرياء فإنّه الشرك باللّه إنّ المرائى يدعى يوم القيامة بأربعة

أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم، فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له «1».

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن على الحلبى

عن زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا «2».

الرواية الثالثة: ما رواها جراح المدائنيّ

عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا) قال: الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية النفس يشتهى أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه، ثم قال: ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام ابدا حتى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر اللّه له شرا «3».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن عرفة

قال: قال لى الرضا عليه السلام: ويحك يا ابن

______________________________

(1) الرواية 16 من الباب 11 من مقدمات العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 11 من مقدمات العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 12 من مقدمات العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 183

عرفة، اعملوا لغير رياء و لا سمعة، فإنّه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى ما عمل، ويحك ما عمل احد عملا الّا رداه اللّه به، ان خيرا فخيرا و ان شرّا فشرا «1».

الرواية الخامسة: ما رواه على بن سويد

عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن العجب الّذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّه عز و جلّ و للّه عليه فيه المنّ «2».

الرواية السادسة: ما رواها سعد بن طريف

عن أبي جعفر عليه السلام قال فى حديث: ثلاث موبقات؛ شح مطاع، و هوى متبع، و إعجاب المرء بنفسه «3».

و غير ذلك راجع الأبواب المعدّة لذلك في أبواب مقدمات العبادات من الوسائل و في غير الوسائل من كتب الاخبار في الأبواب المعدّة له.

اذا عرفت ما ذكرنا من الآيات و الروايات نقول بعونه تعالى:

أما الكلام في المطلب الأوّل و هو وجوب الاخلاص في العبادة، فيدل عليه حكم العقل بوجوب إتيان العبادة بقصد العبودية، و لا تحصل العبودية إلّا بكون العمل العبادى محضا للّه تعالى لا يريد به غيره و لا يشرك فيه أحدا.

و حكم الشرع كما ظهر من الآيات الشريفة المتقدمة و من بعض الأخبار، فلا حاجة إلى إطناب الكلام في هذا المطلب أزيد من ذلك.

أما الكلام في المطلب الثاني
اشارة

و هو أنّه هل يبطل العمل العبادى بالرياء أم لا؟

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 23 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 13 من الباب 23 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 184

فيقع في امور:

الأمر الأوّل: [حكم صور تصور العبادة فى العبادة]
اشارة

اعلم أن الرياء تارة يكون في نفس العبادة بأن يقصد بوضوئه الرياء مثلا.

و تارة يقع في جزء العبادة، مثل أن يقصد بغسل وجهه في الوضوء الرياء.

و فى كل منهما تارة يكون الداعى الرياء فقط، فلا يأتي بالعبادة للتقرب إلى اللّه بل يأتي به لمحض الرياء، و تارة يكون الرياء منضمة إلى قصد القربة و له فروض، لأنّه.

إمّا يكون باستقلال القربة و تبعية الرياء، بمعنى أن داعى القربة يكون بحيث لو كان منفردا كان باعثا إلى العمل، و الرياء كان بحيث لو كان منفردا لم يكن باعثا للعمل و لكن العمل فعلا صادر عنهما معا، غاية الأمر يكون الداعى على القربة استقلالا و على الرياء تبعا.

و إمّا يكون بعكس ذلك بأن يكون الداعى على الرياء استقلالا و على القربة تبعا.

و أمّا أن يكون الباعث إلى الفعل كلا منهما بحيث لا يكفى كل منهما وحده لداعويته للعمل، بل المجموع منهما صارد اعيا إلى العمل، فيكون كل منها جزء الداعى للعمل.

و إمّا أن يكون الداعى إلى الفعل كلا منهما مستقلا بحيث لو انفردا يكون كل منهما علة تامة لصدور العمل و كافيا للبعث نحوه، لكن حيث يستحيل ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد صار كل منهما جزء العلة، و العمل مستندا إلى مجموعهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 185

إذا عرفت هذه

الصور نقول:

الصورة الاولى: ما كان الداعى الرياء في نفس العمل
اشارة

و يكون الداعى محضا للرياء و لا يقصد القربة حتى تبعا، ففي هذه الصورة لا إشكال في بطلان العبادة لأمور:

الأوّل: الاجماع المستفيض،

بل لم يذكر الخلاف إلّا عن السيد رحمه اللّه و هو لا يضر بالاجماع لأنّه إن كان الاجماع حجة لما يقوله المتأخرون، و هو الحدس بقول الامام عليه السلام عن قول المجمعين، فهذا الحدس موجود و إن كان السيد رحمه اللّه على خلاف المجمعين.

و إن كان وجه حجية الاجماع ما قال سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدس سرّهم و هو كون اتفاقهم كاشفا عن وجود نص معتبر عندهم، و بهذا الاعتبار كانت الشهرة من القدماء حجة عنده، فيكشف الاتفاق عن وجود النص، و لا يضرّ مخالفة السيد قدس سرّهم.

الثاني: بعد ما يحكم العقل و دل الدليل من الشرع كتابا و سنة

و قد بيّنا بعضه على وجوب الاخلاص في العبادة، و معنى الاخلاص هو كون العمل العبادى بداعيه و قصده ممحّضا للّه تعالى، فاذا أدخل فيه الإراءة على الغير يخرج العمل عن الخلوص المعتبر فيه، فيبطل العمل لعدم وجود ما يعتبر فيه.

الثالث: الذّم الوارد في القرآن الكريم على الرياء،

و ما في الأخبار من بيانات مختلفة المستفادة منها حرمة العمل الريائى، تلونا عليك بعض الآيات و الأخبار، مثل قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ.

فهو صريح فى بطلان الصدقة التى فيه المن و الاذى كالذى ينفق ماله رئاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 186

الناس و أنّ عمله باطل.

و على كل حال يظهر للمراجع فى ما ورد من الآيات و الروايات فى باب الرياء حرمته، و فساد العبادة بسببه، و يكفى فى بطلان العبادة فى هذه الصورة مجرد النهى المتعلق بالرياء، لأنّه على هذا يكون النهى متعلقا بالعبادة.

و بعد كون النهي متعلقا بالعبادة تكون العبادة فاسدة، لأنّ النهي عن العبادة يقتضي الفساد، فيبطل العمل العبادي إذا كان رياء.

فما حكي عن السيد رحمه اللّه من أن الرياء حرام و لكن لا يبطل به العبادة لا وجه له، أما ما يمكن أن يكون وجها لقول السيد رحمه اللّه:

الأوّل: أن الرياء ايراء الغير و دخله في قصده في العمل، فلا يسرى إلى نفس العمل.

و فيه أن ظاهر الأخبار هو حرمة نفس العمل، و إيعاد النار عليه و كونه في سجين.

الثاني: أنّه على فرض كون المنهى نفس العمل، فيكون من صغريات اجتماع الأمر و النهي لأنّه المأمور به من باب كونه عبادة، و منهى عنه من باب كونه رياء.

و فيه أولا لا يكون فيما يكون قصده من عمله

الرياء فقط العمل مأمورا به أصلا لأنّه إذا قصد التقرب يكون مأمورا به و الحال أنّه لا يقصد إلا الرياء فقط.

و ثانيا: بعد ما بينا في الأصول و الفقه مكررا من أنّه على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي تبطل العبادة لعدم كونها مقرّبا فيبطل العبادة الريائى لعدم كونه مقرّبا للّه تعالى لعدم قابليته لان يتقرب بها مع قصد الرياء.

الثالث: أن ما يدلّ عليه الأخبار الواردة في الرياء هو عدم قبول العبادة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 187

المنضمّة إليها الرياء، و عدم القبول لا ينافى الصحة و الاجزاء، لأنّه ربّما تكون عبادة مجزية أعنى: مسقطة للاعادة و القضاء، و مع ذلك لا يكون مورد القبول كما يستفاد من قوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فلا إشكال في أنّه لا يتقبل عمل بلا تقوى مع كونه صحيحا مجزيا مسقطا للاعادة و القضاء.

أو ما ورد في عدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين صباحا مع كون صلاته مجزية.

و فيه أن ظاهر الآية الشريفة، و الرواية، بل نصّهما هو عدم قبول العبادة، و هذا لا ينافى مع كون الظهور العرفى للأخبار الواردة في الرياء على بطلان العمل.

لأنّه إن كان اللفظ الوارد في اخبار الرياء القبول كان لهذا الدعوى مجال لكن ليس كذلك.

فدلالة الأخبار بظاهرها على بطلان العمل مما لا ينبغى الاشكال فيه.

هذا مضافا إلى ما بقى من الوجوه التي ذكرناها دليلا على بطلان العبادة الريائى.

الصورة الثانية: ما يكون الداعى على الرياء تبعا و الداعى على القربة استقلاليا

ففي هذه الصورة نقول:

إن كان الدليل الاجماع فربّما يقال بعدم تحققه في هذه الصورة.

و أمّا إن كان الدليل منافاة الرياء مع الاخلاص فيشمل المورد لأنّ الداعى الى الرياء و إن كان تبعيا لكن يكون جزء قصده في عمله، فلا

يكون العمل ممحضا للّه فيكون فاقدا للاخلاص، فيبطل العمل لفقد شرطه.

و أمّا إن كان الدليل الآيات و الأخبار، فالمستفاد منها ترتب الآثار المذمومة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 188

على العمل الذي اشرك فيه غير اللّه، و في هذه الصورة اشترك غير اللّه تعالى، بل الظاهر المتيقن من الأخبار صورة كون الداعى على العبادة الاخلاص و الرياء كليهما لا الصورة الاولى، و هى صورة اتيان العبادة بداعى الرياء فقط، فتلخص بطلان العمل في هذه الصورة.

[الصورة الثالثة]

و إذا أوضحنا لك بطلان العبادة في هذه الصورة، أعنى: الصورة الثانية، يظهر لك أن البطلان في باقى الصور أوضح و هو الصورة الثالثة، و هي ما كان داعى الرياء استقلاليّا و داعى القربة تبعيّا.

[الصورة الرابعة]

و كذا الصورة الرابعة و هي ما كان كل منها جزء الداعى بحيث لا يكون كل منهما منفردا قابلا للداعوية عند الفاعل.

[الصورة الخامسة]

و كذا الصورة الخامسة و هي ما كان كل منهما قابلا للداعوية مستقلا غاية الأمر صار كل واحد جزء الداعى لاجل استحاله ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد.

لأنّه فيما كان داعى الرياء تبعيا إذا قلنا بشمول الدليل الدال على بطلان العبادة له و هو الصورة الثانية، ففيما كان داعى الرياء مستقلا و داعى القربة تبعيا، أو كانا جزئى الداعى كل واحد في عرض الآخر من حيث الاستقلال، و كذا فيما كان كل واحد منهما جزء الداعى لا بنحو الاستقلال، ففساد العبادة أوضح.

الصورة السادسة:

ما كان الرياء في جزء العمل و له فرضان:

الأوّل: أن يكون الرياء في الجزء الواجب.

و الثاني: أن يكون في الجزء المستحب.

أما فيما كان في الجزء الواجب فنقول: إن الكلام تارة يكون فيما يكتفى بالجزء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 189

الآتى به رياء، مثل ما غسل يده في الوضوء رياء و لم يعده بداعي القربة بعد ذلك، و أتى بباقى اعضاء وضوئه حتى جفّ مواضع وضوئه ففي هذا الفرض لا ينبغى الاشكال في بطلان وضوئه و فساده، لأنّه أتى بجزء الوضوء رياء و الحال أنّه يفسد الجزء مسلّما لو لم نقل بكونه مبطلا لكل المركب، و لم يعد الجزء صحيحا و بفساد الجزء و عدم إعادته فسد الكل لفواته بفوات الجزء بعد فوت الموالاة و عدم قابلية إعادة الجزء، فالوضوء صار فاسدا، فلا بدّ من إعادته إن كان الجزء واجبا.

و تارة لا يكتفى به، مثلا غسل يده في الوضوء رياء، ثم يريد إعادة غسل اليد و إتمام الوضوء، فهل يصح وضوئه مع إعادة الجزء الماتي به رياء، أو يبطل الوضوء بمجرد إتيان الجزء رياء.

أقول: و قبل الشروع في بيان ما

هو الحق في المقام ينبغى التوجه إلى شي ء، و هو أنّ الكلام في بطلان العمل المركب بالرياء في جزئه و عدمه يكون في أن نفس الرياء هل يوجب البطلان بحيث لو لم تكن خصوصية اخرى في البين موجبة لبطلان العبادة يوجب الرياء البطلان أم لا؟

فبناء عليه إذا كان اتيان الجزء رياء موجبا للزيادة في الصلاة لو تدارك الجزء فتبطل الصلاة للزيادة العمدية، مثلا لو أتى بسجدة واحدة رياء فلو اكتفى بهذه السجدة تبطل الصلاة للزيادة و النقيصة العمدية، الزيادة لما اتى بالسجدة رياء و النقيصة لعدم الاتيان بالسجدة الواجبة، و لو أتى بها ثانيا تبطل الصلاة للزيادة العمدية لكون السجدة الاولى زائدة، فهو خارج عن محل الكلام.

كما أنّه ربّما يبطل العمل لاعتبار الهيئة الاتصالية فيه يوجب إتيان الجزء رياء لقطع هذه الهيئة الاتصالية كما في الصلاة بناء على أن التعبير بالقاطع بالنسبة إلى بعض المنافيات يدلّ على اعتبار هيئة اتصالية يوجب فعل النافي قطعها، و هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 190

خارج عن محل الكلام.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أن الرياء في الجزء الواجب يوجب بطلان الكل بحيث لو أتى بالجزء ثانيا بقصد القربة مع ساير الأجزاء لا يصح الكل أم لا (و هذا بعد مفروغية بطلان نفس الجزء الواقع رياء) مثلا لو غسل في الوضوء يده اليمنى رياء يبطل هذا الجزء و لا يكتفى به، فهل يبطل بسببه الوضوء أيضا و لو اعاد غسل اليد اليمنى أو لا يبطل الوضوء؟

فلو اعاد الجزء الّذي اتى به رياء على الترتيب المعهود مع ساير أجزاء الوضوء قبل فوات الموالات صح وضوئه أولا؟

وجه عدم البطلان أن الجزء الواقع رياء يفسد للرياء، و لكن

فساد الجزء لا يوجب فساد المركب، بل لو أتى بالجزء على الوجه القربى مع ساير الاجزاء يقع المركب صحيحا إذا المركب لا يحتاج إلّا إلى الجزء بالنحو المعهود و هو أتى به، و وقوع الرياء في الجزء لا يوجب إلّا عدم قابلية الجزء لأن يصير جزء للمركب، فالمركب محتاج إلى الجزء و هو باعادة الجزء أتى بالجزء المحتاج إليه المركب، فيقع المركب صحيحا لايجاده مع ما هو معتبر فيه.

وجه بطلان المركب ببطلان الجزء الواقع رياء هو أنّ المركب بأجزائه و شرائطه يعدّ فعلا فاردا و عملا واحدا، فالوضوء و إن كان مركب عن الغسلتين و المستحيين، و كل من أجزائه شي ء بحيال الآخر، و لكن مع هذا يعدّ الوضوء عملا واحدا عند العرف.

و مقتضى بعض الآيات و الروايات الواردة في الرياء هو فساد العمل إذا ادخل فيه رضى الغير، فمن أتى جزء من العمل رياء فقد أدخل في عمله رضى الغير فعلى هذا يكون الرياء في الجزء كالرياء في الكل و نفس العمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 191

نعم بناء على عدم دلالة الروايات الواردة في الرياء على بطلان العمل و إن كان يدل على حرمته يشكل الحكم بفساد الكل بفساد الجزء بسبب الرياء، و لكن قد عرفت دلالتها على الفساد.

و أمّا إذا كان الجزء مستحبا فحكمه حكم الجزء الواجب.

فإن قلنا بأن المستفاد من الأخبار الواردة في الباب هو فساد العمل الذي أدخل فيه الرياء فاذا أتى بالجزء المستحب في العمل المركب من الأجزاء رياء يصدق عرفا أنّه أدخل في عمله رضى غيره و إن لم يكن الجزء المستحب حقيقة جزء ماهية المركب، بل المركب العبادى ظرف له لأنّه يعدّ المركب باجزائه

الواجبة و المستحبة عملا واحدا عرفا، و قد عرفت أن المستفاد منها الفساد كالحرمة.

ثم إنّ حكم الرياء في الجزء بناء على القول بفساد الجزء العبادي بسببه من حيث الاقسام المذكورة في حكم الرياء في نفس العمل من حيث استقلالية قصد الرياء، و تبعيته، و كونه جزء الداعى في قبال داعى القربة، و كونه مستقلا في قبال استقلال داعى القربة، فيكون كل منهما جزء العلة، يكون حكم الرياء في نفس العمل فكما قلنا بفساد العمل بأقسامه كذلك نقول بفساد الجزء بأقسام اختلاف الداعى.

و في كل مورد يكون الجزء محكوما بالفساد من جهة الرياء يأتي النزاع في أن فساد الجزء يوجب فساد الكل أم لا، و قد بينا الكلام فيه.

الصورة السابعة: أن يكون الرياء في كيفية العبادة

و هو يتصور على نحوين لأنّ هذه الكيفية تارة تكون متحدة مع العبادة في الخارج مثل الصلاة في المسجد، أو في اوّل الوقت فهو يرائى في ايقاع الصلاة في المسجد أو في اوّل الوقت.

و تارة لا تكون الكيفية متحدة مع العبادة في الخارج، بل يكون من المقارنات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 192

الاتفاقية لها، مثل ما إذا صلى أحد و ينظر حال الصلاة إلى صبى لإراءته بأنه مواظب للصبى، أو ينظر حال الصلاة إلى متاع صديقه لإراءته بأنّه مواظب لمتاعه.

أما النحو الأوّل فتارة تكون الكيفية متعلقة للأمر، و تارة لا يكون متعلقة للامر، مثل أن يصلى في دار زيد للرياء، فكان ريائه في إيقاع صلاته في دار زيد و الصلاة في دار زيد لا تكون متعلقه للامر.

و في الفرض الأوّل تارة يكون الأمر، المتعلق بالكيفية تعبديّا مثل الأمر بالصلاة في المسجد، و يقصد الرياء بايقاع صلاته فى المسجد.

و تارة يكون توصليّا، مثل أن

يقصد الرياء بالستر في الصلاة الذي يكون الأمر المتعلق بالستر توصليّا.

فنقول: أمّا فيما كانت الكيفية متعلقة للامر التعبدى فلا إشكال في فساد العبادة لأنّ بعد حرمة الكيفية من باب وقوعها رياء و هي متحدة مع الصلاة فتصير العبادة باطلة و إن قيل بجواز اجتماع الأمر و النهى، لعدم كون هذا الفعل قابلا لأن يتقرب به.

مضافا بأنه يصدق انّه أدخل في عمله رضى الغير المستفاد من أخبار الرياء بطلانه.

و أمّا إذا كانت الكيفية مأمورا بها بالأمر التوصلى ففي بطلان العبادة بالكيفية الريائية إشكال.

وجه الاشكال هو أن غاية ما يستفاد من الآيات أو الاخبار هو كون الرياء مفسدا للعبادة، و أمّا إذا لم يكن الفعل عبادة و إن كان المأمور به بالامر التوصلى فلا يكون مفسدا، بل لا دليل على حرمته، فإذا لم تكن الكيفية محرمة و فاسدة فلا وجه لبطلان العبادة المتكيفة بالكيفية الخاصة رياء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 193

أقول: بعد دلالة بعض الأخبار الواردة في الرياء بحرمة عمل ادخل فيه رضى الغير أعنى: الرياء و بطلان العمل، فالعمل و إن كان واجبا بالوجوب التوصلى، بل و لو لم يكن بواجب أصلا و لكن يصدق عرفا انه ادخل فى العمل الواقع فيه كيفية ريائية انه ادخل الغير فى عمله فيكون حراما و مبطلا.

و من هنا يعرف الاشكال في بطلان العبادة إذا قصد الرياء بالكيفية المتحدة مع العبادة و لا تكون هذه الكيفية متعلقة الأمر لا للامر التعبدى و لا التوصلى، بل الاشكال فيه أوضح من الصورة السابقة لأنّ في السابقة كانت الكيفية متعلقة للامر و ان كان أمره توصليا و فى هذه الصورة ليست متعلقة الأمر اصلا لا التعبدى و لا التوصلى،

فلا وجه لبطلان العبادة أصلا، مثلا أتى بالصلاة في دار زيد و قصد من إيقاعها في داره الرياء لأنّه لا دليل على حرمته رأسا و إن كان هذا القصد مذموما اخلاقا لوجود صفة فيه يطلب المنزلة عند قلوب الناس باراءة أعمال الخير، لأنّ بعض الآيات الواردة و كذلك الأخبار لا إطلاق لها يشمل هذا المورد.

نعم لو قلنا بإطلاق الأدلّة حتى لما لا يكون العمل عباديّا و كون ايجاد الكيفية رياء حرام تبطل العبادة المكيفة بها لاتحادها معها، و مع الاتحاد تبطل العبادة حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهى لعدم كون العبادة مقربة مع اتحادها مع الحرام.

أقول: و لكن قلنا في الصورة السابقة يكفى في بطلان العبادة وقوع كيفية و لو لم تكن واجبة رياء مع اتحادها مع العمل لأنّه يصدق عرفا أنّه ادخل رضى الغير في عمله لوقوع العمل بالكليفية المتحدة معه رياء فيكون العمل حراما و باطلا.

و أمّا النحو الثاني و هو أن لا تكون الكيفية الواقعة معها العبادة متحدة مع العبادة بل كانت من المقارنات لها مثل الرياء حال الصلاة في النظر إلى متاع الغير فهو يرائى في ذلك بأن ينظر حال الصلاة إلى متاع صديقه للا لإراءته بأنه في مقام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 194

حفظ المتاع، فلا إشكال في عدم فساد العبادة بهذا النحو من الكيفية، لأنّه أوّلا لا يكون هذا الرياء حراما لعدم دليل عليه، و ثانيا على فرض حرمته لا توجب حرمته فساد العبادة المقارنة لها لعدم اتحاد العبادة مع هذه الكيفية.

الأمر الثاني: الرياء تارة يكون من اوّل العمل

، مثل أن يقصد من اوّل الصلاة الرياء، و تارة يكون في أثناء العمل، مثل أن يصلى ركعة من صلاته قربة

إلى اللّه تعالى ثم يبدو له ان يأتي باقى الافعال منها رياء فهل البطلان مختص بالفرض الأوّل أو يعمّ الفرض الأوّل و الثاني؟

أما في الفرض الأوّل فلا إشكال في بطلان العبادة لان هذا مورد المتيقن من الأدلّة.

و أمّا في الفرض الثاني فتارة يكون الكلام فيما يقصد الرياء فى الاثناء بما بقى من العبادة و يكتفى بما أتى رياء مثل ان يأتي ما بقى من الركعات رياء و يكتفى به بدون أن يعيد ما وقع رياء من الأفعال و الأجزاء، فلا إشكال في بطلان العبادة لفقد الاخلاص المعتبر في بعض العبادة و لشمول النصوص له.

و تارة لا يكتفى به بل يعيد ما أتى من الأجزاء رياء، فحكمه حكم الرياء في جزء العبادة، و قد مرّ الكلام فيه في الصورة السادسة من الأمر الأوّل.

الأمر الثالث: هل يكون فرق فى الرياء المبطل بين ما لم يتب عن فعله المحرم،

أعنى: ريائه فيكون مبطلا، و بين ما تاب بعد الرياء فلا يبطل العمل، أو لا فرق بينهما في البطلان؟

أقول: اعلم أن ما يكون أثر التوبة هو غفران الذنب و محوه، و لا يصحّ بالتوبة العمل الباطل، فبعد بطلان العبادة بالرياء على التفصيل الذي عرفت في المسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 195

السابقة سواء تاب أم لم يتب لا ينقلب الفعل عما هو عليه من البطلان و لا يصحّ بالتوبة، بل يغفر ذنب المرائى بسبب التوبة الواقعة بشرائطها.

الأمر الرابع: قد عرفت بطلان العبادة إذا كان يقصد بها الرياء

و دخل الرياء في الداعى على العمل على أىّ وجه كان، من كون الرياء تمام الداعى، أو جزء الداعى، و كونه جزء الداعى سواء كان الداعى على الرياء استقلاليّا و القربة تبعيّا، أو بالعكس، أو كان كل منها جزء الداعى إمّا من باب عدم كون كل من الرياء و القربة كاف للداعوية على العمل، و لكن كل منهما يكون كافيا لذلك، أو من باب كفاية كل منهما للداعوية المستقلة، لكن صارا جزئى الداعى من باب استحالة ورود العلّتين المستقلّتين على المعلول الواحد.

إنّما الكلام فيما لم يكن هو الداعى و لا جزء الداعى، بل كان مجرد خطور في القلب فهل يوجب بطلان العمل أيضا أم لا؟

وجه البطلان توهم دلالة بعض الأخبار عليه.

منها الرواية الثانية من الروايات التي قد منا ذكرها و فيها قال عليه السلام (أو أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا). «1»

بدعوى أن مجرد حديث النفس و الخطور في القلب يوجب تاكد الداعى إلى الفعل، فيصدق بذلك انّه أدخل في عمله رضى غيره.

و فيه أنّه من الواضح أن خطور القلب غير الإرادة و القصد، بل ربّما لا يكون الحبّ على الفعل مع

خطوره في القلب فلا يصدق بمجرد خطوره فى القلب انّه أدخل رضى الغير في عمله.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 196

و منها الرواية التي رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ثلاث علامات للمرائي ينشطه إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحب أن يحمد في جميع اموره «1».

بدعوى دلالتها على أن مجرد النشاط لما يراه الناس و الكسالة إذا كان وحده و حبه لان يحمد الذي جعلها من علامات المرائى، هو من فعل القلب و الحالات العارضة له بدون القصد و الداعى إلى الفعل، فيكفى مجرد خطور القلب لتحقق موضوع الرياء و بطلان العبادة بسببه.

و فيه أن الرواية تدلّ على أن علامة المرائى هذه الأمور، و أمّا متى يكون المرائى مرائيا فلا تدلّ عليه.

بل يمكن أن يقال أن المستفاد من الرواية هو كون الرياء العمل بداعى الإراءة لأنّ المرائى ينشط بأن يراه الناس فرياؤه يكون بداعى إراءتهم لأنّ المقصود الغائى إذا كان ارائة الناس فيقصد من عمله ارائة الناس كى يصل بغرضه.

و على كل حال لا دلالة للروايتين على كون مجرد خطور القلب رياء حتى يكون مفسدا للعمل.

بل المستفاد من بعض الروايات أن حب ظهور عمله الخير و سروره بذلك إذا لم يكن فعله الخير بداعى هذا الظهور لا يكون حراما.

كما في رواية زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد الّا و هو يحب أن يظهر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب مقدمة العبادات

من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 197

له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك «1».

الأمر الخامس: إذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب

منها و من الرياء فالعمل باطل، لأنّه بعد ما يكون شرط صحة العبادة الخلوص فيكون الشك من الشك في الامتثال بعد اليقين بالاشتغال، فمقتضى الاشتغال اليقينى تحصيل البراءة اليقينة.

هذا تمام الكلام في الرياء و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

المطلب الثالث في العجب،
اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامات:

الأوّل: في حقيقته و ماهيته.

الثاني: في أنّه حرام أم لا.

الثالث: انّه على تقدير حرمته يفسد العبادة أم لا.

امّا الكلام في المقام الأوّل [فى حقيقة العجب]

فنقول بعونه تعالى:

قال في مجمع البحرين «2» بعد ذكر حديث يذكر فيه العجب (قال بعض الشارحين: لا ريب أن من عمل أعمالا صالحة من صيام الأيام و قيام الليالى و نحو ذلك يحصل له ابتهاج، فإن كان من حيث كونها عطية من اللّه تعالى و نعمة منه عليه و كان مع ذلك خائفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من اللّه الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا.

و إن كان من حيث كونها صفته و مضافة إليه فاستعظمها و ركن إليها و راى نفسه خارجا عن حد التقصير بها و صار كأنّه يمنّ على اللّه تعالى بسببها فذلك هو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) مجمع البحرين، ص 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 198

العجب المهلك الخ).

و حكى في مصباح «1» الفقيه أن العجب على ما ذكره بعض علماء الأخلاق إعظام النعمة و الركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم.

و حكي عن بعضهم انّه إعظام النعمة و الركون إليها مع اضافتها إلى المنعم.

أقول: ما يمكن استفادته من بعض روايات الباب في معنى العجب هو أن العجب إعظام النعمة و الركون إليها و التجاوز في عبادته حد التقصير الذي لا بدّ للعبد من الاعتراف به (لأنّه كلما بلغ في مقام العبادة فمع ذلك قاصر عن الحد اللازم في العبادة) و أمّا دخل نسيان إضافة النعمة إلى المنعم، أو اعتبار اضافتها إلى المنعم فلا يستفاد من اخبار الباب بمعنى عدم تعرض في الأخبار لحيث نسيانه

إضافة النعمة أو تذكره إضافة النعمة إلى المنعم.

بل يحصل العجب بمجرد إعظام النعمة و الركون إليها و تجاوزه عن حد التقصير الذي يكون العبد واقع فيه و إن بلغ في العبادة ما بلغ راجع أخبار الباب.

أما المقام الثاني و هو أن العجب حرام أم لا،

بعد مفروغية كونه من الصفات الذميمة و صاحبه مبتلى بابتلاء شديد هالك موبق.

اعلم أن العجب تارة يكون في غير العبادات مثل العجب بالعلم أو المال او الجاه أو الاولاد.

فنقول: إن المراجع في بعض الآيات المفسرة بالعجب مثل الآيتين المتقدم ذكرهما في أوّل البحث و في روايات الباب لا يرى تعرضا للعجب في غير العبادة أصلا فضلا عن حرمته غير الآية الاولى من الآيتين المتقدمتين في صدر البحث

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 235.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 199

و هى قوله تعالى وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ قٰالَ مٰا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هٰذِهِ أَبَداً «1» فإنها إن كانت متعرضة للعجب و انّه اعجبه خبته فالعجب فيها يكون لغير الأمر العبادى و لكن لا تدلّ الآية على حرمته فلا دليل على حرمة، العجب في غير العبادة.

و تارة يكون العجب في العبادة، فهل يكون حراما أم لا؟ اعلم أن المستفاد من كلام بعض الفقهاء هو انا لم نجد فيما نراجع به من الآيات و الأخبار الواردة في مذمة العجب ما يدلّ على حرمته، لأنّ مجرّد الذم و كونه من الاخلاق الذميمة لا يدلّ على حرمته.

أقول: أوّلا إن لسان الأخبار الواردة في العجب تقريبا يكون مثل لسان الاخبار الواردة في الرياء، فكما انكم قلتم بأنه مما ورد فيه من الذم و الآثار الموبقة عليه نفهم حرمته كذلك في العجب.

نعم لو استشكلنا في دلالة تلك الأخبار على

الرياء و قلنا بكفاية ما بقى من الأدلّة على حرمته يكون للاشكال في المقام مجال.

و ثانيا يمكن استفادة الحرمة مما رواه يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث: قال موسى بن عمران عليه السلام لا بليس: أخبرنى بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر فى عينه ذنبه، و قال: قال اللّه عزّ و جل لداود: يا داود بشر المذنبين و أنذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين و أنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين إنّى أقبل التوبة و اعفو عن الذنب، و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد نصبه للحساب إلّا هلك «2».

______________________________

(1) سورة كهف، الآية 35.

(2) الرواية 3 من الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 200

بأن يقال: إنّ قوله تعالى و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا يدل على كون العجب منهيا عنه.

هذا ما خطر ببالى و إن لم يتفطن به أحد، و على هذا لا فرق في حرمته بين ما كان العجب حال العبادة أو بعدها.

لكن يمكن الاشكال من باب ضعف سند الرواية لعدم معلومية بعض اصحابه الذي يروى عنه يونس و إن قيل بكون مرسلات يونس بحكم المسندات.

فعلى هذا القول بحرمة العجب في العبادة لو لم يكن أقوى فلا اقل من كونه أحوط.

المقام الثالث: في أن العجب يفسد العمل العبادى أم لا؟

فنقول بعونه تعالى:

إنّ العجب تارة يكون بعد العمل، و تارة يكون حال العمل.

امّا إذا كان العجب بعد الفراغ عن العمل العبادى فلا وجه لفساد العبادة به لأنّه لا يوجب انقلاب ما

وقع عليه العبادة من الصحة، و لا دليل يدل عليه.

و أمّا إذا كان العجب حال العبادة و مقارن لها من أول العبادة أو في أثنائها، فلا يوجد في الأخبار على ما تصفحت بقدر استعدادى القاصر ما يدل على فساد العبادة به إلّا ما رواه علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّه عزّ و جل و للّه عليه فيه المنّ. «1»

وجه الدلالة كون سؤال السائل عن العجب الذي يفسد العمل، و المعصوم عليه السلام

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب مقدمة العبادة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 201

ذكر قسمين منه فى الجواب، فبعد كون سؤاله عما يفسد به العمل، فمن المعلوم أن قسمين من العجب الذين ذكرهما عليه السلام يفسدان العمل.

و في دلالتها على الفساد مقابل صحة العمل و إجزائه إشكال، لأنّ مقتضى ظاهرا الرواية هو فساد العمل بالعجب سواء كان مقارنا للعمل أو متأخرا عنه، و هذا لا يناسب مع الفساد في قبال الصحة بمعنى الاجزاء و سقوط الاعادة و القضاء، لأنّ تأثير الفعل السوء المتأخر في بطلان العمل المقدم مع وقوعه صحيحا بعيد، فالمناسب كون الفساد فسادا في مقابل القبول بمعنى أنّ العجب يوجب عدم قبول العمل أو حبطه كما ذكر في أثر بعض المعاصى، فلا يستظهر من الرواية مع هذا الاحتمال كون مفادها بطلان العمل في مقابل صحته و إجزائه.

و في الرواية احتمال آخر و هو أن السائل و إن سئل عن

العجب الذي يفسد العمل، لكن المعصوم عليه السلام لم يكن بسدد جوابه لبعض الجهات، أو لم يتم كلامه، أو تمّ و لم يذكره الراوي، كما أنّ كيفية بيانه عليه السلام شاهد على انّه إما لم يكن في مقام بيان ذلك و إمّا كان في مقام تمهيد المقدمة و بيان أقسام العجب، ثم بيان أنّه يفسد العمل أولا، و لم يتم الكلام.

مضافا إلى أن القسمين المذكورين في الرواية لا ينطبقان على العجب المصطلح لان مجرد السرور بالعمل الّذي هو القسم الأوّل من القسمين المذكورين في الرواية لا يكون عجبا كما يستفاد من بعض الأخبار، و إذا كان المنّ على اللّه بعمله فهو المدلّ و ليس بالعجب المصطلح.

لكن هذا مدفوع بأنه بعد ما جعل عليه السلام هذين القسمين من أفراد العجب فدعوى عدم كونهما عجبا اجتهاد في مقابل النص.

فالعمدة ما قلنا من أن المناسب حمل الفساد في الرواية على عدم قبول العمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 202

مع وجود صفة العجب في الشخص.

و لو التزمنا بحرمة العجب في العبادة هل يوجب حرمته بطلان العمل من باب كونه متحدا مع العمل أو لا يوجب بطلان العمل، لأنّه أمر قصدى لا يسرى إلى العمل و ليس من الرياء المستفاد من بعض الأخبار الواردة فيه كونه مريا إلى العمل و الأقوى الثاني و إن كان الأحوط إعادة العمل المقارن مع العجب استجابا.

المطلب الرابع: في السمعة،

و المراد من السمعة هو أن يقصد الشخص بعمله سماع الناس به طلبا لعظم رتبته عندهم، فعلى هذا تكون السمعة من أفراد الرياء لأنّ الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بايرائهم الاعمال الخير بالأعم من الاسماع و غيره، و السمعة يكون طلب ذلك بخصوص

اسماعهم الأعمال الخير، فعلى هذا يكون حكمها في الحرمة و فساد العبادة بها حكم الرياء، و مجي ء الأقسام المتقدمة في الرياء فيها فلا نطيل بالاعادة.

مضافا إلى ورود الأمر بتخلية العبادة عنها بالخصوص، مثل ما رواه محمد بن عرفة قال: قال لى الرضا عليه السلام: ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة، فانّه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى ما عمل، ويحك ما عمل أحد عملا إلّا رداه اللّه به إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا «1».

و ما رواها ابن القداح عن أبي عبد اللّه عن ابيه عليهما السلام قال: قال علي عليه السلام:

اخشوا اللّه خشية ليست بتعذير، و اعملوا للّه في غير رياء و لا سمعة فإنه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى عمله يوم القيمة «2».

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 203

فتخلص أن السمعة مثل الرياء إذا كانت الداعى للعبادة، أو جزء الداعى علي التفصيل المتقدم في الرياء.

و أمّا إذا لا يكون الداعى و قصد العبد في العبادة السمعة، و لا تكون جزء الداعى و لو تبعا، بل كان يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن تكون داخلا في قصده لا تكون مبطلا للعبادة.

و يدل على ذلك ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه انسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد الّا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك «1».

فلا

يكون مجرد السرور إذا لم يكن داعيا أو جزء الداعي للعبادة مبطلا للعبادة.

و لكن كما قال المؤلف رحمه اللّه ينبغى للانسان أن يكون ملتفتا فإنّ الشيطان غرور و عدوّ مبين.

المطلب الخامس: في ساير الضمائم و الكلام فيه يقع في مقامات.
اشارة

و اعلم أن الضميمة تارة تكون في نفس العبادة مثل أن يقصد من نفس فعله الزكاة الاحسان على أحد، و تارة يكون في اختيار الفرد، مثل أن يكون قصده من أصل زكاة ماله أمر اللّه تعالى، لكن فى مقام اختيار الافراد يعطى زكاته بأحد اقربائه الفقير

ظاهر كلام المؤلف صورة الاولى، لكن نحن نذكر حكم كل من الصورتين إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 204

المقام الأوّل: في الضمائم الراجحة
اشارة

كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير فله صورتان، و مفروض الكلام فيما تكون الضميمة الراجحة بما هى راجحة تمام الداعى أو جزء الداعى، لا بما هي مع قطع النظر عن رجحانها.

الصورة الاولى: ما إذا كان داعى القربة استقلاليّا و الضميمة الراجحة تبعا

بمعنى كون القربة بنفسها علة تامة للعمل كافية في صدور الفعل، و تكون الضميمة تبعا و إن كان الفعل عند اجتماعهما يسند إليهما.

فقد يقال بالصحة في هذه الصورة لأنّ ما يتوقف عليه صحة العبادة و المقدار الّذي قام عليه الاجماع على اعتباره في الوضوء و ساير العبادات هو صدور الفعل بداعى الأمر المستقل في البعث لو لا الضميمة، فاعتبار غير ذلك محتاج إلى الدليل و هو مفقود، و ما يكون عليه بناء العقلاء في مقام العبودية و كون الفعل عبادة و مظهرا من مظاهر العبودية كون أمر المولى في نظر العبد علة تامة للفعل، و أمّا انحصار العلة به بحيث لو فرض عدم الأمر لزم عدم الفعل من جهة عدم الداعى الأخرى للعبد فليس له مدخلية في العبودية.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام وجه الصحة في هذه الصورة.

أقول: إنّ المدعى للصحة تارة يدعى الصحة للاجماع على الصحة، فالعهدة على مدعيه لعدم ثبوت اجماع بحيث يكون معقد الاجماع صحة العبادة إذا كان داعى التقرب علة تامة في حد ذاته و إن كان الفعل فعلا مستندا إلى كل منهما.

و تارة يدعى الاجماع على أن القربة المعتبرة في العبادة و ما يتوقف عليه العبادة من كون الباعث على الفعل أمر المولى، هو مجرد قابلية هذا الداعى للفعل في حد ذاته و إن كان فعلا مستندا إليه و إلى غيره، فتحقق الاجماع التعبدى على ذلك غير معلوم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 6، ص: 205

بل إن قالوا بذلك قالوا من باب أنّهم عقلاء، فيقع الكلام في أن العقل الحاكم في باب الاطاعة و المعصية، و العقلاء بما هم عقلاء، يحكمون بكفاية ذلك في مقام الاطاعة، و أنّه مجرد قابلية كون داعى أمر المولى علة تامة للفعل بحيث لو لم يكن داع آخر راجحا أو مباحا في البين يكفى لداعوية امر المولى لاتيان الفعل.

و بعبارة اخرى ليس المعتبر في العبودية إلّا أن يصير العبد بحيث يكون تأثير أمر المولى في نفسه بالنسبة إلى متعلقاته كتأثير العلل التكوينية فى معلولاتها، و بعبارة ثالثة ليس فى الأدلة ما يدل على لزوم استقلال داعى الطاعة بعد وصوله بمرتبة يصلح لأن يكون مؤثرا فى نفسه و إن كان وجد فعلا داع آخر و لأجله يستند الفعل إليهما في مقام الاطاعة.

أو لا يكفى ذلك بل المعتبر أن يكون الفعل الصادر خارجا مستندا إلى داعى الأمر فقط لا إلى غيره بحيث لو كان هنا أمر آخر راجح و يأتي به لداعى اللّه، فيأتى الفعل بداعى كل من الأمرين و إن كان واحد منهما تبعا لا يصدق الامتثال للامر الذي يكون الداعى عليه استقلاليا، و لا امتثالا للأمر الداعى عليه تبعيا، لأنّ ما يقتضي امتثال كل من الأمرين عند العقل هو كون صدور الفعل ممحضا لا طاعة امر واحد منهما فقط، لا على اطاعة امره و على امر غيره و إن كان الداعى على أحدهما استقلاليا و على الآخر تبعيا.

اعلم انه لو قلنا بصحة العبادة في هذه الصورة فليس من باب عدم تعلق القصد بالشي ء التعبي لما قال «1» العلامة الهمدانى ره فى مبحث الوضوء بصحة العبادة إذا كانت الضميمة تبعيّا حتى فى الرياء

بدعوى عدم كون المقصود التبعى مما تعلق به الداعى، بل ليس الا مجرد السرور و الشوق به، لأنّ ما قاله خارج عن محل الكلام إذ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 226 و 248.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 206

البحث يكون فى مورد يتعلق القصد بكل من الامرين، غاية الامر احدهما مقصود بالقصد الاستقلالى بحيث يكون فى حد ذاته علّة تامة لايجاد العمل، و أحدهما مقصود بالقصد التبعى بمعنى أنّه لو خلّى و طبعه لا يتعلق به القصد استقلالا، فافهم.

و هكذا إن قلنا بعدم صحة العبادة فى هذه الصورة و غيرها من الصور التي كانت الضميمة مع العبادة راجحة ليس من باب عدم وجود الاخلاص المعتبر في العبادة، لأنّه على الفرض بعد كون الضميمة راجحة يأتي بالفعل بكل من الداعيين للّه تعالى فيكون العمل واجدا للاخلاص المعتبر، و هو كونه للّه تعالى فقط لا للرياء أو لدواع آخر غير اللّه تعالى، نعم لو كان المراد من الاخلاص هو كون كل عمل بداعى أمر نفسه محضا لا يكون الاخلاص موجودا، و لكن المراد بالاخلاص كما يظهر من الآيات الكريمة و الروايات الشريفة هو خلوص العمل للّه و خلوه عن الرياء و الدواعى الآخر غير اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه كما نسب إلى جمع من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم خصوصا يظهر من جلّ المتأخرين منهم، بل يدعى عليه الاجماع، هو صحة العبادة في هذه الصورة، لأنّه بعد ما كان الداعى إلى اطاعة الأمر علة تامة في حدّ ذاته للفعل بحيث لو لم يكن هذا الداعى التبعى الراجح لكان كافيا للعلية، غاية الأمر اتفق داع آخر راجح بتبع الداعى التام على

ايجاد الفعل، فالفعل يقع بداعى الأمر و واجدا للخلوص لعدم وجود داعى النفسانيّة فيه، فيحكم العقل بحصول الاطاعة في هذا الفرض و إن كان داع راجح صار سبب آكديّة القصد إلى العمل و اتيانه.

و لهذا لو كان الأمر من المولى متعلقا بالصدقة فصار أمر المولى علة تامة لصدور الصدقة منه بحيث لو لم يوجد داع آخر كان يتصدق لأمر المولى، و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 207

يقصد بهذه الصدقة بطبيعتها لا بفردها صلة الرحم و إكرام العالم لا ينبغى الاشكال في خصوص امتثال أمر الصدقة عند العقل و العقلاء.

نعم لو كان الواجب في مقام الاطاعة في العبادة أن يكون الفعل الصادر ممحّضا عن قصد خصوص الأمر بالعبادة الكذائية بحيث يكون هو المحرك للعمل فعلا بدون دخل داع آخر و إن كان راجحا و لو كان تبعا لكان للاشكال في صحة العبادة في هذه الصورة مجال، لكن لا دليل على اعتبار ذلك عقلا و نقلا، بل ادعى الاجماع على الصحة في هذه الصورة، و عدم كون هذا الداعى الراجح منافيا مع الاخلاص المعتبر في العبادة.

و مع ذلك كله نقول: بأن الاشكال في صحة العمل إن كان من حيث الاخلاص المعتبر في العبادة، فيمكن جوابه بأنّه في الفرض مع كون الضميمة راجحة يكون الفعل ممحضا للّه تعالى، لكن الاشكال من حيث الآخر، و هو أنّه بعد كون المعتبر فى العبادة أن يكون العمل واقعا بقصد العبودية بمعنى كون الداعى الفعلى الّذي يحرك الشخص نحو العمل و علته التامة لصدور الفعل منه فعلا و حال اتيانه هو الامر المتعلق به و التقرب بالعمل بأمره، أو بملاكه الّذي مطلوب منه تعالى، و مع فرض

كون الضميمة الراجحة جزء المحرك و الداعى للفعل، فلا يكون الداعى القربى علة تامة فعلية للعمل، و ما قالوا من كفاية علّية التامة لو لا الضميمة بحيث لو كان هو لو خلى و طبعه كان قابلا لصيرورته علة تامه، محل إشكال، بل منع لعدم كفاية ذلك بحكم العقل فى مقام الإطاعة، نعم ينقل دعوى الاجماع على الصحة فى هذه الصورة، و كون الاجماع إجماعا تعبّديا غير معلوم لاحتمال كون منشأ اتفاقهم بعض ما ذكر وجها لصحة العبادة فى هذه الصورة فعلى هذا نقول: بأنّ الاحوط عدم دخل الضميمة الراجحة و إن كانت تبعيّة، و لو ادخله فالأحوط إعادة العبادة، فتأمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 208

الصورة الثانية ما إذا كان الداعى لاطاعة المولى كلا من الأمر العبادى و الضميمة

الراجحة استقلاليّا بحيث يكون كل منهما لو كان منفردا كان علة تامة لصدور الفعل، فهل الحكم في هذه الصورة صحة العبادة كالصورة السابقة أولا؟

أقول: بعد ما عرفت من عدم كون وجود الضميمة الراجحة و قصدها منافيا مع الاخلاص المعتبر في العبادة، فبناء على عدم دليل على اعتبار كون المحرك الفعلى على العمل قصد الأمر العبادى فقط لا عقلا و لا شرعا، بل يكفي قابليته للداعوية المستقلة و عليته التامة في حد ذاته لو لا وجود الضميمة، فيقال بصحة العبادة في هذه الصورة كالسابقة لعدم فرق بينهما، فإن قلنا بالصحة في الاولى نقول في الثانية، و إن قلنا بالفساد نقول في هذه الصورة.

و بعد ما قلنا بالاحتياط نقول في هذه الصورة أيضا بالاحتياط، بل الاحتياط في هذه الصورة ألزم لأنّ داعى الضميمة يكون مستقلا و العمل يستند إلى كل منهما بنحو واحد.

الصورة الثالثة: أن يكون داعى القربة و اطاعة الأمر تبعيا

و داعى الضميمة استقلاليّا، مثل ما كان داعيه استقلالا الاحسان بالفقير بحيث كان هذا الداعى لو خلّي و طبعه علة تامة لصدور الفعل، و يكون داعيه إلى أداء الزكاة الواجب تبعيا بحيث لو كان هذا الداعى وحده لا يكون علة تامة للفعل و باعثا له نحو العمل.

فهل يقال بصحة العبادة في هذه الصورة، ففي المثال كان ما يعطى بالفقير أداء للزكاة و إن كان القصد إليه تبعيّا، أو لا تصح العبادة في هذه الصورة؟

الأقوى عدم الصحة لأنّه قلنا بأن ما يحكم به العقل في باب الاطاعة هو كون المحرّك للعبد هو داعى الطاعة بحيث يكون الداعى إليها علة تامة و قابلا للانبعاث نحو الطاعة لو خلّى و طبعه، فليس الداعى القربى علة تامة لصدور الفعل في هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 209

الصورة على الفرض، بل الداعى للعمل في حد ذاته و العلة التامة لصدور الفعل هو الضميمة بحيث لو لم يضم إليه الضميمة لما كان يدعو نحو العمل بداعى القربة، فعلى هذا لا تصح العبادة حتى عند من يقول بالصحة في الصورة الاولى و الثانية بعد ما استشكلنا في الصورتين السابقتين، و قلنا باعتبار كون المحرك الفعلى و هو الداعى القربى ممحضا، فعدم صحة العبادة فى هذه الصورة أوضح.

الصورة الرابعة: ما كان كل من داعى القربة و داعى الضميمة جزء الداعى

بحيث لا يقبل كل منهما للداعوية على الفعل مستقلا و علة تامة لصدوره، بل صار ضم كل من الداعيين إلى الآخر موجبا لصدور العبادة، بحيث لو انفرد كل منهما لا يأتي بالعمل، و لا يصير داعيه و محركه نحو الفعل.

و في هذه الصورة الأقوى عدم الصحة لعدم الداعى نحو العبادة بداعى أمره مستقلا لو خلّى و طبعه، و لم يصر أمر المولى داعيا إليها بنفسه حتى لو لم ينضمّ إليها الضميمة ما كان داعيا له إلى الفعل.

هذا كله في الصور المتصورة في الصورة الاولى من الضميمة الراجحة و هي ما كانت الضميمة في نفس العبادة و طبيعتها.

إنّما الكلام في الصورة الثانية من الضميمة الراجحة، و هي ما كانت الضميمة في اختيار الفرد بمعنى أنّه يقصد إتيان أصل العمل للّه تعالى و لأمره المتعلق بها، و لكن حيث أنّه مخيّر في اختيار ايجاد الطبيعة المأمور بها من بين أفرادها يختار الفرد الخاص لرجحانه، مثلا أمر المولى بالصلاة و بعد كون الأمر متعلقا بطبيعة الصلاة فقط و العبد في مقام امتثال الطبيعة مخيّر بين أفرادها، فهو مخير بين أن يصلى صلاته في بيته أو في المسجد، فيختار المسجد و كان اختياره المسجد لما فيه من الرجحان، فهو

يكون داعيه إلى أصل الصلاة امتثال امر الصلاة و داعيه إلى اختيار هذا الفرد و ايقاع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 210

صلاته في المسجد يكون لرجحانه، فلا إشكال في الصحة في جميع الصور الاربعة المتقدمة أعنى: سواء كان الداعى إلى اختيار الفرد الراجح استقلاليا أو تبعيا، أو بالعكس، أو كان كل من داعييه إلى اختيار هذا الفرد استقلاليا، أو كانا جزء الداعى.

المقام الثاني: في الضمائم المباحة،
اشارة

و هي تارة كما قلنا في الضمائم الراجحة تكون في أصل طبيعة العبادة، مثل أن يقصد بنفس وضوئه إطاعة أمر الوضوء و التبريد.

و تارة تكون في اختيار الفرد لا في أصل الطبيعة، مثل أن يقصد من وضوئه إطاعة أمر اللّه تعالى محضا، غاية الأمر في مقام اختيار الماء للوضوء يختار الفرد البارد من الماء في فصل السيف، و الماء الحار في الشتاء فالكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: فيما كانت الضميمة المباحة في أصل العبادة،

مثل أن يقصد بإتيان نفس الوضوء كلا من إطاعة امر اللّه تعالى و التبريد فله صور:

الصورة الاولى: ما إذا كان الداعى إلى نفس العبادة القربة استقلالا و للضميمة المباحة تبعا، فهل تبطل العبادة أم لا؟

أقول: وجه بطلان العبادة دعوى أن الاخلاص المعتبر في العبادة عبارة عن خلوص العمل عن غير داعى اللّه تعالى سواء كان داعى غيره تعالى هو الرياء، أو بعض المشتهيات النفسانية فعلى هذا بعد ما كان داعى الضميمة المباحة جزء الداعى و إن كان تبعيّا، فلا يكون العمل واجدا للاخلاص المعتبر فيه، فيبطل العمل العبادى.

وجه الصحة ما بينا في الضميمة الراجحة من أن ما يكون لا بدّ منه في العبادة هو كون امر اللّه تعالى داعيا بنحو العلة التامة لا تيان العبادة في حد ذاته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 211

لو لا الضميمة، و هذا موجود فيما كان داعى أمر المولى استقلاليّا و داعى الضميمة المباحة تبعيّا.

و الاخلاص المعتبر على ما يظهر من الآيات و الأخبار هو الاخلاص فى مقابل الرياء، لا في قبال كل داع غير اللّه و إن كان أمرا مباحا، فعلى هذا تكون العبادة في الفرض بداعى اللّه تعالى واجدة للخلوص فلا وجه لفسادها.

أقول: أو لا إن قلنا في الضميمة

الراجحة فيما كان داعى امر اللّه تعالى استقلاليّا و الضميمة تبعيّا، او كان كل منهما استقلاليّا بصحة العبادة، و لكن كان هذا من باب أنّ داعى التقرب يكون علة تامة في حد ذاته مع قطع النظر عن الضميمة و كانت العبادة واجدة للخلوص، لأنّ العبد على كل حال فيما كانت الضميمة راجحة يكون عمله خالصا لان داعى التقرب و داعى الضميمة كلهما للّه و يأتي بهما للّه.

إن قلت: إنّ الخلوص المعتبر على ما يظهر من الآيات و الأخبار هو الخلوص عن الرياء بمعنى عدم كون الداعى أحدا غير اللّه تعالى، و أمّا ضم الداعى التبعى المباح فلا دليل على إخلاله بالاخلاص المعتبر.

قلت: إنّه تارة يلاحظ الاخلاص باعتبار ما يستفاد من بعض الآيات أو الروايات، فيمكن دعوى أنّ الاخلاص المستفاد منها هو الاخلاص في قبال شرك داعى أحد من الناس في العبادة، و لا نظر لهما بما كانت الضميمة بعض الدواعى النفسانية.

و بعبارة اخرى هذه الآيات و الروايات ساكتة عن الضمائم المباحة.

و لكن العقل الحاكم في باب الاطاعة و ما يقتضي العبادات في قبال التوصليات هو كون الداعى فيها هو اللّه تعالى و أمره، فمع اشتراك داع آخر غير اللّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 212

و إن كان مباحا ليس العمل ممحضا للّه تعالى، فلم تتحق القربة المعتبرة في العبادة مع دخل الضميمة المباحة في العمل.

و ثانيا انا استشكلنا في صحة العبادة حتى فيما كانت الضميمة راجحة و حتى فيما كان الداعى إليها تبعيا.

و إن قلنا بالاحتياط و لم نفت بالبطلان كان لدعوى الاجماع على الصحة في بعض الصور من الضميمة الراجحة.

و في المقام لم يقم اجماع على الصحة فمقتضى القاعدة فساد

العبادة.

نعم لو قلنا بما قاله العلامة الهمدانى رحمه اللّه من عدم كون الضميمة إذا كانت تبعيّا مقصوده أصلا بل مجرد الميل و الشوق إليه لا تبطل العبادة فى هذه الصورة، و لكن مضى فى هذه الصورة من الرياء فساد نظره الشريف فراجع.

و مما مر منا من فساد العبادة في هذه الصورة، و هي ما كان الداعى إلى اطاعة امر اللّه تعالى استقلاليّا و الداعى إلى الضميمة المباحة تبعيّا يظهر لك أن الفساد في ما بقى من الصور- و هي صورة كون كون كل من الداعيين استقلاليّا، و صورة كون كل منها جزء الداعى لعدم قابلية كل منها للداعوية في نظر العامل، و صورة كون الداعى المباح استقلاليّا و داعى القربية تبعيا- أوضح.

هذا كله فيما كانت الضميمة المباحة في نفس العبادة و طبيعتها.

الموضع الثاني: فيما كانت الضميمة المباحة في اختيار فرد الطبيعة من العبادة لا في أصل الطبيعة،

مثل أن يختار الماء البارد في فصل السيف للتبريد في وضوئه فيكون داعيه إلى أصل الوضوء اطاعة أمره تعالى، و حيث إنّه مخيّر في اختيار أىّ فرد من أفراد طبيعة الماء للوضوء يختار الماء المبارد لتبريد جسمه، فهل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 213

تبطل العبادة بسبب كون الداعى إلى اختيار الفرد هو الداعى النفسانى المباح أو لا؟

الحق عدم البطلان لأنّه على الفرض بعد كون الأمر بنفس ايجاد الطبيعة فهو لا يدعوا إلّا إليه و لا يقبل لصيرورته داعيا إلى الفرد إلّا من باب كونه فردا للطبيعة و للمكلف اختيار أىّ فرد من أفراد الطبيعة، و بعد كون الأمر بيده فلا مانع من اختيار فرد خاص لداع خاص مباح أو راجح.

المطلب السادس: في الضمائم المحرمة غير الرياء و السمعة.
اشارة

اعلم أن الكلام تارة يقع في أن غير الرياء و السمعة من الضمائم المحرمة هل تبطل العبادة في الجملة أم لا؟ فنقول: إنّها تبطل العبادة في الجملة.

و تارة يقع الكلام في مورد البطلان، فنقول بعونه تعالى: إنّ له فرضين:

الفرض الأوّل: ما إذا كانت الضميمة المحرمة غير الرياء و السمعة من أوّل العمل العبادى

بمعني أن يصدر منه العمل بداعى هذه الضميمة المحرمة محضا، أو بداعيها و داعى القربة بأقسامها المتقدمة في الرياء، فتبطل العبادة لعدم كونه مع الداعى على الضميمة المحرمة قابلا لأن يتقرب به و إن قلنا فرضا بجواز اجتماع الأمر و النهي.

الفرض الثاني: أن تحدث الضميمة في أثناء العبادة، و له صورتان:
الصورة الاولى: ما إذا حدثت في الاثناء

و قد أتى بشي ء من العبادة مع هذه الضميمة المحرمة و اكتفى في مقام امتثال العبادة بما أتي مع الضميمة المحرمة من غير تدارك حتى فات محل تداركه، فلا إشكال أيضا في بطلان العبادة.

لأنّ ما أتى به منها مع الضميمة المحرمة غير قابل الاتصاف بالجزئية لعدم كونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 214

مقربا و لعدم قابليّته لان يتقرب به، و على الفرض لم يتداركه حتى مضى محل تداركه.

الصورة الثانية: ما إذا حدثت الضميمة في أثناء العبادة

و أتى بشي ء من العبادة مع الضميمة، لكن تدارك ما أتى به منها مع الضميمة، فلا وجه في هذه الصورة لبطلان العبادة لأنّ بطلان الجزء لا يسرى إلى الكل و على الفرض تدارك ما أتى مع الضميمة المحرمة ثانيا و أعاده.

إلّا أن يوجب إتيان ما أتى به مع الضميمة بطلان العبادة من جهة اخرى، مثل موجبيته للزيادة العمدية في عبادة يوجب الزيادة العمدية بطلانها كالصلاة و هذا خارج عن محل الكلام.

فمن هنا يظهر لك الفرق كما قاله المؤلف رحمه اللّه بين الضمائم.

فإن كانت الضميمة الرياء و السمعة فتبطل العبادة و إن كان الرياء في أثناء العبادة في جزء منها لما قلنا من أنّ فساد الجزء يوجب فساد الكل، لأنّه بذلك ادخل في عمله رضى الغير و قد دلّ النص على بطلان العمل في هذه الصورة.

و أمّا إن كانت الضميمة غير الرياء و السمعة و حدثت في أثناء العمل فلا يبطل بسبب الضميمة إلّا ما أتى من أجزاء العمل مع هذه الضميمة، فلو تدارك ما أتى به من أجزاء العبادة مع الضميمة المحرمة لا تبطل العبادة، لعدم دليل على بطلان العمل العبادى ببطلان الجزء المنظم بالضميمة المحرمة غير الرياء و السمعة.

ففي هذه الصورة يظهر

الفرق بين الضميمة إذا كانت رياء و سمعة و بين غيرهما من الضمائم المحرمة على ما اختاره المؤلف رحمه اللّه و على ما يأتي بنظرى القاصر، خلافا لبعض محشى العروة و شراحها من الالتزام بعدم الفرق و عدم البطلان في كل الضمائم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 215

المحرمة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 29: الرياء بعد العمل ليس بمبطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: الرياء بعد العمل ليس بمبطل.

(1)

أقول: لعدم دليل يدل على بطلان العمل بالرياء بعده، و مورد النصوص هو الرياء حال العمل بأن يكون الرياء تمام الداعى أو جزء الداعى للعمل.

و أمّا ما رواه على بن أسباط عن بعض أصحابه عن على بن جعفر عليه السلام أنّه قال الابقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الابقاء على العمل، قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له، فكتبت له سرّا، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له رياء «1».

فربما يتوهم دلالتها على بطلان العمل بالرياء الحاصل بعده.

و فيه أولا: أن الرواية ضعيفة السند لإرسالها لأنّ الراوى عن الامام عليه السلام مجهول.

و ثانيا: يحتمل قريبا لو لم يكن ظاهر الرواية أن الذكر بعد العمل إن كان للرياء يوجب زوال ثوابه و حبط أجره، و الشاهد أنّ في الرواية أن ذكر العمل أولا يوجب لان يمحى العمل سرا و يكتب علانية، و معناه و اللّه أعلم أن ذكر العمل يوجب تنزل ثواب العمل السرّ و وصوله ثواب العلانية من باب أنّ صدقة السر أفضل من

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 216

صدقة العلانية كما يستفاد من بعض

الأخبار، و بعد ذكره ثانيا يوجب أن يكتب رياء، أعنى: يحبط ثوابه أو يعاقب على الرياء مضافا إلى حبط أجره و ثوابه على ما يقتضيه كونه رياء و الالتزام به مشكل.

***

[مسئلة 30: إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبى لا يبطل وضوئها و إن كان من قصدها ذلك.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا لم يكن مكان وضوئها منحصرا

بالمكان الّذي يراها الاجنبى، فلا إشكال في صحة وضوئها لعدم وجود وجه لبطلان وضوئها.

الصورة الثانية: ما إذا كان مكان وضوئها منحصرا

بهذا المكان فيبطل الوضوء، لأنّه يكون الوضوء في هذه الصورة مقدمة منحصرة للحرام، و قد أمضينا مفصّلا في اشتراط إباحة ظرف الوضوء بطلان الوضوء إذا كان مقدمة منحصرة للحرام فيتعين التيمم.

و اعلم أنّ مورد الكلام ما إذا لم تصر رؤية الاجنبى داعيا لها على الوضوء أو جزء الداعى، بل يقصد الوضوء للّه تعالى فقط، و تعلم أنّه يريها الاجنبى، أو يقصد رؤيتها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 217

[مسئلة 31: لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء]
اشارة

قوله؛ مسئلة 31: لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء، كما إذا كان بعد الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمسّ المصحف و أراد قراءة القرآن و زيارة المشاهد كما لا إشكال في أنّه إذا نوى الجميع و توضأ وضوءا واحدا لها كفى و حصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع، و أنّه إذا نوى واحدا منها أيضا كفى عن الجميع و كان أداء بالنسبة إليها و إن لم يكن امتثالا إلّا بالنسبة إلى ما نواه، و لا ينبغى الاشكال في أن الأمر متعدد حينئذ و إن قيل: إنّه لا يتعدد و إنّما المتعدد جهاته، و إنّما الاشكال في أنّه هل يكون المأمور به متعددا أيضا و أنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أولا، بل يتعدد، ذهب بعض العلماء إلى الأوّل و قال: إنّه حينئذ يجب عليه ان يعيّن أحدها و إلّا بطل، لأنّ التعيين شرط عند تعدد المأمور به، و ذهب بعضهم إلى الثاني و أنّ التعدد إنّما هو في الأمر أو في جهاته، و بعضهم إلى أنّه يتعدد بالنذر و لا يتعدد بغيره، و في النذر أيضا لا مطلقا بل في بعض الصور مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة

القرآن و نذر أيضا أن يتوضأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدد و لا يغنى أحدهما عن الآخر، فاذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال أحدهما و لا أداؤه، و إن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله و أدائه و لا يكفى عن الآخر، و على أىّ حال وضوئه صحيح بمعنى أنّه موجب لرفع الحدث، و إذا نذر أن يقرأ القرآن متوضأ و نذر أيضا أن يدخل المسجد متوضأ فلا يتعدد حينئذ و يجزى وضوء واحد عنهما و إن لم ينو شيئا منهما و لم يمتثل أحدهما، و لو نوى الوضوء لأحدهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 218

كان امتثالا بالنسبة إليه و أداء بالنسبة إلى الآخر، و هذا القول قريب.

(1)

أقول: قد مرّ بعض الكلام في المسألة في المسألة 6 من المسائل المتعلقة بالفصل المنعقد للوضوءات المستحبة، و نقول بعونه تعالى: إن الكلام يقع في جهات.

الجهة الاولى: لا إشكال في إمكان اجتماع غايات متعددة للوضوء

مثل ما مثّل المؤلف رحمه اللّه كما إذا كان بعد دخول الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمسّ المصحف (بناء على كون المسّ من غايات الوضوء حتى يتعلق به النذر و كونه من الغايات لا دليل عليه و النذر، لا يكون مشروعا فالمثال مورد الاشكال) و أراد قراءة القرآن و زيارة بعض المشاهدة المشرفة.

الجهة الثانية: إذا نوى بوضوئه جميع الغايات المذكورة المجتمعة

كفى عن الجميع و يكون امتثالا لكل منها.

أما كفايته للجميع فلأنّ هذه الغايات لا تقتضى إلّا الوضوء و الطّهارة، فلو قصد بوضوئه جميع الغايات حصلت الطّهارة، هذا كله على تقدير كون ساير غايات الوضوء في عرض الطّهارة التي هي من غاياته.

و أمّا على القول بكون غاية الوضوء الطهارة، و غاية الطهارة ساير الغايات كما اختار في المستمسك «1» فلا يكون للوضوء إلّا غاية واحدة، و هي تتحقق بقصد و مع حصولها يتحقق ساير الغايات، لأنّ النسبة بين الطهارة و ساير الغايات الطولية و ليس كل منها فى عرض الاخرى.

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 487.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 219

و أمّا كون الوضوء الواحد امتثالا لجميع هذه الغايات فلأنّ الامتثال يحصل عقلا باطاعة أمر المولى المتعلق بالشي ء، و بعد كون هذه الغايات مأمورا بها فامتثالها باطاعة أمرها بصدور الفعل بقصد الاطاعة، و على الفرض قصد إطاعة هذه الأوامر فيحصل امتثالها.

ثم اعلم أن الأوامر المتعلقة بهذه الغايات تارة يكون كل منها مستقلا فى الداعوية إلى البعث نحو الفعل أعنى: الوضوء، و تارة يكون كل منها جزء الداعى، و تارة يكون بعضها استقلالا و بعضها تبعيّا، فكفاية وضوء واحد للجميع فيما يكون الداعى إلى الوضوء الأمر الوضوئي المتعلق من ناحية كل هذه الغايات استقلاليا يصح عن الجميع، و

مع قصد الجميع يكون امتثالا للجميع، فكونه عن الجميع و إن كان لا يحتاج إلى قصد كل منها لتحقق جميعها بهذا المطلوب، و هو الطهارة حتى لو لم يقصد بعضها، لكن امتثال كل منها لا يتحقق إلّا بكون الداعى على الوضوء استقلالا لامتثال كل منها بحيث لو لا داعى أمر غاية اخرى يكون الداعى إلى كل واحد منها علّة تامّة لصدور الوضوء.

و أمّا ان كان الداعى إلى بعضها تبعيّا فحصول امتثال الامر بالغاية التبعى محل إشكال كما عرفت فى الضميمة الراجحة المباحة فى مسئلة اعتبار الاخلاص في الوضوء.

فما فى شرح علامة الآملى رحمه اللّه «1» من أنّه ليس المراد من إتيان الوضوء بتلك الاوامر أن يأتى به بمجموع امره المتعلّق بهذه الغايات حتى يجي ء في المقام حديث الاتيان بالوضوء بداعى أمرها و أمرها المتعلق به لا يتعلق بما فيها من الضميمة الراجحة، بل المعلوم أنّ الوضوء المأتي بتلك الأوامر يأتي بداعى أمر المتعلق

______________________________

(1) المصباح الهدى، ج 3، ص 479.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 220

به يعنى مقدار حظه من الأمر المتعلق بغايته، و كان نظره الاشكال بما قال فى المستمسك كما قلنا نحن قبل ذلك.

ليس بتمام لأنّ الكلام فى أنّ هذا المقدار الذي يكون حظ الوضوء من الأمر المتعلق بغاية بالوضوء، تارة يكون الداعى فعل الوضوء استقلالا بهذا المقدار من الحظ و تارة تبعيا فاذا كان فعل الوضوء بداعى الحظ الّذي هو محفوظ من الامر استقلاليا بالنسبة إلى كل من الغايات يكون امتثالا لكل من الأوامر المتعلقة بهذه الغايات، و إلّا يكون محل الاشكال كما عرفت فى الضمائم الراجحة و المباحة، فافهم.

بل على مختارنا من الاشكال في صحة العبادة مع الضميمة

الراجحة حتى لو كانت الضميمة تبعيا، و قلنا بانّه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة يكون من باب الاجماع، فيشكل القول بالامتثال في المقام و لو قصد كلا من الأوامر حتى فيما إذا كان الداعى إلى الوضوء استقلالا كل أمر من هذه الاوامر المتعلقة بالغايات، لأنّ المعتبر فى حصول امتثال كل امر هو كون الداعى ممحضا لهذا الامر أو لهذا الامر او أمر آخر.

لكن ما يخطر بالبال عاجلا هو أن نقول فى المقام: أمّا على مختارنا كما يأتى إن شاء اللّه في الجهة الرابعة من عدم تعدد الأمر في صورة اجتماع الغايات فى الوضوء، و ليس إلّا امر واحد فيما إذا كان بعض الغايات واجبة و بعضها مستحبة، أو كان كلها واجبة، غاية الامر يكون الأمر آكدا، فيأتى بالوضوء بداعى أمره و يحصل الامتثال.

و أمّا بناء على تعدد الامر كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فنقول: فرق بين المقام و بين ما قلنا في الضمائم الراجحة، لأنّه في الضمائم الراجحة كان أمران، أحدهما متعلقا بالعبادة، و الآخر بالضميمة و متعلق كل منهما متعددا، مثلا كان الامر العبادى متعلقا بالوضوء و كان أمر آخر متعلقا بتعليم الغير، فحيث إنّه مع تعلق الداعى بالضميمة لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 221

يكون الداعى فى اتيان الوضوء ممحضا لامتثال الامر المتعلق بالوضوء كانت الصحة مورد الاشكال، لعدم كون الداعى ممحضا لا طاعة أمر الوضوء، فلا يكفى في امتثال امر الوضوء.

و أمّا في المقام فليس كذلك، بل على فرض تعدد الامر يكون كل هذه الاوامر متعلقا بالوضوء لا بشي ء آخر، لأنّ غاياته غايات الوضوء و الامر المتعلق بها متعلق بالوضوء، ففى مقام اتيان الوضوء يأتى بالوضوء ممحضا

للاوامر المتعلقة بالوضوء لا بطرو شي ء آخر، و بعد كون الداعى امتثال أوامر الوضوء يتحقق الامتثال لكل هذه الاوامر، و لا يعتبر في حصول الامتثال أن يكون الداعى للوضوء لكل واحد من هذه الاوامر المتعلقة به ممحضا له لا للغيرة عند العقل، فظهر لك الفرق بين المقام و بين الضمائم فافهم.

الجهة الثالثة: إذا نوى بعض الغايات فقط

و لم ينو الجميع فهل يكفى عن هذا البعض و يكون امتثالا له أولا؟ و على تقدير كون هذا الوضوء الواقع بنية بعض الغايات مجزيا عنه و امتثالا له، يكون مجزيا عن غيره من الغايات التي لم ينوها و امتثالا لها، أو يكون مجزيا و لا يكون امتثالا، أو لا يكون امتثالا و لا مجزيا عمّا لم ينوه من الغايات.

أما كون الوضوء مجزيا عن البعض المنوى عنه من الغايات و كافيا عنه فلان اتيان المأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء، و ما نوى من الغايات لا يقتضي إلّا حصول الطّهارة و قد حصل به الطّهارة.

و أمّا كون الوضوء امتثالا لأمر المتعلق بهذا البعض من الغايات المنوية فلانه قصد اطاعة امره فيحصل الامتثال.

و أمّا كون الوضوء كافيا عن الغايات التي لم ينوها فلان الأمر بهذه الغايات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 222

لا يقتضي إلّا حصول الطّهارة و قد حصل بالوضوء الطّهارة و إن لم ينوبه هذه الغايات، و أمّا عدم كون الوضوء امتثالا لما لم ينوه من الغايات فلأنّ امتثال كل امر يحصل بقصد اطاعة امره و هو على الفرض لم ينو هذه الغايات فلا يكون وضوئه امتثالا لها.

الجهة الرابعة: انما الكلام في انّه مع اجتماع الغايات هل يكون الأمر متعددا
اشارة

باعتبار تعدد الغايات أم لا؟ و على فرض تعدد الأمر هل يتعدد المأمور به مطلقا أو لا يتعدد مطلقا أو التفصيل بين الموارد فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في أنّه مع اجتماع الغايات في الوضوء هل يتعدد الأمر

باعتبار امر كل غاية من الغايات فيكون الوضوء مع اجتماع غايات متعددة عليه متعلقا لاوامر متعددة أو لا يتعدد الأمر بل التعدد في جهات الأمر و ملاكه.

فعلى الأوّل يكون المورد من صغريات الاجتماع لكن لا يكون الاجتماع اجتماع الأمر و النهى بل اجتماع الأمرين و قد عرفت في محلّه أن اجتماع المثلين مثل اجتماع الضدين من حيث استحالة اجتماعهما لاجتماع اوامر متعددة باعتبار غايات متعددة على الوضوء الواحد.

و على الثاني لا يكون التعدد إلّا في ناحية جهات الأمر و ملاكه فالوضوء الواحد قد اجتمع فيه ملاكات متعددة و جهات مختلفة باعتبار تعدد الملاكات الموجودة فيه من أجل طرو غايات متعددة، و إن لم يكن امر فعلى متعلق بكل من هذه الغايات، فإن كان كل هذه الغايات واجبة، أو بتمامها مستحبة يصير وجودها سببا لآكدية الطلب الوجوبى أو الاستحبابى و إن كانت بعض منها واجبة و بعضها مستحبة يصير الوضوء واجبا بالوجوب الفعلى و إن كان الملاك الندب موجودا فيه باعتبار الغاية الندبية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 223

إذا عرفت محل الكلام في هذه المسألة نقول بعونه تعالى: إن الأمر لا يكون متعددا حتى مع اجتماع الغايات في الوضوء الّا فيما إذا كانت الغاية النذر لكن لا مطلقا، بل في خصوص صورة كان النذر متعلقا بفعل وضوء لشي ء خاص، مثلا نذر فعل وضوء لخصوص قراءة القرآن بشرط لا، و نذر أيضا فعل وضوء لدخول المسجد خصوصا و بشرط لا، يتعدد الامر و المأمور به كما يبيّن

بعد ذلك إن شاء اللّه و إن كان الوضوء حقيقة واحدة لأنّ المنذور فعل الوضوء لخصوص كل من قراءة القرآن و دخول المسجد.

فنقول أمّا عدم تعدد الامر فى اجتماع الغايات فى الوضوء الّا ما استثناه من النذر و كان هذا النذر مشروعا كما هو الحق بأنّ النذر لا بد فى انعقاده من تعلقه بفعل مشروع، و المشروع من الوضوء على الفرض هو الغايات الوجوبية و المندوبية و ليس مشروعية واحدة منها بشرط لا، مثلا الوضوء لدخول المسجد أو لقراءة القرآن من غاياته المستحبّة، و هما ليستا غاية الوضوء بشرط لا، بمعنى كون مشروعيتهما لخصوص وقوع الوضوء لهما أو لاحدهما خاصة بل مشروعية الوضوء لهما هو لحصول الطهارة عند فعلهما سواء أتى بالوضوء لهما أو لغاية اخرى أو لا، فمشروعيته لهما ليست مقيدة، فبعد عدم كون مشروعيتهما مقيدة فكيف يتعلق النذر بالوضوء لهما مقيدا بعدم كون الطهارة الحاصلة من الغايات أو بشرط ايجاد الوضوء لخصوصهما لا مطلقا.

لأنّه بعد ما قلنا في محلّه بأن في المقدمة ما يكون متعلقا للوجوب هو ذات المقدمة لا عنوان المقدمة و بعبارة اخرى يكون عنوان المقدمية لذات المقدمة حيثية تعليلية لا تقييدية و بعبارة ثالثة من قبيل الواسطة في الثبوت لا من قبيل الواسطة في العروض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 224

فليس الوضوء مقدمة لغاية خاصة مثلا لصلاة، و لغاية اخرى مثلا قراءة القرآن، و لغاية ثالثة مثلا زيارة قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كى يصير واجبا أو مستحبا بعنوان المقدمية حتى يقال إنّ هذا الوضوء باعتبار كونه مقدمة للصلاة صار متعلقا للامر الوجوبى، و بعنوان كونه مقدمة لقراءة القرآن متعلقا لأمر ندبى، و

باعتبار كونه مقدمة لزيارة قبر الرسول العظيم صلّى اللّه عليه و آله و سلم صار متعلقا لامر الندبى الآخر، لعدم كون متعلق الأمر عنوان المقدمية حتى يقبل الوضوء الواحد أوامر متعددة باختلاف الجهات التي فيه و هي كونه مقدمة لكذا و كذا و كذا.

بل لخصوصية واحدة في الوضوء صار بهذه الخصوصية معتبرا في صحة ما يعتبر فيه أو في كماله.

فالأمر تعلق بنفس الوضوء و ذاته و هو ليس قابلا لصيرورته متعلقا لاكثر من أمر واحد لعدم وجود جهات متعددة في ذات الوضوء الذي يكون مقدمة للغايات، فعلى هذا لا يكون المورد قابلا لتعدد الأمر حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي أو جواز اجتماع الأمرين مع تعدد الجهة لعدم تعدد الجهة في المقام.

فتخلّص عدم كون الوضوء المجتمع فيه أكثر من غاية واحدة متعلقا لأوامر متعددة، بل المتعلق به ليس إلّا امرا واحدا وجوبيا أو استحبابيا.

المورد الثاني: هل يكون على تقدير تعدد الأمر مع تعدد الغايات المأمور به متعددا أيضا

مطلقا، أو لا يكون متعددا مطلقا، أو التفصيل بين تعدد المأمور به بالنذر، فإذا نذر وضوءين يتعدد المأمور به.

و أمّا غير النذر مثل أن يجتمع في الوضوء غاية مثل الصلاة، و غاية اخرى كزيارة أحد المشاهد المشرفة على صاحبها أفضل الصلاة و السلام، فلا يتعدد المأمور به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 225

أو التفصيل بين أقسام النذر فيتعدد المأمور به إذا نذر فعل الوضوء عند قراءة القرآن، و نذر أيضا فعل الوضوء عند دخول المسجد، و بين ما نذر قراءة القرآن متوضأ و نذر دخول المسجد متوضأ فلا يتعدد المأمور به.

فعلى الأوّل لا بدّ من وضوءين وضوءا لقراءة القرآن و وضوءا لدخول المسجد و لا بدّ في مقام امتثال كل منها من تعيينهما، و لو لم

يعينهما في الوضوء لا يكون الوضوء الواقع امتثالا لأمرهما و لا اداء لامرهما.

و على الثاني لا يجب إلّا وضوء واحد و إن لم ينو أحدهما، بل لو لم ينو كل واحد من الغايتين لا قراءة القرآن و لا دخول المسجد، لأنّ المنذور ليس إلّا قراءة القرآن و دخول المسجد مع الوضوء، فإذا توضأ و لو لغاية غيرهما يحصل الوفاء بالنذر و إن لم يكن اداء لامرهما و لا امتثالا لامرهما.

و هذا هو الفرق بين طرفي التفصيل و الظاهر من التفصيل الذي يكون في كلام المؤلف رحمه اللّه هو هذا، لا التفصيل السابق.

ثم قال المؤلف رحمه اللّه: بأن القول بالتفصيل بين قسمى النذر في تعدد المأمور به و عدمه قريب.

إذا عرفت الاحتمالات الاربعة في تعدد المأمور به و عدمه في فرض اجتماع غايات في الوضوء.

أقول: بعونه تعالى: بأن الحق عدم تعدد المأمور به مطلقا في غير النذر و هو احد الاحتمالات من بين الاحتمالات الأربعة.

و أمّا في النذر فيكون ثبوتا تابعا لنذر الناذر، و يأتي تفصيله و الكلام فى بيانه فنقول بعونه تعالى: أمّا الكلام في عدم تعدد المأمور به إذا اجتمعت الغايات و كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 226

غير النذر.

أما بناء على عدم تعدد الأمر مع اجتماع الغايات المتعددة و استحالة تعدده لعدم كون ذات الوضوء مع قطع النظر عن عنوان المقدمية موجها بجهات حتى يقبل لتوجه كل أمر باحد جهاته.

و أنّ متعلق الوجوب كما عرفت هو ذات المقدمة لا عنوان المقدميّة فلا يكون المأمور به متعددا لان تعدد المأمور به فرع تعدد الأمر.

و أما بناء على تعدد الأمر كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فهل يكون المأمور به متعددا أيضا.

حتى

لو قلنا باكتفاء الاتيان بالوضوء مرة واحدة في صورة اجتماع الغايات المتعددة، و تحقق الاداء و الامتثال كان ذلك من باب تداخل المسببات، و إلّا لو لم نقل بتداخل المسببات كان الواجب في صورة اجتماع غايات واجبة إتيان الوضوء بعدد الغايات.

أو لا يكون المأمور به متعددا.

الحق عدم تعدد المأمور به لأنّه بعد تسليم تعدد الأوامر فما كان يقتضي كل امر هو ايجاد طبيعة الوضوء لحصول الطّهارة و رفع الحدث فيما يكون امر الوضوء لرفع الحدث لكون المطلوب من كل هذه الاوامر هو رفع الحدث، و هو غير قابل للتكرر و بعد كون الوضوء و إن كان قسم منه رافعا للحدث و بعضه غير رافع للحدث حقيقة واحدة، فكل امر لا يقتضي الّا الوضوء، فلو كانت غاية من الغايات رافعة للحدث و بعضها غير رافعة له، لكن حيث لا يكون الوضوء الّا حقيقة واحدة فلا يوجب تعدد الامر تعدد المأمور به فى باب الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 227

و من هنا يظهر أن الاكتفاء في مقام الاداء أو الامتثال بمأمور به واحد ليس من باب التداخل، بل يكون من باب عدم تعدد المأمور به، لأنّ ما يقتضيه كل من الاسباب هو ليس إلا مسبب واحد مثل تحقق اسباب متعددة للقتل، فحيث إن القتل غير قابل للتكرر فيكتفى بقتل و إن كان سببه و الأمر به متعددا، فليس المورد من صغريات باب التداخل أصلا، لان محل الكلام في بحث تداخل المسببات و عدم تداخلها هو ما كان المسبب قابلا للتعدد و أمّا اذا كان غير قابل للتعدد فهو خارج عن محل الكلام في باب التداخل.

و أمّا إذا اجتمعت الغايات و كانت بعضها النذر،

أو كانت كلها نذرا فنقول انّه في النذر يكون تابعا لنذر الناذر، فإن نذر فعل شي ء متوضأ مثلا نذر قراءة القرآن مع الوضوء و متوضأ، و نذر دخول المسجد متوضأ، ففى هذه الصورة يكون مثل ساير الغايات المجتمعة فى الوضوء بمعنى لا يقتضي النذر و إن كان متعددا الّا وضوءا واحدا لانه لم ينذر الا قراءة القرآن أو دخول المسجد متوضأ، فاذا توضأ بقصد كل منهما بل يقصد أحدهما، بل يقصد غاية اخرى فقرأ القرآن و دخل المسجد و فى بنذره لانه عمل بالمنذور متوضأ.

و أمّا لو نذر فعل الوضوء عند قراءة القرآن بحيث يكون متعلق نذره فعل وضوء لخصوص قراءة القرآن، و فعل وضوء لخصوص دخول المسجد فاذا اجتمعا بنفسهما بمعنى اجتمعت غايات كلها للنذر، أو اجتمعت غاية النذر بهذا النحو مع بعض غايات اخرى للوضوء غير النذر فقهرا يكون المأمور به متعددا و يكون الأمر متعددا، لأنّه على الفرض مأمور بفعل وضوء خاص لغاية النذر فالامر و المأمور به يكون متعددا، لكن الاشكال فى مشروعية النذر بهذه الكيفية حتى يقتضي هذا النذر تعدد الامر و تعدد المأمور به كما قدمنا بيان تعدد الامر و عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 228

و من هنا يظهر لك ما في التفصيل بين النذر و غيره من تعدد المأمور به في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، لأنّ وجه التفصيل إن كان مجرد كون النذر مقتضى لذلك فاذا نذر الوضوء لقراءة القرآن مثلا مرة و نذر الوضوء لدخول المسجد فيكون مقتضى تعدد النذر تعدد المنذور.

ففيه أنّه كما يمكن تعلق النذر بفعل فرد من الوضوء عند قراءة القرآن محضا و فرد آخر عند دخول

المسجد محضا الذي لازمه تعدد المأمور به و هو الوضوء.

كذلك يمكن تعلق النذر بقراءة القرآن متوضأ و نذر آخر بدخول المسجد متوضأ الذي لازمه كفاية وضوء واحد بحيث إنّه لو لم يقصد بوضوئه أحد من الغايتين بل توضأ الوضوء لغاية اخرى غير قراءة القرآن و دخول المسجد و قرء القرآن و دخل المسجد مع هذا الوضوء يكون مبرأ للنذرين، لان النذرين لا يقتضيان إلّا كون قراءة القرآن و دخول المسجد مع الوضوء كما أنّه لو توضأ بقصد احد الغايتين المذكورتين و يأتي مع وضوئه غاية اخرى منهما فقد و في بنذره.

فما ينبغى أن يقال هو أنّه ليس للنذر في حد ذاته خصوصية تقتضى تعدد المأمور به، أىّ المنذور مطلقا كما توهم القائل بالتفصيل بين النذر و غيره، بل لا بدّ من ملاحظة نحوة النذر، فإن تعلق النذر بايجاد المنذور متوضأ و إن كان النذر متعددا أو المنذور متعددا فلا يقتضي تعدد المأمور به أصلا.

و إن تعلق النذر بفعل الوضوء عند المنذور بشرط لا مثلا قراءة القرآن محضا و تعلق نذر آخر بفعل الوضوء عند دخول المسجد محضا، فيكون الواجب الوضوء عند الأوّل و وضوء آخر عند الثاني، و إن كان الاشكال فى صحة النذر كذلك.

و ما يظهر من كلام المؤلف رحمه اللّه هو التفصيل في عدم تعدد المأمور به و تعدده بين ما كانت غايات متعددة مجتمعة غير النذر أو قسم من النذر كما اشرنا و يأتي بيانه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 229

إنشاء اللّه بعد ذلك و بين ما كانت هذه الغايات واحدة من قسمى النذر نذكر بيانه في الاحتمال الرابع من الاحتمالات الاربعة في تعدد المأمور به و عدمه.

فنقول

بعونه تعالى.

اما الاحتمال الرابع: و هو التفصيل بين ما إذا كانت الغايات المجتمعة غير النذر مثلا تعلق امر بالوضوء للصلاة و أمر لمس كتابة القرآن، و بين ما إذا تعلق النذر بأن يقرأ القرآن متوضأ و تعلق النذر أيضا بأن يدخل المسجد متوضأ فلا يتعدد المأمور به، و بين ما إذا تعلق النذر بأن يتوضأ لقراءة القرآن و نذر آخر بأن يتوضأ لدخول المسجد، فيتعدد المأمور به و هذا التفصيل هو التفصيل الذي قال المؤلف رحمه اللّه بأن (هذا القول أقرب).

أقول: وجه التفصيل هو ما بيناه في التفصيل السابق من أنّه لا يتعدد المأمور به فيما كانت الغايات غير النذر أو النذر المتعلق بالمنذور متوضأ، لأنّ كل هذه الغايات أو النذرين أو النذور المتعددة إذا كانت بالنحو المذكور لا تقتضى إلّا وجود الغاية مع الوضوء و بعبارة اخرى لا تقتضى الا طبيعة الوضوء، فاذا توضأ لغاية منها و صار مع الوضوء يبيح له سائر الغايات و يسقط أوامرها لأنّ كل أمر من هذه الأوامر لا يقتضي إلّا وجود متعلقه مع الوضوء و هو على الفرض مع الوضوء.

و أمّا وجه تعدد المأمور به فيما تكون كيفية نذره أن ينذر فعل الوضوء لعمل مثلا لان يتوضأ لقراءة القرآن و نذر نذرا آخر لان يتوضأ لدخول المسجد، فلأنّ مقتضى النذر هو وجوب وضوء لقراءة القرآن، و وجوب وضوء لدخول المسجد تعدد المأمور به، فهذا هو وجه التفصيل.

أقول: بأن النذر إذا تعلق بفعل الوضوء لقراءة القرآن، و تعلق أيضا النذر بفعل الوضوء لدخول المسجد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 230

تارة يكون المنذور فعل الوضوء لقراءة القرآن، و فعل الوضوء لدخول المسجد بمعنى أن يأتي بوضوء عند

قراءة القرآن لخصوصه، و وضوء عند دخول المسجد لخصوص دخول المسجد، فحيث يكون المنذور فعل الوضوء لكل منهما يقصد كل واحد منهما بشرط لا عن الآخر.

و بعبارة اخرى يكون الوضوء ممحضا لقراءة القرآن لا لغيره، و كذلك لدخول المسجد لا لغيره، ففي هذه الصورة يقتضي تعدد الأمر المتعلق بالنذر تعدد المأمور به.

و تارة يكون النذر متعلقا بفعل الوضوء لا بشرط، فلو أتى بوضوء واحد لكل من قراءة القرآن و دخول المسجد فقد و في بنذره لأنّه توضأ لقراءة القرآن و لدخول المسجد، بل لو توضأ بقصد أحدهما، بل بقصد غاية اخرى عند قراءة القرآن و دخول المسجد فقد و في بنذره، لأنّ المنذور ليس إلّا فعل الوضوء حين إتيانهما و لا يكون المنذور فعل الوضوء بقصدهما حين اتيانها، فيحصل برء النذر، فتلخص أن تفصيل المؤلف رحمه اللّه في المنذر ليس على إطلاقه صحيح.

فما هو حاصل البحث في المسألة هو أنّه في الوضوء مع اجتماع غايات متعددة لا يتعدد الأمر و لا المأمور به.

إلّا في صورة واحدة و هي ما إذا تعددت الغاية و كانت كلها منذورة مثل ما إذا نذر فعل الوضوء لغاية خاصة بشرط لا عن غيره، و كذلك نذر فعل الوضوء لغاية خاصة بشرط لا عن غيره، سواء نذر فعل الوضوء بداعى غاية خاصة و مخصوصا بها، أو ينذر فقط فعل الوضوء لهذه الغاية الخاصة بشرط لا عن غيره، لأنّه في الفرض الثاني حيث لا يعين هذا الوضوء الخاص للغاية الخاصة مثلا قراءة القرآن أو نذر آخر لفعل الوضوء لدخول المسجد إلّا بالقصد فيكون مثل الفرض الأول ففي هذه الصورة يفرض تعدد الأمر و تعدد المأمور به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 231

لكن الاشكال في صحة هذا النذر كما بينا عند بيان تعدد الأمر و عدمه، نعم بناء على الصحة لا بدّ في هذه الصورة من التعيين في مقام النية حتى يقع الوضوء امتثالا للمأمور به، لان تخصيص كل من الوضوءين بحسب النذر بكونه لكل من الأمرين مثلا لقراءة القرآن و دخول المسجد يوجب تعيين كل منهما عن الآخر، فلا بدّ من التعيين في النية.

و حاصل ما ينبغى أن يقال: هو عدم تعدد الامر و المأمور به مطلقا حتى فى النذر و إن أمكن فرض صورة يتعدد فيها الامر و المأمور به، لكن وقوعها محل منع لعدم مشروعيتها.

***

[مسئلة 32: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل لا إشكال في صحته و أنّه متّصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه و بالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت، فلو أراد نية الوجوب و الندب نوى الأوّل بعد الوقت و الثاني قبله.

(1)

أقول: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في اثنائه دخل الوقت.

فهل يبطل الوضوء كما حكي عن العلامة رحمه اللّه في القواعد، أو يصح و يبنى فيما بقى منه على الندب، أو يصح و يتصف ما وقع منه قبل الوقت بالندب و ما يقع بعده بالوجوب؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 232

احتمالات:

وجه البطلان هو أنّه لو لا بطلان الوضوء يلزم اتصاف فعل واحد بالوجوب و الندب، و هذا مستحيل لأنّ لازم كونه واجبا و مستحبا أن يكون ممنوعا من تركه لوجوبه و مرخصا في تركه لاستحبابه و هذا محال.

و نجيب عنه أما نقضا فبالحج المندوب، فإنه بالشروع يصير واجبا، و بالاعتكاف فهو مندوب

و فى اليوم الثالث منه يصير واجبا.

و حلّا بأن الممنوع هو اجتماع الوجوب و الندب في الواحد الذي لا تكثر فيه بحسب اجزائه و أمّا إذا كان له التكثر بحسب أجزائه مثل الحجّ و الاعتكاف و مثلهما الوضوء فلا مانع من اتصاف بعض اجزائه بالندب و بعضها بالوجوب.

و أمّا ما قال بعض «1» الشراح في مقام الجواب بأن الممنوع هو اجتماع الوجوب و الحرمة في شي ء واحد بحدهما و أمّا اجتماعهما لا بحدهما بل بذاتهما فلا مانع منه حتى فى الواحد الذي لا تكثّر له فضلا عمّاله التكثر مثل الوضوء.

ففيه أن الوجوب و الاستحباب يكونان اسمين للمحدود منهما بالحدين فكيف يعقل بقاء ذاتهما و زوال حدهما لانهما عين المحد و لان المحدود بعدم جواز الترك واجب و المحدود بجواز الترك مستحب فاذا ذهب الحد ذهب المحدود فلا يبقى وجوب الا مع بقاء حده و لا استحباب الا مع بقاء حدّه.

و حكي عن جامع «2» المقاصد أن اضعف الاحتمالات هو الاحتمال الثاني و هو البناء فيما بقى من الوضوء بعد دخول الوقت على الاستحباب مثل ما مضى منه قبل

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 488.

(2) جامع المقاصد، ج 1، ص 211.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 233

الوقت بدعوى وقوع النية في محلها، لأنّه على الفرض نوى الاستحباب قبل الوقت هذا وجه الاحتمال الثاني.

و أمّا وجه الضعف الذي حكي عن جامع المقاصد هو أنّه بعد دخول وقت الصلاة و فعليّة الخطاب المتعلق بالمشروط بالوضوء و صيرورة الوضوء واجبا لأجل هذا الأمر المتوجه بمشروطه و هو الصلاة لا وقع لاحتمال بقاء الندب الذي كان له قبل دخول الوقت، فلا معنى للقول بالبناء على الاستحباب حتى

فيما يبقى من الوضوء و يأتي به بعد الوقت.

إذا عرفت ذلك بعونه تعالى.

أقول: بعد ما عرفت في النية عدم اعتبار قصد الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية، و يكفى قصد القربة فلو دخل في الوضوء قبل الوقت بقصد القربة مثلا لحصول الطّهارة، فلا إشكال في جواز اتمامه بهذا القصد حتى بعد دخول الوقت، لأنّه بعد دخول الوقت و إن صار واجبا، و لكن لا مانع من كون الداعى حصول الطّهارة قربة إلى اللّه لبقاء ملاك الاستحباب و إن لم يكن مأمورا بالأمر الاستحبابى فعلا.

فالكلام يكون فيما إذا نوى الاستحباب قبل الوقت لكون غاية الوضوء يقتضي تعلق الأمر الاستحبابى به مثل الكون على الطهارة، ثم دخل الوقت فحيث إنّه بعد دخول الوقت يصير واجبا لوجوبه للصلاة، فلا يمكن مع تعلق الأمر الوجوبى بقاء الأمر الندبى لعدم اجتماع عدم الترخيص في الترك الملازم للوجوب مع الترخيص في الترك الملازم مع الاستحباب.

فالكلام إن كان في أنّه هل يمكن قصد الوجوب بالنسبة إلى ما بقى من أجزاء الوضوء فيقع بعضه مستحبا و بعضه واجبا، فنقول: لا مانع من ذلك لما عرفت من عدم إشكال في اتيان شي ء ذى الاجزاء بعضه بداعى الاستحباب لاستحبابه و بعضه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 234

بداعى الوجوب من باب كونه واجبا و يصحّ الوضوء الواقع كذاك.

هذا كله بناء على ما قلنا في المسألة السابقة بكون الوضوء حقيقة واحدة مستحبا كان أو واجبا، و امّا لو كان حقيقتين فلا يمكن اتصاف الوضوء المتصف بالاستحباب الوجوب و بالعكس.

و إن كان الكلام في أنّه هل يمكن قصد اتيان ما بقى منه بعنوان الاستحباب حتى بعد الوقت فنقول: بعدمه لعدم الأمر الندبى

المتعلق به فعلا بعد دخول الوقت فكما قال المؤلف رحمه اللّه لو أراد نية الوجوب و الندب نوى الأوّل بعد الوقت و الثاني قبله.

***

[مسئلة 33: إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على اتيانها فعلا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على اتيانها فعلا فتوضأ لقراءة القرآن فهذا الوضوء متصف بالوجوب و إن لم يكن الداعى عليه الأمر الوجوبى، فلو أراد قصد الوجوب و الندب لا بد أن يقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى بأن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن هذا، و لكن الأقوى أن هذا الوضوء متصف بالوجوب و الاستحباب معا و لا مانع من اجتماعهما.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في امرين:

الأمر الأوّل: في أن من عليه صلاة واجبة و لم يكن عازما فعلا على اتيانها

فتوضأ لقراءة القرآن مثلا، فهل يتصف هذا الوضوء بالوجوب مع عدم كون الداعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 235

على اتيانه الأمر الوجوبى، أو لا يتصف بالوجوب؟ فنقول بعونه تعالى:

أما على القول بوجوب المقدمة على تقدير قصد التوصل بذى المقدمة فلم يكن هذا الوضوء متصفا بالوجوب لعدم قصده اتيان ذى المقدمة و هو الصلاة.

و لا يصح إتيان الوضوء على القول بوجوب المقدمة مع قصد التوصل بذى المقدمة بقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى لعدم كونه متصفا بالوجوب على هذا المعنى.

و أمّا على القول بوجوب مطلق المقدمة و لو لم يقصد التوصل بذى المقدمة فيكون الوضوء متصفا بالوجوب، و في هذه الصورة لو أراد قصد الوجوب فيقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى كما قال المؤلف رحمه اللّه أعنى: يقصد الوضوء الواجب لغايته المندوبة و هي قراءة القراءة لا لندبه لعدم كونه متصفا بالندب مع فرض اتصافه بالوجوب.

الأمر الثاني: و هل يتصف هذا الوضوء بكل من الوجوب و الاستحباب أو لا يتصف

إلّا بأحدهما فإن لم يكن واجبا يتصف بالاستحباب فقط، و إن كان واجبا يتصف بالوجوب فقط.

الأقوى أن الوضوء في كل مورد يتصف بالوجوب لا يتصف بالاستحباب لأنّه لا يتصف بالوجوب إلّا لكونه واجبا، و لا يتصف بالاستحباب إلّا لكونه مستحبا و مع كونه واجبا كيف يكون مستحبا حتى يتصف بالاستحباب، كما أنّه في كل مورد يتصف بالاستحباب ليس إلّا من باب عدم وجوبه بل لا جل استحبابه فقط، فلا يمكن اتصافه بالوجوب.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 236

[مسئلة 34: إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل غير مضر و استعمال الازيد مضرّا يجب عليه الوضوء كذلك و لو زاد عليه بطل إلّا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقل المجزى، و إذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّا و توضأ جهلا أو نسيانا فإنّه يمكن الحكم ببطلانه لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك بخلاف ما نحن فيه.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في موارد:

المورد الأوّل: في أنه إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزى من الغسل في الوضوء غير مضرّ،

و استعمال الازيد منه مضرّا يجب عليه الوضوء بأقل ما يجزى لأن الزائد موجب للضرر و هو حرام.

المورد الثاني: في الفرض إذا زاد على الأقل المجزى و الحال انه مضر

بطل وضوئه.

لأنّه كما قلنا في الشرط السابع بعد كون الوضوء ضرريا يكون حراما، و مع حرمته لا يكون قابلا لأن يتقرب به، فيكون باطلا على التفصيل الآتى في المورد الثالث.

المورد الثالث: لو زاد الغسل على أقل ما يجزى مع كونه مضرّا.

فتارة يكون قبل تحقق الغسل بحيث يتحقق بعض الغسل بهذه الزيادة فهو حرام لكونه إضرارا بالنفس، و يبطل الوضوء به كما قلنا لمانعيته من صيرورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 237

الفعل مقرّبا.

و تارة تكون الزيادة بعد تحقق الغسل المعتبر في الوضوء، فهل يوجب ذلك أيضا البطلان بعد ما لا إشكال في حرمته، أو لا تكون مبطلا للوضوء و إن كان حراما؟

أقول: إنّ له صورتين لأنه تارة تكون الزيادة و المزيد عليه دفعة واحدة مثلا مع تحقق الغسل بأقل الغير المضر يغسل بالماء الاكثر بالمقدار المضر، ففي هذه الصورة يبطل الوضوء لأنّ هذه الغسلة الواحدة المشتملة على الزيادة و المزيد عليه منهى عنه، و النهى يوجب البطلان لموجبية النهى لعدم قابليته للتقرب به.

و قد يتوهم عدم البطلان في هذه الصورة بدعوى أنّ المقدار عن الماء الذي يكون مضرّا غير مقوم للغسل المعتبر في الوضوء، فحرمته لا يوجب حرمة الوضوء نظير جهر المرأة بالقراءة في موضع يسمع صوتها الأجنبى الذي قال بعض بصحة القراءة مع قوله بحرمة الاسماع.

و فيه انّه إن كان الواجب في الغسل المرتبة الخاصة من الطبيعة بحيث كانت الزيادة خارجة عن الواجب، كان لهذا التوهم مجال لأنّه يقال: إن الزيادة تكون خارجة عن الواجب، فلا يأتي بالمحرّم في المقدار و المرتبة الواجبة.

و لكن ليس الأمر كذلك بل المأمور به طبيعة الغسل فما يوجده من الغسل يكون بتمامه فردا للطبيعة قليلا كان أو كثيرا، فمع كون الغسل بتمامه من قليل الماء

المغسول به و كثيره فردا واحدا، و هو يكون منهيا عنه و لو باعتبار بعضه، لا يقبل لان يتقرب به، و لهذا يكون الوضوء في هذه الصورة باطلا و كذلك الحكم في جهر المرأة في أنّه يوجب البطلان.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 238

و تارة تكون الزيادة بعد تحقق المزيد عليه و حصول الغسل به، ففي هذه الصورة لا يوجب الماء الزائد المضر موجبا لبطلان الوضوء من هذا الحيث أعنى:

حيث كونه منهيا عنه للضرر لكونه خارجا عن الوضوء.

نعم ربّما توجب البطلان من حيث الآخر مثل أن تكون في غسل اليسرى فيبطل الوضوء لوقوع المسح بالماء الخارج.

المورد الرابع: فيما لو زاد على الاقل المجزى جهلا أو نسيانا

لم يبطل الوضوء لأنّ النهى بالنسبة إلى الضرر لا يكون في صورة الجهل بالموضوع و نسيانه فعليا و بعد عدم كون النهى فعليا لا مانع من التقرب به.

هذا كله في الجهل بالموضوع و نسيان الموضوع، و أمّا الجهل بالحكم أو نسيانه فله تفصيل في محلّه و ظاهر موضوع المسألة هو الجهل و النسيان في الموضوع.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 238

المورد الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه أمّا لو كان أصل الاستعمال مضرّا و توضأ جهلا أو نسيانا

يمكن الحكم ببطلانه لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك بخلاف ما نحن فيه.

و غرضه رحمه اللّه هو أن أصل استعمال الماء إن كان مضرا و لو كان بأقل ما يجزئ في غسل الوضوء و استعمله جهلا أو نسيانا بالضرر يمكن الحكم ببطلان الوضوء لأنّه مأمور واقعا بالتيمم.

و أمّا إن كان الزائد على أقل ما يجزأ مضرّا و استعمل الزائد جهلا أو نسيانا لا يبطل الوضوء.

أقول: أولا ما قال في المقام من امكان القول ببطلان الوضوء فيما كان أصل استعمال الماء مضرا و استعمله جهلا، فهو خلاف ما قال في الشرط السابع من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 239

شرائط الوضوء حيث أنّه قال (و لو كان جاهلا بالضرر صحّ و إن كان متحققا في الواقع و الأحوط الاعادة أو التيمم).

و ثانيا كما قلنا عند الكلام في الشرط السابع من شرائط الوضوء أن وجه بطلان الوضوء هو كون استعمال الماء منهيا عنه و مع النهى الفعلى لا يصح أن يتقرب به، فإذا لم يكن النهى فعليا لا مانع من صحة التقرب به و في فرض الجهل و نسيان الموضوع لا يكون

النهى فعليا فلا مانع من صحة الوضوء

***

[مسئلة 35: إذا توضأ ثم ارتد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: إذا توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوئه فاذا عاد إلى الاسلام لا يجب عليه الاعادة و إن ارتد في اثنائه ثم تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستيناف نعم الأحوط ان يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر و على هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى و قبل المسح ثم تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه.

(1)

أقول: أما بطلان الوضوء بالارتداد فلا دليل عليه، فاذا عاد إلى الاسلام لا يجب عليه اعادة وضوئه، و مع الشك يكون استصحاب الطّهارة السابقة محكّما.

أما لو ارتد في أثناء الوضوء و الكلام يكون في أن الارتداد في الاثناء يوجب بطلان الوضوء أم لا.

فلو بطل من جهة اخرى، مثل ما فاتت الموالاة المعتبرة في الوضوء بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 240

ارتداده و قبل رجوعه إلى الاسلام، أو كان الارتداد بعد الفراغ عن غسل اليد اليسرى و قبل المسح، ثم عاد إلى الاسلام، فبناء على نجاسة الرطوبة الباقية في يده لكفره، و عدم طهارته باسلامه لعدم دليل على طهارة هذه الرطوبة بالتبع، كما هو الأقوى و قد مر الكلام في مطهرية الاسلام و مطهرية التبعية، فلا يمكن المسح بهذه الرطوبة لنجاستها، فهو خارج عن محل الكلام.

ثم بعد ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّ الارتداد في الاثناء لا يوجب في حد ذاته بطلان الوضوء إلّا أن يوجب أمرا آخرا هو يبطل الوضوء مثل فوت الموالاة أو عدم إمكان المسح بنداوة الوضوء.

***

[مسئلة 36: إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت إذا كان مفوّتا لحقّه فتوضأ يشكل و إن كان الأقوى الصحة فيه، و كذا

الزّوجة إذا كان وضوئها مفوّتا لحق الزوج و الأجير مع منع المستأجر و أمثال ذلك.

(1)

أقول يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: فيما إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت

إذا كان مفوّتا هذا الوضوء لحقّه فتوضأ فهل يصحّ هذا الوضوء أم لا؟

أقول: اعلم أن الكلام إن كان فيما نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت فنقول:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 241

قد يقال: إن العبد لا بدّ له من أن يكون جميع أفعاله حتى مثل فعل الوضوء تحت إرادة المولى و لا يقدر على شي ء إلّا بإرادة المولى بحيث يكون تصرفه في نفسه غير جائز و محرما بدون إذن المولى.

و قد يقال: بأنه و إن جاز له أمثال هذه التصرفات قبل نهى المولى لكن حيث يكون للمولى أمره و نهيه بما شاء و دخله فى مقدرات العبد، و أمره و نهيه مطاع بحكم اللّه تعالى عليه.

فيقال: بعد كون تصرفه بدون إذن المولى في نفسه منهيا عنه و لا بد فى جواز تصرفه من اذنه على الاحتمال الأوّل، أو أنّه بعد نهيه عن الوضوء على الاحتمال الثانى يصير الوضوء محرما و بعد صيرورته محرما لا يكون الوضوء قابلا لان يتقرب به، فيكون وضوئه باطلا.

بدعوى أن قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ «1» يدلّ على عدم جواز قدرته على العمل في نفسه بشي ء بدون رضا المولى، فإن لم نقل بالاحتمال الأوّل و هو احتياج جواز فعله بأمر المولى و إلّا يكون حراما، فلا أقل من الاحتمال الثاني و هو أنّه بعد نهى المولى يحرم تصرفاته و إن لم يكن محرما قبل نهيه.

فعلى كل حال يكون الوضوء في الفرض منهيا عنه و مع تعلق النهي به يكون حراما و مع حرمته لا

يصير مقرّبا فلا يصحّ الوضوء.

و إن كان منشأ بطلان الوضوء هو أن الوضوء موجبا لتفويت حق المولى كما يستفاد من عبارة المؤلف رحمه اللّه من فرض الاشكال في صحة الوضوء في هذه الصورة فنقول بعونه تعالى: انّ تفويت حق المولى ان كان يوجب النهى من الشارع على

______________________________

(1) سورة النحل، الآية 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 242

حرمة تفويت حقه، فيكون الوضوء منهيا عنه فيكون كالصورة الاولى و إن كان لا يوجب نهيا عن ذلك، فلا مانع من صحة وضوئه و إن كان موجبا لتفويت حقه.

حتى فيما إذا كان الأمر بحفظ حقه، و كان حفظ حقه مضادا مع الوضوء، لا يبطل الوضوء إلّا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده و لم نقل به.

كما أنّه لو أن وجه بطلان الوضوء كون الوضوء تصرفا في بدنه و هو على الفرض مملوك سيده و مولاه، فلا يجوز هذا التصرف إلّا باذنه.

نقول: بأنه إن كان مجرد وجوب الاستيذان في أفعاله و تصرفاته من سيده فلا يقتضي بطلان الوضوء لأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

نعم إن كان يقتضي ذلك كون تصرفاته بدون اذن مولاه في بدنه منهيا عنه يوجب النهى بطلان الوضوء لعدم كونه مع النهى مقرّبا، لكن حرمته غير معلوم كما بيّنا في الاحتمال الأوّل في المورد الاول.

فيبقى الاحتمال الثاني فى المورد الأوّل، و هو انّه بعد نهى المولى يحرم فعله لأنّ أمره و نهيه متبع على العبد بمقتضى حكم الشارع.

لكن الاشكال في أنّه هل يكون للمولى بحسب حكم الشارع النهى حتى عن هذا القبيل من التصرفات على عبده أم لا، بل يمكن أن يقال: بأن السيرة كانت على خلافه، و

انّه ليس للمولى نهى عبده عن هذه التصرفات مثل الوضوء و نظائره.

و لهذا لا يمكن الفتوى ببطلان الوضوء، بل كما قال المؤلف رحمه اللّه غاية ما يمكن أن يقال أنّه يشكل الحكم بصحته و إن كان الأقوى الصحة بالنظر.

المورد الثاني: إذا كان وضوء الزوجة في سعة الوقت مفوّتا لحق الزّوج

فتوضأت فهل يصحّ وضوئها أو لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 243

أقول: تارة يكون وضوء الزوجة مانعا عن حق استمتاع زوجها، ففي هذه الصورة حيث يجب عليها تمكينها عن الزوج لاستيفاء حقه من الاستمتاعات، فيكون صحة وضوئها في سعة الوقت و عدم صحته في هذا الفرض مبتنيا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده فيبطل وضوئها، و عدم اقتضائه النهى عن ضده فلا يبطل وضوئها، و حيث إنّ الحق هو عدم الاقتضاء فلا يبطل وضوئها.

و تارة لا يكون وضوئها موجبا لتفويت حق زوجها من استمتاعاتها فلا يكون الواجب عليها إطاعة زوجها في غير الاستمتاعات، فلو أمر بها بعتق عبد لها أو صلح ملك لها، أو اكل طعام معين و نحو ذلك، فلا يجب عليها اطاعته، فلا يوجب نهيه مثلا عن الوضوء في سعة الوقت بدون أن يكون لاجل الاستمتاع منها موجبا لتحريم الوضوء، و كذا لا يوجب امره وجوب ما امر بها مثل المذكورات، فلا يبطل وضوئها حتى على القول بكون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده، لعدم وجوب ما أمر بها بأمره عليها مثل المذكورات من الأمر بالعتق أو الصلح او الاكل من طعام أو الجلوس أو القيام بكيفية خاصة.

المورد الثالث: إذا منع المستأجر أجيره من الوضوء في سعة الوقت
اشارة

فهل يبطل وضوئه بنهيه أو لا؟

أقول بأنه يفرض له صور:

الصورة الاولى: ما إذا آجر نفسه لعمل معيّن،

في زمان معيّن مثل أن آجر نفسه لخياطة ثوب معين من الفجر إلى زوال يوم الجمعة المعين، ففي هذه الصورة ما يقتضي عقد الاجارة هو كون عمله الخاص في الوقت الخاص ملك المستأجر، و لكن غير هذه المنفعة من منافع الأخرى باق على ملكه، فلو أراد الوضوء في هذا الزمان و هو عمل و منفعة من منافعه و ملكه، لكن استيفائه مضاد مع العمل الذي ملّكه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 244

بمقتضى الاجارة بالغير، فهو مأمور بمقتضى الاجارة شرعا على صرف وقته في العمل الخاص و منفعة خاصة مستأجرة، فلو عمل عملا آخرا و هو ضده لو كان عبادة لا يكون مأمورا به، و لكن لا يكون حراما لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا يكون وضوئه باطلا إلّا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه.

الصورة الثانية: ما إذا آجر جميع منافعه الممكن الاستيفاء منه في وقت معين

غير الوضوء، مثلا آجر نفسه لخدمة البيت من الزوال إلى الغروب فيريد الوضوء في سعة الوقت مع كونه حتى في هذا الزمان أجيرا للغير، و يمنع المستأجر عن وضوئه فهل يصح وضوئه مع منعه أو لا؟

أقول: هذه الصورة بحكم الصورة السابقة لان الواجب عليه بمقتضى عقد الاجارة صرف عمله في هذا الوقت في المنفعة المستأجرة، و الوضوء في هذا الوقت حيث يكون ضدا للإجارة لا يكون مأمورا به لأن الأمر بالشي ء و إن لا يقتضي النهى عن ضده لكن يقتضي عدم الأمر بضدّه.

و مع ذلك لو توضأ يصح وضوئه لان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده ففي هذه الصورة لا يبطل الوضوء إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهى عن ضده.

الصورة الثالثة: ما إذا آجر نفسه في الوقت المعين في المدة المعيّنة

لأن يتوضأ غيره مثلا بعض الافراد الغير القادرين على المباشرة في وضوئه، فهل حكمه حكم الصورتين الاولتين من حيث عدم بطلان وضوء الأجير في هذا الوقت، أو ليس مثلهما بل يبطل وضوئه.

و مثل هذه الصورة في الحكم ما إذا آجر تمام منافعه و من جملتها الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 245

فجعله من المنافع المملوكة للمستأجر بعقد الإجارة لأن يتوضأ غيره.

أقول: قد يقال «1» بفساد الوضوء في هذه الصورة لان مقتضى عقد الاجارة صيرورة المنفعة الوضوئية مملوكة للمستأجر بعقد الاجارة، فيكون الوضوء تصرفا في المنفعة التي مملوكة للغير بغير إذنه، فيفسد الوضوء لأنّه مع كون الوضوء تصرفا في ملك الغير فلا يقبل لأن يتقرب به حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي.

و قد يقال بعدم «2» بطلان وضوء الأجير حتى في هذه الصورة لان الاجارة وقعت على توضؤ الغير، و وضوء نفسه لم يقع مورد الاجارة حتى يكون

صرفه عن متعلقه و هو الغير تصرفا في منفعة المستأجر بغير إذنه فيصير منهيا عنه، بل يكون وضوئه ضدا لتوضى غيره، فلم يكن وضوئه حراما إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهى عن ضده.

أقول: بعد كون مورد الاجارة تمام المنافع و من جملتها المنفعة الممكنة الاستيفاء بتوضى الغير، أو كان مورد الاجارة نفس هذه المنفعة، فالوضوء ضد هذه المنفعة و لم يكن توضؤ نفسه مورد الاجارة، فعلى هذا لا يبطل الوضوء إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، و على هذا حكم هذه الصورة حكم الصورتين السابقتين من حيث عدم بطلان الوضوء.

***

[مسئلة 37: إذا شك في الحدث بعد الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 493.

(2) العلامة الآملى. مصباح الهدى، ج 3، ص 489.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 246

بقاء الوضوء إلّا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول و لم يكن مستبرئا فإنه حينئذ يبنى على أنّها بول و أنّه محدث و إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على بقاء الحدث، و الظن الغير المعتبر كالشك في المقامين، و إن علم الأمرين و شك في المتأخر منهما بنى على أنّه محدث إذا جهل تاريخهما أو جهل تاريخ الوضوء و أمّا إذا جهل تاريخ الحدث و علم تاريخ الوضوء بنى على بقائه، و لا يجرى استصحاب الحدث حينئذ حتى يعارضه لعدم اتصال الشك باليقين به حتى يحكم ببقائه، و الأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء و إن كان كذلك إلّا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه، و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا شك في الحدث بعد الوضوء فله صورتان:
الصورة الاولى: ما إذا شك في الحدث بعد الوضوء

و لم يكن منشأ شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول بل منشأه غير ذلك، فلا إشكال في أنّه يبنى على بقاء الوضوء للاستصحاب المحكم في كل الموارد من اليقين السابق و الشك اللاحق بالتفصيل المذكور في محلّه، و لدلالة خصوص بعض الأخبار المتمسك بها على حجية الاستصحاب للمورد.

مثل ما رواه زرارة قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء، أ توجب الخفقة و الخفتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة، قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، و إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 247

نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، قلت: فإن حرّك

إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلّا فإنه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين ابدا بالشك و انما تنقضه بيقين آخر «1».

و مثل ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبيه قال: قال لى أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ، و إياك أن تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد احدثت «2» و غيرهما.

الصورة الثانية: ما إذا شك في الحدث بعد الوضوء

و كان منشأ شكه خروج الرطوبة المشتبهة بالبول ففي هذه الصورة.

إن استبرء بعد البول بالكيفية المعهودة فأيضا كالصورة الاولى يبنى على الطّهارة، و إن لم يستبرأ يبنى على أن الرطوبة المشتبه بول و أنّه محدث لدلالة بعض الأخبار عليه، و قد مضى الكلام فيه في فصل الاستبراء، راجع الفصل المنعقد للاستبراء.

المسألة الثانية: إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على أنّه محدث

لاستصحاب الحدث و الاستصحاب حجة.

المسألة الثالثة: من كان على يقين من الوضوء فشك في الحدث
اشارة

أو بعكسه تارة يكون شكه الشك المصطلح، و هو كون طرفى الشك متساويا لم يرجح احد طرفيه على الآخر، فلا إشكال في انّه يبنى على يقينه السابق و هو مورد المتيقن من الاستصحاب فيبنى على الحالة السابقة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 248

و تارة يكون أحد طرفى الشك راجحا على طرفه الآخر، و في الاصطلاح يكون الحالة النفسانية الظن و اعتقاد الراجح بأحد الطرفين، و الوهم و اعتقاد المرجوعة بطرفه الآخر، فيظنّ مثلا الطّهارة أو الحدث.

و ليس الكلام فيما يكون طرف الراجح موافقا مع الحالة السابقة لعدم إشكال فى جريان الاستصحاب، و إنّما الكلام فيما يكون الطرف الراجح مخالفا للحالة السابقة مثلا كانت الحالة السابقة الطهارة، و حصل الظن الغير المعتبر على الحدث أو بالعكس فله قسمان:

القسم الأوّل أن يكون الظن الحاصل الظن المعتبر مثل ما قامت البينة

بأنه توضأ بعد الحدث أو أنّه نام و صار محدثا بعد الوضوء.

ففي هذا القسم لا إشكال في وجوب البناء على الظن المعتبر طهارة كان مورد الظن أو الحدث لما عرفت في الأصول في محلّه من أن الظن المعتبر بدليل اعتباره يقوم مقام العلم الطريقى بلا إشكال و إن كان كلاما في قيامه مقام العلم الموضوعى بقسميه و قد مر الكلام فيه في الأصول حيث أن العلم المأخوذ غاية للاصول هو العلم الطريقى، فالظن المعتبر يقوم بدليل اعتباره مقامه.

القسم الثاني ما كان الظن القائم على أحد طرفى الحدث

أو الطّهارة هو الظن الغير المعتبر فهل يبنى على اليقين السابق و بعبارة اخرى يجرى الاستصحاب مع حصول الظن الغير المعتبر على خلاف الحالة السابقة أم لا.

أقول: قد مر منّا في الأصول في التنبيه الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب بأن المراد من الشك المأخوذ في الأصول هو خلاف اليقين، و قد استدل عليه بوجوه.

منها أن الشك خلاف اليقين لغة.

و منها من باب كون الشك مع وجود الظن الغير المعتبر على أحد طرفيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 249

بحكم الشك.

و منها دلالة بعض الروايات عليه مثل قوله عليه السلام في الرواية الاولى التي ذكرناها في المسألة الاولى الدالة على ان يبنى على الحالة السابقة إلى أن يتيقن بالخلاف، فمع عدم حصول اليقين بخلاف الحالة السابقة أو ما بحكمه من الظن المعتبر لا بدّ من البناء على الحالة السابقة و إن ظن بالظن الغير المعتبر خلافها.

المسألة الرابعة: لو علم بكل من الوضوء و الحدث و شك في المتأخّر منهما
اشارة

فله صور:

الصورة الاولى: ما إذا علم بحدوث كل من الوضوء و الحدث

و يكون شاكا في المتأخر منهما و كانا مجهولي التاريخ أعنى: يكون جاهلا بتاريخ حدوث كل منهما.

فنقول في هذه الصورة: بأن الكلام تارة يقع في استفادة حكم المسألة مع قطع النظر عن الاستصحاب.

فقد يقال بأن الواجب في هذه الصورة الوضوء لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الخ «1».

و لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة إلّا بطهور «2».

وجه الدلالة أن إطلاق الآية الكريمة و الرواية الشريفة هو وجوب الوضوء عند دخول وقت كل صلاة، و قد خرج عن هذا الاطلاق المتطهر الذي يعلم بأنه على وضوء و يبقى تحت الاطلاق من لا يعلم أنّه على الوضوء مثل مفروض مسئلتنا.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 250

و لما في الفقه الرضوى المنجبر بالشهرة فيما نحن فيه إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري ايها اسبق فتوضأ «1».

وجه الدلالة على وجوب الوضوء واضح.

و فيه أما بالنسبة إلى الآية الشريفة و رواية زرارة فمقتضاهما هو وجوب الوضوء و الطهور، و بعد كون مفادهما بيان الحكم الواقعى فيد لان على وجوب الوضوء واقعا على من لا يكون على الوضوء و الطّهارة، فمن كان شاكا في أنّه هل يكون متطهرا و متوضأ أو لا يكون عمومهما غير متكفل لبيانه، لأنّ الشبهة تكون مصداقية و بعد كون الشبهة مصداقية لا يجوز التمسك بالعام فيها على ما يقتضيه التحقيق و بينا في الأصول.

و أمّا بالنسبة إلى المروى في فقه الرضوى و إن

كان لا إشكال فى دلالته، لكن الاشكال في سنده فلا يمكن التعويل عليه، و مجرد موافقة مضمونه مع فتوى المشهور لا يكون جابرا لضعف سنده إذ ربّما كان استناد المشهور بغيره.

و تارة نتكلم في حكم المسألة باعتبار الاستصحاب، فنقول بعونه تعالى: إنّه لا مجال للتمسك بالاستصحاب في المورد لا لوجوب الوضوء باستصحاب الحدث و لا لبقاء الطّهارة باستصحاب الطّهارة.

إمّا لما قاله المؤلف رحمه اللّه و به قال المحقق الخراسانى رحمه اللّه و بعض آخر من عدم اتصال زمان الشك باليقين، و بعبارة اخرى كون المورد من الشبهة المصداقية لعموم لا تنقض اليقين بالشك.

و إمّا لما قلنا من أن نفس العلم الاجمالى بنقض اليقين في أحد الطرفين مانع

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة ص 384 باب 12 ح 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 251

عن إجراء الاصل و هو الاستصحاب في الاطراف، و إمّا لتعارض كل من استصحاب الحدث و استصحاب الطّهارة مع الآخر فيسقطان بالتعارض فعلى كل حال لا مجال لجريان الاستصحاب.

و بعد عدم جريان الاستصحاب فمقتضى الاشتغال اليقينى بالصلاة مع الوضوء هو الفراغ اليقينى فيجب الوضوء في هذه الصورة.

و لا فرق فيما قلنا في هذه الصورة بين علمه بحالته السابقة قبل طرو الحادثين أولا، لأنّه مع العلم بالحالة السابقة يعلم بارتفاعها لعلمه بحدوث كل من الحادثين غاية الامر يكون شاكا فى ان ايّا منهما متأخر عن الآخر.

الصورة الثانية: ما إذا علم تاريخ الحدث و جهل تاريخ الوضوء

فيشك في تقدمه على الحدث و تأخره فحكمه حكم الصورة السابقة من حيث وجوب الوضوء عليه.

فنقول: أما بالنسبة إلى الحدث المعلوم تاريخ حدوثه، فإن كان النظر في استصحابه إلى نفس الحدث مع قطع النظر عن توصيفه بكونه حادثا عند عدم الآخر يجرى الاستصحاب لأنّه و

إن كان تاريخ حدوثه معلوما، لكن حيث يحتمل حدوث الوضوء بعده فيكون شاكا في بقائه فيستصحب الحدث، هذا بالنسبة إلى ما علم تاريخه و هو الحدث.

و أمّا بالنسبة إلى ما جهل تاريخه و هو الوضوء، فإن قلنا باجراء الاستصحاب في مجهول التاريخ فإن كان يجرى استصحاب وجوده، لكن يسقط بالتعارض مع الاستصحاب في معلوم التاريخ من الحادثين، فمقتضى اشتغال اليقينى بالوضوء هو وجوب الوضوء حتى يحصل له البراءة اليقينة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 252

و إن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في المجهول التاريخ من الحادثين، إمّا من باب عدم اتصال زمان اليقين بالشك كما قاله بعض.

أو لما قلنا من أن نفس العلم بالنقض مانع فلا مجال لاستصحاب الوضوء أصلا فيكون استصحاب الحدث بلا معارض فيبنى على الحدث، و يجب الوضوء، غاية الامر بناء على عدم جريان الاستصحاب فى مجهول التاريخ يكون الوجوب لاجل الاستصحاب و هو استصحاب الحدث، و بناء على جريانه فى مجهول التاريخ و كون سقوط الاستصحابين فى المورد من باب التعارض يكون وجوب الوضوء لأصالة الاشتغال

ففى الاول وجوب الوضوء يكون للاصل الشرعى و هو الاستصحاب، و فى الثانى الاصل العقلى و هو أصالة الاشتغال، و على مختارنا من كون نفس العلم مانعا من إجراء الاستصحاب فى مجهولي التاريخ، ففيما يكون أحدهما معلوم التاريخ حيث يعلم إجمالا بنقض اليقين فى أحدهما فلا مجرى للاستصحابين فيكون الوضوء واجبا من باب الأصل العقلى و هو قاعده الاشتغال، لاشتغال اليقين بالصلاة مع الوضوء، و على كل حال الحكم هو وجوب الوضوء فى هذه الصورة.

و لا وجه للقول بعدم وجوب الوضوء في هذه الصورة، إما لدعوى استصحاب تأخر الوضوء عن الحدث بنحو الصفتية،

بأن يقال: إن الوضوء بوصف التأخر يستصحب، لانّه ليس له حالة سابقة.

و أمّا بدعوى انّه يستصحب عدم الوضوء إلى زمان حدوث الحدث، فيقال بوقوعه بعد الحدث.

لانّه مثبت لأنّ عدم الوضوء مثلا إلى بعد ظهر الجمعة التي حدث في ظهرها لا يثبت وقوع الوضوء بعد ظهرها، و هو بعد وقوع الحدث إلّا على القول بالاصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 253

المثبتة و قد عرفت في الأصول انّه لا يثبت بالاصول لوازمها العقلية و العادية.

الصورة الثالثة: ما إذا علم تاريخ الوضوء و جهل تاريخ الحدث

مع علمه بحدوثهما، فقال المؤلف رحمه اللّه بنى على بقاء الوضوء و لا يجرى استصحاب الحدث، و ذكر في وجهه بأنه لا يجرى استصحاب الحدث المجهول تاريخه لعدم اتصال زمان الشك باليقين.

و مراده هو أنّه بعد عدم جريان استصحاب الحدث لأنّه مع جهل تاريخه، ربّما يكن المورد من الموارد التي نقض اليقين باليقين لاحتمال حدوث الوضوء بعد حدوث الحدث، فلا يعلم اتصال زمان الشك باليقين فيجرى استصحاب الوضوء بلا معارض فيبنى على الوضوء.

و هذا بناء على عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ من باب عدم اتصال زمان الشك باليقين.

و أمّا على القول بأن وجه عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ هو تعارض الاستصحابين، و كما قلنا ليس ما قاله المؤلف رحمه اللّه و المحقق الخراسانى رحمه اللّه و بعض آخر من عدم اتصال زمان الشك بتمام لما قلنا وجهه في الأصول.

فيقال في المقام: بأن الاستصحابين، استصحاب بقاء الحدث و استصحاب بقاء الوضوء، يتعارضان و إن كان أحدهما معلوم التاريخ، و بعد تعارضهما يسقطان عن الحجية و مقتضى قاعدة الاشتغال بالصلاة مع الوضوء هو وجوب الوضوء كالصورة الاولى و الثانية.

و كذلك على مختارنا لأنّه على ما اخترنا في الأصول

في استصحاب تاخر الحادث يكون منشأ عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ هو نفس العلم الاجمالى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 254

بانتفاض الحالة السابقة كما قلنا في العلم الاجمالى من أن نفس العلم الاجمالى مانع عن إجراء الأصول في الاطراف.

فمع كون أحد الحادثين معلوم التاريخ فكذلك لكون الآخر مجهول التاريخ من حيث حدوثه فيعلم إجمالا بانتفاض الحالة السابقة و مورده غير معلوم تفصيلا فلأجل هذا العلم الاجمالى لا يجرى الأصل أصلا في الطرفين، و بعد عدم إجراء الاستصحابين يجب الوضوء لمقتضى قاعدة الاشتغال.

(و اعلم أن قول المؤلف رحمه اللّه بأن (الأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء و إن كان كذلك إلّا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب احرازه و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا) فمراده على ما يأتي بالنظر هو أنّه و إن كان في صورة جهل تاريخهما أو جهل تاريخ الوضوء لا يتصل زمان الشك باليقين، لكن عدم اتصال زمان الشك باليقين يوجب عدم جريان الاستصحاب، و عدم جريانه يوجب احياء قاعدة الاشتغال و وجوب الوضوء لأجلها.

أقول: لكن فيما إذا كان الحدث معلوم التاريخ و الوضوء مجهول التاريخ يجرى استصحاب الحدث على مبناه و ليس وجوب الوضوء لأجل قاعده الاشتغال، فلا يتم كلامه فى هذه الصورة، فتأمل.

***

[مسئلة 38: من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسى و صلّى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر، فيجب عليه الاعادة إن تذكّر في الوقت و القضاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 255

إن تذكّر بعد الوقت و أمّا إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه و صلّى

يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ لكنه مشكل فالاحوط الاعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين و الشك في المتقدم منهما.

(1)

أقول في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: قال المؤلف رحمه اللّه من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث
اشارة

إذا نسى و صلى فلا إشكال فى بطلان صلاته بحسب الظاهر فيجب عليه الاعادة أن تذكر في الوقت و القضاء ان تذكر بعد الوقت).

الكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: في بطلان صلاته.

و وجهه هو أنّه كما مر منا في التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب يعتبر فعلية الشك و اليقين فلا يكفى الشك و اليقين التقديرى و ذكرنا وجهه فعلى هذا المورد بعد فرض نسيانه و غفلته لا يكون الشك و اليقين فعليا فلا مجال لجريان الاستصحاب و بعد عدم جريان الاستصحاب حيث وقعت الصلاة بلا طهارة بحسب الظاهر تبطل الصلاة لأنّه لا صلاة الا بطهور.

و لا يمكن أن يقال بصحة صلاته بمقتضى قاعدة الفراغ لان المورد خارج عن مورد القاعدة لان موردها ما يكون الشك بتمامه حادثا بعد الفراغ من الصلاة و فيما نحن فيه يكون الشك من قبل الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 256

نعم لو احتمل بعد الفراغ من صلاته انّه قد توضأ بعد الشك تجرى قاعده الفراغ لكن هذا غير مفروض المسألة.

المورد الثاني: في وجوب الاعادة في الوقت و قضاء الصلاة في خارجه.

أما وجوب الاعادة فلانه لم يأت بالمأمور به، و أمّا القضاء فلانه إن كان بالأمر الأوّل فواضح.

و إن كان بالامر الجديد فموضوعه الفوت، و هو من لم يأت صلاته في الوقت و كانت ذمته مشغولة بها، و لا يخفى عليك أنّه بعد عدم جريان الاستصحاب يكون وجوب الاعادة و القضاء بمقتضى قاعدة الاشتغال.

المسألة الثانية: قال المؤلف رحمه اللّه و أمّا إذا كان مأمورا به من جهة الجهل

بالحالة السابقة فنسيه و صلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ لكنه مشكل فالاحوط الاعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا.

أقول: الحق كون حكم هذه المسألة أعنى: ما إذا كان جاهلا بالحالة السابقة فنسيه و صلى مثل المسألة الاولى من حيث عدم جريان الاستصحاب لعدم كون الشك و اليقين فعليا.

و عدم اجراء قاعدة الفراغ لكون الشك قبل الصلاة و عدم كون الشك حادثا بعد الفراغ.

و إن مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب اعادة الصلاة أو قضائه.

و لا وجه لشمول قاعدة الفراغ للمورد.

و لا إشكال فيه و انّ الأحوط الاعادة و القضاء كما قال المؤلف رحمه اللّه.

المسألة الثالثة: قال المؤلف رحمه اللّه و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 257

و الشك في المقدم منهما).

أقول: إذا عرض الشك من جهة تعاقب حالتى الحدث و الطّهارة و الشك في المقدم منهما ثم نسيه فأيضا مثل الصورتين من حيث عدم جريان استصحاب الحدث أو الطّهارة و من حيث عدم جريان قاعدة الفراغ لعدم كون الشك حادثا بعد الصلاة و من حيث أن مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إعادة الصلاة التي صليها حال نسيانه الشك و اليقين، أو القضاء.

***

[مسئلة 39: إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد و صلّى ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين و لم يعلم أيّهما لا إشكال في صحة صلاته و لا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضا بناء على ما هو الحق من أن التجديدى إذا صادف الحدث صحّ، و أمّا إذا صلّى بعد كل من الوضوءين ثم تيقن بطلان أحدهما، فالصلاة الثانية صحيحة، و أمّا الاولى فالأحوط إعادتها و إن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها.

(1)

أقول: الكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في أنه إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد

و صلى ثم يتقن بطلان احد الوضوءين و لا يعلم بأن الباطل أىّ منهما تصحّ صلاته و لا يجب الوضوء للصلوات الآتية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 258

فإن قلنا بأن الوضوء سواء كان رافعا للحدث أو غير رافع له، مثل ما إذا كان للتجديد ليس إلّا حقيقة واحدة، فاذا صادف مع الحدث يرفعه و إن لم يصادف فلا.

فتارة لا يكون قصد التجديد على نحو التقييد كما نقول بيانه في صورة قصد التقييد، فصحة صلاته في الفرض واضح لأنّ كل واحد منهما وقع صحيحا في الواقع فقد رفع به الحدث، فالصلاة تقع صحيحة و لا يجب الوضوء للصلوات الآتية لكونه مع الطّهارة على الفرض، لأنّ واحدا من الوضوءين وقع صحيحا فرفع به الحدث و صار مع الطّهارة.

و أمّا إن قلنا بأن الوضوء الرافع للحدث و وضوء الغير الرافع واحد، لكن يكون قصد التجديد بعنوان التقييد بحيث يقصد أن الوضوء المقيد بكونه تجديدا آت به و إلا فلا، ففي هذه الصورة بعد كون الوضوء الواقع بقصد التجديد بنحو التقييد بمعنى قصد التجديد و لو كان رافعا للحدث لم يأت به، فلا يصير هذا الوضوء رافعا

للحدث حتى يقال: بأن الوضوء الباطل إن كان الوضوء الأوّل فلا يرفع به الحدث فقد رفع الحدث بالوضوء الثاني.

فهل: يقال بأنه بعد علمه الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين، و الحال أن الثاني منها لا يرفع الحدث، لا يعلم بارتفاع الحدث و استصحاب الحدث السابق على الوضوءين محكّم، فلا يعلم بوقوع صلاته مع الطّهارة، بل بمقتضى هذا الاستصحاب محكوم بعدم الطّهارة، فصلاته وقعت بلا طهارة ظاهرا فتبطل صلاته.

أو يقال: بصحة الصلاة حتى في هذه الصورة و وقوعها مع الطّهارة بمقتضى جريان قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل و هو الوضوء الغير التجديدى.

بيانه إمّا أن يقال بأنه في العلم الاجمالى إذا كان إجراء الاصل في أحد طرفى العلم الاجمالى بلا اثر عملى له، فيكون إجراء الاصل في الطرف الآخر بلا معارض،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 259

فيقال في المقام: بأنه لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى لعدم أثر عملى له فيكون إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل بلا مانع.

هذا إن كان وجه عدم إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى تعارض الأصلين، أو الأصول فصحّ ما قلت من أنّه مع عدم اجراء قاعدة الفراع في الوضوء التجديدى لا مانع من إجرائها في الوضوء الغير التجديدى من الوضوءين.

لكن على ما قلت في العلم الاجمالى من أن منشأ عدم جريان الاصل في أطرافه هو نفس العلم، فلا يتم ما قلت هنا من إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل الغير التجديدى، لأنّ نفس العلم الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين يمنع عن اجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الغير التحديدى.

نعم إن فرض عدم الاثر الشرعى المترتب على إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى فلا، لعدم اثر شرعى لا جرائها، فيكون الاصل

فى طرف الوضوء الاول بلا معارض، فيجرى و نتيجته صحة الوضوء الاول، فاذا صح صحت الصلاة الواقعة بعده، فينبغى التكلم فى أنّه هل يكون اثر شرعى لاجراء القاعدة فى الوضوء التجديدى أم لا؟ أقول: لا يبعد عدم اجراء القاعدة فى الوضوء التجديدى لعدم اثر شرعى، فلا يمكن الحكم بصحته.

و ما قاله بعض «1» الشراح من شمول إطلاق دليل القاعدة للمورد ففيه ان اجراء الاصول مع اطلاق دليلها محتاج إلى الاثر الشرعى لمنع التنزيل بدون الاثر الشرعى، و لو شك فى صحة الوضوء التجديدى و عدمها لا يمكن الحكم بمشروعية الوضوء الآخر بعنوان التجديد، و ببركة قاعده الفراغ يصح أن يقال بعدم

______________________________

(1) العلامة الآملي فى مصباح الهدى ص 505، ج 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 260

مشروعيته، فهذا الاثر الشرعى.

ففيه أنّ مشروعية الوضوء الآخر بعنوان التجديد و عدمها ليس اثر عدم صحة الوضوء التجديدى الاول و صحته نظير وجوب الإعادة، فإنه ليس أثر صحة الصلاة و عدمها بل اثر بقاء الامر الاوّل و بعد عدم الاثر الشرعى لقاعده الفراغ فى الوضوء التجديدى تجرى قاعده الفراغ فى الوضوء الاول بلا معارض فتصح الصلاة.

و إما أن يقال بأن نفس العلم مانع عن جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالى، و لكن يكون ذلك في فرض تنجز العلم، و أمّا مع عدمه فلا.

و تنجز العلم يكون فيما إذا صار العلم بحيث يكون في كل طرف من الاطراف يصلح له البعث و الزجر، أما فيما لا يكون كذلك فلا يكون العلم منجزا، و لذا لو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجز العلم و مع عدم صحة البعث أو الزجر في بعض الاطرف لا يكون

العلم منجزا مثل ما نحن فيه: لأنّ الوضوء التجديدى مستحب و لا يصح البعث و الزجر، فلا يكون العلم الاجمالى منجزا على كل تقدير، فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الغير التجديدى، و أثره صحة الصلاة الواقعة بعد هذا الوضوء بعد فرض عدم تنجز العلم الاجمالى، مضافا إلى أنّه يقال لو فرض القول بتنجز العلم الاجمالى فى المورد، و فرض القول بتعارض الاصلين بالنسبة إلى الوضوءين و سقوطهما بالتعارض، يمكن أن يقال: باجراء قاعدة الفراغ فى نفس الصلاة كما يقال فى الملاقى بالكسر لبعض الاطراف فى الشبهة المحصورة من أنّ الاصل فى الاطراف يسقط بالتعارض، و يكون الاصل فى الملاقى بالكسر بلا معارض.

فتلخص أنّ الصلاة الواقعة بعد الوضوءين صحيح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 261

و اما وجوب الوضوء للصلوات الآتية و عدمه فنقول لا يجب الوضوء على كل الحالات المتقدمة للصلوات الآتية الّا على القول بتنجز العلم الاجمالى و عدم إجراء الاصل و هى قاعده الفراغ فى الوضوء الاولىّ و تساقط الاصول فى الطرفين بالتعارض و الالتزام بصحة الصلاة لاجل قاعدة الفراغ فى الصلاة لا فى الوضوء الّا على القول بكون قاعدة الفراغ من الامارات لا من الاصول.

المورد الثاني: فيما إذا صلى بعد كل من الوضوءين

ثم يتقن بطلان أحدهما فهل تصح الصلاة الثانية فقط و لا تصح الصلاة الاولى، أو تصح كل منهما أولا تصح كل منهما.

اعلم أن الصلاتين الواقعتين بعد الوضوءين، إحداهما بعد الوضوء الأوّل و ثانيهما بعد الوضوء الثانى، تارة لا تكونان مترتبتين مثل ما كانت الصلاة الاولى فائتة و الثانية حاضرة و لم نقل بالترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و تارة يكون الترتيب بينهما مثل كون الصلاة الواقعة بعد الوضوء الاول صلاة الظهر

و الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثانى صلاة العصر.

امّا إذا لم يكن بين الصلاتين ترتيب فنقول: قد ظهر مما قلنا في المورد الأوّل من صحة الصلاة الواقعة بعد الوضوءين، صحة الصلاة الثانية في هذا الفرض بعين ما قلنا في المورد الأوّل فلا حاجة الى اعادة وجهها.

و أمّا إذا كانت الصلاة الثانية مترتبة على الاولى بحسب وضعها الشرعى مثلا توضأ الوضوء الأوّل فصلى الظهر ثم توضأ الوضوء الثاني و صلى العصر، و قلنا بعدم صحة اللاحقة إذا كان اتيانها باعتقاده اتيان السابقة و إلّا لو قلنا بصحة اللاحقة المترتبة على السابقة فيما اعتقد اتيان السابقة فاتى باللاحقة فحكم الصلاة المترتبة حكم غيرها فيما نحن فيه، فهل تكون الصلاة الثانية أعنى: العصر محكومة بالصحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 262

مثل الفرض الأوّل، أو لا يكون كذلك، بل في هذا الفرض يقطع ببطلان صلاة العصر لا لبطلان نفسها لوقوعها بعد الوضوءين فكانت مع الطّهارة مسلما، بل من باب انّه بعد فساد الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل و هي الظهر تبطل العصر لفقدها الترتيب المعتبر فيه.

أقول: إن قلنا ببطلان الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل ففيما كانت الصلاة الثانية مما اعتبر فيها كونها مترتبة على الاولى مثل العصر بالنسبة إلى الظهر و العشاء بالنسبة إلى المغرب تبطل الصلاة الثانية و إن وقعت بعد الوضوء الثاني الواجدة للطهارة.

و أمّا لو لم نقل ببطلان الصلاة الاولى و إن وقعت بعد الوضوء الأوّل المعلوم إجمالا أمّا بطلانه أو بطلان الوضوء الثاني فلا وجه لبطلان الصلاة الثانية الواقعة بعد الوضوء الثاني التجديدى، فينبغى عطف عنان الكلام إلى بيان حكم الصلاة الاولى.

فنقول بعونه تعالى: أما الكلام في صحة الصلاة الاولى

الواقعة بعد الوضوء الأوّل و فسادها.

فقد يقال بفسادها من باب العلم الاجمالى ببطلان الوضوء الأوّل أو الوضوء الثاني، فحيث إنّه يعلم إجمالا ببطلان احد الوضوءين و من المحتمل كون الباطل هو الوضوء الأوّل فلا تصح الصلاة الواقعة بعده لكون الواجب عليه الصلاة مع الطّهارة إمّا لاستصحاب الحدث او لقاعدة الاشتغال باختلاف الموارد كما مر تفصيله في طى المسألة 36 بالمناسبة.

و لكن أقول: بأنه على القول بكون نفس العلم الاجمالى مانعا عن اجراء الأصول في الاطراف فهو مختص بما يكون منجزا بحيث يصح البعث و الزجر عنه في كل طرف من الاطراف، و بعد كون أحد طرفى العلم الوضوء التجديدى، فالعلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 263

الاجمالى لا يصير منجزا لعدم البعث و الزجر نحوه، مثلا إذا كان عالما اجمالا بطلان صلاة واجبة أو بطلان صلاة مستحبة، فلا يكون هذا العلم منجّزا بالنسبة إلى الاطراف فلا يقتضي هذا وجوب شي ء، فكذلك بعد كون أحد طرفى العلم الوضوء التجديدى فلا يكون العلم منجّزا، فلا يقتضي وجوب إعادة الوضوء الأوّل الواقع لرفع الحدث بمقتضى العلم.

و بعد عدم تنجز العلم و وصول النوبة إلى الاصل، فكما قلنا في المورد الأوّل بعد كون إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء التجديدى بلا أثر شرعى، فلا تجرى فيه فتكون قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء الأوّل بلا معارض فيصح الوضوء بقاعدة الفراغ و تصح الصلاة الواقعة بعده.

كما أن بناء على أن عدم جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالى يكون لاجل التعارض فمع عدم التعارض كما عرفت يجرى الأصل و هو قاعدة الفراغ بالنسبة الى الوضوء الأوّل فالصلاة الواقعة بعدها محكومة بالصحة.

و أمّا ان قلنا بتنجز العلم الاجمالى أو قلنا

بتعارض الاصل في الوضوءين و فرض تساقط الاصل فيهما بالتعارض، لا مجال للتمسك بقاعدة الفراغ بالنسبة إلى نفس الصلاة الاولى، لأنّ قاعدة الفراغ فيها معارضة مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية فتتساقطان بالتعارض بخلاف المورد الاولى فإن فيه لم يأت على الفرض إلّا صلاة واحدة و بعد وقوع التعارض فى الاصلين أعنى: جريان قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى و جريان قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل فلا مجال للقول بصحة الوضوء الأوّل لقاعدة الفراغ لأنّه على القول بتنجز العلم الاجمالى و جريان الاصلين فى الوضوءين و تساقطهما بالتعارض يقال بصحة الصلاة الواقعة بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 264

الوضوءين لقاعدة الفراغ الجارية في نفس الصلاة و يجب الوضوء للصلوات الآتية إلّا على القول بامارية قاعدة الفراغ فيثبت بها لوازمها و هي كونها مع الطّهارة.

و أمّا في المورد الثاني فحيث أنّه صلى صلاتين فلو لم يجر الاصل فرضا في الوضوء الأوّل بناء على تعارض الاصل في كل وضو مع الاصل فى الوضوء الاخر و تساقطهما فلا مجال لاجراء الأصل أعنى: قاعدة الفراغ فى الصلاة الاولى لتعارضها مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية.

فهذا هو الفرق بين المورد الاول و هو ما صلى صلوه واحدة بعد الوضوءين، فانه على فرض تنجز العلم الاجمالى و تساقط الأصل فى الوضوءين تجرى قاعدة الفراغ فى الصلاة، بخلاف المورد الثانى و هو ما صلى بعد كل من الوضوءين صلاة، فلا تجرى قاعدة الفراغ فى الصلاة الاولى لتعارضها مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية.

***

[مسئلة 40: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية لأنّه يرجع إلى العلم بوضوء و

حدث و الشك في المتأخر منهما، و أمّا صلاته فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ بل هو الأظهر.

(1)

أقول: بعد كون الوضوء الثاني تجديديا لعدم فرض صحة الثاني إلا بقصد التجديد، في المسألة كلام من حيث وجوب الوضوء للصلاة الآتية و عدمه إذا توضأ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 265

وضوءين و صلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما.

فنقول بعونه تعالى: إنّه على الفرض يكون من صغريات استصحاب تأخر الحادث مع كون تاريخ حدوثهما مجهولا أو تاريخ أحدهما مجهولا على مختارنا فقد عرفت في طى المسألة 37 وجوب الوضوء في الفرض.

و كلام من حيث صحة صلاته الواقعة بعد الوضوءين مع العلم الاجمالى بحدوث حدث بعد أحدهما، فيقال: بعد عدم إجراء الاصل في مجهولى التاريخ إمّا لعدم مجال لجريانه، أو لسقوطه بالتعارض، و قد مر تفصيله في المسألة 37 فيحكم بكونه محدثا و يجب عليه الوضوء، لكن لا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الصلاة الواقعة بعد الوضوءين، فيحكم بصحتها لأجل قاعدة الفراغ الجارية في نفس الصلاة.

***

[مسئلة 41: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعد كل واحد صلاة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعد كل واحد صلاة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلوات الآتية و إعادة الصلاتين السابقتين إن كانتا مختلفتين في العدد و إلّا يكفى صلاة واحدة بقصد ما في الذمة جهرا إذا كانتا جهريتين و إخفاتا إذا كانتا إخفاتيتين، و مخيرا بين الجهر و الاخفات إذا كانتا مختلفتين، و الأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما.

(1)

أقول: الكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: في وجوب الوضوء للصلوات الآتية

فيما إذا توضأ و صلى ثم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 266

توضأ و صلّى صلاة اخرى، ثم علم إجمالا بحدوث حدث إمّا بعد الوضوء الأوّل و قبل الصلاة الاولى و إمّا بحدوثه بعد الوضوء الثاني قبل الصلاة الثانية، فحيث إنّه يعلم على هذا بحدوث الحدث و حدوث الوضوء، و يشك في المتأخر منهما لأنّه لا يعلم بأن الحدث هل حدث بعد الوضوء الأوّل حتى يكون مقدما على الوضوء الثاني، فيكون الوضوء مؤخّرا، أو أن الحدث حدث بعد الوضوء الثاني حتى يكون الحدث مؤخّرا، فيعلم بحدوث كل من الوضوء و الحدث، لكن يكون شاكا في المتأخر منهما، فيكون من صغريات الشك في تأخر الحادث، و قد أمضينا الكلام فيه في طى المسألة 37، و قلنا: إنّه يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية سواء كانا مجهولى التاريخ، أو كان الوضوء معلوم التاريخ و الحدث مجهول التاريخ أو العكس على مختارنا.

المورد الثاني: في حكم الصلاتين الواقعتين بعد الوضوءين

في مفروض الكلام من حيث الصحة و الفساد.

أما قاعدة الفراغ فلا مجال لأن يقال بصحة احدى الصلاتين لأجلها، لأنّ قاعدة الفراغ في كل منهما متعارضة مع قاعدة الفراغ في الاخرى، أو لان إجراء كل منها يضاد مع العلم الاجمالى، و إجراء أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح أو يضاد مع العلم الاجمالى بناء على كون نفس العلم مانعا من جريان الأصل على فرض تنجزه.

و أمّا استصحاب الطّهارة فقد يقال: بأنّ هذا الاستصحاب في كل منهما معارض مع الآخر لأنّه كما يصح استصحاب الطّهارة بعد الوضوء الأوّل إلى تمامية الصلاة الاولى يصح استصحاب الطّهارة بعد الوضوء الثاني إلى تمام الصلاة الثانية فالاستصحابان متعارضان، فلا يجرى استصحاب الطّهارة إمّا لتعارضهما، أو لكونه مضادا مع العلم الاجمالى،

أو لكونه موجبا للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 267

و قد يقال بأنه بعد كون حدوث الحدث و الوضوء معلوما و الشك في المتأخر منهما، فيكون التعارض بين استصحاب الحدث و الوضوء الثاني، لأنّ الوضوء الأوّل مقطوع الارتفاع بالحدث سواء كان هذا الحدث حادثا بعد الوضوء الأوّل أو بعد الوضوء الثاني، و بعد كون التعارض بين استصحاب الحدث و بين الوضوء الثاني فلا مانع من استصحاب الطّهارة الحاصلة بالوضوء الأوّل إلى ما بعد الفراغ من الصلاة الاولى، فيستصحب الوضوء إلى الفراغ من الصلاة الاولى، و تكون النتيجة صحة الصلاة الاولى.

و هذا هو الحق في المقام خلافا لما اختاره المؤلف رحمه اللّه من إعادة الصلاتين إذا كانتا مختلفتين في العدد إلى آخر ما قاله رحمه اللّه.

فعلى ما قلنا لا يجب إلّا إعادة خصوص الصلاة الثانية من الصلاتين إمّا لاجل استصحاب الحدث، أو لقاعدة الاشتغال و عدم جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها مضى وجهه في المسألة 37.

إلّا أن ما يدعى من الاجماع على وجوب إعادة الصلاتين و عدم خلاف ظاهر يقال: بأنّ الواجب إعادة الصلاتين لكن يمكن كون وجه اتفاقهم بعض الوجوه الغير التمام عندنا لا إجماع تعبدى كاشف عن قول المعصوم عليه السلام أو نص، لكن الاحوط استحبابا إعادة الصلاتين.

المورد الثالث: لو فرض اختيار ما قاله المؤلف رحمه اللّه

من وجوب إعادة الصلاتين لعدم امكان القول بصحة كل من الصلاتين و لا واحدة منها بمقتضى قاعدة الفراغ أو استصحاب الطّهارة يأتي الكلام في هذا المورد و هو في كيفية إعادة الصلاتين.

(و أمّا بناء على ما اخترنا من صحة الصلاة الاولى فلا يأتي هذا البحث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 268

اصلا) فنقول على ما اختاره

المؤلف رحمه اللّه في المقام.

إن كانت الصلاتان مختلفتين من حيث العدد مثلا كانت الاولى المغرب و الثانية العشاء، يجب إتيان صلاتين مغرب و عشاء.

و إن كانتا متفقتين من حيث العدد و متفقين من حيث الجهر و الاخفات مثلا كانت الاولى الصلاة الظهر و الثانية الصلاة العصر، فهل يكتفى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة، لأنّه في الواقع لا تبطل إلّا واحدة من الصلاتين، لأنّ الحدث إن حدث بعد الوضوء الاول فالصلاة الاولى باطلة، و لكن الصلاة الثانية الواقعة بعد الوضوء الثاني صحيحة لكونها مع الطّهارة.

و إن حدث بعد الوضوء الثاني فالصلاة الثانية و إن كانت باطلة، لكن الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل صحيحة لكونها مع الطهارة، فمع علمه ببطلان إحدى الصلاتين يعلم صحة الأخرى منهما فليس على عهدته إلّا صلاة واحدة.

أو لا يكتفى بصلاة واحدة بل لا بدّ من إتيان الصلاتين، لأنّ كل عنوان من العنوانين لا يتحقق في الخارج إلّا بالقصد، و بعبارة اخرى كان من جملة العناوين القصدية كالظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية لا بدّ من قصدها في مقام النية، فلا يكتفى في المقام إتيان صلاة بقصد ما في الذمة، بل لا بدّ فيما كانت الصلاة الاولى ظهرا و الثانية عصرا و لا يدرى أيّهما وقعت بلا طهارة من إتيان أربع ركعات بقصد الظهر احتياطا و أربع ركعات بعنوان العصر احتياطا.

أقول: أوّلا ما ذكرنا من أن العناوين القصدية لا بدّ في تحققها في الخارج من قصدها صحيح، لكن لا يلزم قصدها تفصيلا بل يكفى قصدها اجمالا، لعدم اعتبار أزيد من ذلك عند العقل في مقام صدق الاطاعة، فلو كان ما في ذمته صلاة واحدة مثلا صلاة ظهر، فلو قصد ما

في ذمته فعلا كفى في تحقق العنوان و يحصل الامتثال،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 269

فعلى هذا تقضى القاعدة كفاية أربع ركعات بقصد ما في الذمة في المثال.

و ثانيا يمكن التمسك بكفاية إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة بما رواها علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى من صلاة يومه واحدة و لم يدر اىّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا «1».

و ما رواه احمد بن أبي عبد اللّه البرقى في المحاسن عن أبيه عن العباس بن معروف و عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى من الصلوات لا يدرى أيّتها هي، قال: يصلى ثلاثة و أربعة و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر او العشاء فقد صلّى أربعا و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى «2».

و موردها و إن كان النسيان لكن تطمئن النفس بعدم خصوصية للنسيان خصوصا ما في ذيل الرواية الثانية (فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى) يكون تقريبا ذكر علة لكفاية اتيان أربع ركعات على من عليه صلاة أربع ركعات لا يدرى الظهر أو العصر أو العشاء.

و لذا لو علم أن صلاة مرددة بين الظهر و العصر ينسيها و لا يدرى أيا منهما لا يشك أحد في أنّه يكتفى باتيان صلاة واحدة بمقتضى الروايتين و لو لم يكن مورد الرواية، لأنّ مورد الرواية من نسى صلاة مرددة بين الصلوات الخمس اليومية.

نعم يمكن الاشكال في سند الروايتين لأنّ الاولى مضمرة لعدم معلومية غير واحد من أصحابنا، و الثانية

مرفوعة، إلّا أن يقال بانجبار ضعفهما بعمل المشهور.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 270

لا يقال: إن المشهور و إن عملوا بهما لكن بعضهم كالشيخ و القاضى و ابن زهرة و الحلى و ابن سعيد على المحكى عنهم رضوان اللّه تعالى عليهم اختصوا بخصوص موردهما و لم يتخطوا عن المورد، فعلى هذا الشهرة الفتوائية الجابرة تكون في خصوص مورد النصّين، و هو نسيان صلاة يومه أو صلاة من الصلوات، و أمّا مثل مورد الكلام، فلا يكون فتوى المشهور على طبقهما.

لأنا نقول: إن عمل المشهور بالرواية و استناد هم بها يوجب جبر ضعف سند الرواية، و بعد جبر ضعف سند الرواية ما نستفيد منها حجة لنا و إن لم يقل به المشهور.

و إن كانتا متفقتين من حيث العدد و مختلفتين من حيث الجهر و الاخفات مثلا في مسئلتنا توضأ وضوءا و صلّى بعده صلاة جهرية ثم توضأ وضوء و صلى بعده صلاة اخفاتية ثم علم إجمالا بحدوث حدث إمّا بعد الوضوء الأوّل و إمّا بعد الوضوء الثاني.

فهل يكتفى في مقام الاعادة بصلاة واحدة مخيرا فيها بين الجهر و الاخفات أو لا يكتفى بصلاة واحدة، بل لا بد من إتيان صلاة جهرا و صلاة اخرى اخفاتا.

و الكلام في ذلك تارة يقع فيما يقتضيه النص، و تارة فيما هو مقتضى القاعدة.

أما ما يقتضيه النص فقد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين على أنّه إن كانت على ذمته صلاة لا يدرى أنّها الظهر أو العصر أو العشاء يكفى في براءة ذمته اتيان صلاة واحدة أربع ركعات.

و أمّا

بمقتضى القاعدة فيجب إتيان الصلاتين بمقتضى العلم الاجمالى بفساد أحدهما فيما كانتا مختلفتين من حيث العدد، أو من حيث الجهر و الاخفات لأنّه بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 271

فرض العلم الاجمالى بفساد أحدهما، و سقوط قاعدة الفراغ في الصلاتين و استصحاب الطّهارة في الوضوءين بالتعارض، و فرض وجوب الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية و مشكوكية ما هو الباطل بين الجهرية و الاخفاتية، يجب إتيان صلاة جهرا و اتيان صلاة اخفاتا.

إلّا أن يدعى أن ما يدل من النصوص على وجوب الجهر في الجهرية و وجوب الاخفات في الاخفاتية ليس له إطلاق يشمل حتى مثل ما نحن فيه المشكوك كون ما في الذمة من الجهرية أو الاخفاتية، و لكن القول بذلك مشكل لاطلاق أدلته.

فعلى هذا إن قيل بحجية الروايتين و شمولهما للمورد، فيكفى صلاة واحدة مخيرا فيها بين الجهر و الاخفات.

و إن لم نقل بها فالأحوط وجوبا اتيان الصلاتين واحدة جهرا و واحدة إخفاتا.

لا لوجوب قصد خصوص الظهرية و العصرية، أو الاداء و القضاء تفصيلا في مقام النية لما عرفت من كفاية قصدهما إجمالا، بل من باب أن إطلاق دليل الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية ربّما يشمل المورد، و ربما لا يشمل بدعوى عدم إطلاق له يشمل المورد، و لأجل احتمال عدم الاطلاق قلنا: إن الأحوط وجوبا اتيان صلاة جهرا و اتيان صلاة اخرى إخفاتا.

و لا فرق في الاكتفاء بإتيان صلاة في مقام براءة الذمة بين ما يكون الصلاتين المعلوم إجمالا وقوع الحدث قبل إحداهما أداءين أو قضائيين، أو أحدهما أدائيه و الاخرى قضائية لعدم تمامية ما ذكروه من التفصيل بين ما يكون إحداهما أدائيا و الاخرى قضائيا.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 272

هذا كله على تقدير وجوب اتيان الصلاتين في مفروض المسألة.

و أمّا بناء على ما قلنا من أن الواجب إعادة خصوص الصلاة الثانية بعد الوضوء الثاني فلا مجال لهذه الابحاث، لأن الصلاة الثانية إن كانت جهرية يعيدها جهرا و إن كانت اخفاتية يعيدها إخفاتا، فافهم.

***

[مسأله 42: إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 42: إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما فالحال على منوال الواجبين، لكن هنا يستحب الاعادة إذا الفرض كونهما نافلة، و أمّا إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الاخرى نافلة فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة و عدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا، لأنّه لا يلزم من إجرائهما فيهما طرح تكليف منجز، إلّا أن الاقوى عدم جريانها للعلم الاجمالى، فيجب إعادة الواجبة و يستحب إعادة النافلة.

(1)

أقول: الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنه إذا توضأ وضوء ثم أتى بعده نافلة

ثم توضأ وضوء آخر و أتى بنافلة اخرى، ثم علم حدوث حدث بعد أحد الوضوءين.

فهنا كلام في أنّه هل يجب عليه الوضوء فعلا للصلوات الآتية أولا، فنقول:

حيث إنّه كما عرفت في المسألة السابقة يجب عليه الوضوء لما قلنا في المسألة 37 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 273

كون المسألة من صغريات مسئلة تأخر الحادث، و لا فرق كما عرفت بين كونهما مجهولى التاريخ أو أحدهما معلوم التاريخ.

و كلام في أنّه هل يستحب إعادة الصلاتين النافلتين كما اختاره المؤلف رحمه الله في المقام و أوجب إعادة الفريضتين في المسألة السابقة، غاية الأمر هنا يستحب الاعادة أو لا؟

أقول: أما بناء على ما قلنا في المسألة السابقة من كون استصحاب الوضوء الأوّل إلى تمام الصلاة الاولى بلا معارض، لأنّ التعارض بين استصحاب الحدث و بين الوضوء الثاني للعلم بحدوثهما و الشك في المتأخر منهما، فاستصحاب الوضوء الأوّل الى ما بعد الصلاة الاولى جار بلا معارض.

ففي هذه المسألة نقول: بأن النافلة الاولى محكومة بالصحة لاستصحاب الوضوء الأوّل إلى فعل النافلة الاولى.

نعم بعد علمه بحدوث الحدث يعلم بارتفاع الوضوء الأوّل، لكن حيث

يحتمل حدوثه بعد الوضوء الثاني فاستصحابه قبل ذلك لا مانع منه.

و أمّا الصلاة النافلة الثانية، فهل يقال: بأنه بعد ما يكون مقتضى العلم بحدوث الحدث مع الشك في تأخره عن الوضوء و تقدمه محكوما بالحدث و وجوب الوضوء إمّا لاجل استصحاب الحدث أو لأجل توقف الصلوات الآتية على الطّهارة و لم يحرزها على ما مرّ في المسألة 37، فصلاته محكومة بعدم واجديتها لشرط الطّهارة، فيكون مثل من لم يصل النافلة و يستحب له اتيانها،

أو يقال: بأن مقتضى القاعدة إجراء قاعدة الفراغ فى كل الصلاتين لعدم تنجز العلم الاجمالى في المقام، فمقتضى قاعدة الفراغ صحة النافلة الثانية لعدم مانع من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 274

جريان قاعدة الفراغ، إلا أن يدعى عدم جريان قاعدة الفراغ فى النافلة بدعوى انحصار موردها بالتكليف الالزامى، و لكن لا يبعد عدم الاختصاص لاطلاق بعض أخبار الباب و التعليل المذكور فى بعضها

و وجه عدم تنجز العلم الاجمالى هو أنّ معنى التنجز صحة البعث و الزجر فى كل طرف من أطراف العلم الاجمالى، و مع كون الصلاتين نافلة، و العلم الاجمالى ببطلان احدهما للعلم الاجمالى بطرو حدث قبل احدهما، فلا يكون العلم الاجمالى سببا للبعث نحو الطرفين، فلا مانع من قاعدة الفراغ فى كل من الطرفين.

اقول امّا أوّلا بعد ما قلنا من أنّ المانع من إجراء الاصل فى أطراف العلم الاجمالى هو نفس العلم لتضاد الاصل المخالف للعلم فى الاطراف مع العلم، ففى المقام يكون التعبد ببطلان احدى النافلتين تضاد مع التعبد بصحتهما، فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ فى الطرفين.

و امّا ثانيا بعد ما اخترنا من كون استصحاب الطهارة بعد الوضوء الاول بلا معارض إلى تمام النافلة

الاولى، و أنّ العلم الحاصل بوقوع الحدث و الوضوء و الشك فى تأخر كل منهما عن الآخر يوجب كونه محكوما بالحدث، فالشك فى صحة النافلة الثانية و فسادها مسبب عن كونه محدثا أولا، و بعد كونه محدثا بالحدث فلا مجال للأصل المسببى و هو قاعدة الفراغ فى النافلة الثانية، بل هى محكومة بالفساد.

و أمّا بناء على ما اختاره المؤلف رحمه اللّه في المسألة السابقة من وجوب إعادة الصلاتين كما بينّا شرحه فقد يقال: بعدم إجراء قاعدة الفراغ في النافلة و انحصارها بمورد التكليف الالزامى، فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين بمقتضى هذه القاعدة و إن لم يكن مانع من حيث العلم الاجمالى، و نتيجته أنّ المكلف فى الفرض يكون مثل من لم يصل النافلتين، لأنّه فى المسألة السابقة على هذا المبنى تقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 275

قاعدة الاشتغال إعادة الصلاتين، و فى هذه المسألة حيث يكون طرفى العلم بالنافلة لا مجال لاجراء قاعدة الاشتغال لعدم اشتغال الذمة بالنافلة، بل يكون بعد عدم اجراء قاعدة الفراغ فى النافلتين حاله حال من لم يأت بالنافلتين فيستحب له إتيانهما.

و قد يقال بجريانها فيما يكون له أثر عملى مطلقا حتى في المورد التكليف الغير الإلزامي كما هو الظاهر كما اشرنا إليه، فلا مانع من إجرائها في النافلة، بناء على انحصار عدم جريان الاصل في الأطراف العلم الاجمالى بما إذا يوجب جريانه المخالفة العملية المستلزمة للترخيص في المعصية، و أمّا لو لم يوجب ذلك فلا مانع من جريان الاصل المخالف للعلم الاجمالى في أطرافه، و المورد يكون كذلك لأنّه بعد كون طرفى العلم النافلة، فلا يكون لاجراء الاصل المخالف للعلم مانع في أطرافه فعلى

هذا تجرى القاعدة الفراغ في كل من النافلتين و يحكم بصحتهما و لا مجال للقول باستحباب إعادتهما.

أقول: حكم النافلتين من حيث الصحة و الفساد يختلف باختلاف المبانى.

فعلى قول من يقول بعدم إجراء قاعدة الفراغ فى غير التكاليف الالزامية لا مجال لقاعدة الفراغ في النافلتين و لو لم يكن علم إجمالى بالفساد في البين.

و على قول من يقول بتعميم دليل قاعدة الفراغ حتى بالنسبة إلى النوافل و التكاليف الغير الالزامى، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في النافلتين مع قطع النظر عن العلم الاجمالى بفساد إحداهما للعلم الاجمالى بحدوث الحدث قبل إحداهما.

و على هذا تارة يقال: بأن وجه عدم إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو لزوم التضاد بين المعلوم و مقتضى الأصل في الاطراف و لو لم يكن مقتضى العلم الاجمالى البعث الالزامى و الزجر الالزامى، و بعبارة اخرى و إن لم يستلزم مخالفته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 276

الترخيص في المعصية ففي ما نحن فيه لا مجال لاجراء الأصل في الاطراف أعنى: في النافلتين.

و أمّا لو كان المانع من إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو تعارض الأصلين فبناء على عدم جريان استصحاب الوضوء الأوّل إلى ما بعد النافلة الاولى و القول بتعارضه مع استصحاب الوضوء الثاني إلى ما بعد النافلة الثانية للعلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، فيقع التعارض بين قاعدة الفراغ في النافلة الاولى و قاعدة الفراغ في النافلة الثانية لأجل العلم الاجمالى بعدم كون واحدة منهما واجدة للطهارة الحديثة، فيكون حال من صلاهما حال من لم يصلهما من رأس فيستحب اتيانهما.

و لكن عرفت ان الحق استصحاب الوضوء الأوّل إلى ما بعد النافلة الاولى فلا تعارض بين

استصحاب الوضوء الأوّل و الوضوء الثاني بل يستحب إعادة النافلة الثانية فقط.

و أمّا لو كان العلم الاجمالى منجزا إذا كان يوجب مخالفة العملية للتكليف الالزامى فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في النافلتين لعدم علم إجمالى منجز في البين.

أقول: قد مرّ منّا أن الاقوى محكومية النافلة الاولى بالصحة لاستصحاب الوضوء بلا معارض و النافلة الثانية يستحب إتيانها لكونها بحكم من لم يأت بها بعد العلم بالحدث و الوضوء و الشك في المتأخر منهما بالتفصيل المتقدم ذكره كما قلنا فى المسألة السابقة بوجوب إعادة خصوص الفريضة الثانية.

و أمّا على قول من يقول بتعارض استصحاب الوضوء الأوّل مع استصحاب الوضوء الثاني كالمؤلف رحمه اللّه فهو يقول باستحباب إعادة كل من النافلتين لما قال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 277

المسألة السابقة بوجوب إعادة كل من الفريضتين.

و لكن لو كنا قائلين بوجوب إعادة كل من الصلاتين فيما لو توضأ و صلّى صلاة فريضة ثم توضأ و صلى فريضة اخرى ثم علم بحدوث الحدث بعد أحد من الوضوءين كما هو مفروض المسألة السابقة، مع ذلك لم نقل هنا أعنى: في هذه المسألة و هي ما إذا صلى بعد كل وضوء نافلة بتنجز العلم الاجمالى، لأن العلم الاجمالى المبحوث حرمة مخالفته و وجوب موافقته أو لا، هو فيما يكون أثر تنجزه البعث أو الزجر حتى يصح أن يقال بحكم العقل بحرمة مخالفته و وجوب موافقته.

و أمّا إذا كان العلم الاجمالى تعلق بما لا يقتضي تعلقه به تنجزه بحيث يحرم مخالفته و يجب موافقته مثل ما تعلق باستحباب أحد الشيئين فهو خارج عن محل الكلام، فتأمل.

المقام الثانى:: فيما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الاخرى نافلة.

فقد يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة و عدم معارضتها بجريانها

في النافلة أيضا لأنّه لا يلزم من إجرائها فيها طرح تكليف منجز و هذا ما قاله المؤلف رحمه اللّه أوّلا.

و يظهر منه أن المانع من إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو لزوم اجرائه لطرح تكليف منجز في البين، و معنى التكليف المنجز هو ما يكون بمرتبة البعث و الزجر نحوه، و حيث إنّ أحد طرفى العلم النافلة فلا يوجب إجراء قاعدة الفراغ في الصلاة الواجبة و النافلة طرح تكليف منجّز لعدم تنجز العلم مع كون أحد طرفيه النافلة التي لا يمكن البعث نحوها إن كانت هى المعلوم واقعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 278

و قد يقال بعدم جريان قاعدة الفراغ للعلم الاجمالى فيجب إعادة الواجبة و يستحب إعادة النافلة هذا ما اختاره المؤلف رحمه اللّه ثانيا.

أقول: أما على ما قلنا في المسألة السابقة و ذكرنا في المقام الأوّل في هذه المسألة من أن الصلاة الاولى تتصف بالصحة من باب استصحاب الطهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل إلى تمام الصلاة الاولى و التعارض يكون بين استصحاب الحدث و استصحاب الوضوء الثاني للعلم بحدوثهما و الشك في المتأخر منهما.

فنقول بعونه تعالى:

بأن الصلاة الاولى إن كانت فريضة فيحكم بصحتها لاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل إلى تمامية هذه الصلاة و لا يعارضه شي ء.

و أمّا الصلاة الثانية و هي النافلة فبعد كون المكلف عالما بالحدث و الوضوء و شاك في المتأخر منهما فلا يكون بعد هذا العلم متطهرا لا وجدانا و لا بمقتضى الامارة أو الأصل، لأنّه محكوم بالحدث بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أو فيما يكون أحد من الحدث أو الطّهارة مجهول التاريخ، و أمّا لعدم إحرازه الطّهارة المعتبرة في الصلاة و إن

كانت مستحبة فيكون حاله حال من لم يأت بهذه النافلة فيستحب له إتيانها.

و أمّا ان كانت الصلاة الاولى نافلة و الثانية فريضة، فالاولى محكومة بالصحة لاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل بلا معارض، و الصلاة الثانية و هي الفريضة فمحكومة بالفساد و يجب إعادتها، لأنّه بعد العلم بالحدث و الطّهارة و الشك في المتأخر منهما محكوم بالحدث سواء كانا مجهولى التاريخ أو أحدهما مجهول التاريخ كما بينا في المسألة 33 و إمّا من باب استصحاب الحدث أو لقاعدة الاشتغال، و لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية فريضة كانت او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 279

نافلة و ان قلنا بجريانها فى النوافل، لأنّه بعد كون منشأ الشك فى صحة الصلاة و عدمها كون الطهارة متأخرة أو الحدث مؤخرا و لا يحتمل تحصيل الطهارة بعد هذه الحالة قبل الصلاة الثانية، فلا مجال لقاعدة الفراغ لانه محكومة بتحصيل الطهارة للعلم الاجمالى.

و أمّا إذا لم يعلم أنّ أيّا من الصلاتين الاولى أو الثانية فريضة و أيا منهما نافلة فاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل لا يفيد في المقام لعدم معلومية كون الصلاة الاولى النافلة حتى تكون الثانية فريضة فيجب إتيانها، أو تكون الاولى فريضة واقعة مع الطّهارة حتى يستحب إتيان الثانية و هى النافلة.

فيعلم بفساد إحدى الصلاتين و صحة الاخرى كما كان الأمر قبل استصحاب الطّهارة الاولى.

و بعد العلم بانتقاض الحالة السابقة و حدوث كل من الحدث و الطّهارة و الشك في المتأخر منهما و أثر هذا العلم العلم بفساد إحدى الصلاتين.

فمن جهة الطّهارة و الحدث يكون محكوما بالحدث بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

و تحصيل الطّهارة وجوبا أو استحبابا للغايات الواجبة

أو المستحبة بناء على عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ لأنّه بعد ما يعلم بحدوث الطّهارة و الحدث و عدم جريان الاستصحاب بالنسبة إليهما و لا أحدهما و اشتراط الغايات الواجبة فيها الطّهارة على الطّهارة وجوبا و اشتراط الغايات المستحبة فيها الطّهارة على الطّهارة استحبابا فعليه تحصيل الطّهارة وجوبا أو استحبابا.

و أمّا من جهة الصلاتين فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 280

إنّه تارة يقال بأن الاصل لا يجرى في أطراف العلم الاجمالى فيما يوجب طرح تكليف منجّز، و يراد بالتكليف المنجّز ما يكون بمرتبة يصح البعث و الزجر الاكيد نحوه، لا مجرد التكليف و لو لم يكن البعث الأكيد و الزجر الاكيد المعبّر بالوجوب أو الحرمة، لان المستحب يكون متعلق التكليف و كذا الكراهة.

فبناء على هذا يقال في المقام بعدم مانع من إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كل من الصلاتين لعدم كون إجرائها في الطرفين موجبا للطرح التكليف المنجّز بالمعنى الذي قلنا، لأنّ التكليف في العلم الاجمالى يكون منجّزا فيما يصح البعث أو الزجر المؤكد نحوه في أىّ طرف من اطرافه و مع فرض كون أحد طرفي العلم النافلة فلا يصح البعث الأكيد نحوه لعدم وجوبها فلا يكون التكليف منجزا على كل حال.

و تارة يقال بأن نفس العلم مانع عن إجراء الاصل في الأطراف فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين فتكون النتيجة وجوب إعادة الفريضة و استحباب اعادة النافلة.

أقول: و إن كان المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالى هو نفس العلم لا لاستلزامه المخالفة العملية و لا لتعارض الاصلين، و لكن مانعيته يكون في صورة تنجز العلم الاجمالى و معنى تنجزه صحة البعث و الزجر المؤكد نحو

كل طرف من الاطراف و مع كون أحد الطرفين النافلة لا يكون التكليف المعلوم بالاجمال منجزا فلا مانع من إجراء الاصل.

نعم على قول من يقول: بأنّ العلم الاجمالى إذا تعلق بماله أثر عملى على كل حال و إن لم يكن الالزامى لا مجال لاجراء الاصل في اطرافه يقول في المقام: بعدم جريان قاعدة الفراغ لأن للعلم الاجمالى بفساد إحدى الصلاتين يكون أثر عملى في أىّ طرف كان و هو وجوب اتيان الفريضة و استحباب اتيان النافلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 281

و لعل هذا كان نظر المؤلف رحمه اللّه من قوله بوجوب إعادة الواجبة و استحباب إعادة المستحبة.

***

[مسئلة 43: إذا كان متوضأ و حدث منه بعده صلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: إذا كان متوضأ و حدث منه بعده صلاة و حدث و لا يعلم أيهما المقدّم، و أنّ المقدّم هى الصلاة حتى تكون صحيحة أو الحدث حتى تكون باطلة، الأقوى صحة الصلاة لقاعدة الفراغ خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما لجريان استصحاب بقاء الطّهارة أيضا إلى ما بعد الصلاة.

(1)

أقول لا إشكال في صحة الصلاة في مفروض المسألة، و إنّما الكلام في وجهها، فنقول: هل يمكن التمسك لصحة الصلاة باستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء أم لا؟

الظاهر جريان استصحاب الطّهارة إلى فراغ الصلاة، لأنّه و إن كان المورد من صغريات تأخر الحادث للعلم بحدوث الصلاة و حدوث الحدث و يكون الشك في المتأخر منهما، لكن حيث يكون الاثر مترتبا على استصحاب الطّهارة إلى تمام الصلاة و هو صحة الصلاة بلا معارض يجرى استصحابه و نلتزم بصحة الصلاة.

و لا يعارضه استصحاب عدم حدوث الصلاة إلى آخر زمان الطّهارة لأنّه لا يثبت كون الصلاة حال الحدث أو بلا طهارة إلّا على القول بحجية الأصول المثبتة.

و

هل يكون في جريان استصحاب الطّهارة إلى انقضاء الصلاة فرق بين كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 282

تاريخ حدوث كل من الصلاة و الحدث مجهولا، أو كون تاريخ الصلاة معلوما و تاريخ الحدث مجهولا أو العكس، أعنى: يكون تاريخ الحدث معلوما و تاريخ الصلاة مجهولا، أو لا فرق بين الصور في جريان الاستصحاب؟

الظاهر عدم الفرق بين الصور في جريان استصحاب الطّهارة إلى انقضاء الصلاة، و لا خصوصية في جريان استصحاب الطّهارة فيما إذا كان تاريخ الصلاة معلوما، كما زعم المؤلف رحمه اللّه لأنّه يجرى استصحابها فى جميع الصور.

و يمكن التمسك لصحة الصلاة بقاعدة الفراغ، لأنّ قاعدة الفراغ تقتضى صحة الصلاة، و مع جريان قاعدة الفراغ هل تصل النوبة باستصحاب الطّهارة، أو لا تصل النوبة به؟

لان قاعدة الفراغ حاكمة عليها، و مع وجود الأصل الحاكم لا تصل النوبة بالاصل المحكوم و إن كان موافقا للاصل الحاكم.

أقول: إن كان منشأ الشك في صحة الصلاة و فسادها منحصرا في أن الحدث رحمه اللّه كان متأخرا عن الصلاة أو متقدما عليها و لا يحتمل تحصيل الطّهارة بعد الحادثين، فيكون لجريان الاستصحاب مجال، لأنّ الشك في الصحة و الفساد يكون فيما قلنا و بعد جريان استصحاب الطّهارة يكون الصلاة واجدة للطهارة، و الشك في الفراغ عن الصلاة يرتفع باستصحاب الطّهارة.

فإن ابيت عن جريان استصحاب الحدث، فيكفى للحكم بصحة الصلاة قاعدة الفراغ، فلا إشكال في صحة الصلاة على كل حال في مفروض المسألة.

***

[مسئلة 44: إذا تيقّن بعد الفراغ عن الوضوء أنّه ترك جزأ منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: إذا تيقّن بعد الفراغ عن الوضوء أنّه ترك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 283

جزأ منه و لا يدرى أنّه الجزء الوجوبى أو الجزء الاستحبابى فالظاهر الحكم بصحة

وضوئه لقاعدة الفراغ، و لا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابى، لأنّه لا أثر لها بالنسبة إليه، و نظير ذلك ما إذا توضأ وضوءا لقراءة القرآن و توضأ في وقت آخر وضوء للصلاة الواجبة ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

(1)

أقول: أمّا الحكم بصحة الوضوء لقاعدة الفراغ فيما تيقن بعد الفراغ منه ترك جزء، لكن لا يدرى أنّه الجزء الواجب أو الجزء المستحب، فصحيح لأن الاصل يجرى فيما يكون له الاثر كالامارة لأنّ صحة التنزيل متوقف على الاثر الشرعى، فبعد كون الاثر مترتبا على خصوص الجزء الواجب لأنّه لو كان هو المتروك كان الوضوء باطلا.

و أمّا المتروك إن كان الجزء المستحب فتركه ليس بمبطل للوضوء لكون المفروض استحبابه فلا أثر لاجراء قاعدة الفراغ في الوضوء فيما إذا كان الشك في تركه فلا تجرى بالنسبة إليه، و تجرى بالنسبة إلى الجزء الواجب لان لاجرائها الاثر الشرعى و هو الحكم بصحة الوضوء.

ثم إن المؤلف رحمه اللّه قال و نظير ذلك ما إذا توضأ وضوء لقراءة القرآن و توضأ في وقت آخر وضوء للصلاة الواجبة ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، فإن مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 284

أقول: و مفروض كلامه لا بد و أن يكون فيما إذا حدث حدث بعد الوضوء الأوّل و قبل الوضوء الثاني و إلّا لو لم يحدث حدث بينهما فيعلم بصحة الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثاني لأنّ مع العلم الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين فإن كان الباطل هو الوضوء الأوّل

فالوضوء الثاني وقع صحيحا فالصلاة الواقعة بعده محكومة بالصحة.

و إن كان الباطل هو الوضوء الثاني فأيضا وقعت صلاته مع الطّهارة لأنّه بعد الوضوء الواقع لغاية مستحبة و هي قراءة القرآن صار مع الطّهارة و لم يتخلل حدث بعده إلى أن صلى الصلاة بعد الوضوء الثاني، و لا يضر بطلان الوضوء الثاني بصحة الصلاة.

فإن كان نظره الى ما قلنا يصح أن يقع الكلام في أن قاعدة الفراغ تجرى في خصوص الوضوء الواقع للصلاة، أو تجي ء فيه و في الوضوء الواقع لقراءة القرآن فتتعارضان و تتساقطان بالتعارض، فيقال: بأنه نظير الفرع الأوّل تجرى قاعدة الفراغ في خصوص الصلاة، كما أنّه لا بد و أن يكون الفرض فيما إذا توضأ لقراءة القرآن و قرء القرآن بعد الوضوء الاول، ثم حدث، ثم توضأ للصلاة و صلى بعده، ثم حصل العلم الاجمالى ببطلان احد الوضوءين، لأنه لو لم يقرأ القرآن بعد الوضوء الاول إلى ما بعد الوضوء الثانى، فلا حاجة لقاعده الفراغ لأنّه مع الوضوء الثانى يعلم بصحة احد الوضوءين فيصح قراءة القرآن و الصلاة.

إذا عرفت أن مفروض الكلام فى تنظيره لا بدّ و أن يكون فيما إذا توضأ لقراءة القرآن و قرء القرآن ثم حدث حدث و توضأ وضوء آخرا للصلاة و صلى ثم بعد الفراغ من الصلاة علم اجمالا ببطلان أحد الوضوءين.

فنقول: كما قال المؤلف رحمه اللّه بجريان قاعدة الفراغ في الوضوء الواقع للصلاة، و لا تعارضها قاعدة الفراغ في الوضوء لقراءة القرآن لعدم جريانها في هذا الوضوء لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 285

أثر لصحته، إذ لا أثر لقراءة القرآن الواقعة بعد الوضوء الأوّل حتى تكون لقاعدة الفراغ في وضوئه لها أثر، فلا

مجال لجريانها في الوضوء الواقع للقراءة.

***

[مسئلة 45: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فإن لم تفت الموالاة رجع و تدارك و أتى بما بعده و أمّا إن شك في ذلك فإمّا أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء، فإن كان في الاثناء رجع و أتى به و بما بعده و إن كان الشك قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه مثلا أو في جزء منه، و إن كان بعد الفراغ في غير الجزء الاخير بنى على الصحة لقاعدة الفراغ، و كذا إن كان الشك في الجزء الاخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر، أو كان بعد ما جلس طويلا، أو كان بعد القيام عن محل الوضوء، و إن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة و إلّا استأنف.

(1)

أقول: في المسألة مسائل نتكلم فيها بعونه تعالى فنقول:

المسألة الاولى: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو من شرائط الوضوء
اشارة

فله صورتان:

الاولى: صورة حصول اليقين بترك الجزء أو شرط الوضوء مع عدم فوت الموالاة.

و الثانية: صورة فوت الموالاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 286

ففي الصورة الاولى يجب تدارك ما فات و اتى بما بعده من الأجزاء و الشرائط لحصول الترتيب، و في الصورة الثانية يجب إعادة الوضوء.

و هذا مقتضى شرطية الشرط و جزئية الجزء.

لأنّه معنى جزئية شي ء للمركب أو شرطيته انتفاء المركب بانتقاء جزئه أو شرطه.

و لهذا يكون صحة المركب مع فقد الجزء أو الشرط محتاجا إلى الدليل، مثل ما دل الدليل في بعض الأجزاء باغتفار تركه حال النسيان في بعض المركبات.

فالحكم أعنى: وجوب إتيان المتروك من الجزء أو الشرط في المأمور به يكون على القاعدة، غاية الأمر تارة لم تفت الموالاة فيجب الرجوع و تدارك ما فات، ثم اتيان ما بعده من الأجزاء و الشرائط لرعاية الترتيب المعتبر في الوضوء.

و تارة فاتت الموالاة

فلا يمكن تدارك نفس الجزء أو الشرط المتروك و ما بعده من الأجزاء و شرائط الوضوء، بل لا بدّ من إعادة الوضوء من رأس.

و مع ما عرفت من عدم الحاجة إلى الدليل، يستدلّ على الحكم المذكور ببعض الأخبار.

منها ما رواه زرارة قال سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان «1».

و منها ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 287

و منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثم استيقنت بعد انك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك «1» و غير ذلك من الأخبار.

و دعوى الاجماع على الحكم المذكور و لم يحك الخلاف إلّا عن ابن جنيد.

المسألة الثانية: ما إذا شك في اتيان جزء من الوضوء أو شرط منه
اشارة

و كان في أثناء الوضوء فله صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان الشك في الجزء في أثناء الوضوء

فشك في ترك جزء منه، مثلا يكون مشتغلا بمسح الرأس فيشك في أنّه هل غسل وجهه أم لا، ففي هذه الصورة يجب إتيان المشكوك ثم اتيان ما بعده لرعاية الترتيب و إتمام الوضوء.

يدلّ عليه بعض النصوص، و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدرأ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه مما سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة، أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه، لا شي ء عليك فيه، فإن شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و على ظهر قد ميك، فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في صلاتك، و إن تيقّنت أنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى يأتي على الوضوء الحديث. «2»

و دلالتها على المطلوب واضحة، لكن تعارضها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 288

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه «1».

لأنّ الظاهر منها إرجاع ضمير في (غيره) إلى (شي ء) لا إلى (الوضوء) فيكون مفادها أنه إذا وقع

الشك في شي ء من الأشياء المعتبرة في الوضوء و قد دخل في غير هذا الشي ء ليس الشك بشي ء، إنّما الشك في شي ء لم تجزه، فلو شك مثلا في غسل الوجه و هو شي ء من الوضوء و قد دخل في غسل اليد اليمنى فلا يعتنى بهذا الشك

فتعارض هذه الرواية مع رواية زرارة لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشك و مفاد رواية زرارة هو الاعتناء بالشك.

إن قلت: كما يحتمل كون مرجع ضمير في (غيره) من جملة (و قد دخلت في غيره) هو (شي ء) في جملة (إذا شككت في شي ء من الوضوء) يحتمل كون مرجعه (الوضوء في الجملة المذكورة أعنى (إذا شككت في شي ء من الوضوء) فيكون مفادها أنه إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غير الوضوء، فليس شكك بشي ء فلا تعارض هذه الرواية مع رواية زرارة.

قلت: إن الرواية و إن كانت ذا احتمالين احتمال إرجاع ضمير (غيره) إلى (شي ء) و احتمال ارجاعه إلى (من الوضوء) لكن الظاهر هو الاحتمال الاول، لأنّ (شي ء) يكون متبوعا و (الوضوء) يكون تابعا لكونه بيانا للشي ء، و الظاهر إرجاع الضمير إلى المتبوع.

أو يقال: بأن الظاهر من الرواية كون ما خرج منه و دخل في غيره هو عين ما تعلق به الشك، و بعبارة اخرى ما تعلق به الشك و خرج منه لا يعتنى، به فحيث إن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب باب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 289

المفروض في الرواية كون ما تعلق به الشك (شي ء من الوضوء) لا أصل الوضوء فالظاهر كون الدخول في غير هذا الشي ء يكون سببا لعدم الاعتناء بالشك، فلهذا يكون المرجع هو (شي ء) لا

(الوضوء).

و على هذا بعد كون مفاد الرواية الاولى الاعتناء بالشك قبل تمام الوضوء، و عدم الاعتناء بالشك في فعل من أفعاله إذا كان بعد الوضوء، و مفاد الرواية الثانية هو عدم الاعتناء بالشك بمجرد التجاوز عن الجزء المشكوك و إن كان في أثناء الوضوء، يقع بينهما التعارض.

و حيث يمكن الجمع العرفى بينهما بحمل الأمر باعادة الجزء المشكوك إذا كان في أثناء الوضوء في صورة تجاوز عن الجزء المشكوك و عدم إتمام الوضوء على الاستحباب بقرينة الرواية الثانية الدالة على عدم وجوب الاعتناء بالشك بمجرد التجاوز عن الجزء المشكوك و الدخول في غيره.

و بعد كون هذا مقتضى الجمع العرفى، فتكون النتيجة عدم وجوب إعادة الجزء المشكوك إذا دخل في غيره، فلا دليل يدل على وجوب الاعتناء بالشك في جزء الوضوء في أثنائه مع التجاوز عنه.

أقول: و حيث ان الاجماع قائم على ما ترى في كلماتهم على وجوب اعادة المشكوك إذا كان الشخص مشتغلا بالوضوء و غير فارغ عنه صاروا بسدد بعض التوجيهات في الرواية الثانية، و عمدتها هو إرجاع ضمير (غيره) إلى (الوضوء) لأنّه بعد ما عرفت من الاحتمالين في الرواية (احدها ارجاع ضمير غيره إلى قوله (شي ء) و اثره هو عدم الاعتناء بالشك في الجزء بمجرد التجاوز و إن كان في أثناء الوضوء و لم يحصل الفراغ منه.

و الثاني إرجاع ضمير (غيره) إلى (الوضوء) و أثره عدم الاعتناء بالشك إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 290

دخل في غير الوضوء.

و بعد كون كل منهما محتمل، فلا وجه لتقديم الاحتمال الأوّل على الثاني لو لم نقل بتقديم الاحتمال الثاني على الأوّل، فتكون الرواية مجملة فلا ظهور لها في أمر تعارض الرواية الاولى الدالة

على وجوب الاعتناء بالشك ما دام يكون في الوضوء.

و إن أبيت عن ذلك يقال: بعد الاجماع القائم على وجوب الاعتناء بالشك و اتيان المشكوك و ما بعده إذا كان الشك حال الوضوء فوجّه الرواية الثانية بما قلنا.

أقول: و أمّا ما يخطر ببالى القاصر عاجلا و إن لم أر من يقول به هو أن يقال مقتضى ما نص في الرواية الاولى به، أعنى: رواية زرارة في قوله (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر اغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه) هو وجوب اعادة المشكوك فيما كان في أثناء الوضوء و عدم الاعتناء فيما قام من الوضوء و فرغ منه و بعبارة اخرى المستفاد منها التفصيل بين الشك في الجزء من الوضوء في أثناء الوضوء و بين الشك بعد الفراغ منه.

و مقتضى إطلاق الرواية الثانية أعنى: رواية ابن أبي يعفور في قوله (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء) على فرض ارجاع ضمير في (غيره) إلى (شي ء) في قوله (في شي ء من الوضوء).

و قوله (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) بناء على حمل الشي ء على مطلق الشي ء بقرينة صدر الرواية على الفرض المذكور في مرجع ضمير (غيره).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 291

هو أن الشك إذا وقع في شي ء من أجزاء الوضوء أو شرائطه

فليس شكك بشي ء سواء كان هذا الشك في أثناء الوضوء، أو كان بعد الفراغ من الوضوء، فللشك فردان: فرد في أثناء الوضوء، و فرد بعد الفراغ من الوضوء كما أن قوله (انما الشك في شي ء لم تجزه) له مفهوم و هو أن الشك و عدم الاعتناء يكون فيما تجاوز عن الشي ء سواء كان مع تجاوزه حال الاشتغال بالوضوء أو بعد الفراغ عن الوضوء فلمفهومه فردان:

فرد حدوث الشك بعد التجاوز عن المشكوك مع كونه حال الوضوء مثل ما شك في جزء منه و الحال أنّه مشغول بالجزء الآخر من الوضوء.

و فرد حدوث الشك بعد الفراغ من الوضوء فيشك مثلا بعد الفراغ في أنّه هل هو غسل وجهه في وضوئه أم لا.

إذا عرفت مفاد الروايتين نقول: بأن مقتضى حمل الظاهر على النص التصرف في إطلاق الرواية الثانية و تقييدها بقرينة النص من الرواية الاولى بصورة كون الشك في الجزء أو الشرط من الوضوء بعد الفراغ.

و هذا جمع عرفى لا غبار فيه، و كون النتيجة عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء فإن شك في جزء من أجزائه و لم يفرغ منه يجب إتيانه و إتيان كلّ ما يترتب عليه من الاجزاء رعاية للترتيب المعتبر لو لم تفت الموالاة، و مع فوتها يجب إعادة الوضوء و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

الصورة الثانية: ما إذا شك في اتيان شرط من شرائط الوضوء

قبل الفراغ من الوضوء، فهل يكون حاله حال الشك في الجزء من أنّه حتى كان في أثناء الوضوء يعتنى بالشك أو لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 292

الحق كون الشرط بحكم الجزء: لا لأنّ قوله عليه السلام في رواية زرارة المتقدمة في الصورة الاولى (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم

تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه الخ) يدل عليه، لأنّه بعد بيان وجوب غسل الذراعين إذا لم يدر أنّه غسلهما أم لا و إن قال بالنحو الكلى (و على جميع ما شككت فيه) لكن قوله (أنّك لم تغسله أو تمسحه) يدل على عمومية الحكم لجميع الأجزاء و أمّا الشرائط فلا يدل عليه.

بل إلحاق الشرط بالجزء أوّلا من باب أنّه بعد شرطية الوضوء للصلاة و الاشتغال اليقينى به يجب إتيانه مع ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا، فمع الشك في ايجاد شرطه يجب إعادة الشرط بالكيفية المعهودة ثم إتيان ما بعده من الأجزاء و الشرائط للوضوء لتحصيل البراءة اليقينة.

و ثانيا قوله عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في الصورة الاولى حيث حيث قال عليه السلام (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه) بعد حمل إطلاقها على ما بيّنا على صورة دخوله في غير الوضوء بقرينة رواية زرارة المتقدمة في الصورة الاولى، فيكون المراد منها عدم الاعتناء بالشك في شي ء من الوضوء بعد الفراغ من الوضوء، سواء كان هذا الشي ء المشكوك جزء أو شرطا، بل الاعتناء و اتيان المشكوك يكون في شي ء لم تجز منه سواء كان هذا الشي ء جزءا أو شرطا للوضوء لأنّ الشي ء اعم من الجزء و الشرط.

فتلخص بأنه إن كان الشك في الشرط حاصلا في أثناء الوضوء يجب أن يأتي به و لو باتيان مشروطه واجدا للشرط، ثم اتيان ما بعده من الاجزاء و الشرائط حفظا للترتيب المعتبر في الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 6، ص: 293

ثم إنّه لا فرق فيما قلنا من وجوب الاعتناء بالشك إذا كان في أثناء الوضوء بين أن يكون المشكوك تمام الجزء، مثلا شك في غسل وجهه و قد دخل في غسل اليد، أو كان الشك في جزء الجزء، مثلا يغسل يده فيشك في أنّه هل غسل جبهته أولا، فيجب العود و غسله و غسل كلّ ما يغسل بعده بمقتضى الترتيب المعتبر لاطلاق رواية زرارة المتقدمة.

و أيضا ما دام مشتغلا بالوضوء حتى بالجزء الاخير منه و هو مسح الرجل اليسرى منه يكون الشك في حال الوضوء فيشمله إطلاق رواية زرارة.

المسألة الثالثة: إذا شك في جزء من الوضوء أو شرطه
اشارة

و قد فرغ من الوضوء فالكلام يقع في موارد إنشاء اللّه:

المورد الأوّل: ما إذا كان الشك بعد الفراغ من الوضوء مع كون الشك في غير الجزء الأخير منه،

مثلا شك بعد الفراغ في أنّه غسل يده اليمنى أو لا، فلا إشكال في أنّه لا يعتنى، بالشك و الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ المستفادة من بعض الأخبار.

منها ما (ذكرناها في المسألة السابقة) و هى ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّه لم تغسله أو تمسحه مما سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه الحديث «1».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 294

و هي تدلّ على جريان قاعدة الفراغ في الوضوء كما تدلّ على عدم جريان قاعدة التجاوز فيه.

و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا شككت في شي ء لم تجزه «1».

و دلالتها على قاعدة الفراغ إمّا بارجاع ضمير في (غيره) إلى (الوضوء) لا إلى (شي ء) في قوله (شي ء من الوضوء) و إمّا بما قلنا في المسألة السابقة بتقييد إطلاقها الشامل لكل من حالتى الوضوء و بعد الفراغ منه على خصوص الفراغ من الوضوء بقرينة رواية زرارة المتقدمة.

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: يمضى على صلاته

و لا يعيد «2».

قال سيدنا الاعظم آيت اللّه البروجردي قدّس سرّهم لقد سقطت الواسطة بين ابن أبي عمير و بين محمد بن مسلم من سند الرواية لأنّه لا يمكن أن يروى ابن أبي عمير بحسب طبقته عن محمد بن مسلم بلا واسطة.

و منها ما رواه ابن بكير عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا إعادة عليك فيه «3».

بناء على كون موردها الشك لا النسيان، و بناء على كون (من) في قوله (من صلاتك و طهورك) بيانية لا التبعيضية لأنّه إن كانت تبعيضية يناسب مفادها مع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 295

قاعدة التجاوز.

و منها ما رواها بكير بن أعين قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال:

هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك «1».

و الرواية مضمرة لعدم ذكر من قال له بكير بن أعين و سئل عنه.

أقول: و بعد المراجعة في روايات الباب يظهر أنّ حكم هذا المورد يستفاد من أخبار الباب، و كون هذا مورد قاعدة الفراغ في باب الوضوء، لأنّه قد حصل الفراغ.

المورد الثاني: و هو ما كان الشك في الجزء الأخير من الوضوء

فحكمه يستفاد من أخبار الباب و أنّه مع تحقق الفراغ لا يعتنى بالشك، و بعد ذلك يقع الكلام فيما يحصل الفراغ به من الوضوء فنقول:

المورد الثالث: يقع الكلام فيما يتحقق به الفراغ
اشارة

من الوضوء.

فهل يتحقق الفراغ منه بالفراغ عن الجزء الأخير منه و إن لم يشتغل بفعل آخر و إن لم يقع حتى السكوت بعده و إن كان الشك في نفس الجزء الأخير.

أو لا يتحقق الفراغ الموضوع لقاعدة الفراغ إلّا بعد الدخول في فعل آخر من الصلاة و غيرها أو السكوت الطويل بعده.

أو يفرّق بين ما إذا كان الشك في غير الجزء الأخير، فيكفى مجرد الفراغ عن الوضوء و بين الجزء الأخير، فيحصل الفراغ بالدخول في عمل آخر، أو السكوت الطويل، أو القيام عن محل الوضوء.

أقول: بعد فرض عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لا يكون فرق بين كون الشك في الجزء الغير الأخير منه و بين كونه في جزئه الأخير، لأنّ مورد قاعدة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 296

الفراغ يكون بعد الفراغ من المركب المأمور به و هو الوضوء.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد يقال: إنّ بعض الروايات المذكورة المربوطة بالباب و هو الرابعة و الخامسة يكون مطلقة، و الثالثة منها وردت في مورد الفراغ من الوضوء و دخوله في الصلاة فلا إطلاق لها، و الرواية الاولى و هي رواية زرارة، و الثانية و هي رواية ابن يعفور يكون مفادهما هو اعتبار الدخول في الغير فتكونان مقيّدتين، فلا بدّ من حمل المطلق على المقيد و تكون النتيجة اعتبار الدخول في الغير.

و لكن نقول: إن الرواية الرابعة و الخامسة مطلقة، و الرواية الثالثة لا إطلاق لها من حيث ما

يتحقق به الفراغ، لأنّ سؤاله يكون عن مورد خاص و هو فراغه عن الوضوء و دخوله في الصلاة، و أجاب عليه السلام بعدم الاعتناء بالشك.

و أمّا الرواية الثانية فمع قطع النظر عن الاشكال فيها من حيث كونها موردا لقاعدة التجاوز أو الفراغ، و ما قلنا من توجيه فيها بحيث يكون موردها قاعدة الفراغ، فنقول: بناء على كونها واردة في قاعدة التجاوز فغير مربوطة بمقامنا و هو قاعدة الفراغ.

و أمّا بناء على حملها على قاعدة الفراغ بالتوجيه الذي قلنا، فصدرها و هو قوله (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء) و إن كان بعد تقييدها برواية زرارة في حد ذاتها هو كون الشك بعد الفراغ من وضوئه و دخوله في غير الوضوء.

لكن بعد قوله عليه السلام في ذيلها (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) و مفهومه هو عدم الشك و عدم الاعتناء به إذا جاز عنه، فبمجرد الجواز عنه لا يعتنى بالشك و المراد من التجاوز عن الشي ء كما بينا في رسالتنا في قاعدة الفراغ هو التجاوز بحسب الاعتقاد، نفهم أن الميزان هو التجاوز.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 297

و اما الرواية الاولى، فقوله عليه السلام (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّه لم تغسله أو تمسحة مما سمى اللّه ما دمت في حال الوضوء) يدل على لزوم الاعادة و الاعتناء بالشك ما دام الشخص قاعدا على الوضوء و يكون في حال الوضوء.

و قوله عليه السلام بعد ذلك (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في

الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما اوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه) يكون مفهوم القضية الاولى صار مذكورا بصورة المنطوق.

و على هذا نقول: بأن مفاد الجملة الاولى وجوب الاعادة و الاعتناء بالشك ما دام هو قاعد على الوضوء و في حاله.

و الجملة الثانية و هي ما قلنا إنّها بحسب الظاهر مفهوم الجملة الاولى مذكورة بصورة المنطوق، ففيها احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أنها متعرضة لحال القيام عن الوضوء و دخوله في غير الوضوء،

و ساكتة عن صورة قيامه عن الوضوء و عدم دخوله في غير الوضوء فتكون النتيجة اعتبار الدخول في الغير.

لكن لازم هذا الاحتمال عدم تعرض الرواية لصورة الخروج عن الوضوء و عدم دخوله في الغير، و هذا خلاف الظاهر لأنّه على هذا لا تكون هذه الصورة لا من حال الوضوء لفراغه عنه باتمام وضوئه باعتقاده إذا كان في غير حال الوضوء و لو كان هذا الحال القيام عنه أو السكوت الطويل بعده، و لا من حال غير الوضوء الداخل في فعل آخر كالصلاة و غيرها، و بعد كون هذا الاحتمال خلاف الظاهر يبقى الاحتمال الآخر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 298

الاحتمال الثاني: أن تكون الجملة الاولى متعرضة لحال القيام عن الوضوء

أعنى: الخروج و الفراغ عنه سواء دخل في فعل آخر أولا، و لا يكون قوله (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى الخ) في مقام بيان دخل كل من القيام عن الوضوء و الفراغ منه و الدخول في حال اخرى إلّا لبيان أمر واحد و هو عدم كونه في حال الوضوء، لأنّه مع القيام عن الوضوء و الفراغ عنه و صيرورته في حال آخر خارج عن حال الوضوء المستفاد من منطوق الجملة الاولى فمنطوق الجملة الثانية هو في الحقيقة مفهوم الجملة الاولى لا غير.

فتكون النتيجة هو أنّه إن كان الشك في اثناء الوضوء في شي ء منه يجب اعادة هذا الشي ء و ما بعده (الا إذا كان الاعادة مخلة للموالاة المعتبرة في الوضوء، فإنه يجب اعادة الوضوء).

و إن كان الشك في شي ء منه بعد الفراغ عن الوضوء لا يجب عليه شي ء و لا يعتنى به، فعلى هذا يكون مفاد رواية زرارة و مفاد بعض الأخبار المتقدمة التي

جعل موضوع عدم الاعتناء الفراغ من الوضوء أو التجاوز عنه واحدا.

غاية الأمر إن كان مسح رجله اليسرى و إن لم يقم عن الوضوء و حتى لم يفصل بشي ء من السكوت فيقال عرفا: إنّه خرج عن حال الوضوء و فرغ عنه عرفا فلا بد من أن لا يعتنى بشكه إذا كان شكه في غير الجزء الأخير لصدق الفراغ و الانصراف و تصدق انّه جاز عنه باعتقاده فيصدق التجاوز أن اعتبر التجاوز.

و إن كان شكه في خصوص الجزء الأخير و لم يقم عنه و لم يفصل بشي ء حتى السكوت الطويل لم يحصل الفراغ و التجاوز البنائى و الاعتقادى و لهذا يعتنى بشكه.

كما انّه لو اشتغل بعمل آخر، بل لو قام عن الوضوء و لو لم يشتغل بفعل آخر، بل و إن حصل السكوت الطويل فقط يعدّ عرفا أنّه في غير حال الوضوء، فلا يعتنى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 299

بالشك و إن كان المشكوك الجزء الأخير من أجزاء الوضوء.

و كما قلنا في الفراغ من الصلاة فنقول أيضا: إنّه إذا كان في حال الصلاة فليس الشك شكا بعد الفراغ و إن كان مورد قاعدة التجاوز لكون الشك بعد التجاوز فيما كان متجاوزا عن الجزء، فإذا كان في جلوس التشهد و السلام و كان شكه في جزء الأخير و لم يتخلل بفعل آخر حتى السكوت الطويل فليس مورد قاعدة الفراغ و لا مورد قاعدة التجاوز لعدم دخوله في غيره من الأجزاء.

و أمّا إن كان الشك في غير جزء الأخير و هو في حال التشهد و لم يدخل في فعل آخر حتى التعقيب و لم يتخلل السكوت الطويل لا يكون مورد قاعدة الفراغ لعدم تحقق الانصراف

و المضى من الصلاة، فيكون مورد قاعدة التجاوز

فتلخص من كل ما ذكرنا تمامية ما قاله المؤلف رحمه اللّه في هذا المقام و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله.

***

[مسئلة 46: لا اعتبار بشك كثير الشك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: لا اعتبار بشك كثير الشك سواء كان فى الأجزاء أو فى الشرائط أو الموانع.

(1) أقول: أما من حيث الفتوى و إن حكي عن الجواهر دعوى عدم وجدان الخلاف فيه لكن لم يقم إجماع عليه.

و أمّا دعوى لزوم الاعتناء بالشك مع كثرته موجب للعسر و الحرج، فنقول:

إن كان يوجب ذلك في بعض الموارد و يقتضي بعدم الاعتناء فيه لا في كل مورد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 300

يكثر الشك.

و أمّا دعوى أن الوضوء من توابع الصلاة، فيجرى فيه حكم متبوعه، فبعد عدم الاعتبار بشك كثير الشك فى الصلاة لا اعتبار بشك كثير الشك في الوضوء

ففيه انّ الوضوء عبادة مستقلة أوّلا و إن كان من توابع الصلاة، و ثانيا لو فرض كونه من توابع الصلاة فلا دليل على جريان كل حكم من أحكام الصلاة فيه.

فيبقى في المقام بعض الأخبار:

منها ما رواها عبد اللّه سنان قال ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أىّ عقل له و هو يطيع الشيطان، فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أىّ شي ء هو فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان «1».

و الاستدلال بها مبنى على كون الابتلاء بالوضوء و الصلاة بكثرة الشك فيهما كالوسواسى، و يكون كل موارد كثرة الشك من جهة الابتلاء بوسوسة الشيطان و كلاهما ممنوعان، إذ

ربما يكون مبتلى في وضوئه و صلاته من غير كثرة الشك.

كما أنّه ربّما يكون كثير الشك و لا يكون منشأه الابتلاء بوسوسة الشيطان.

نعم يستفاد من الرواية أن كل مورد يكون كثرة الشك من جهة الابتلاء بوسوسة الشيطان لا يعتنى بالشك.

و أمّا عدم الاعتناء بكثرة الشك مطلقا حتى فيما لا تكون لأجل الابتلاء بوسوسة الشيطان فلا يستفاد من الرواية.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 301

و لا يصلح لمعارضتها ما رواه أبو يحيي الواسطى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك أغسل وجهى ثم أغسل يدي و يشككنى الشيطان أني لم أغسل ذراعى و يدى، قال: إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد «1» بدعوى أن مفهوم قوله عليه السلام (إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد) يدل على وجوب الاعادة إذا لم يجد برد الماء على ذراعه.

فهي تعارض مع رواية عبد اللّه بن سنان و كل ما يكون بمضمونها الدالة على عدم وجوب الاعادة مطلقا سواء يجد برد الماء في المشكوك غسله أو مسحه أو لا، و بعد التعارض لا بدّ من تقييدها برواية أبي يحيى الواسطى، فتكون النتيجة عدم وجوب الإعادة في خصوص ما يجد برد الماء على عضو المشكوك غسله أو مسحه وجه عدم موجبيتها للمعارضة أوّلا يمكن كون مورد رواية أبي يحيى الوسواس، و كان عليه السلام في سدد دفع وسواسه بهذا الطريق في الجملة و التنبيه عليه، فلا يكون مفهوم لها.

و ثانيا تكون رواية يحيى ضعيفة السند لعدم معلومية بعض الاصحاب الذي روى عنه يحيى هذه الرواية.

و منها ما رواه

محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان «2».

و منها ما رواه حريز عن زرارة و أبي بصير جميعا قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى و لا ما بقى عليه، قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك، قال: يمضى في شكه، ثم قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الخلل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 302

نقض الصلاة فتطيعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثم قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم «1».

و الاستدلال بهما يتوقف على استفادة العلّية المطلقة حتى فيما لا يكون منشأ كثرة الشك من الشيطان و كلاهما محل منع.

لاحتمال كون ما ذكر في الروايتين من موجبية الاعتناء بالشك لتعود الشيطان حكمة لا علة.

و على فرض كونه علة يسرى الحكم إلى كل شك كثير يكون موجبا لا طاعة الشيطان و تعوده لا مطلق كثرة الشك حتى فيما لا يكون منشأه تعوّد الشيطان.

فتخلص أنّ ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار شك كثير الشك في باب الوضوء تمام في خصوص ما كان منشأه الوسوسة الحاصلة من الشيطان، و كان الاعتناء سببا لا طاعته لا في غير هذا المورد.

***

[مسئلة 47: التيمّم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه حكمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: التيمّم الذي هو بدل عن الوضوء لا

يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء و كذا الغسل و التيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محل المشكوك فيه و عدمه، فمع التجاوز تجرى قاعدة التجاوز و إن كان في الأثناء مثلا، إذا شك بعد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الخلل من الوسائل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 303

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 303

الشروع في مسح الجبهة في أنّه ضرب بيديه على الأرض أم لا، يبنى على أنّه ضرب بهما، و كذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنّه غسل رأسه أم لا لا يعتنى به، لكن الأحوط الحاق المذكورات أيضا بالوضوء.

(1)

اقول: تارة يقال: باختصاص اعتبار قاعدة التجاوز بباب الصلاة فقط فمقتضى القاعدة هو الاعتناء بالشك و اتيان المشكوك و ما بعده إن لم تفت الموالاة إذا كان في أثناء التيمم أو الغسل و إن لم يكن في البين ما دل على الاعتناء بالشك في الوضوء إذا كان الشك في أثنائه في إتيان جزء أو شرط منه للاشتغال، و إن فاتت الموالاة يجب اعادة التيمم أو الغسل لقاعدة الاشتغال.

و تارة يقال: بجريان قاعدة التجاوز في كل مركب شك في بعض أجزائه أو شرائطه و لا انحصار لها بباب الصلاة، كما بيّنا وجهه تفصيلا في رسالتنا التي حرّرناها في قاعدة التجاوز و الفراغ.

فنقول: بأن الشك إذا كان في أثناء واحد من التيمم أو الغسل في اتيان بعض أجزائهما أو شرائطهما و عدمه فلا يعتنى بالشك لكون المورد مورد قاعدة التجاوز.

و ما

قيل من وجوب الاعتناء فيهما من باب كون الغسل مثل الوضوء في كونه مطهّرا غاية الأمر الوضوء مطهّر للحدث الاصغر، و الغسل مطهّر للحدث الأكبر، و التيمم بدلهما فحكمه حكمهما، فكما يجب الاتيان بالمشكوك من الأجزاء و الشرائط إذا كان الشك في أثنائه كذلك في الغسل و التيمم.

ففيه أن هذا أشبه شي ء بالقياس فلا وجه للتعدى من الوضوء بهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 304

نعم الأحوط استحبابا فيهما الاعادة و اتيان المشكوك فيما لم تفت الموالاة و إعادتها فيما فاتت الموالاة من باب دعوى الشهرة الفتوائية على إلحاقهما به في هذا الحكم، و إن كان قيام الشهرة عليه مورد الاشكال كما حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّه.

***

[مسئلة 48: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، و لكن شك في أنّه هل كان هناك مسوّغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية أولا، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعى، الظاهر الصحة حملا للفعل على الصحة لقاعدة الفراغ أو غيرها، و كذا لو علم أنّه مسح بالماء الجديد و لم يعلم أنّه من جهة وجود المسوّغ أولا، و الأحوط الاعادة في الجميع.

(1)

أقول: منشأ الاشكال هو أن مفاد أدلة قاعدة الفراغ هل مختص بمن يعلم ما هو وظيفته و يشك في صحة ما هو الموظف و عدمها، مثلا يعلم أن وظيفته مسح الرأس، لكن بعد الفراغ عن الوضوء يشك في صحة الوضوء و عدمها من جهة شكه في أنّه مسح رأسه أم لا، ففى هذه الصورة تجرى قاعدة الفراغ بلا إشكال.

أو يعمّ هذه الصورة و من إذا يعلم

بما عمله، لكن يشك في أن ما فعله كان وظيفته أم لا، مثلا يعلم أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 305

موضع المسح، و لكن يشك في أنّه هل كان مسوّغ لما عمله من جبيرة أو ضرورة أو تقية حتى كان وضوئه صحيحا، أو لم يكن له مسوّغ حتى يكون وضوئه باطلا، فتجرى قاعدة الفراغ في هذه الصورة أم لا.

و بعبارة اخرى كما انّه في الصورة الاولى بعد علمه بالوظيفة يحتمل أن الذهول و الغفلة صار سببا لعدم العمل بوظيفته فصار الوضوء باطلا، فببركة قاعدة الفراغ يحكم بصحته، كذلك تشمل القاعدة ما إذا كان يحتمل أن الغفلة و الذهول صارا سببا للعمل بما عمل على خلاف الوظيفة، أو أنّه كانه حين العمل أذكر، فما عمل به كان هو وظيفته فقد عمل على طبق وظيفته مثل بعض الأمثلة المذكورة في المتن، فهل يحكم بصحته الوضوء بمقتضى قاعدة الفراغ أم لا؟

لا يبعد كون الظاهر من أخبار الباب هو الأوّل، بمعنى أن موردها ما لم يعلم بأنه أتى بما لا بدّ أن يؤتى به أو لم يأت به أصلا من باب عروض الغفلة.

و أمّا إذا يعلم بأنه أتى به، و لكن لا يدرى أن اتيانه كان من باب كونه حين العمل وظيفته فأتى به، أو لم يكن وظيفته، بل أتى به غفلة على خلاف الوظيفة، فلا يشمله أخبار الباب، و لهذا الأحوط بل الأقوى الإعادة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 49: إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله، و لكن شك في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أولا، بل عدل

عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ فيجب الاتيان به، لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانيا على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 306

إتمام العمل و عازما عليه إلّا أنّه شاك في اتيان الجزء الفلانى أم لا، و في المفروض لا يعلم ذلك، و بعبارة اخرى مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد.

(1)

أقول: منشأه كما أشار إليه رحمه اللّه في المتن هو أن مورد قاعدة الفراغ ما إذا كان الشخص بانيا على إتيان العمل على الوجه المعتبر و عازما عليه، و يكون منشأ احتمال الترك عروض الغفلة و النسيان.

و أمّا إذا كان منشأ احتمال الترك هو العمد من باب طرو الاضطرار أو اختيارا فلا تشمله القاعدة فيجب الاعادة.

***

[مسئلة 50: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 50: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء، أو في الاثناء وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه إن لم يكن مسبوقا بالوجود، و إلّا وجب تحصيل اليقين و لا يكفى الظن، و إن شكّ بعد الفراغ في أنّه كان موجود أم لا بنى على عدمه و يصح وضوئه، و كذا إذا تيقن أنّه كان موجودا و شك في أنّه أزاله، أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته و قد لا يصل إذا علم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل و لكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه، فلا يترك الاحتياط بالاعادة،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 307

و كذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه و شك في

كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فأنه يبنى على الصحة، إلّا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإنّ الأحوط بل الأقوى الاعادة حينئذ.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه،

و قد مضى بعض الكلام فيه في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء، و نقول هنا أيضا إن شاء اللّه.

إذا شك في وجود الحاجب يجب الفحص حتى يحصل اليقين، أو الاطمينان بعدمه أو الظن المعتبر.

أمّا وجه وجوب الفحص فلأنّه بعد اشتغال اليقينى بالغسل و المسح في الوضوء على البشرة، أو ما بحكمها مثل ظاهر اللحية فيجب عليه تحصيل البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بالفحص.

و وجه وجوب الفحص إلى حصول اليقين فلوجوب حصول اليقين بالبراءة.

و وجه كفاية الاطمينان لأنّه بحكم اليقين.

و وجه كفاية الظن المعتبر فلانه يقوم بدليل اعتباره مقام العلم.

و أمّا ما قيل من عدم وجوب الفحص مع الشك في وجود الحاجب و عدمه، إما للسيرة و إمّا للخبر الوارد في الحيض، فقد بينا جوابهما في المسألة التاسعة من أفعال الوضوء فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 308

و لا يكتفى مطلق الظن في عدم وجود الحاجب و إن كان ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه كفايته لعدم اعتبار مطلق الظن.

و لا فرق فيما قلنا من وجوب الفحص عن الحاجب حتى حصل اليقين أو الاطمينان أو الظن المعتبر بعدمه بين أن يكون الحاجب مسبوقا بالوجود و بين عدم كونه مسبوق الوجود و إن فصّل المؤلف رحمه اللّه من كفاية مطلق الظن في الثاني و عدمه في الأوّل، و وجهه بنظره وجود السيرة على كفاية مطلق الظن في الثاني لا الأوّل.

و لكن قد عرفت في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء

أن السيرة إن كانت ففي مورد اطمينان بعدم الحاجب لا مطلقا حتى فيما لا يحصل الاطمينان بعدمه، فيجب الفحص في كل من الصورتين حتى يحصل العلم أو الاطمينان أو الظن المعتبر على عدمه.

المسألة الثانية: إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود الحاجب حال الوضوء و عدمه

لا يعتنى بالشك، و يبنى على عدمه لقاعدة الفراغ، لأنّه يشك في الحقيقة في ترك الجزء و عدمه أو في الصحة و عدمها، فتجرى قاعدة الفراغ.

المسألة الثالثة: إذا كان متيقنا في وجود الحاجب سابقا

و لكن بعد الفراغ من الوضوء يشك في أنّه أزاله أو أوصل الماء تحت أم لا لا يعتنى بالشك و يبنى على الصحة لقاعدة الفراغ.

المسألة الرابعة: ما إذا كان الحاجب مما قد يصل الماء تحته

و قد لا يصل تحته و يعلم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل لكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، فهل لا يعتنى بالشك أو يعتنى به وجهان:

و وجه عدم الاعتناء شمول قاعدة الفراغ للمورد لاطلاق دليلها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 309

وجه الاعتناء بالشك أن مقتضى العلة المذكورة في بعض روايات الباب كون الحكم بالصحة من باب أذكرية الشخص حين العمل، و في المقام يعلم بعدم كونه متذكرا لعلمه بعدم التفاته إلى المشكوك حين العمل.

أقول: قد بينّا في رسالتنا في قاعدة التجاوز و الفراغ في الفراغ الثالث أنّه بناء على كون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة عقلائية

أوّلا بناء العقلاء في مورد يكون الشخص عالما بكيفية عمل و يريد إتيانه و لا يتركه بالنحو المطلوب إلّا من باب النسيان و الغفلة، و لا يكون بنائهم على الصحة فيما يعلم بما عمله، و لكن يشك في أنّه بما عمله حصل ما هو المطلوب من باب الاتفاق أولا.

و ثانيا على فرض تحقق بناء العقلاء في المورد أيضا بعد ما ردع الشارع عن طريقتهم بقوله عليه السلام (لأنّه حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك) أو يستفاد من مجموع أخبار الباب أن مصب القاعدة هو ما كان منشأ الترك على فرض تركه هو الذهول و الغفلة.

و أمّا بناء على عدم كونها قاعدة عقلائية، و كونها قاعدة مستفادة من الأخبار سواء كانت هي و قاعدة التجاوز قاعدة واحدة، أو كانتا قاعدتين مستقلتين.

فنقول: أولا مقتضى ما

في رواية بكير بن أعين من قوله عليه السلام (هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك) كون علة عدم الاعتناء بالشك أذكرية الشخص و عدم غفلته حين العمل و أمّا إذا كان ملتفتا حال العمل لكن لا يدرى حصول المطلوب اتفاقا بما عمله أولا فخارج عن موضوع العلة المذكورة.

و ثانيا أن ظاهر أخبار الباب مع قطع النظر عن العلة المذكورة كما قلنا هو كون مورد القاعدة صورة كون الترك على الفرض من باب الذهول و الغفلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 310

و أمّا ما إذا كان عالما بما عمله و لكن شكه يكون مع باب انّه هل تحقق اتيان الجزء أو الشرط فيما فعله اتفاقا أم لا، فلا يكون مورد القاعدة، فافهم فإن اشكل في حجيّة رواية بكير بن أعين لضعف سندها من باب كونها مضمرة يكفى ما قلنا لعدم شمول القاعدة للمورد.

المسألة الخامسة: إذا علم بوجود الحاجب المعلوم

أو المشكوك حجبه و شك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فله صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا احتمل التفاته به حال الوضوء، و أنّه لو تركه لا يكون إلّا من باب الغفلة، فالوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ.

الصورة الثانية: ما إذا يعلم أنّه لا يكون ملتفتا به حال الوضوء فالأقوى عدم جريان قاعدة الفراغ للعلة المذكورة في رواية بكير من أعين (هو حين ما يتوضأ أذكر) و الاشكال بضعف سندها بالاضمار مندفع بانجبارها بعمل الأصحاب.

و أمّا لما قلنا من أن ظاهر أخبار الباب كون مورد قاعدة الفراغ ما كان بانيا على اتيان المركب المأمور به على النحو الموظّف و لا يكون سبب الترك إلّا الغفلة و الذهول، و لو لا الغفلة و الذهول يأتي به على وجهه، لا

ما إذا كان عالما بما فعله و أنه لو اتى بالمشكوك أتى به قهرا و اتفاقا، فمن يعلم بعدم التفاته حين العمل فليس تركه مستندا إلى الغفلة، بل يستند إلى عدم الالتفات فلا يشمله أخبار الباب.

و أمّا ما قال بعض «1» الشراح في وجه شمول قاعدة الفراغ لصورة العلم بعدم الالتفات حال العمل، كما قال به في المسألة الحادية عشرة من فصل الماء المشكوك و بيّنا الاشكال فيه، بأن مقتضى ما رواه الحسين بن أبي العلاء (قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: حوّله من مكانه، و قال: في الوضوء تدره

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 525.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 311

فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة) «1» هو عدم وجوب اعادة الصلاة و هو مفاد قاعدة الفراغ مع أنّ موردها العلم بعدم التفاته حين العمل.

ففيه أوّلا أن موردها نسيان تحويل الخاتم و إدارته فيكون قوله عليه السلام بعدم الأمر باعادة الصلاة من باب أنّه ترك وصول الماء تحت الخاتم نسيانا من باب عدم تحويله أو إدارته، فعدم وجوب الاعادة كان لأجل نسيانه.

و بعبارة اخرى عدم كون وصول الماء جزءا حال النسيان، و هذا الاحتمال و إن كان بعيدا من باب كون شرطية الطّهارة الحدثية مطلقة، لكن يمكن كون جزئية وصول الماء بالبشرة الواقعة تحت الخاتم جزءا ذكريا، فلا يكون جزءا حال النسيان، فيكون الوضوء و الغسل مع فقد هذا الجزء نسيانا صحيحين، فيصحان مع تركه نسيانا، و بعد عدم جزئيته حال النسيان حصلت الطّهارة، فالصلاة واجدة للطهارة فلا يجب إعادتها.

و حيث إنّ الالتزام بكون جزئية وصول الماء بالبشرة مطلقا، و ما

في تحت الخاتم ذكريا مشكل لا بد إمّا من حملها على غير ذلك او ترك العمل بها.

و ثانيا على فرض كون عدم وجوب الاعادة من باب عدم الاعتناء بالشك الحاصل له من عدم إدارة الخاتم و تحويله من وصول الماء إلى البشرة الواقعة تحت الخاتم أم لا، لأنّه يحتمل وصول الماء بها اتفاقا فقال عليه السلام: لا يعتنى بهذا الشك.

فنقول: إنّ الأمر يدور بين أن يقال: بأنه على فرض كون ما بقى من أخبار قاعدة الفراغ مطلقا يشمل حتى صورة علمه بعدم الالتفات حال العمل، لكن بعد دلالة هذه الرواية على عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ فيما لا يكون ملتفتا حال

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 312

العمل نقول: بشمول القاعدة لهذا المورد، و لا فرق بين الوضوء و الغسل و بين غيرهما، فالنتيجة حجية القاعدة حتى في صورة العلم بعدم الالتفات حين العمل.

و بين أن يقال: بأنه نقتصر في هذا الحكم بخصوص المورد فنقول:

بحجية القاعدة في غير باب الوضوء و الغسل في خصوص ما يحتمل الالتفات حال العمل، و حجيتها في خصوص باب الوضوء و الغسل حتى فيما يكون عالما بعدم التفاته حال العمل لكون رواية الحسين المذكورة واردة في خصوص الوضوء و الغسل.

و إن كان الاحتمال الثاني لا يساعد مع كون قاعدة الفراغ قاعدة عقلائية كما اعترف به هذا القائل، بل يساعد مع الاحتمال الأوّل، و هو كون هذا الحكم أعنى:

شمولها لهذا المورد في كل باب لا في خصوص الوضوء و الغسل.

و على كل حال نقول: بأنه على هذا تكون هذه الرواية بظاهرها معارضة مع رواية بكير، لأنّ مقتضى العلة

المذكورة في رواية بكير بن أعين هو الصحة فيما يحتمل تذكره حال العمل، و مقتضى رواية الحسين هو الصحة حتى في مورد يعلم عدم تذكره حال العمل.

فإن أمكن الجمع بينهما نقول به، و إلّا لا بدّ من معاملة الخبرين المتعارضين بينهما.

و في مقام الجمع نقول: ما يأتي بالنظر و لا يبعد هو أن يقال: إن الحكم بصحة الصلاة و عدم وجوب الاعادة في رواية الحسين بن أبي العلاء لأنّ الأمر بتحويل الخاتم أو إدارته في مقام الغسل و الوضوء يكون لأجل وصول الماء تحته، فيكون أمرا إرشاديّا لارشاده بهذه الكيفية باطاعة امر المولى المتعلق بغسل البشرة حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 313

يحصل له اليقين باطاعته.

و أمّا قوله عليه السلام (فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك ان تعيد الصلاة) يكون من باب أنّه مع الحركات الحاصلة في ضمن الغسل من ناحية آلة الغسل، و هي اليد و نفس المغسول، يصل الماء تحت الخاتم، و لهذا لا يأمره بالاعادة.

فالأمر بالتحويل و الادارة يكون أمرا احتياطيا عقلائيا لحفظ ما هو الواجب عليه من غسل البشرة، و عدم وجوب الأمر بالاعادة يكون من باب حصول الواجب، و لو كان بدون التحويل و الادارة، كما في غالب الخواتم الغير الطبيعة لم يمنع من وصول الماء بالبشرة، فلا منافاة بين الأمر بهما و بين عدم وجوب الاعادة.

و بعد حمل رواية الحسين على ما قلنا يرفع التعارض لأنّ مفادها ليس أمرا يغاير مع رواية بكير حيث إن الحكم بالصحة في مورد العلم بعدم الالتفات في رواية الحسين يكون من باب حصول الغسل لا من باب قاعدة الفراغ، فتكون النتيجة حجية قاعدة الفراغ في خصوص ما

كان يحتمل تذكره حال العمل كما هو مقتضى العلة المذكورة في رواية بكير، بل ساير الروايات أيضا، لأنّ ساير الروايات كما قلنا ظاهرها هو صورة احتمال تذكر الشخص حال العمل.

و ثالثا لان المحتمل فى رواية الحسين احتمال آخر و هو أن يكون السؤال عن حكم الخاتم حال الوضوء و الغسل فى نفسه، ليكون الامر بالتحوّل أو إدارته محمولا على الاستحباب كما أفتى به بعض الاصحاب و جعلوه من المستحبات، لا أن يكون الامر بالإعادة مع فرض شكه فى وصول الماء تحته و عدمه فالمراد، و اللّه اعلم، أنه سئل عن الخاتم نفسه فأمر بادارته و تحوّله في صورة نسيانهما اما من باب تخيّله أنّ الامر يقتضي الوجوب، فقوله بعدم الإعادة كاشف عن عدم وجوبهما، و إمّا من باب أنّه و إن فهم استحبابهما، لكن سئل عن صورة النسيان فاجاب بعدم لزوم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 314

الإعادة، فافهم.

***

[مسئلة 51: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 51: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه و شك في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، ينبى على الصحة لقاعدة الفراغ، إلّا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الاعادة حينئذ.

(1)

أقول: أما وجه صحة الوضوء و جريان قاعدة الفراغ فيما إذا علم بوجود المانع و علم زمان حدوثه و شك في أن الوضوء كان قبل حدوث المانع أو بعده مع احتمال تذكره حال العمل فلكونه المتيقن من مورد قاعدة الفراغ.

و لا حاجة مع قاعدة الفراغ إلى استصحاب عدم وجود المانع إلى ما بعد الوضوء لحكومتها عليه، مضافا إلى كون الاستصحاب مثبتا، فلا يثبت كون الوضوء بلا مانع.

و بعبارة اخرى لا يثبت كون الغسل أو المسح واقعا

على البشرة و أنه لا وجه للتمسك باستصحاب عدم تحقق الوضوء إلى زمان حدوث المانع لعدم جريان الاستصحاب فى مجهول التاريخ أولا و كونه مثبتا ثانيا، لأنّه لا يثبت به كون الوضوء مع المانع، فالمرجع فى حدّ ذاته يكون قاعدة الاشتغال، لكن بعد جريان قاعدة الفراغ يؤخذ بها و تكون حاكمة على قاعدة الاشتغال.

و أمّا الصورة بحالها مع فرض علمه بعدم الالتفات إليه حال الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 315

فلا تجرى قاعدة الفراغ على الأحوط بل الأقوى لما قلنا في البعض المسائل المذكورة في المسألة السابقة من عدم جريان قاعدة الفراغ على الأقوى في صورة علمه بعدم الالتفات حال العمل.

***

[مسأله 52: إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 52: إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ و شك بعده في أنّه طهّره ثم توضأ أم لا بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، أمّا وضوئه فمحكوم بالصحة عملا بقاعدة الفراغ إلّا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطّهارة و النجاسة، و كذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقا على الوضوء و يشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا، فإنّ وضوئه محكوم بالصحة و الماء محكوم بالنجاسة، و يجب عليه غسل كل ما لاقاه، و كذا في الفرض الأوّل يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء أو لاقى محل الوضوء مع الرطوبة.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: ما إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ
اشارة

و شك بعده في أنّه طهّره ثم توضأ أم لا فالكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: هل يبنى على بقاء نجاسة محل وضوئه

فيجب غسله لما يأتي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 316

من الأعمال المشروطة بطهارته أم لا؟

أقول: الالتزام بنجاسة محل الوضوء و وجوب غسله و عدمه مبنى على القول با مارية قاعدة الفراغ أو كونها من الأصول المحرزة المطلقة و عدمها، فإن قلنا بكونها من الأمارات و الاصول المحرزة المطلقة، فبعد جريان قاعدة الفراغ فى الصلاة يكون لازمه عدم محكومية محال الوضوء بالنجاسة و عدم وجوب غسلها.

و إن قلنا بعدم كونها من الامارات و لا من الأصول المحرزة المطلقة فلا يثبت لوازمها العقلية و العادية بها، فيحكم بنجاسة محالها سواء نقول بكونها من الاصول المحرزة الحيثية، فيحرز بها الحيث الذي شك فيه فقط، أو قلنا بكونها من الأصول الغير المحرزة بمقتضى استصحاب النجاسة فيجب غسلها للأعمال المتوقفة على طهارتها.

و نحن و إن قويّنا في رسالتنا في قاعدة التجاوز و الفراغ أماريّة قاعدة الفراغ فلا بدّ من القول بمحكومية محال الوضوء بالطهارة، و لكن مع ذلك نقول: بأن الاحتياط الواجب غسلها، فالوظيفة في مقام العمل هو الاحتياط.

المورد الثاني: في صحة وضوئه في الفرض و عدمه

فنقول بعونه تعالى: إن الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ، فإنه مع كون المتوضى عالما بالوظيفة، و كان بنائه إتيان الوضوء بالنحو الموظف، و من جملة الوظيفة كون محل الوضوء طاهرا مع احتمال تذكره حال الوضوء، فلو ترك تحصيل طهارة محل الوضوء فرضا فلا يكون تركه إلّا من باب الذهول و الغفلة، فيكون المورد مورد قاعدة الفراغ، و ببركتها يحكم بصحة الوضوء.

نعم لو علم بعدم التفاته حين الوضوء لا تجرى قاعدة الفراغ، فيجب عليه إعادة الوضوء لما قلنا في المسألة الرابعة و الخامسة من المسألة 50 من عدم شمول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 317

أدلتها لهذا المورد.

المسألة الثانية: ما إذا كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه

سابقا على الوضوء، و يشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكر، أو بالمطر أم لا فإن وضوئه محكوم بالصحة إلّا فيما يعلم بعدم التفاته حين الوضوء.

و الماء محكوم بالنجاسة.

لعين ما قلنا في المسألة الاولى من أن الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ مع احتمال التفاته حين الوضوء.

و عدم محكوميته بالصحة لعدم جريان قاعدة الفراغ فيما يعلم بعدم التفاته حال الوضوء.

و الماء محكوم بالنجاسة لاستصحاب النجاسة.

نعم لو قلنا بأن لسان قاعدة الفراغ لسان الامارة يحكم الماء بالطهارة لانّه يثبت بقاعدة الفراغ لوازمها و حيث أنّه لا يبعد ذلك قلنا إنّ الأحوط وجوبا الحكم بنجاسة الماء.

المسألة الثالثة: بعد فرض محكومية محل الوضوء بالنجاسة في المسألة الاولى،

يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء، أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة.

و في المسألة الثانية يجب عليه غسل كلّ ما لاقاه الماء المحكوم بالنجاسة، لأنّ أثر نجاسة البدن و الماء شرعا نجاسة كلّ ما لاقاه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 318

[مسئلة 53: إذا شك بعد الصلاة في الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 53: إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه بنى على صحتها، لكنه محكوم ببقاء حدثه فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية، و لو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستيناف بعد الوضوء، و الأحوط الاتمام مع تلك الحالة ثم الاعادة بعد الوضوء.

(1)

[احتمالات المسألة و وجهها]
اشارة

أقول: أما إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنّه هل كان مع الوضوء فصلاته وقعت مع الطّهارة، أو بلا وضوء فصلاته وقعت بلا طهارة، تجرى قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة و يحكم بصحتها ببركتها.

و أمّا الوضوء المشكوك إتيانه فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ فيه لأنّ اصل وجوده مشكوك، و أمّا الحكم بوجوده ببركة قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة فهو مبنى على القول بأمارية قاعدة الفراغ حتى يثبت بها لوازمها، أو كونها من الأصول المحرزة المطلقة.

و أمّا على القول بكونها من الأصول و إن كانت من الأصول المحرزة الحيثية فلا يثبت بها إلّا الحيث الذي وقع الشك من جهته، و نحن نقول: بأن الأحوط وجوبا إعادة الوضوء و كونه محكوما بالحدث، و لا نفتى به للعدم بعد كونها من الأمارات كما اشرنا به فى المسألة 52.

و أمّا إن شك في الوضوء حال الصلاة فهل يجب عليه أن يتوضأ ثم يستأنف الصلاة، أو يجب إتمام الصلاة و عدم وجوب استيناف الصلاة بعد إتمامها بعد استيناف الوضوء، لكن لا يصح الاتيان بعد الصلاة بما يشترط فيه الوضوء، بل يجب استيناف الوضوء له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 319

أو تجرى قاعدة الفراغ فيجب إتمام الصلاة و لا يجب استينافها بل يصح الاتيان بعدها بكل ما يشترط فيه الوضوء احتمالات بل أقوال.

وجه الاحتمال الأوّل:

كون قاعدة التجاوز أصلا و لم تكن من الأصول المحرزة، أو و إن كانت من الأصول المحرزة تكون محرزيته محرزية حيثية، بمعنى الحيث الذي يكون شرطا للصلاة.

و في المقام نقول: أمّا وجوب الوضوء لما يجب فيه الوضوء فلكون محرزية القاعدة حيثية، فتفيد لخصوص الصلاة لا لغيرها، و امّا وجوب اعادة الوضوء و استيناف هذه

الصلاة فلأن الوضوء ليس له محل شرعى تجاوز عنه من باب عدم كون محلّه الشرعى قبل الصلاة، بل بعد ما يرى العقل اشتراط الوضوء في الصلاة يحكم باتيانه قبل الصلاة.

وجه الاحتمال الثاني:

شمول قاعدة التجاوز للمورد من باب دعوى أن محل الوضوء شرعا قبل الصلاة و بدخوله في الصلاة تجاوز عنه، و حيث إنّه تجاوز عنه و هي من الأصول المحرزة الحيثية، أعنى: من الحيث المربوط بالصلاة فيحرز بها الطّهارة لخصوص الصلاة، فيجب اتمام الصلاة و لا يجب استينافها، لكن يجب الوضوء لكل ما يأتي بعد ذلك مما اعتبر فيه الوضوء لأنّها مع كونها من الأصول المحرزة لا يحرز بها إلّا الوضوء من حيث شرط الصلاة لا الوضوء مطلقا و لو لغير الصلاة.

وجه الاحتمال الثالث:

هو أن قاعدة التجاوز و الفراغ إمّا من الامارات فيثبت بها لوازمها العقلية و العادية، و إمّا من الأصول المحرزة المطلقة فيثبت بها تحقق الجزء و الشرط مطلقا حتى بالنسبة إلى غير الصلاة.

فيقال: أما كون المورد مورد قاعدة التجاوز فلأنّ الشك في الوضوء و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 320

في أثناء الصلاة، لكن حيث تجاوز عن محلّه الشرعى، و هو قبل الصلاة، فتجرى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما مضى من الصلاة، و بعد جريانها يثبت بها و يحرز بها الشرط و هو الوضوء مطلقا، نظير استصحاب الطّهارة مع الشك في حدوث الحدث، فكما يكتفى بهذه الطّهارة المحرزة بالاستصحاب للصلاة يكتفى بها لكل ما هو مشروط بها من الاعمال، فعلى هذا يجب إتمام الصلاة و لا يجب استينافها و لا يجب الوضوء لكل عمل يشترط بالوضوء، بل يكتفى بهذه الطّهارة المحرزة من جريان قاعدة التجاوز في ما مضى من الصلاة.

[بيان امور]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إن الشك حيث يكون في مورد الكلام في الاثناء لا يكون مورد قاعدة الفراغ مسلّما لعدم كون الشك بعد الفراغ سواء كانت هي و قاعدة التجاوز قاعدتين مستقلتين أو قاعدة واحدة، بل إن كان موردا لاحدى القاعدتين فهى قاعدة التجاوز.

فما هو الحق في المقام يظهر بعد فهم امور يكون الحكم باحدى الاحتمالات الثلاثة المتقدمة موقوفا بفهمها.

الأمر الأوّل: حيث إن مورد قاعدة التجاوز هو التجاوز عن المشكوك

بالبيان الذي بيناه في رسالتنا في قاعدة الفراغ و التجاوز، فلا بد أو لا من فهم أنّ التجاوز تحقق فى المورد أم لا، فان قلنا ان معنى التجاوز هو التجاوز عن المحل من الشى، و قلنا بأن محل الشرعى من الوضوء هو قبل الصلاة، فقد حصل التجاوز عن الشرط المشكوك، و أمّا إن لم نقل بذلك بل قلنا إن الشرط هو الطهارة و هى محلها حال الصلاة، أو ان الشرط و ان كان محصّله و هو الغسلتان و المسحتان لكن ليس قبل الصلاة محلهما الشرعى، بل محلهما العقلى فلم يتحقق التجاوز، و حيث انا فى رسالتنا اخترنا الاول نقول بتحقق التجاوز.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 321

الأمر الثاني: بعد فرض كون المورد مورد قاعدة التجاوز

من حيث التجاوز عن المشكوك نقول: فعلى هذا بعد كون الشك في الوضوء في أثناء الصلاة و تجرى قاعدة التجاوز في كل جزء و شرط من الصلاة تجاوز عنه، فبالنسبة إلى ما مضى من الصلاة و إن كانت قاعدة التجاوز جارية و مقتضاها صحة ما مضى من الصلاة.

لكن الكلام فيما بقى من الصلاة، فإن قلنا بكون قاعدة التجاوز أمارة و اصلا محرزا مطلقا للصلاة و غيرها، أو قلنا بكونها أصلا محرزا حيثيا أعنى: يثبت الشرط و هو الوضوء من حيث الصلاة فلا إشكال في صحة الصلاة و وجوب إتمامها و عدم وجوب استينافها.

و كذا لو قلنا بكون قاعدة التجاوز أصلا من الأصول الغير المحرزة حتى ليست محرزة حيثية نظير أصالة البراءة، فلا يجب استيناف الصلاة بعد استيناف الوضوء فوجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها ليس مبنيا على كون القاعدة أمارة أو أصلا من الأصول المحرزة و إن كانت حيثية، بل يبنى على صدق التجاوز

و عدمه.

و نحن قد بيّنا فى رسالتنا فى القاعدة أن القاعدة على فرض كونها من الأصول فالأقوى كونها من الأصول المحرزة الحيثية، فنقول بوجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها.

الأمر الثالث: أن في قاعدة التجاوز و الفراغ كلاما

في أنهما هل تكونان من الامارات أو من الأصول و بناء على كونهما من الاصول هل من الاصول المحرزة أو من الأصول الغير المحرزة؟

و بناء على كونهما من الأصول المحرزة هل من الأصول المحرزة المطلقة، بمعنى أن مفاد دليلهما هو الحكم باحراز الشرط أو الجزء مطلقا حتى لغير ما تجاوز عنه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 322

عمله، أو من الأصول المحرزة الحيثية، بمعنى أنّه يحكم بمقتضاهما على وقوع المشكوك في خصوص ما تجاوز عنه.

فإن قلنا بكونهما من الامارات أو من الأصول المحرزة المطلقة، فنقول: كما يجب إتمام ما بيده من الصلاة في مفروض المسألة و عدم وجوب استيناف هذه الصلاة بعد استيناف الوضوء، نقول: بعدم وجوب الوضوء لكل عمل مشروط بالوضوء غير الصلاة.

و أمّا لو قلنا بكونهما من الأصول المحرزة الحيثية أو عدم كونهما من الأصول المحرزة رأسا يجب الوضوء لكل عمل مشروط به غير الصلاة.

فتلخص من كل ذلك أنّ مبنى القول باحتمال الاول و هو وجوب استيناف ما بيده من الصلاة بعد استيناف الوضوء هو إما القول بعدم كون المورد مورد قاعدة التجاوز لعدم التجاوز عن المشكوك بعدم كون محل الوضوء محلّه الشرعى قبل الصلاة، أو لبعض ما قال به بعض «1» شراح العروة و إن كان محلّه الشرعى قبل صلاة.

و مبنى الاحتمال الثاني هو أنه بعد ما تحقق التجاوز إن لم تكن قاعدة التجاوز من الأصول المحرزة حتى من الأصول المحرزة الحيثية، لكن ما مضى من الصلاة قد

صحت و تصح ما بقى منها و لا يجب استينافها، لأنّه بعد صدق التجاوز عن الشرط و هو الوضوء فهو واجد الشرط بمقتضى القاعدة.

و إمّا من باب أنّها من الأصول المحرزة الحيثية أو المطلقة، و إمّا من باب انها من الامارات، فعلى كل حال يجب اتمام الصلاة على هذا و لا يجب استينافها.

و مبنى القول و الاحتمال الثالث هو إما القول بأمارية قاعدة التجاوز أو القول

______________________________

(1) العلامة الآملى قدس سره. مصباح الهدى، ج 3، ص 540.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 323

بكونها من الأصول المحرزة المطلقة.

و نحن و إن قويّنا في رسالتنا أنها من الامارات لكن نقول في مقام العمل بأن الأحوط وجوبا هو استيناف الوضوء لكل عمل مشروط بالوضوء غير الصلاة التي بيده.

كما أنّه و إن كان الأقوى وجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها بعد الصلاة، لكن للجمع بين المحتملات نقول: الأحوط استحبابا اتمام الصلاة التي بيده و قد شك في أنّه مع الوضوء أم لا ثم استيناف الوضوء و استيناف الصلاة أيضا الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله.

***

[مسئلة 54: إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 54: إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا أو شرطا، أو أوجد مانعا، ثم تبدّل يقينه بالشك يبنى على الصحة عملا بقاعدة الفراغ، و لا يضرها اليقين بالبطلان بعد تبدّله بالشك و لو تيقّن بالصحة ثمّ شك فيها فأولى بجريان القاعدة.

(1)

أقول: لعدم فرق في شمول قاعدة الفراغ للشك بعد الفراغ بين ما كان (قبل) طرو الشك بعد الفراغ غافلا عن الصحة، و بين ما كان متيقنا بعد (الصلاة) بالبطلان ثم طرأ الشك.

لأنّ كلما كان الشك في الصحة من أجل ترك جزء أو شرط أو

فعل مانع، و لم يكن منشأ الشك إلّا عروض الغفلة و النسيان، فترك الجزء أو الشرط أو ايجاد المانع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 324

على فرض تركه أو فعله من باب الغفلة و النسيان يكون مورد القاعدة بلا فرق بين الصورتين.

كما أنّه لو تيقن الصحة بعد الفراغ ثم طرأ الشك يشمله قاعدة الفراغ، بل كما قال المؤلف رحمه اللّه يكون أولى بالشمول، إذا لم يكن في حالة اليقين شي ء يوهم منافاته مع الشك كما في صورة اليقين بالبطلان أولا ثم عروض الشك بعده و إن قلنا بعدم وجه للتوهم، فتشمل القاعدة لكل من الصورتين.

***

[مسئلة 55: إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 55: إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به و تمّم الوضوء، ثم علم أنّه كان غسله يحتمل الحكم ببطلان الوضوء من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد، لكن الأقوى صحته لأنّ الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى حتى في اليد اليسرى فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع، فهى محسوبة من الغسلة المستحبة و لا يضرّها نية الوجوب، لكن الأحوط اعادة الوضوء لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها، هذا و لو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة و صارت هذه ثالثة تعين البطلان لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

(1)

أقول: نذكر لفهم الحق في المقام امور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 325

الأوّل: لقد ذكرنا في مستحبات الوضوء أن (التاسع غسل كل من الوجه و اليدين مرّتين).

الثاني: أن الغسلة الثالثة حرام و تكون بدعة.

الثالث: لا يعتبر قصد الوجوب في الوضوء الواجب و لا الندب في الوضوء المندوب لا و صفا و لا غاية،

بل لو قصد أحدهما مكان الآخر يصح الوضوء إلّا إذا كان على وجه التقييد كما بينا تفصيله في طى الكلام في النية، و هي الشرط الثاني عشر.

إذا عرفت ذلك نقول:

أما في صورة علمه قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به و تمّم الوضوء، ثمّ علم أنّه كان غسله و كان ما أتى به كانت الغسلة الثانية.

فله فرضان فتارة يأتي به بداعى امتثال الامر الواقعى و إن كان يتخيل أن الأمر الواقعى هو الوجوب فلا إشكال في صحة وضوئه، لأنّه بعد كون الغسلة الثانية مستحبة فصارت هذه الغسلة مأمورا بها، و يكون من باب الاشتباه في التطبيق و لا يكون على هذا مسحه بالماء الجديد.

و تارة يكون على وجه التقييد بأن يقصد في هذه الغسلة (الآتية) بها من باب علمه أو شكه بعدم غسل يده، الأمر الواجب المتعلق بهذا الغسل مقيدا بكونه واجبا لا غير بحيث لو لا هذا الأمر لا يأتي بهذه الغسلة، ففي هذا الفرض بعد علمه بأنه غسل اليد اليسرى و لم يقع الغسلة الثانية مأمورا بها لا بداعى الأمر الوجوبى و لا الاستحبابى، وقع المسح كله أو بعضه بالماء الجديد.

و أمّا في صورة علمه أو شكه قبل تمام مسحات الوضوء أنّه ترك الغسل من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 326

اليد اليسرى مثلا فأتى به و غسلها و تمّم وضوئه فبعد الوضوء علم أن هذه الغسلة التي أوقعها كانت الغسلة الثالثة من باب علمه بأنه أتى قبلها غسلتان الاولى واجبة و الثانية مستحبة، فلا إشكال في بطلان الوضوء في هذه الصورة، لعدم كون الغسلة الواقعة ثالثة مأمورا بها بل كانت بدعة محرمة،

غاية الأمر لأجل جهله بذلك لم يكن عاصيا فوقعت المسحات بعضها أو كلها بالماء الجديد فبطل الوضوء.

و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة و السلام على رسوله و آله تمّ البحث و الكتابة في هذه البحث في اليوم الاثنين الخامس عشر من شهر ربيع الثاني من شهور 1397 من الهجرة النبويّة و انا العبد أقل خدمة اهل العلم على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد أعلى اللّه مقامه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 327

فصل: في أحكام الجبائر

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 329

قوله رحمه اللّه

فصل في أحكام الجبائر و هي الالواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الادوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل، فالجرح و نحوه إمّا مكشوف أو مجبور، و على التقديرين إمّا في موضع الغسل أو في موضع المسح، ثمّ إمّا على بعض العضو أو تمامه أو تمام الاعضاء، ثم إمّا يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن، فإن امكن ذلك بلا مشقة و لو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل و الجبيرة طاهرين، أو امكن تطهيرهما وجب ذلك، و إن لم يمكن إمّا لضرر الماء، أو للنجاسة و عدم امكان التطهير، أو لعدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها فإن كان مكشوفا يجب غسل أطرافه و وضع خرقة طاهرة عليه و المسح عليها مع الرطوبة، و إن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعيّن ذلك إن لم يمكن غسله كما هو المفروض، و إن لم يمكن وضع الخرقة أيضا اقتصر على غسل أطرافه، لكن الأحوط ضم

التيمم إليه، و إن كان في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 330

موضوع المسح و لم يمكن المسح عليه كذلك يجب وضع خرقة طاهرة و المسح عليها بنداوة، و إن لم يمكن سقط و ضم إليه التيمم، و إن كان مجبورا وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط و المسح على الجبيرة إن كانت طاهرة، أو امكن تطهيرها و إن كان في موضع الغسل، و الظاهر عدم تعيّن المسح حينئذ فيجوز الغسل أيضا، و الأحوط إجراء الماء عليها مع الامكان بإمرار اليد من دون قصد الغسل أو المسح، و لا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل و يلزم ان تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة و لا يكفى مجرد النداوة، نعم لا يلزم المداقة بإيصال الماء إلى الخلل و الفرج، بل يكفى صدق الاستيعاب عرفا، هذا كله إذا لم يمكن رفع الجبيرة و المسح على البشرة و إلّا فالأحوط تعينه بل لا يخلو عن قوة إذا لم يمكن غسله كما هو المفروض، و الأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة و على المحل أيضا بعد رفعها، و إن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر، فإن امكن وضع خرقة طاهرة عليها و مسحها يجب ذلك، و إن لم يمكن ذلك أيضا فالأحوط الجمع بين الاتمام بالاقتصار على غسل الاطراف و التيمم.

(1)

أقول: أمّا الجبائر لغة فهى جمع الجبيرة و هي من الجبر.

قال في مجمع «1» البحرين (و الجبر إصلاح العظم من الكسر إلى أن قال: و منه

______________________________

(1) مجمع البحرين، ص 236.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 331

الجبيرة على فعلية واحدة الجبائر و هي عيد ان يجير

بها العظام).

و قال في أقرب الموارد (الجبيرة العيد ان التي تجبر بها العظام).

و بعد ما عرفت من معناها اللغوى يظهر لك أن ما قاله المؤلف رحمه اللّه أو غيره من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم من أنها (الألواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الادوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل) يكون إما من باب دعوى الحقيقة الشرعية أو المتشرعة لها، أو من باب اتحادها حكما مع ما هو مفهومها اللغوى، و على كل حال نحن نكون تابع النصوص.

ثم اعلم أن مقتضى وجوب الغسلتين و المسحتين في الوضوء هو اتيانها في مقام امتثال أمر الوضوء مهما أمكن اتيانهما، و هذا المقدار مقتضى جزئيتهما، و لا نحتاج الى دليل زائد، و لو تعذر الغسل و المسح في موضعهما فكفاية شي ء آخر بدله محتاج إلى الدليل.

و أيضا قد مضى في الجهة الخامسة من الجهات المبحوث عنها في أول واجبات الوضوء أنّ الغسل المعتبر في الوضوء يحصل بمجرد استيلاء الماء على المحل و مسّ المحل بالماء و لا يعتبر أزيد من ذلك، فكان في ذكرك كى ينفعك إنشاء اللّه في بعض المباحث الآتية.

إذا عرفت ذلك ينبغى قبل الشروع و الورود في بيان حكم المسائل المذكورة في المتن من ذكر الأخبار المربوطة بالباب و بيان مفادها و بيان ما يمكن من معارضة بعضها مع بعض و وجه الجمع بينهما لكى يسهل إنشاء اللّه فهم حكم المسائل، فنقول بعونه تعالى: إنّ هنا

طوائف من الأخبار.

الطائفة الاولى: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب غسل البشرة

الواقعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 332

تحت الجبرة بإلقائها في الماء، و هي رواية واحدة رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء

فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال: إذا أراد ان يتوضأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه «1».

الطائفة الثانية: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب المسح على الجبيرة مطلقا.

منها ما رواها العياشى في تفسيره باسناده عن على بن أبي طالب عليه السلام قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء، قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده، فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لا تقتلوا انفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما «2».

و منها ما رواها الحسن بن على الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدّواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «3».

و مثلها رواية اخرى عنه عن ابي الحسن عليه السلام المذكورة في باب 37 من أبواب الوضوء من الوسائل و لعلهما واحدة، بل من القريب ذلك فراجع.

الطائفة الثالثة: ما يمكن أن يستدلّ بظاهرها على وجوب المسح على الجبيرة

إن كان يؤذيه الماء، و إن لم يؤذيه فلينزع الخرقة و ليغسل البشرة.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 333

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ، فقال: إذا كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها، قال: و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله قال:

اغسل ما حوله

«1».

و هل الحكم في ذيل الرواية من الأمر بغسل ما حوله الجرح ينافى مع التفصيل المذكور في صدرها، أو لا ينافى معه، لكون مورد الصدر مورد وجود الخرقة على القرحة، و مورد الذيل كون الجرح مكشوفا غير مستور بشي ء.

أقول: هذا الحمل لا يرفع التنافى لأن إطلاق الحكم بغسل ما حول الجرح ينافي مع وجوب نزع الخرقة و غسل موضع القرحة لو لم يؤذيه، لأنّ إطلاق الذيل يشمل حتى صورة امكان غسل الجرح من باب عدم كونه ايذاء به، مع أنّه لا يمكن الالتزام بعدم وجوب غسل موضع الجرح لو لم يكن ايذاء لوجوب غسل موضع الغسل في الوضوء مهما أمكن غسله.

فلا بد من حمل ذيل الرواية على بيان غسل ما حول الجرح لا في مقام بيان نفس الجرح، لبيان حكم نفس الجرح في الصدر لان الجرح مثل القرح و لا فرق بينهما.

أو أن يقال بإجمال الذيل فلا يمكن استفادة حكم منه خلاف الصدر لكونه نصا في التفصيل في مورد موضع القرحة المشدودة بالجبيرة أو ما بحكمها.

و منها ما رواها عبد الاعلى مولى ال سام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عثرت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 334

فانقطع ظفرى فجعلت على إصبعى مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عزّ و جلّ (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه «1».

و منها ما رواها الكليب الاسدى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة قال: إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ «2».

و بهذه الطائفة-

المفصّلة بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف على النفس فليمسح على الجبيرة، و بين صورة عدمه فلينزع الجبيرة و ليغسل الموضع بالمنطوق في الرواية الاولى و المفهوم في الثانية و الثالثة- تقيد الطائفة الاولى الدالة بإطلاقها على وجوب إيصال الماء بموضع الجبيرة، و الطائفة الثانية الدالة بإطلاقها على اجزاء المسح على الجبيرة أو على الدواء على فرض إطلاقهما فلا تعارض بين هذه الطوائف الثلاثة.

و موضوع الحكم في الطائفة الثانية و إن كانت الجبيرة في روايتها الاولى و الدواء في روايتها الثانية فتقيّد بالطائفة الثالثة، لأن روايتها الاولى تدلّ على التفصيل فى الجرح و نحوه فيشمل قوله (و نحو ذلك) للدواء الموضوع على محل الجرح و غيره.

الطائفة الرابعة: ما يمكن أن يستدلّ بها على عدم وجوب المسح على الجبيرة

أو الخرقة الملتصقة بالجراحة على فرض كونها معصبة بها بل يكفي غسل ما حولها.

و هي ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 335

الكسير تكون عليه الجبائر، أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة فقال: يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك ما لا يستطيع غسله و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته «1».

و مورد الرواية كما ترى موردا يكون عليه الجبائر و الموضع مشغولا بها و مع ذلك قال (يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك) يعنى يغسل ما حول الجبيرة و يدع الجبيرة و الجراحة، فتعارض

الرواية مع الطائفة الثالثة الآمرة بمسح الجبيرة مع الايذاء أو العسر أو الخوف مع فرض كون المحل مشغولا بالجبيرة.

أقول: أولا ما يأتي بالنظر هو كون الرواية في مقام بيان عدم لزوم نزع الجبيرة و العبث بالجراحة مع عدم الاستطاعة و التمكن من غسل موضع الجبيرة، و ليس في مقام بيان أنّه مع عدم النزع يكون ما هو تكليف ظاهر الجبيرة من حيث وجوب المسح عليه و عدمه أصلا، و بعد عدم كونها في مقام بيان ذلك فلا يكون تعارض بينها و بين الطائفة الثالثة أصلا.

و ثانيا على فرض إطلاق لها من هذا الحيث بمعنى أنّه يقال: نفهم من سكوته عن المسح عدم اعتباره.

نقول: إن غاية الأمر هو السكوت عن حكم نفس الجبيرة من حيث المسح و عدمه، و لا ينفى بلسانه وجوب المسح على الجبيرة فنقول: إنّها لا تعارض مع الطائفة الثالثة التي نصت فى وجوب مسح الجبيرة في صورة الإيذاء، فنقيّد اطلاقها بهذه الطائفة إن كان له الاطلاق و الحال أن السكوت عن الشي ء غير إطلاق الشي ء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 336

فنقول: بوجوب المسح لاجل ما دل على وجوبه في صورة الإيذاء أو الحرج و الخوف من نزع الجبيرة، فبهذا يرتفع التعارض المتوهم بينهما.

الطائفة الخامسة: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب غسل ما حول الجبيرة مطلقا

سواء كان عليه الجبيرة أولا، و عدم غسل موضع الجبيرة أو مسحه.

منها ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله «1».

و منها ذيل الرواية الاولى من الطائفة الثالثة و هو (و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال

اغسل ما حوله) «2» بناء على كون سؤال الذيل عن الجرح و كون الجواب الأمر بغسل ما حوله، فتدل على عدم وجوب غسل نفس الجرح أو مسحه أو وضع الخرقة عليه و مسحها.

و على كل حال ربّما يقال بتعارض هذه الطائفة مع الطائفة الثالثة، لدلالة هذه الطائفة، أعنى: الطائفة الثالثة، على وجوب مسح الجبيرة في صورة الإيذاء، و غسل نفس موضع الجبيرة في صورة عدم الإيذاء، و دلالة هذه الطائفة، أعنى: الطائفة الخامسة، على وجوب غسل ما حول الجبيرة، و يستفاد منها عدم وجوب مسح الجبيرة في صورة ايذائه لغسل موضع الجبيرة و عدم وجوب نزعها و غسل الموضع في صورة عدم الإيذاء فيقع بينهما التعارض.

اعلم أن هنا كلاما من حيث أن هاتين الروايتين- اعنى: رواية عبد اللّه بن سنان و ذيل رواية الحلبى- هل يكون موردهما خصوص ما يكون الجرح مكشوفا

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 337

و لم يكن عليه شي ء من الجبيرة أو غيرها، أو انهما مطلقتان تشملان بإطلاقهما صورة وجود الجبيرة و عدمه.

و الانصاف أنهما مطلقان من هذا الحيث، لأن السؤال عن الجرح، و له فردان فرد مستور بالجبيرة و فرد مكشوف ليس عليه الجبيرة.

و على فرض إطلاقهما يدور الأمر بين أن نقول بتقييد هذه الطائفة بالطائفة الثالثة فتكون النتيجة أنّه فيما يكون الموضع مشدودا بالجبيرة و نحوها نقول بمسح الجبيرة فيما يكون نزع الجبيرة و غسل الموضع إيذاء، و نقول بوجوب نزع الجبيرة و غسل الوضع لو لم يوجب الإيذاء.

و أمّا فيما لا يكون المحل مستورا بالجبيرة

يكفى غسل ما حول الجبيرة و لا يجب غسل موضع الجبيرة و لا مسحها و لا وضع خرفة و المسح عليها.

و بين أن يقال: بأن غاية ما يستفاد من الطائفة الخامسة هو وجوب غسل ما حول الجبيرة و سكوتها عن بيان الوظيفة للجبيرة.

و بعد بيان وظيفة من عليه الجبيرة في الطائفة الثالثة من التفصيل المتقدم نقول به، فلا تعارض بينهما في صورة وجود الجبيرة على المحل.

و أمّا في صورة كشف الجبيرة نقول بأنه مع عدم الضرر يجب غسل المحل بمقتضى القاعدة الأولية التي بيّنا في صدر البحث.

و أمّا مع الضرر فهل يجب وضع خرقة و مسحها من باب أن يقال: إن المستفاد من الطائفة الرابعة هو عدم رفع الشارع يده من جزئية الموضع، غاية الأمر إن امكن فبنفسه و هو غسله، و إلّا فببدله و هو المسح على الخرقة الموضوعة عليه.

أو يقال بوجوب التيمم في هذه الصورة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 338

و إذا دار الأمر بين أحد الجمعين لرفع التعارض بين الطائفة الثالثة و الخامسة يكون الجمع الثاني أولى لعدم تصرف بمقتضى هذا الجمع في الطائفة الخامسة أصلا، بل هي تفيد حكما و هو غسل ما حول الجبيرة و لا يعارضها شي ء و الطائفة الثالثة تفيد شيئا آخر، و هو غسل موضع الجبيرة مع عدم الإيذاء، و مسح الجبيرة مع الإيذاء.

فتكون نتيجة الجمع بين الأخبار إلى هنا أنه إن كان على الموضع المكسور أو القرح أو الجرح جبيره أو غيرها.

فتارة يمكن نزعها لعدم إيذاء و حرج و خوف يجب نزعها و غسل موضع الجبيرة.

و تارة لم يمكن نزعها لايذاء أو حرج أو خوف على نفسه يجب المسح على الجبيرة، و يجب

غسل ما حول الجبيرة على كل حال.

و إن لم يكن على الموضع جبيرة فإن امكن الغسل لعدم خوف و حرج و ايذاء يجب غسله بمقتضى جزئيته و لدلالة الطائفة الاولى عليه.

و إن لم يمكن غسله لأحد الموانع و أمكن وضع الخرقة عليه و المسح عليه و لم يكن إيذاء، فهل يجب ذلك من باب دعوى أن المستفاد من الطائفة الثالثة هو عدم رفع الشارع يده بالكلية عن ما وجب على الموضع إمّا بنفسه أو ببدله، فاذا لا يتمكن من غسل نفس الموضع يضع الخرقة و يمسح عليه و هذا مقتضى قاعدة الميسور.

أو يقال بعدم دلالة هذه الطائفة على ذلك و عدم تمامية قاعدة الميسور فيجب التيمم في هذه الصورة، لا يبعد الثاني.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 339

الى هنا بينا لك ما يستفاد من مجموع أخبار الجبيرة و ضم بعضها ببعض و جمع بعضها مع بعض.

الطائفة السادسة: بعض الأخبار الواردة في التيمم،

و يمكن تعارضها مع الأخبار الواردة في الجبيرة نذكرها لك إنشاء اللّه.

منها ما رواها محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه الا سالوا الا يمموه، إن شفاء العى السؤال «1».

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه الا سئلوا فإن دواء العى السؤال «2».

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

يتيمم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته جنابة «3».

و منها ما رواها جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل، فاغتسل فكزّ فمات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: قتلوه قتلهم اللّه، إنّما كان دواء العي السؤال «4».

و منها ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح او جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 340

و تيمّم «1».

و منها ما رواها داود بن السرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصيبه الجنابة و به جروح او قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل و يتمّم «2».

و هذه الأخبار كما ترى يكون مورد كلها الغسل و لا تعرض فيها عن الوضوء.

و يقال إن ظاهر هذه الطائفة من الأخبار وجوب التيمم على من كان عليه الجدرى أو الجرح أو القرح، فيعارض بمدلولها مع أخبار الجبيرة الدالة على وجوب الوضوء و الغسل مع الكسر و الجرح و القرح، فكيف التوفيق بينهما، و قد ذكر في مقام

الجمع بينهما وجوه:

الوجه الأوّل: حمل الطوائف الخمسة المتقدمة من الأخبار الواردة في الجبيرة على الوضوء

و حمل هذه الطائفة السادسة الواردة في التيمم على الغسل، فيقال يؤخذ بمفاد هذه الطوائف في الوضوء و بمفاد هذه الطائفة في الغسل.

و فيه لو كان مورد أخبار الجبيرة الوضوء، أو كان مطلقا يمكن أن

يقال: بأن أخبار الجبيرة في الوضوء، و أخبار التيمم في الغسل، أو يقيّد إطلاق اخبار الجبيرة بهذه الأخبار.

و لكن بعد التصريح في بعض روايات الجبيرة- مثل الرواية التي رواها في تفسير العياشى من الطائفة الثانية، و رواية عبد الرحمن من الطائفة الرابعة- بالغسل و أنّه يمسح الجبيرة أو يغسل ما حولها في الغسل فلا يمكن الجمع بهذا النحو.

الوجه الثاني: حمل أخبار التيمم على الجرح و القرح

و الكسر المستوعب

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 341

و حمل أخبار الجبيرة على غير المستوعب.

و فيه أن ظاهر بعض أخبار التيمم غير المستوعب فكيف يحمل على المستوعب.

الوجه الثالث: حمل أخبار التيمم على غير من عليه الجبيرة، و حمل أخبار الجبيرة على من عليه الجبيرة.

و فيه أنّه إن كان النظر إلى حمل أخبار الجبيرة على خصوص الجبيرة لا على القرح و الجرح فإن بعضها نص فيهما، و إن كان النظر إلى حملها على من عليه الجبيرة و الجرح و القرح، و أخبار التيمم على غيرها، فبعض أخبار التيمم نص فيهما، فلا يتم هذا الجمع.

الوجه الرابع: حمل الأمر في كل من الطائفتين على التخيير،

فتكون النتيجة تخيير المكلف بين الأخذ بما في أخبار الجبيرة و الوضوء و الغسل بهذه الكيفية و بين التيمم.

و فيه أنّ ذلك ينافي مع ظهور الأمر في كل من الطائفتين فى التعيين، مضافا إلى بعد كون الطّهارة الترابية مجعولا في عرض الطّهارة المائية.

الوجه الخامس: أن يقال في مقام الجمع بين الأخبار

الواردة في الجبيرة و بين الأخبار الواردة في التيمم، بحمل أخبار التيمم على صورة التضرر بالغسل الصحيح، و حمل أخبار الجبيرة على غير هذه الصورة، يعنى: عدم تضرره بالغسل الصحيح، و قريب كما اختاره العلامة الهمدانى رحمه اللّه.

بيانه أن المستفاد من أخبار الجبيرة و موردها وجوب غسل ما عدا موضع الجبيرة، و مسح ظاهر الجبيرة إن كان عليه الجبيرة فعلا فيما لم يتمكن من إيصال الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 342

إلى ما تحتها لخوف أو حرج أو إيذاء على نفسه.

و إن لم يكن على موضع الكسر أو الجرح أو القرح جبيرة أو غيرها، و كان مكشوفا يجب غسل ما حول الجبيرة بشرط الاستطاعة عن استعمال الماء في غير موضع الجبيرة من حولها أو مواضع الآخر من الوضوء أو الغسل.

و أمّا من يتضرر باستعمال الماء مطلقا، أو من غسل خصوص ما حول الجبيرة أو الجرح، أو تعذر تطهير الموضع للغسل الصحيح، فلا يستفاد حكمه من أخبار الجبيرة.

فأخبار التيمم بالنسبة إلى غير مورد كون الجبيرة على الموضع الذي حكمه مسح ظاهر الجبيرة، و غير مورد كشف موضع الجبيرة الذي يجب غسل ما حوله في صورة عدم الضرر، يكون بلا مزاحم.

و بعبارة اخرى مورد التيمم صورة وجود الضرر عن استعمال الماء مطلقا، و صورة كون غسل خصوص ما حول الجبيرة ضرريا، و صورة تعذر تطهير موضع الجبيرة لغسله الصحيح.

و ليست

واحدة من هذه الصور مورد الجبيرة فلا تعارض بين الطائفتين.

بل لو لم تكن هذه الأخبار الخاصة دالة على وجوب التيمم لقلنا بوجوبه بمقتضى الأدلّة العامة الواردة في وجوب التيمم.

أقول: و هذا الجمع و إن تمّ، لكن لا بد من تصرف فى أخبار الجبيرة لأنّ حمل ما دل منها على غسل ما حول الجبيرة بخصوص صورة كونه مستطيعا على ايصال الماء بموضع الجبيرة بعد إطلاقه من هذا الحيث لا بدّ و أن يكون بقرينة أخبار التيمم، لأنّه بعد كون مفادها التيمم فيما إذا كان استعمال الماء ضرريا لا بد من تقيد أخبار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 343

الجبيرة الدالة على وجوب غسل ما حولها على صورة عدم الضرر.

و مع هذا نقول: انّ هذا الجمع لا يساعد مع ظاهر أخبار التيمم، لأنّ ظاهر اخبارها ورودها مورد الكسير و القرح و الجرح فى قبال الخوف على الضرر كما يظهر من رواية احمد بن أبى نصر، و هذا الجمع لا يلاحظ فيه هذه الجهة أصلا، بل لوحظ أدلته العامة الدالة على مشروعية التيمم مع الضرر فى استعمال الماء، و لهذا قال: إن الطائفتين ورد كل واحد منهما فى غير ما ورد الاخر، و الحال أنّه ليس كذلك لأنّه يبقى مورد آخر و هو مورد كشف موضع الجبيرة مع كون غسله ضرريا، و عدم كون وضع الخرقة عليه و مسح الخرقة ضرريا، فهل يجب وضع الخرقة و مسحها، أو يجب التيمم، أو لا يجب شي ء منهما.

أما وضع الخرقة و المسح عليها فلا دليل عليه، لأنّ مورد المسح على الجبيرة أو الدواء أو الخرقة على ما يظهر من بعض الطوائف المتقدمة من الأخبار في الجبيرة هو ما

كانت الجبيرة موضوعة على المحل، و امّا شموله لصورة عدم كونها على المحل من وجوب الوضع عليها أو مسحها فلا يستفاد من الأخبار.

و أمّا التمسك بقاعدة الميسور مضافا إلى عدم تماميتها على ما بينّا في الأصول لا مجال للتمسك بها في المقام، لأنّه بعد كون إيصال الماء ضرريا للمحل يكون مورد التيمم بمقتضى الدليل، فلا تصل النوبة بقاعدة الميسور.

أما عدم وجوب شي ء عليه- بمعنى: كفاية غسل ما حول الجبيرة مع عدم غسل الموضع، و لا وضع الخرقة عليه و المسح عليها، و كفاية الوضوء بهذا النحو- فلازمه إلغاء جزئية هذا الموضع في الوضوء، و الالتزام به مشكل، فالأقوى انتقال التكليف بالتيمم في هذا المورد.

الوجه السادس: و هو ما يأتي بنظرى القاصر حمل أخبار الجبيرة،

كما عرفت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 344

من بيان مفادها باختلاف ألسنتها، على صورة كون المحل مشغولا بالجبيرة، و بعبارة اخرى على من عليه الجبيرة و بيان حكمها و حكم ما حول الجبيرة.

و حمل أخبار التيمم على من كان عليه الكسر أو الجرح أو القرح لكن لا يكون عليه الجبيرة أو غيرها.

فتكون النتيجة أن من كان مكسورا أو به الجرح أو القرح، فتارة يكون عليه الجبيرة، فعلا يجب المسح على الجبيرة فيما يؤذيه نزع الجبيرة و غسل المحل، و يجب غسل ما حول الجبيرة.

و تارة لم يكن فعلا على كسره أو جرحه أو قرحه الجبيرة فإن كان الماء مضرا له يتيمم و إن لم يكن مضرا يجب غسل المحل و الوضوء أو الغسل.

إن قلت: على هذا لا يستفاد حكم غير موضع الجبيرة فيما يكون استعمال الماء مضرا له من هذه الأخبار، و أمّا على الجمع بالوجه الخامس يستفاد حكمه منها.

قلت: إن الاخبار المتقدمة- كلها سواء ما ورد

في كيفية الوضوء أو الغسل لذي الجبيرة و سواء ما ورد في التيمم- ترى أنها واردة فيمن يكون ذا الجبيرة أو ما بحكمها من الخرقة أو الدواء المشدودة على القرح و الجرح، و بيان حكمها على اختلاف بين الطائفتين بحسب الظاهر في حكمها، فعلى هذا لا بدّ في مقام الجمع من حفظ خصوصية الجبيرة و الجمع بين الأخبار.

و الجمع الخامس حمل أخبار التيمم على ما تقتضيه القواعد الكلية، مثل دليل لا حرج و غيره على وجوب التيمم فيما إذا كان ضرريا، بدون مراعاة خصوص مورد الجبيرة و الحال أن الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب التيمم واردة في خصوص المجدور أو المكسور أو من به القرح و الجرح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 345

و إن قلنا بالتمسك بها على وجوب التيمم في مطلق الخوف و الضرر على النفس نقول بالتعدى عن مورد الأخبار بكل مورد ضررى و خوف على النفس كما قال به العلامة الهمدانى رحمه اللّه أيضا في التيمم.

و أمّا الجمع الذي ذكرناه فمع حفظ خصوصية مورد الأخبار نجمع بينهما بحمل إطلاق أخبار التيمم على غير مورد الجبيرة.

و مع ذلك نستشهد بهذه الأخبار على وجوب التيمم في ما بقى من أعضاء الوضوء و الغسل من حول الجبيرة أو غيرها إذا كان استعمال الماء ضرريا لما نرى من كون منشأ حكم الشارع بوجوب التيمم في مورد الجدرى و الكسير و المقروح و المجروح يكون من باب كون استعمال الماء ضرريا، فنقول بوجوب التيمم في كل مورد يكون الوضوء أو الغسل ضرريا.

[حاصل الجمع بين الروايات]

اشارة

هذا تمام الكلام في الروايات، فنقول: إن حاصل ما استظهرنا من مجموع الروايات بعد ضم بعضها ببعض و جمع بعضها مع بعض

أمور:

الأوّل: إذا كان على مواضع الوضوء جبيرة أو ما بحكمها فعلا

فإن امكن نزعها و غسل المحل، أو إيصال الماء عليه بدون نزع الجبيرة و لم يكن إيذاء يجب ذلك.

الثانى: و إن لم يمكن ذلك لايذاء أو حرج أو خوف

يجب المسح على الجبيرة أو ما بحكمها.

الثالث: و إن لم يكن عليه الجبيرة أو ما في حكمها

و كان المحل مكشوفا يجب غسل ما حوله.

الرابع: و أمّا نفس الموضع

فإن لم يكن غسله و ايصال الماء إليه مضرا يجب غسله، و إن كان مضرا يجب التيمم بناء على عدم سقوط جزئية المحل و عدم وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 346

وضع الخرقة عليه و المسح على الخرقة الموضوعة عليها إذا لم يكن ضرريا و أمكن ذلك.

الخامس: و أمّا إذا كان استعمال الماء ضرريا مطلقا،

أو لغسل ما حول الجبيرة أو لغسل بعض الآخر من مواضع الوضوء يجب التيمم، و يأتي بعض الكلام إنشاء اللّه في مبحث التيمم.

[صور المسألة]

اشارة

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: قال المؤلف رحمه اللّه:

(فالجرح و نحوه إمّا مكشوف أو مجبور و على التقديرين إمّا في موضع الغسل أو في موضع المسح، ثم إمّا على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء، ثم إما يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن).

فالصورة الاولى: ما إذا أمكن ذلك بلا مشقة

و لو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل و الجبيرة طاهرين، أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك.)

وجه الوجوب واضح، لأنّه بعد فرض جزئية المحل للوضوء غسلا أو مسحا يجب غسله و مسحه لكونه جزء الواجب، فوجوب غسل المحل أو مسحه يكون بمقتضى القاعدة مضافا إلى دلالة بعض الروايات المتقدمة منطوقا أو مفهوما على ذلك.

و أمّا أنّه يكفى في مقام غسله أو مسحه مجرد ايصال الماء إليه و لو بتكرار الماء أو وضعه في الماء حتى يصل الماء إليه إذا كان عليه الجبيرة، فلما قلنا في الجهة الخامسة من الجهات المبحوث عنها في أوّل أفعال الوضوء من كفاية مجرد ايصال الماء و مسّ الموضع بالماء في مقام الغسل في الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 347

و أمّا اشتراط كون المحل طاهرا و كذا الجبيرة إن كانت موضوعة عليه فلما مضى في شرائط الوضوء من اشتراط طهارة محل الوضوء.

الصورة الثانية: ما لا يمكن غسل المحل أو مسحه لضرر الماء

أو للنجاسة و عدم إمكان التطهير، أو لعدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة، فتارة يكون المحل مكشوفا، و تارة يكون مستورا، فالكلام في موردين.

و قبل التكلم فى حكم الموردين ينبغى الكلام في أنّه هل الأحكام الآتية في الموردين تعم كلا من الفروض الثلاثة:

فرض كون منشأ عدم إمكان غسل المحل أو مسحه لزوم الضرر، و فرض كونه لنجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان التطهير، و فرض عدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة، أو لا

فنقول بعونه تعالى: أما إذا كان منشأ عدم امكان ايصال الماء الضرر فهو مورد اخبار الجبيرة كما عرفت، لأنّ الروايات المفصلة منها لسانها منطوقا أو مفهوما هو

التفصيل بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف و بين غيرها، فمع الضرر لا يجب غسل المحل و مسحه، بل يكون مورد الأحكام الآتية.

و أمّا إذا كان منشأ عدم امكان غسل المحل أو مسحه نجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان تطهير هما، فهل يكون مثل الفرض الأوّل أعنى: مثل كون ايصال الماء إلى المحل ضرريا أو لا؟

أقول: و لا بد و أن يكون مفروض الكلام في هذا الفرض على كون منشأ عدم امكان غسل المحل أو مسحه لنجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان تطهيرهما من باب كون تطهيرهما ليس ضرريا، لأنّه لو كان ضرريّا فهو داخل فى الفرض الأوّل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 348

بل لا بدّ و أن يكون منشأ عدم امكان التطهير أمرا آخر غير الضرر، مثل ما يوجب التطهير تضاعف النجاسة، أو كان حرجا أو مشقة عليه و لو لم يكن ضرريا.

ثم بعد ذلك نقول: قد يتمسك بإلحاق هذا الفرض بالفرض الأوّل من باب دعوى عدم الخلاف في كونه مثله، فإن استكشف اجماع تعبدى فهو و إلّا فمجرد عدم الخلاف لا يكفى كونه مستندا لإمكان كون ذهابهم إليه من باب استفادة ذلك من بعض أخبار الباب.

كما أنّه ربّما يتمسك على الالحاق بالفرض الأوّل بالروايات الثلاثة المفصّلة بين امكان نزع الجبيرة و عدم امكانه، و يقال: إنّه لا يمكن في هذا الفرض نزع الجبيرة.

فأقول: إن كان عدم امكان التطهير لأجل الضرر و أو للحرج أو لخوف على نفسه فيستفاد حكمه من الأخبار المفصلة، لأنّ موردها أحد هذه الامور.

و أمّا لو لم يكن منشأ عدم امكان التطهير أحد هذه الأمور، مثل أن يكون التطهير موجبا لتضاعف النجاسة فلا تشمله

هذه الأخبار.

فعلى هذا الاقوى كون المورد مورد التيمم.

نعم في مقام العمل مقتضى الاحتياط الجمع بين ما نذكر إنشاء اللّه من الاحكام الآتية مع ضم التيمم.

و مثل هذا الفرض فى الحكم و الاحتياط الفرض الثالث، و هو ما لا يمكن إيصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها.

[الكلام إلى التكلم في الصورة الثانية]

اشارة

إذا عرفت ذلك نعطف عنان الكلام إلى التكلم في الصورة الثانية في الموردين.

المورد الأوّل: ما كان المحل مكشوفا
اشارة

و لم يكن عليه الجبيرة أو ما بحكمها، ففيها جهات من البحث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 349

الجهة الاولى: يقع الكلام في وجوب غسل ما حول المحل

فنقول: إن لم يكن غسله ضرريا يجب غسله لدلالة طائفة من الروايات المتقدمة عليه، و إن كان ضرريا يجب التيمم، لكون هذا من جملة موارد التيمم كما بيّناه.

الجهة الثانية: إن أمكن غسل المحل بالنحو الواجب

و لم يكن ضرريا مع إمكان تطهيره يجب لما قلنا من كونه مقتضى جزئيته، و ما دل على غسل ما حول الجبيرة ساكت عن حكم المحل.

الجهة الثالثة: إن لم يمكن غسل المحل بالنحو الواجب،

لكن يمكن مسحه لعدم كون المسح ضرريا، هل يكتفى بالمسح بدل الغسل إذا كان موضع الجبيرة في موضع الغسل، أو يسقط المحل عن الجزئية، أو يجب التيمم؟

أقول: وجه كفاية المسح في المورد دعوى استفادة ذلك من الأخبار المفصلة بين صورة الايذاء و عدم الإيذاء في ايصال الماء بالمحل في صورة وجود الجبيرة على المحل، و الحكم بمسح الجبيرة في الصورة الاولى.

لأنّه يظهر من هذا التفصيل كون المطلوب هو الوضوء و الغسل في محل الجبيرة امّا بغسل نفسه أو بمسح ما عليه من الجبيرة، فكما قلنا بذلك في من عليه الجبيرة نقول فى من لم يكن عليه الجبيرة بكفاية المسح، لأنّ المستفاد من الادلة المفصّلة كون المسح بدلا عن الغسل لا الاكتفاء بالمسح على الجبيرة الموضوعة على الكسر أو الجرح أو القرح أو لقاعدة الميسور لكون المسح على الخرقة الموضوعة على محل الغسل ميسوره.

وجه عدم الكفاية هو أن حكم الشارع بمسح ظاهر الجبيرة لمن عليه الخرقة في صورة إيذاء غسل المحل حكم تعبدى في مورد خاص و لا وجه للتعدى إلى غير المورد، و أمّا قاعدة الميسور فلا تتم عندنا كما بينا فى الأصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 350

و وجه عدم الجزئية دلالة أخبار وجوب غسل ما حول الجبيرة على عدم غسل موضع الجبيرة و كون المسح ميسور غسل المحل غير معلوم بل ميسوره غسل ظاهر الجبيرة لا محلها.

و فيه كما بيّنا هذه الأخبار ساكتة عن حكم موضع الجبيرة مضافا إلى بعد سقوط جزئية المحل

عن جزئيته للوضوء.

فإذا الأقوى وجوب التيمم في هذه الصورة خصوصا على ما بينا فى مقام الجمع بين أخبار الجبيرة و بين أخبار التيمم بحمل الأوّل على من عليه الجبيرة فعلا و حمل الثاني على من ليس على جرحه الجبيرة فعلا، فمع كشف محل الجبيرة و الضرر في ايصال الماء بنحو الغسل عليه يكون مورد التيمم.

نعم الاحوط الوضوء بمسح المحل بالماء في الوضوء ثم ضم التيمم.

الجهة الرابعة: إذا كان الغسل في صورة كشف الجرح ضرريّا،

لكن وضع الخرقة على المحل و مسح الخرقة لا يكون ضرريا، فهل يجب الوضوء بهذه الكيفية، أعنى: بوضع الخرقة على المحل المجبور و مسحه، أو يسقط المحل عن الجزئية في الوضوء في هذا الحال، أو يجب التيمم؟

وجه وجوب وضع الخرقة و المسح عليه استفادته من الأخبار المفصلة في صورة وجود الجبيرة على المحل بين صورة الايذاء و عدمه في كفاية المسح على وجود الجبيرة في الأوّل و غسل المحل في الثاني بأن المستفاد منها عدم سقوط التكليف بالكلية، بل يجب إمّا غسل المحل أو مسح ما يجعل عليه من وجود الجبيرة و بقاعدة الميسور.

و فيه ما قلنا في الجهة الثالثة من أن الحكم بالتفصيل في صورة وجود الجبيرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 351

حكم تعبدى و لا وجه للتعدى من مورده إلى غيره، و عدم تمامية قاعدة الميسور مضافا إلى أن كون المسح على الخرقة ميسور الغسل على المحل عرفا غير معلوم.

وجه عدم وجوب المسح الخرقة الموضوعة و الاكتفاء في الوضوء بغسل ما حول الجبيرة دلالة الأخبار الدالة على غسل ما حول الجبيرة على عدم وجوب غسل المحل أو مسحه.

و فيه ما عرفت من ان هذه الروايات ساكتة من حيث حكم المحل، فلا وجه للتمسك بها

مضافا إلى أنّه لو فرض إطلاق لها لا بدّ من تقييدها و قد مضى الكلام فيه عند ذكر الأخبار.

فالأقوى وجوب التيمم في هذا الحال لكون غسل المحل ضرريا و يكون خارجا عن مورد أخبار الجبيرة، و الأحوط وضع الخرقة و المسح عليه ثم ضم التيمم به.

الجهة الخامسة: إذا كان موضع الكسر أو الجرح او القرح مكشوفا

و لا يمكن غسله و لا مسحه و لا وضع الحزقة عليه و المسح عليها، هل يكفى في الوضوء بغسل ما حوله و يصح الوضوء، أو يكون المورد مورد التيمم؟

وجه الاكتفاء بغسل ما حول موضع الكسر أو القرح أو الجرح و صحة الوضوء هو ما ذكرنا من الأخبار الدالة على غسل ما حول الجبيرة.

و فيه ما بينا مكررا من عدم كون هذه الأخبار لبيان حكم المحل و ساكت عنه بل تكون في مقام بيان غسل ما حوله مضافا إلى انّه لو فرض له إطلاق لا بد من تقييدها كما عرفت.

فالأقوى وجوب التيمم في هذا الفرض، و الأحوط الوضوء بغسل ما حول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 352

المحل ثم التيمم.

الجهة السادسة: لو كان الكسر أو الجرح أو القرح في موضع المسح

و كان مكشوفا فحكمه حكم كونه في موضع الغسل فى الجهات المبحوثة المتقدمة.

المورد الثاني: ما يكون محل الكسر أو الجرح و القرح مستورا
اشارة

فعلا بالجبيرة أو ما بحكمها، و الكلام فيه في جهات:

الجهة الاولى: يجب غسل أطراف موضع الجبيرة

لأن هذا مقتضى جزئيتها للوضوء فيجب غسلها في الوضوء، و كذلك فى الغسل مع مراعات ساير الشرائط المعتبرة فيهما.

الجهة الثانية: يجب مسح الجبيرة

و إن كانت في موضع الغسل إن كانت الجبيرة طاهرة أو أمكنت طهارتها.

أمّا وجوب المسح حتى إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل فلدلالة إطلاق الطائفة الثانية و الطائفة الثالثة على ذلك بمعنى أن إطلاق وجوب المسح يقتضي وجوبه تعيينا في موضع الغسل من الوضوء أو في موضع مسحه.

و قد يقال: بوجوب الغسل إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل بدعوى أنّ مقتضى ظاهر النصوص بدلية الجبيرة عن المحل فحكمها حكم المحل من حيث وجوب الغسل و المسح.

و فيه أنّه إن كان المذكور في الأدلّة مجرد كون الجبيرة بدلا عن المحل و لم يذكر فيها ما هو الوظيفة من الغسل أو المسح كان لما قيل مجال.

و لكن بعد التصريح في الأخبار بوجوب المسح للأمر به يكون ما قيل اجتهاد في مقابل النص، فلا وجه لوجوب الغسل، بل يجب المسح على الجبيرة و إن كانت في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 353

موضع الغسل.

كما أن ما قد يقال بأنه كما يجتزى بالمسح يجتزى بالغسل إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل من الوضوء و نتيجته التخيير بين الغسل و بين المسح في صورة كون الجبيرة في محل الغسل.

إما بدعوى أن المستفاد من النصوص ايصال البلل إلى الجبيرة و يساعده مع ارتكازه العرفى كون السؤال في بعض الأخبار عن إجزاء المسح هو مجرد ايصال البلل من دون دخل خصوصية إمرار اليد.

و إمّا بأن الأمر بالمسح يكون واردا في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه إلّا جوازه لا وجوبه.

و إمّا لما ورد في روايتى العياشى و الحسن بن على

الوشاء من التعبير بالاجزاء لأنّه قال في الاولى (يجزيه المسح عليها) و في الثانية (أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم، يجزيه يمسح عليه) و مقتضى الاجزاء هو الاكتفاء بالمسح لا وجوبه فكما يجوز المسح على الجبيرة يجوز غسلها.

و فيه أن ما قلت من ان المستفاد من النصوص ايصال البلل و هو كما يحصل بالمسح يحصل بالغسل، ففيه أن الظاهر من الدليل كون المأمور به هو المسح، و هو يحصل بإمرار الماسح مع النداوة على الممسوح.

و إن كان الغرض من المسح إيصال البلل و لو حصل بالغسل فقل في قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ بذلك.

و ما قلت من ارتكاز العرفى على أن النظر بإيصال الماء بالمحل و لو لم يكن بإمرار الماسح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 354

فيه أنّه ليس هذا من مرتكزاته.

و أمّا ما قلت من كون الأمر عقيب الحظر.

ففيه أن المسح على الجبيرة عقيب الحظر لكن في مقابل غسل البشرة لا فى مقابل غسل الجبيرة، مضافا إلى أن التفصيل في الرواية بين غسل البشرة مع عدم الإيذاء و المسح على الجبيرة مع الإيذاء و الأمر بهما ظاهر في الوجوب فى كلتا الصورتين

و اما ما قلت من ان التعبير بالاجزاء فى روايتى العياشى و حسن بن على الوشاء، على اجزاء المسح لا تعينه فيجزى الغسل أيضا

ففيه ان الاجزاء فى الروايتين فى قبال وجوب غسل البشرة بمعنى: أنّ السائل بعد ما يدرى وجوب غسل البشرة فيسأل عن صورة عدم تمكنه من غسل البشرة للجبيرة أو الدواء الموضوع على يدى الرجل، فقال يجزيه المسح عليهما فى قبال وجوب غسل البشرة و اما بعد عدم وجوب غسل البشرة هل يجب

المسح أو يجزى شي ء آخر، فلا يكون متعرضا له، و بعد ما دل فى التفصيل بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف و بين عدم هذه الامور بأنه بالمسح فى صورة الايذاء و الغسل فى صورة عدمه يجب المسح فى الاول و الغسل فى الثانى إذا نقول: بتعيين المسح فى الجبيرة و عدم كفاية الغسل مضافا الى ضعف رواية العياشى.

فالواجب على الأقوى هو المسح على الجبيرة حتى إذا كانت في موضع الغسل.

و الأحوط في مقام العمل إجراء الماء على الجبيرة بدون قصد الغسل او المسح ليتحصل به ما هو الواقع من أحدهما.

الجهة الثالثة: هل يجب أن يكون المسح بنداوة الوضوء

إذا كان في موضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 355

الغسل أو لا يجب ذلك؟ و المراد بكونه من نداوة الوضوء كونه من الماء الذي غسل به بعض الأعضاء المتقدم على الجبيرة، و معنى عدم وجوبه جواز أخذ الماء الجديد و المسح عليه.

مقتضى إطلاق الدليل عدم وجوبه.

الجهة الرابعة: و هل يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة

أو يكفى المسح و لو بجزء منها؟

الأقوى الأوّل فيما إذا كانت الجبيرة في محل الغسل، لأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون الجبيرة بدلا عن ما تحتها، فكون المسح بها بدلا عن غسل ما تحتها، فكما يجب غسل المحل بتمامه كذلك الجبيرة الموضوعة عليه.

نعم لا يلزم المداقة العقليّة بإيصال الرطوبة إلى الخلل و الفرج إذا صدق المسح عرفا و استيعاب المسح عليها، و أمّا إذا كانت فى محل المسح يمكن ما يحصل به مسمى المسح فى كل مورد يكون التكليف المسح على الجبيرة.

الجهة الخامسة: هل يكفى في مسح الجبيرة مسحها بالنداوة

التي تكون في اليد أولا يكفى، بل يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة؟ اختار المؤلف رحمه اللّه الثاني.

وجه الثاني أن الواجب من المسح المسح بالماء، فلا بدّ من صدق الماء على ما يمسح به.

أقول: بعد ما نرى في أن المذكور في أخبار الجبيرة المتعرضة للمسح عليها لم تتعرض لكيفية المسح، و بعد ما بيّن في المسائل المتعلقة بالمسح أن حقيقة المسح هو إمرار الماسح على الممسوح بالنداوة و الرطوبة الباقية في اليد بحيث يتأثر الممسوح بها و لا يعتبر أزيد من ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 356

فاذا كان في اليد الرطوبة فتصل نداوتها بالممسوح كفى في صدق المسح عليه بالماء، فتكفي النداوة الباقية فى اليد إذا كانت بمقدار يتأثر به الممسوح و يصدق عرفا أنّه مسح الموضع بالرطوبة المائية إلى تمام موضع الجبيرة بحيث يصدق عرفا أنّه مسح الجبيرة و لا يلزم المداقة العقلية بإيصال الرطوبة إلى الخلل و الفرج بل يكفى صدق استيعاب المسح عرفا.

الجهة السادسة: ان كانت الجبيرة على موضع الغسل و أمكن رفع الجبيرة

و المسح على البشرة، فهل يجب رفعها و المسح على البشرة، أو لا يجب ذلك (و مورده ما كان غسل البشرة غير ممكن للضرر أو لجهتين آخرتين قلنا و مضى الكلام فيه في المورد الأوّل).

بل يجب المسح على الجبيرة في هذا الحال أيضا، أو يجب المسح على كل منهما مرة على البشرة و اخرى على الجبيرة، أو يجب التيمم في هذه الصورة؟

وجه وجوب رفع الجبيرة و المسح على البشرة كونه الأقرب إلى الواجب الاختياري لأنّ الواجب أو لا غسل البشرة فالأقرب منه مسح البشرة و كونه الميسور من الغسل على البشرة.

و وجه وجوب المسح على الجبيرة حتى في هذا الحال هو أن مفاد الأخبار

المفصّلة وجوب المسح على الجبيرة فيما يؤذيه غسل البشرة أو كان حرجيا أو خاف على نفسه، فيشمل المورد، لأنّه على الفرض يؤذيه الغسل على البشرة و إن كان لا يؤذيه مسح البشرة.

و وجه وجوب الجمع بينهما هو دعوى أن بعض الأخبار المفصلة بين صورة ايذاء غسل البشرة فيجب مسح الجبيرة و بين صورة عدم الإيذاء فيجب غسل البشرة، تعلق التكليف بمسح الجبيرة فيما يتعذر و يؤذيه الماء و لو بنحو المسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 357

فلا ينتقل التكليف بمسح الجبيرة حتى مع إمكان مسح البشرة، و على هذا لا تشمل الاخبار صورة يمكن مسح البشرة و لا ينتقل التكليف بمسح الجبيرة.

فإن قلنا بأن قاعدة الميسور تقتضى مسح البشرة لكون المسح ميسور الغسل فهو، و حيث لا يمكن القول به لا يكون مورد الاخبار خصوص صورة كون ايصال الماء ايذاء للبشرة حتى بمسحه لعدم معلومية ذلك و لا بشمول قاعدة الميسور، فيعلم إجمالا إمّا بوجوب مسح الجبيرة أو مسح البشرة، و مقتضى العلم الاجمالى وجوب كل منهما.

و وجه وجوب التيمم هو أنه بعد كون مورد أخبار المفصّلة الدالة على وجوب مسح الجبيرة فى صورة الايذاء فلا تشمل صورة يمكن مسح البشرة.

و لا مورد لمسح البشرة إمّا لعدم تمامية قاعدة الميسور، و إمّا عدم كون المسح ميسور الغسل.

و الأقوى وجوب المسح على الجبيرة حتى في هذا الحال، لأنّ مقتضى الأخبار المفصلة بين وجوب مسح الجبيرة و بين غسل البشرة، وجوب المسح على الجبيرة في صورة يكون الغسل على البشرة إيذاء و إطلاقه يقتضي صورة كون مسح البشرة ممكنا لان في هذا الحال لا يمكن غسل البشرة، فيكون مورد المسح على الجبيرة.

نعم الأحوط استحبابا

الجمع بين المسح على البشرة و المسح على الجبيرة في وضوئه.

الجهة السابعة: إذا لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها

أو لمانع آخر فله صورتان:

صورة يمكن وضع خرقة طاهرة على الجبيرة و مسح الخرقة الموضوعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 358

فهل يجب ذلك و يصح الوضوء، أو يكون مورد التيمم، أو يجب الوضوء مقتصرا على غسل أطراف الجبيرة بدون ضم التيمم، أو يجب الوضوء بغسل أطراف الجبيرة و المسح على الجبيرة النجسة ثم يتيمم بعده؟

وجه وجوب وضع خرقة طاهرة عليها و المسح عليها لكون الواجب المسح على الجبيرة في صورة إيذاء غسل البشرة، فكما يجب تطهير الجبيرة مع إمكان تطهيرها مقدمة للمسح عليها كذلك يجب وضع الخرقة عليها مع عدم إمكان تطهير الجبيرة مقدمة للمسح عليها، و هذا يصدق فيما إذا كانت الخرقة الموضوعة بحيث تعدّ جزءا للجبيرة، فيقال بعد وضعها عليها انها مسح على الجبيرة.

وجه وجوب التيمم هو أن مورد وجوب الوضوء مع مسح الجبيرة موردا يمكن المسح على الجبيرة الموضوعة لا وضع شي ء آخر عليها و إن عدّ بعد الوضع جزء الجبيرة و إلّا ففي ما إذا كان الجرح مكشوفا تقول بوضع الخرقة و المسح عليها.

و وجه وجوب الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجرح و ترك مسح الجبيرة و بين ضم التيمم العلم الاجمالى بوجوب أحدهما، و عدم دليل ظاهر على كفاية أحدهما فمقتضى العلم الاجمالى هو الاحتياط بينهما.

و وجه وجوب الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجرح و مسح الجبيرة النجسة و ضم التيمم العلم الاجمالى بوجوب الوضوء بهذه الكيفية، أو هو مع التيمم لاحتمال كون الواجب الوضوء بغسل أطراف الجرح و المسح على الجبيرة النجسة، لعدم معلومية شمول دليل طهارة محل الوضوء اجماعا كان أو غيره لمثل المورد،

و ضم التيمم لاحتمال كونه هو الواجب.

الأقوى هو التيمم في المورد لأنّ الاكتفاء بغسل ما حول الجبيرة فقط و الوضوء فرع دلالة ما دل من الأخبار على غسل ما حول الجبيرة على عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 359

وجوب مسح الجبيرة في صورة نجاسة الجبيرة، و قد بينا انها ساكتة من هذا الحيث أعنى: حيث حكم موضع القرح و ما يوضع عليه.

فحيث لا يكون المورد مورد أخبار الجبيرة لان موردها ما يمكن المسح على الجبيرة و لا يمكن ذلك فيجب التيمم، إلّا أن يقال بعدم شرطية طهارة الجبيرة في هذه الصورة.

و لأجل هذا الاحتمال نقول: الأحوط الوضوء بغسل ما حول الجبيرة و المسح عليها مع نجاستها، ثم التيمم بعده.

و صورة اخرى و هى ما لا يمكن وضع خرقة طاهرة على الجبيرة النجسة الغير الممكن تطهيرها، فيدور الأمر في هذه الصورة بين الوضوء إمّا بغسل ما حول الجبيرة و الاكتفاء به بناء على اشتراط طهارة الجبيرة، و إمّا بغسل ما حول الجبيرة و مسح الجبيرة النجسة بناء على عدم اشتراط طهارتها، و بين التيمم لعدم امكان الوضوء بالنحو المطلوب شرعا.

أقول: و لو لا احتمال عدم اشتراط طهارة الجبيرة مع عدم إمكان تطهيرها لقلنا بأن المورد مورد التيمم لأنّه لا يمكن الوضوء بالنحو المطلوب شرعا لأنّه يجب المسح على الجبيرة الطاهرة، و لا يتمكن منه على الفرض فينتقل التكليف إلى التيمم.

و حيث يحتمل عدم شرطية طهارة الجبيرة نقول: الأحوط الوضوء بغسل ما حول الجبيرة و المسح على الجبيرة النجسة ثم ضم التيمم عليه

هذا تمام الكلام في هذا الفصل و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

[مسئلة 1: إذا كانت الجبيرة في موضع المسح]

اشارة

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 360

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا كانت الجبيرة في موضع المسح و لم يمكن رفعها و المسح على البشرة، لكن امكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحل هل يتعيّن ذلك، أو يتعين المسح على الجبيرة، وجهان، و لا يترك الاحتياط بالجمع.

(1)

أقول: في المسألة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: تكرار الماء على الجبيرة

حتى يصل الماء إلى المحل لقاعدة الميسور، لأنّ ايصال الماء بهذه الكيفية ميسور المسح على المحل و عدم شمول دليل وجوب المسح على الجبيرة للمورد.

الاحتمال الثاني: تعين المسح على الجبيرة في هذا الحال،

لأنّ مورد المسح عليها مورد يكون المسح على البشرة حرجيّا كما هو مقتضى نص رواية عبد الاعلى أو يتخوف على نفسه كما هو مقتضى إطلاق رواية الكليب، لأنّ اطلاقها يشمل موردا يكون الجبيرة على موضع الغسل أو المسح.

الاحتمال الثالث: وجوب التيمم

من باب أن المورد ليس مورد المسح على الجبيرة لما عرفت من عدم شمول إطلاق رواية عبد الاعلى المورد، و لا يكفى ايصال الماء على المحل بتكرار الماء لعدم كونه ميسور المسح أولا، و عدم تمامية قاعدة الميسور ثانيا.

الاحتمال الرابع: الجمع بين ايصال الماء و بين المسح على الجبيرة

و بين التيمم للعلم الاجمالى بوجوب واحد منها، و لا دليل يدل على الاكتفاء بواحد منها، فمقتضى العلم الاجمالى الجمع بين هذه الثلاثة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 361

و الأقوى الاحتمال الثاني لأنّ مقتضى رواية عبد الاعلى و الكليب هو وجوب المسح على الجبيرة و إطلاق رواية الثانية يشمل صورة التمكن من ايصال الماء بالمحل و عدمه.

و لا وجه للتمسك بقاعدة الميسور لعدم تماميتها أولا، و عدم كون ايصال الماء بالمحل بدون إمرار الماسح على الممسوح ميسور المسح.

***

[مسئلة 2: إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الاعضاء فالظاهر جريان الأحكام المذكورة، و إن كانت مستوعبة لتمام الاعضاء فالاجزاء مشكل، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة و التيمم.

(1)

أقول: أما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من أعضاء الوضوء فالأقوى بالنظر جريان الأحكام المذكورة فيها لدلالة بعض الأخبار و لو بالإطلاق عليها، مضافا إلى امكان دعوى مساوات هذه الصورة مع ماليست مستوعبة على العضو أو الغاء خصوصية المورد، فالمورد المذكور في الروايات و إن كان بعض العضو لكن لا خصوصية له بنظر العرف، مضافا إلى دلالة رواية حسن بن على الوشاء على ما كانت الجبيرة في تمام عضو من أعضاء الوضوء، فلان المفروض في السؤال كون الدواء على يدى الرجل فظاهره كون الدواء مستوعبا لتمام يديه و قد ذكرنا الرواية فى الطائفة الثانية من الروايات المربوطة بالجبيرة فراجع، فلا وجه للاحتياط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 362

الواجب بالجمع بين الجبيرة و التيمم و إن كان لا ينبغى تركه.

أما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء، فهل يكون المورد مورد الوضوء بالمسح على الجبيرة أو يكون مورد التيمم؟

ما

يمكن أن يقال في وجه وجوب الوضوء و المسح على الجبائر المستوعبة.

إمّا دعوى العلم بمساوات هذه الصورة مع صورة عدم استيعابها لعدم فرق بينهما خصوصا على ما قلنا في مقام الجمع بين أخبار الجبيرة و أخبار التيمم من حمل الاولى على من عليه الجبيرة فعلا و حمل الثانية على من لم تكن عليه الجبيرة.

و إمّا دعوى أن موارد الأخبار و إن كانت الجبيرة الغير المستوعبة، لكن هذا من باب المورد و لا خصوصية للمورد فيعمّ الحكم غير مورد الأخبار أيضا.

و ظنّى و إن كان ذلك و لكن الأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء و المسح على الجبيرة و بين التيمم.

***

[مسئلة 3: إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها بدلا عن غسل المحل يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة أى:

الحاصلة من المسح على جبيرته.

(1)

أقول: لما بنيا في المسائل المتعلقة بالمسح بوجوب كون المسح بنداوة الوضوء.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 363

[مسئلة 4: انّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: انّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه، و إلّا فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة، مثلا لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها، و لو كان من أحد الاصابع و لو الخنصر إلى المفصل مكشوفا وجب المسح على ذلك، و إذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولى من الطرفين و عليها في محلها.

(1)

أقول: و ذلك لكفاية المسمى من طرف العرض و الطول في مسح الرأس و من طرف العرض في مسح الرجل، فلو كان تمام ظهر القدم مستوعبا بالجبيرة مسح على الجبيرة.

و أمّا لو لم يكن مستوعبا بل كان مكشوفا و لو بمقدار إصبع من الاصابع حتى الخنصر إلى المفصل يجب المسح عليه و لو كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولى من أطراف الاصابع إلى المفصل و على البشرة في محلها أعنى:

المحل المكشوف من البشرة من أطراف أصابع إلى المفصل و هو قبة القدم، و الجبيرة في محل الجبيرة، فإذا كان بعض ظهر القدم إلى المفصل مكشوفا بقدر المسمى يمسح على البشرة إذا كان بعضه مستورا بالجبيرة يمسح عليها.

***

[مسئلة 5: إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 364

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 364

الغسل أو المسح في فواصلها.

(1)

أقول: وجهه واضح لأنّ كل موضع من مواضع الغسل أو المسح في الوضوء يجب غسله أو مسحه خرج منها الموضع الذي عليه

الجبيرة، و أمّا المواضع الآخر و من جملتها الفاصل بين الجبائر من البشرة يجب غسله في محل الغسل و مسحه إذا كان في محل المسح.

***

[مسئلة 6: إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها، و إن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رفعها رفعها و غسل المقدار الصحيح ثم وضعها و مسح عليها، و إن لم يمكن ذلك مسح عليها لكن الأحوط ضم التيمم أيضا خصوصا إذا كان عدم امكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضا بالماء.

(2)

أقول: للمسألة صور:

الصورة الاولى: ما إذا كان من البشرة تحت الجبيرة بالمقدار المتعارف،

فيمسح على الجبيرة و لا يجب رفع الجبيرة و غسل هذا المقدار المتعارف.

لأنّه مع كون المتعارف في الجبيرة و الخرقة و الدواء الموضوعة على الموضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 365

المكسور و غيره إدخال مقدار من البشرة زائدا على نفس موضع الكسور و القروح أو الجروح تحت الجبيرة و نظائرها، فالحكم مطلقا بالمسح على الجبيرة بدون استثناء هذا المقدار المتعارف يشهد على إدخاله تحت حكم المسح، فيكفى المسح على الجبيرة.

الصورة الثانية: ما اذا كان بعض الأطراف الداخل تحت الجبيرة أزيد من المتعارف

و أمكن رفع هذا المقدار من الجبيرة و غسل هذا المقدار الصحيح، فيغسل هذا المقدار و مسح على الجبيرة لوجوب مسحه، و كذا لو أمكن رفع تمام الجبيرة فيرفعها و يغسل المقدار الزائد على المتعارف ثم يضع الجبيرة و يمسحها بناء على مختار المؤلف من ان فى الجبيرة المكشوفة إن أمكن وضع الخرقة عليها و مسحها يجب ذلك كما ذكرنا فى الفصل المنعقد للجبيرة.

و امّا على ما قويّنا فى الجهة الرابعة فى المورد الاول من الجهات المربوطة، من أنه فى الجبيرة المكشوفة إذا اضرّ الغسل لا يجب وضع الخرقة و المسح عليها مع إمكانه، بل يجب التيمم، و الاحوط الجمع بينه و بين التيمم فحيث إنه يرفع الجبيرة يصير المورد من موارد كون الجرح مكشوفا يجب التيمم فى هذه الصورة و الاحوط وضع الجبيرة بعد غسل مقدار الزائد على المتعارف ثم المسح عليها ثم التيمم بعده.

الصورة الثالثة: ما إذا كان بعض الأطراف الداخل تحت الجبيرة أزيد من المقدار المتعارف

و لا يمكن غسله و لو برفع الجبيرة في هذا المقدار.

فهل يجب المسح على الجبيرة الموضوعة على الموضع المجبور و المقدار الخارج و يصح الوضوء من باب أن مقتضى الدليل هو المسح على الجبيرة إذا كان غسل الموضع إيذاء أو حرجيا أو يخاف على نفسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 366

أو يجب التيمم في المورد، لأنّه بعد كون القدر المتيقن من الدليل هو المسح على الجبيرة الواقعة على الموضع المجبور، غاية الامر قلنا بدخول المقدار الصحيح من البشرة في الحكم من باب أن الاطلاق منزّل على المتعارف، و أمّا الازيد من المتعارف فهو خارج عن المورد الواجب المسح على الجبيرة و يكون مورد التيمم خصوصا فيما إذا كان منشأ عدم امكان غسل هذا المقدار الخارج عن

المتعارف كون رفع الجبيرة و غسل البشرة ضرريا فإنه مورد التيمم.

أقول: قد يكون منشأ عدم امكان غسل أطراف الجبيرة الزائدة على المتعارف هو الضرر و قد يكون أمرا آخر مثل نجاسة أطرافها و عدم امكان تطهيرها أو عدم إمكان غسلها.

فإن كان منشأ عدم الامكان امرا آخر غير الضرر فقد مرّ في بعض الجهات المذكورة في فصل الجبيرة بأن المورد يكون مورد التيمم، لأنّ وجوب الوضوء مع المسح على الجبيرة و الاكتفاء به على المستفاد من أخباره صورة يكون نزع الجبيرة و غسل المحل ايذاء للشخص أو خوفا أو كان حرجيا، و أمّا غير هذا المورد فخارج عن موضوع أخبار الباب.

و أمّا أن كان منشأ عدم امكان غسل الزائد على المتعارف الضرر فقد يتوهم أن التكليف فيه هو الوضوء و مسح الجبيرة، لأنّ مورد أخبار الآمرة بالمسح على الجبيرة هو الإيذاء أو الجرح أو صورة الخوف، و في المورد يكون غسل الاطراف إيذاء و ضررا، فيجب المسح على الجبيرة و يصح الوضوء.

لكن الحق خلافه، لأنّ مورد أخبار الجبيرة و المسح عليها و إن كان الإيذاء و الحرج و الخوف على النفس، لكن بالنسبة إلى الجبيرة الموضوعة على المجبور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 367

بالمقدار الذي يتعارف وضع الجبيرة عليه.

و أمّا أزيد منه فلا تشمله أخبار الباب، فالأقوى وجوب التيمم في هذه الصورة، نعم ينبغى الاحتياط بالوضوء مع المسح على ما عليه الجبيرة ثم التيمم.

***

[مسئلة 7: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا ان يغسل ما يمكن من أطرافه ثم وضعه.

(1)

أقول: بناء على القول بوجوب وضع الخرقة و المسح عليها إذا كان القرح مكشوفا فيما

لا يضر المسح بهذا النحو، و قد مضى الكلام فيه في الجهة الرابعة من الجهات التي تعرضنا عنها في المورد الأوّل من الفصل و وجوبه أو عدمه.

فحيث إنّه يستر بسبب وضع طاهر عليه و مسحه مقدار من الصحيح من موضع الوضوء، فيجب أولا غسل الاطراف مما يمكن غسله ثم وضع الطاهر و المسح عليه.

***

[مسئلة 8: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف يشكل كفاية المسح على الجبيرة التى عليها أو يريد أن يضعها عليها، فالأحوط غسل القدر الممكن و المسح على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 368

الجبيرة ثم التيمم، و أمّا المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

(1)

أقول: الأقوى يكون المورد مورد التيمم على ما عرفت من نتيجة الجمع بين أخبار الجبيرة و أخبار الواردة في التيمم، لأنّ هذا المقدار الزائد على المتعارف و هو المقدار الذي لا يكون بحكم الجبيرة و يكون على الفرض غسله ضرريا فيجب فيه التيمم، لأنّ كل مورد خارج عن حكم الجبيرة مما لا يمكن غسله الشرعى لأجل الضرر يكون مورد التيمم.

***

[مسئلة 9: إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر، بل كان يضره استعمال الماء لمرض آخر فالحكم هو التيمم.

لكن الأحوط ضم الوضوء مع وضع خرقة و المسح عليها أيضا مع الامكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله.

(2)

أقول: قد يتوهم كون المورد مورد الوضوء بوضع الخرقة على موضع يضره الماء و المسح عليها مع الامكان إمّا من باب الغاء الخصوصية عما دل في ذى الجرح المكشوف بوضع الخرقة و المسح على الخرقة الموضوعة عليه.

ففيه أنّه لا يكون بين النصوص الواردة في الجبيرة نص يدل على وضع الخرقة و المسح عليها في الجرح المكشوف، بل من يقول به يصطاد ذلك من الأمر بالمسح في الجرح المستور بالجبيرة و قد اشكلنا فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 369

و إمّا من باب أن وضع الخرقة و المسح عليها في الوضوء فيما يكون استعمال الماء ضرريّا يكون ميسور غسله، و مقتضى قاعدة

الميسور أن الميسور لا يسقط بالمعسور.

و فيه منعه صغرى و كبرى لعدم كون المسح على الخرقة ميسور غسل الموضع و عدم تمامية القاعدة كما بينّا في الأصول.

و إمّا من باب أن المستفاد من رواية عبد الاعلى المتقدمة المذكورة في الطائفة الثالثة من الأخبار المتقدمة «1».

و من رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه، قال: فقال لى: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر يجعل خريطة «2».

من رواية على بن مهزيار في مقام سؤاله عن المغمى عليه و أنّه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة و جواب ابى الحسن الثالث عليه السلام (لا يقضى الصوم و لا يقضى الصلاة و كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر «3».

هو أن كل مورد يكون إتيان المأمور به على ما هو عليه من الأجزاء و الشرائط حرجيّا، أو صار غير مقدور لورود عارض، أو مما غلب اللّه عليه يرفع الشارع يده عن مطلوبه الأوّلى و ينزل الأمر إلى ما هو الممكن من الأجزاء و شرائط المأمور به، فإذا كان الوضوء بالنحو المعهود من الغسل و المسح ضرريّا و لكن يمكن وضع الخرقة و المسح عليها يجب ذلك.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 370

و فيه أن لسان لا حرج، و كذا كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر، حيث يكون في مقام الامتنان ليس لسانه إلّا نفى التكليف، و لا يثبت

التكليف، و لهذا قال عليه السلام بعد بيان قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه، أو في الرواية الثانية قال عليه السلام (يجعل خريطة) و إلّا لو لم يكن فيهما بيان الوظيفة لم نقل أن مقتضى لا حرج أو كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر هو المسح على الجبيرة أو جعل خريطة، فلا يمكن أن يقال بمقتضى الروايات و نفى الحكم الواقعى الاوّلى بوجوب المسح على الخرقة بعد كون الغسل ضرريّا.

بل نقول: إن مقتضى لا حرج نفى الحكم الاوّلى و قد بيّن الشارع ما هو الوظيفة بعد كون التكليف الأوّلى ضرريا بأمره بوجوب التيمم كما عرفت في الأخبار المتقدمة ذكرها، فنقول في الصورة المذكورة يكون الواجب التيمم.

***

[مسئلة 10: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء لكن كان بحيث يضرّ استعمال الماء في مواضعه أيضا فالمتعين التيمّم.

(1)

أقول: لأنّ هذا خارج عن موضع أدلة الجبيرة و أحكامها، و لا تتم قاعدة الميسور مضافا إلى كونه ميسوره محل تأمل، فيكون مورد التيمم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 371

[مسئلة 11: في الرمد يتعيّن التيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: في الرمد يتعيّن التيمم إذا كان استعمال الماء مضرا مطلقا، أما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر و إنّما كان يضر العين فقط فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطرافها و وضع خرقة عليها و مسحها و بين التيمم.

(1)

أقول: لان من مسوّغات التيمم الضرر من استعمال الماء و يتعين التيمم، سواء كان استعمال الماء مضرا مطلقا، أو لخصوص العين.

و لا وجه للقول بالوضوء بغسل ساير مواضع الوضوء و وضع الخرقة على العين و المسح عليها، لعدم وجه للتعدى من مورد الأخبار الواردة في ذى الجبيرة إلى غيرها.

نعم الاحتياط بالجمع بين غسل أطراف العين و وضع الخرقة عليها و مسحها و بين التيمم حسن.

***

[مسئلة 12: محل الفصد داخل في الجروح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: محل الفصد داخل في الجروح فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضرا يكفي المسح على الوصلة (الخرقة) التي عليه إن لم يكن أزيد من المتعارف، و إلّا حلّها و غسل المقدار الزائد ثم شدّها، كما أنّه إن كان مكشوفا يضع عليه خرقة و يمسح عليها بعد غسل ما حوله، و إن كانت أطرافه نجسة طهرها، و إن لم يمكن تطهيرها و كانت زائدة على القدر المتعارف جمع بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 372

الجبيرة و التيمم.

(1)

أقول: في المسألة مسائل نشير إليها و إن ذكر حكمها في طى بعض المسائل المتقدمة.

المسألة الاولى: الظاهر كون محل الفصد من أفراد الجروح.

المسألة الثانية: لو لم يمكن تطهيره لكونه مضرا، فان كان عليه الخرقة يمسح عليها في وضوئه لو لم تكن الخرقة أزيد من المتعارف، و إن كانت أزيد من المتعارف حلّ المقدار الزائد و يغسل ما تحته ثم يمسح على الخرقة الموضوعة عليه بقدر

المتعارف.

و أمّا إن حل تمام الخرقة الموضوعة عليه فقد بينا في المسألة 6 من المسائل التي تعرضنا فيها أنّه بحكم ما كان القرح مكشوفا.

المسألة الثالثة: إذا كان محل الفصد مكشوفا فإن أمكن غسله غسله، و إن لم يمكن غسله لأجل كونه ضرريّا يجب التيمم لما بينا في الجهة الرابعة من الجهات المبحوثة فى المورد الأوّل من موردين المبحوثين في هذا الفصل في كل الصور المتعرضة في المتن، و الأحوط وضع الخرقة و المسح عليها، و إن كانت أطرافه نجسة طهّرها و الوضوء بهذه الكيفية ثم التيمم.

***

[مسئلة 13: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 373

لا باختياره.

(1)

أقول: وجهه إطلاق الأدلّة.

***

[مسئلة 14: إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه و لم يمكن إزالته، أو كان فيها حرج و مشقة لا تتحمل مثل القير و نحوه يجرى عليه حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم أيضا.

(2)

أقول: وجه جريان حكم الجبيرة عليه إمّا بدعوى أن المورد و إن كان خارجا عن مورد النصوص، لكن تشمله النصوص بتنقيح المناط، لان المناط في كون الوظيفة في الجبيرة المسح عليها هو الضرر و الحرج و المشقة في غسل البشرة أو مسحها، و هو موجود في المورد.

و إمّا لدلالة بعض النصوص عليه، مثل بعض الأخبار الواردة فيمن كان على موضع مسحه الحناء.

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه، ثم يطليه بالحناء، ثم يتوضأ للصلاة، فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه «1»

______________________________

(1) رواية 4 من باب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 374

و غيرها راجع الباب المذكور، بعد حمل هذه الطائفة على صورة الضرورة بقرينة بعض ما يدلّ على وجوب المسح على بشرة الرأس و عدم كفاية المسح فوق الحناء.

مثل ما رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم بيدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء «1».

و مثل ما رواها سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد

عن الحسن بن على الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يسمع عليه «2»

و هاتان الروايتان على فرض إطلاقهما و عدم حمل الرواية الاولى على الضرورة أو على صورة بقاء لون الحناء جمعا بينهما و بين رواية محمد بن يحيى لا بد من تقيدهما بالطائفة الثالثة من الأخبار الجبيرة المتقدمة فى شرح فصل الجبيرة فتكون النتيجة وجوب المسح على الجبيرة فى خصوص صورة الايذاء أو الحرج.

و قد ذكرنا هذه الرواية من جملة أخبار الطائفة الثانية من الأخبار المربوطة بالجبيرة و ذكرنا لحسن بن على الوشاء رواية اخرى عن أبي الحسن عليها السلام بنقل صاحب الوسائل في باب 37 من أبواب الوضوء القريب كونهما واحدة.

و هي هذه محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلا الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 375

و لكن أقول هنا بانّا نطمئن بكونهما رواية واحدة و العجب من المستمسك «1» حيث تخيّل كونهما روايتين.

و على كل حال يستدلّ بما ورد فيمن رأسه مطلى بالحناء و فيما ورد فيمن يديه مطلى بالدواء و الأمر بالمسح على الحناء و الدواء بأن التكليف في مفروض المسألة هو

الوضوء و المسح على ما لا يمكن قلعه من القير أو غيره.

أقول: أما دعوى تنقيح المناط فيمكن الجواب عنه بأن مناط الحكم بالمسح في الجبيرة المستورة و إن كان هو الضرر، لكن التعدى إلى كل مورد يكون ضرريّا مشكل، و إلّا لا بدّ من القول به في الجبيرة المكشوفة و لم نقل به.

بل الدليل على خلافه لأنّه بعد كون الحكم بوجوب التيمم في موارده من باب الضرر فهو دليل على عدم الوضوء المجعول في الجبيرة لكل مورد فيه الضرر، و إن تقل بوجود المناط فلم نقل بالوضوء بالمسح على ما يلاصق البشرة، بل نقول بالتيمم لأن المناط في وجوب التيمم أيضا هو الضرر.

و أمّا التمسك بالروايات أمّا الرواية الواردة في الحناء مضافا إلى احتمال كون موردها مورد بقاء لون الحناء، و بذلك يجمع بين ما روى عن محمد بن يحيى الدالة على عدم جواز الوضوء حتى يصيب بشرة رأسه بالماء، و بين ما رواها محمد بن مسلم، فيقال ما يدلّ على عدم الجواز صورة وجود نفس الحناء و ما دل على الجواز صورة ذهاب نفسه و بقاء لونه.

نقول: بأنه حكم على خلاف القاعدة نقتصر على المورد الذي ورد فيه.

و كذلك نقول في رواية الحسن بن على الوشاء فإنها وردت في مورد الدواء

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 547.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 376

الذي يطلى به على موضع الكسر أو الجرح أو القرح أو غيرها، فتكون الروايتان مثل ساير أخبار الجبيرة، فكما لا يمكن التعدى عن مورد الجبيرة كما بينّا، كذلك لا يمكن التعدى عن مورد الحناء و الدواء.

نعم يمكن أن يقال: بأنه بعد ما نرى حكم الشارع في مورد الجبيرة الواقعة

على موضع الكسر بوجوب الوضوء و المسح على الجبيرة، و في مورد الخرقة الموضوعة على الجرح أو القرح أيضا بذلك، و في مورد الحناء الواقع على موضع المسح بذلك أيضا، و في مورد الدواء المطلى به موضع الوضوء بذلك، و بعبارة اخرى لم يتنزل عن الطّهارة المائية و الوضوء، و لم ينتقل التكليف من الوضوء، نكشف كشفا قطعيّا عن وجود ملاك و مناط، و هو وجوب الوضوء فيما يكون بعض مواضع الوضوء مستورا بشي ء لا يمكن رفعه للضرر أو لغيره، فكما نقول في الموارد المذكورة نقول في غيرها كالضرر و أمثالها بوجوب الوضوء و المسح على ما ستر البشرة.

و لا ينافي ما قلنا من المناط مع ما يدل على وجوب التيمم في مورد الضرر لأنّ مقتضى الجمع المتقدم بين أخبار الباب هو وجوب المسح و الوضوء إن كان على بعض مواضع الوضوء الجبيرة أو ما بحكمها، و وجوب التيمم في غير هذه الموارد، و لا يبعد ذلك و إن كان الأحوط هو الجمع بين إجراء حكم الجبيرة ثم التيمم.

***

[مسئلة 15: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 377

(1) أقول: لاطلاق الأدلّة الدالة على كفاية المسح على الجبيرة و أن ظاهر الجبيرة بحكم البشرة فيجب طهارته لوجوب طهارة محل الوضوء، و أمّا باطنه فخارج عن هذا الحكم.

***

[مسئلة 16: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله، و إن كان ظاهرها مباحا و باطنها مغصوبا فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر و إلّا بطل.

و إن لم يمكن نزعه أو كان مضرا فإن عدّ تالفا يجوز المسح عليه و عليه العوض لمالكه و الأحوط استرضاء المالك أيضا أولا و إن لم يعدّ تالفا وجب استرضاء المالك و لو بمثل شراء أو اجارة و إن لم يمكن فالاحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه و بين التيمم.

(2)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا

لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله (فيما إذا امكن النزع و التبديل، و إن لم يمكن فيأتى الكلام فيه بعد ذلك إن شاء اللّه).

و وجهه واضح لأنّه بعد كون غسل الوضوء أو مسحه متحدا مع التصرف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 378

المغصوب فالعبادة و هي الوضوء باطلة و إن لم نقل بعدم جواز اجتماع الأمر و النهى لعدم كون هذا الفعل قابلا لأن يتقرّب به.

المسألة الثانية: إذا كان ظاهر الجبيرة مباحا و باطنها مغصوبا

فله صورتان.

صورة لا يعدّ التصرف في الظاهر تصرفا في الباطن المغصوب عرفا مثل ما لا يوجب الوضوء مماسة و لا حركة من ناحيته في المغصوب و لو بالواسطة فيصح الوضوء.

و صورة يعدّ تصرفا في الباطن عرفا فيبطل الوضوء لعين ما قلنا في المسألة الاولى.

المسألة الثالثة: إن لم يمكن نزع الجبيرة المغصوبة أو يكون نزعه ضرريّا

فله صورتان: صورة لا يعدّ المغصوب تالفا عرفا، و صورة يعدّ تالفا.

الصورة الاول: ما إذا كان لا يعد تالفا عرفا فله فرضان:

الفرض الأوّل: ما يمكن استرضاء المالك بشراء أو إجارة أو نحوهما يجب ذلك مقدمة للوضوء الواجب أولا ثم الوضوء و المسح على الجبيرة.

الفرض الثاني: ما لا يمكن استرضاء المالك، فهل يجب الوضوء بغسل أطراف الجبيرة فقط، أو يجب التيمم، أو يجب الجمع بينهما؟

وجه الاكتفاء بالوضوء و غسل أطراف الجبيرة فقط إمّا كون ذلك ميسور الوضوء أو استفادته من بعض الأخبار المتقدمة في الجبيرة الدالة على غسل أطراف الجبيرة و كونها عن مسح الجبيرة.

و فيه عدم تمامية قاعدة الميسور و عدم كون ذلك ميسور الوضوء عرفا ثانيا، و حكم الشارع بالتيمم فيما لم يتمكن من الوضوء ثالثا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 379

وجه وجوب التيمم هو أن مورد أخبار الجبيرة مورد يمكن المسح عليها و في غير ذلك كان المورد مورد التيمم، و الأقوى ذلك و إن كان الأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجبيرة ثم ضم التيمم.

الصورة الثانية: ما يعدّ المغصوب تالفا عند العرف، فهل نقول: بصحة الوضوء في هذه الصورة مع المسح على الجبيرة المغصوبة، أو نقول: بعدم صحة الوضوء فيكون بحكم الصورة الاولى من وجوب الاسترضاء من المالك مع الامكان، و وجوب الوضوء بغسل ما حول الجبيرة أو التيمم أو الجمع بينهما مع عدم

إمكان الاسترضاء من المالك.

وجه الأوّل أن الضمان بسبب تلف العين يرجع إلى المعاوضة القهرية بين التالف و بين المال المضمون عليه، فينقل الضمان عن التالف بالمال المضمون عليه فيصير التالف ملكا للضامن، و إذا كان ملكه له التصرف فيه ما شاء، فيصح وضوئه مع الجبيرة المغصوبة لصيرورتها بالتلف ملكا له.

وجه الثاني أن الضمان تحمل الغرامة و الخسارة فلا يوجب التلف خروج التالف عن ملك المالك، بل مع كونه في ملكه يكون على الغاصب غرامته و خسارته و هذا معنى ضمان العين، فعلى هذا بعد بقاء الملك في ملك المالك فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، فتكون هذه الصورة بحكم الصورة الاولى.

و حيث لم يثبت كون الضمان بالنحو الأوّل يكفى استصحاب ملكية المالك فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الفرق بين الصورتين، فيجب استرضاء المالك و لو لم يمكن فلا يبعد وجوب التيمم، فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه و بين التيمم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 380

[مسأله 17: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصحّ الصلاة فيه]

قوله رحمه اللّه

مسأله 17: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصحّ الصلاة فيه، فلو كانت حريرا أو ذهبا أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيتها.

(1)

أقول: لا وجه لمضريّة كون الجبيرة حريرا أو ذهبا للرجال أو جزء حيوان غير مأكول للرجال و النساء للوضوء، لا لما قال بعض الشراح من باب إطلاق أدلة الجبيرة، لعدم كونها فى مقام ذلك بحيث لو ورد دليل على اعتبار أخذ هذه الأمور يكون مقيّدا لاطلاق هذه الأدلّة و لهذا لا يكون اشتراط طهارة الجبيرة من باب اشتراط طهارة محل الوضوء تقييدا للأدلة.

بل من باب أنّه لو شككنا في اشتراط

الجبيرة بأحد هذه الأمور مع عدم دليل على اعتباره نجرى البراءة لكون الشك من الشك في جزئية شي ء للمأمور به أو شرطيته، و هو مجرى البراءة.

***

[مسئلة 18: ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة و إن احتمل البرء، و لا تجب الاعادة إذا تبيّن برؤه سابقا.

نعم لو ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها.

(2)

أقول: أما بقاء حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا فمعلوم، لأنّ هذا مقتضى ما دل من بعض الإحكام الخاصة للجبيرة، و مجرد احتمال البرء مع وجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 381

الخوف على النفس كما هو مقتضى رواية الكليب من الطائفة الثالثة من الروايات المتقدمة في فصل الجبيرة لا يضر ببقاء حكم الجبيرة لأنّ البرء و عدمه ليس موضوع الحكم، بل الخوف على النفس أو الايذاء أو الحرج يكون موضوع حكم الجبيرة، نعم إذا حصل البرء لم يتخوف على نفسه.

و أمّا الكلام فيما إذا تبين برؤه سابقا و قد توضأ و مسح على الجبيرة فهل تجب إعادة الوضوء أو لا؟

فنقول: وجه وجوب الاعادة كون الضرر الموضوع لحكم الجبيرة هو الضرر الواقعى، و بعد عدم الضرر الواقعى على فرض برؤه سابقا فلم يكن المأمور به الوضوء مع الجبيرة فى الظاهر، أو إن كان هو المأمور به لكن حيث أن الأمر الظاهرى لا يقتضي الاجزاء فيجب عليه إعادة الوضوء.

وجه عدم وجوب إعادة الوضوء إمّا أن الموضوع في الوضوء مع الجبيرة هو الخوف لا الضرر الواقعى، فبمجرد خوف الضرر يكون تكليفه الوضوء مع الجبيرة فأتى بما هو المأمور به واقعا فلا تجب الاعادة.

و إمّا بأن الموضوع و إن كان الضرر، و المراد به الضرر الواقعى، لكن

حيث إنّه يعتقد الضرر فلو انكشف الخلاف لا تجب الاعادة، لأنّ الامر الظاهرى في مثل هذه الموارد يقتضي الاجزاء كما هو مختار سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه، لأنّه في كل مورد يكون لسان الدليل في الحكم الظاهرى من الأمارات أو الأصول هو توسعة الحكم الواقعى، و بعبارة اخرى يكون ما هو الجزء أو الشرط هو الاعم من الشرط و الجزء الواقعى، يقال بالاجزاء.

أقول: ما يأتي بالنظر و إن لم ار من قال به، هو أن ما دل على وجوب المسح على الجبيرة إما دل عليه مطلقا، و هو الطائفة الثانية من الأخبار المتقدمة فقلنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 382

بتقييدها بالطائفة الثالثة و هو الأخبار المفصلة بين ما كان يمكن المسح على البشرة و بين ما لا يمكن ذلك و مورد هذه الطائفة إمّا صورة إيذاء الماء له، أو الحرج أو التخوف على النفس ففي هذه الموارد أمر بالمسح على الجبيرة و بمنطوق بعضها و مفهوم بعضها امر بغسل البشرة مع عدم وجود هذه الموانع.

فنقول: أمّا ما أمر بمسح الجبيرة في صورة الإيذاء يمكن أن يقال: إن مورده الإيذاء واقعا، بمعنى أنّه كلما يكون وصول الماء بالبشرة إيذاء واقعا يجب المسح على الجبيرة.

و أمّا ما يكون في مورد الحرج و المشقة فمن المعلوم أن المراد هو المشقة العرفية لا المشقة و الحرج الواقعية، بل كلما يرى العرف أن رفع الجبيرة و غسل موضعها أو مسحها حرجيا يكون مورد المسح على الجبيرة كما أن ما ورد في مورد يتخوف على نفسه و هو رواية الكليب، فمن الواضح أن موضوعه حصول الخوف للشخص لا ما يكون مورد الخوف واقعا و لو

لم يتخوف منه فعلا

و لو فرض بأن يتوهم كون موضوع رواية الحلبى- و هو الإيذاء- أو رواية عبد الاعلى- و هو الحرج- الايذاء و الحرج الواقعى، لا يمكن أن يقال بذلك في رواية الكليب التي موضوعها التخوف على النفس كلما يتخوف على نفسه يكون مورد المسح على الجبيرة فما دام يتخوف على نفسه يصح وضوئه و لا تجب إعادة الوضوء لو كشف بعد ذلك عدم كون خوف في الواقع في الحال الذي توضأ و مسح على الجبيرة و إن كان الأحوط إعادة الوضوء إذا تبين برئه سابقا.

و أمّا الكلام فيما إذا ظنّ البرء و زال الخوف فهل يجب رفع الجبيرة أو لا؟

أقول: إذا زال الخوف على النفس يجب رفع الجبيرة و المسح عليها، و أمّا اذا لم يزل الخوف على النفس، بل يتخوف على نفسه و إن ظنّ البرء، فلا يجب الرفع لبقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 383

موضوع المسح على الجبيرة و هو التخوف على النفس لعدم الملازمة بين ظن البرء و بين زوال الخوف، نعم ربما يزيل الخوف مع ظنه البرء، فيدور الحكم مدار بقاء الخوف و زواله، و يكون ظن البرء كالحجر فى جنب الانسان، و كان هذا المراد من قوله المؤلف رحمه اللّه (نعم لو ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها) هو ظنه بالبرء و قد زال خوفه، و امّا لو كان مراده هو ظنه البرء و ظنه زوال الخوف فهو غير متصور، لأنّ الخوف من الصفات النفسانية فهو إمّا موجود فى النفس أولا، و لا دخل للظن أو الشك فيه.

و أمّا قال بعض المحشين «1» في المقام بأنه (لا يبعد جواز العمل بالاستصحاب إن

كان احتمال البقاء عقلائيا) فإن كان غرضه أنه إذا شك في البرء و زوال الخوف يستصحب الخوف أو يستصحب حكمه و هو المسح على البشرة فلا معنى له لما قلنا من أن الخوف من الصفات النفسانية، فالشخص إمّا خائف أولا، و لا معنى للشك أو الظن في وجوده و عدمه.

و إن كان نظره أنّه فيما إذا ظن البرء و قد زال خوفه يستصحب الموضوع و هو العارضة التي أوجبت الجبيرة يستصحب حكمه و هو وجوب المسح الثابت سابقا.

فنقول بأنه مع زوال الخوف لا يبقى موضوع المسح على الجبيرة حتى يستصحب لكون موضوعه الخوف و بعد عدم موضوعه لا معنى لاستصحاب حكمه.

***

[مسأله 19: إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل]

قوله رحمه اللّه

مسأله 19: إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن

______________________________

(1) آية اللّه الكلبايكاني قدس سره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 384

كان موجبا لفوات الوقت هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه إشكال، بل الأظهر عدمه و العدول إلى التيمم.

(1)

أقول: لا دليل لنا يدل على جواز المسح على الجبيرة و الوضوء بهذه الكيفية إذا كان منشأ عدم امكان رفع الجبيرة و غسل محلها ضيق الوقت، بل كما يأتي إنشاء اللّه في باب التيمم يكون ضيق الوقت من الأعذار المسوغة للتيمم، فالأقوى في المورد هو وجوب التيمم.

***

[مسئلة 20: الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صارا كالشي ء الواحد و لم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزما لجرح المحل و خروج الدم، فإن كان مستحيلا بحيث لا يصدق عليه الدم، بل صار كالجلد فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة و إن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة و يمسح عليه.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا صار الدم مستحيلا

بحيث صار كالجلد و لا يصدق عليه الدم، فتارة يستحيل الدواء أيضا كالدم، و في هذا الفرض مرة يعد المستحيل جزءا للبدن، و اخرى لا يعد جزءا من البدن، بل يعدّ اجنبيا عن البدن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 385

أما إذا استحال الدواء و الدم كليهما و يعدّ ان جزء البدن فلا إشكال في أنّه يجب الوضوء، فإن كان في موضع الغسل من الوضوء يجب غسله و إن كان في موضع مسح الوضوء يجب مسحه، و يكون وضوئه الوضوء التام لأنّه بعد صيرورتهما جزء البدن وقع الغسل و المسح على البشرة.

و أمّا إذا استحال الدم و الدواء كليهما و لم يصرا جزء البدن بل يعدّان شيئا مستحيلا أجنبيا عن البدن، و لا يبعد كون مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه هذا الفرض لقوله (بل صار كالجلد) و لم يقل صار جلدا، فهل يجرى عليه حكم الجبيرة كما اختار المؤلف رحمه اللّه، من باب أنّه دواء موضوع على موضع الجرح، و قد دل بعض الروايات على مسح ظاهره و يصح الوضوء.

أو أنّه و لو لم يكن دواء لكن بحكمه، لأنّ ما هو المدرك لوجوب مسح الدواء الموضوع على الجرح موجود فيه.

أو أن المورد يكون مورد التيمم لأنّه بعد صيرورته

مستحيلا لا يعد دواء فيكون المورد خارجا عن مورد أدلة الآمرة بالمسح على الجبيرة.

أقول: كما بينا في المسألة 14 لا يبعد كفاية المسح على الدواء و الدم المستحيل لأنّه بعد ما نرى من الأمر بالمسح في مورد الجبيرة، و في مورد الخرقة الموضوعة على الجرح أو القرح، و في مورد الدواء المطلى على البشرة، و في مورد الحناء الذي في الرأس، نكشف كشفا قطعيا عن وجود مناط و ملاك و هو وجوب الوضوء و عدم التنزل إلى التيمم فيما تكون البشرة مستورا بشي ء لا يمكن نزعه و رفعه لأجل الضرر أو لغيره.

فنقول في المورد أيضا لوجود هذا الملاك، بل احتمال الشمول للمورد أولى، لأنّ الدواء و المسح عليه منصوص و هذا دواء مستحيل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 386

و لا تقل أنّه يكون فى مورد الضرر، على ما بيّنت في مقام الجمع بين طوائف الأخبار في فصل الجبيرة، حكمان: حكم بالمسح على الجبيرة و ما بحكمها من الخرقة الموضوعة على الجرح، و حكم آخر التيمم.

فاذا لم يكن المورد مورد الأوّل يكون مورد الثاني، و حيث إن المورد المفروض في المقام ليس من القسم الأوّل لعدم نص يشمله، يكون من القسم الثاني و هو وجوب التيمم.

لأنا نقول: بأن مورد التيمم بناء على ما عرفت كل مورد لا يكون مورد الجبيرة و ما بحكمها، و بعد ما قلنا من تنقيح المناط القطعى يكون المورد بحكم من عليه الجبيرة، فيكون التكليف في المورد الوضوء و مسح ظاهر الدم و الدواء المستحيل و يصح الوضوء، و ليس مورد التيمم و إن كان الأحوط ضمّ التيمم.

و تارة يستحيل الدم و لا يستحيل الدواء و في هذا الفرض

يجب الوضوء و المسح عليه، لكن يجب قبل مسحه تطهير ظاهره لملاقاة الدواء للدم حين كونه دما قبل استحالته، فالدواء باق على النجاسة فيجب تطهيره ثم المسح على ظاهر هما، و يصح الوضوء لعين ما قلنا في الفرض السابق، فالفرق بين الفرض السابق و هذا الفرض هو وجوب تطهير الظاهر في هذا الفرض لعدم استحالة الدواء و بقائه على نجاسته باعتبار ملاقاته للدم قبل استحالته.

و يبقى فرض آخر لم يتعرض له المؤلف رحمه اللّه و هو ما يستحيل الدواء و لم يستحل الدم فيكون حكم هذا الفرض حكم الصورة التي كانت الجبيرة الموضوعة نجسة و لا يمكن تطهيرها و لا إزالتها و غسل الموضع، و قد تعرضنا لحكمه في الجهة السابعة من الجهات التي تعرضنا لها في المورد الثاني من الموردين المبحوثين في شرح فصل الجبيرة و يظهر حكمه من الصورة الثانية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 387

الصورة الثانية: ما إذا لم يستحل الدم و لا الدواء الموضوع

على الجرح أو غيره يكون حكمه حكم الجبيرة النجسة و قد بينّا حكمه في الجهة السابعة من الجهات المتعرضة في المورد الثاني و هو مورد كون الجرح مستورا بالجبيرة في شرح فصل الجبيرة.

و الأقوى فيه وجوب التيمم، نعم حيث يكون احتمال عدم اعتبار طهارة المحل كما بينّا يكون الأحوط الوضوء بغسل أطراف الجبيرة و وضع خرقة طاهرة على الموضع و المسح عليها إن لم يمكن المسح على الجبيرة النجسة، ثم التيمم.

***

[مسئلة 21: يكفى في الغسل أقلّه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: قد عرفت أنّه يكفى في الغسل أقلّه بأن يجرى الماء من جزء إلى جزء آخر و لو باعانة اليد، فلو وضع يده في الماء و أخرجها و مسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفى، و في كثير من الموارد هذا المقدار لا يضرّ خصوصا إذا كان بالماء الحار، و إذا أجرى الماء كثيرا يضرّ فيتعيّن هذا النحو من الغسل و لا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة فاللازم أن يكون الانسان ملتفتا لهذه الدقة.

(1)

أقول: كان نظر المؤلف رحمه اللّه بيان أنّه متى يمكن الوضوء التام لا يتنزل الأمر إلى وضوء الجبيرة فذكر ما ترى في المتن.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 388

[مسئلة 22: إذا كان على الجبيرة دسومة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها إن كانت طاهرة.

(1)

أقول: أولا لعلّ نظره رحمه اللّه إلى أن الدسومة لا تكون مانعا عن وصول الماء الى الجبيرة.

و ثانيا على فرض كونها مانعا فحيث إنّها تعد جزءا للجبيرة فلا مانع من المسح عليها.

و لا تمنع من تأثر المحل بالرطوبة الممسوح بها ثالثا، فإذا لا إشكال في المسح عليها.

***

[مسئلة 23: إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجرى عليه حكم الجرح، بل يتعيّن التيمم نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم.

(2)

أقول، أما فيما إذا كان العضو صحيحا و لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجرى عليه حكم الجرح لعدم كونه من موارده، فالمتعين وجوب التيمم.

و أمّا فيما إذا كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن ازالتها، فالأقوى على ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 389

اخترنا عدم جريان حكم الجبيرة عليه، بل يجب التيمم و الأحوط إجراء حكم الجبيرة ثم ضم التيمم.

***

[مسئلة 24: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارف كما أنّه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة إلّا أن يحسب جزءا منها بعد الوضع.

(1)

أقول: أمّا عدم لزوم تخفيف ما على الجرح و تقليله إن كان ما على الجرح بالمقدار المتعارف لأنّ هذا مقتضى إطلاق الادلّة بعد تنزيلها على المتعارف.

و أمّا عدم جواز وضع شي ء آخر على ما يكون على الجرح، فتارة يكون محتاجا إليه بحسب المتعارف، فلا مانع من وضع المقدار المحتاج إليه لدفع الضرر أو لرفعه و يكفى المسح عليه.

و تارة لا يكون المحتاج إليه بحسب المتعارف بحيث لا يعدّ بعد الوضع جزءا للجبيرة فلا يصح المسح عليه، فإن وضعه عليها يرفعها و يمسح على المقدار المتعارف من الجبيرة لئلا يكون حائلا عن المسح على الجبيرة.

و تارة لا يكون المحتاج إليه بحسب المتعارف، بمعنى أنّه يكتفى بحسب التعارف بأقل منه، و لكن بعد الوضع يعدّ جزءا

من الجبيرة حتى عند العرف، فلا مانع من المسح عليه أيضا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 390

[مسئلة 25: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح.

(1)

أقول: أما الفرق بين كونه رافعا للحدث و بين كونه مبيحا هو أنّه على الأوّل ارتفع الحدث و حصلت الطّهارة فكلّ ما هو مشروط بالطهارة أو يكون الحدث مانعا له يمكن إتيانه لحصول الشرط أو لرفع المانع، و امّا على الثانى فيكون أثر الوضوء هو إباحة الصلاة له و لو لم يرفع الحدث حال العذر.

و أمّا وجه كونه رافعا للحدث فهو أن لسان أدلتها كون الوضوء مع الجبيرة فردا للطبيعة المأمور بها، كما يصرّح بذلك رواية الحلبى المفصلة بين صورة الإيذاء و بين عدم الإيذاء، فأوجبت الوضوء بالمسح على الجبيرة في الصورة الاولى و غسل المحل في الثانية، فيستفاد أن للوضوء فردين و كليهما في عرض الآخر، فكما أنّ الوضوء بغسل المحل رافع للحدث كذلك الوضوء و المسح على الجبيرة.

و قد يقال «1» بعدم كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث بدعوى أنّه بعد كون مقتضى دليل وجوب التام من فرد الطبيعة تعينه للرافعية، و عدم وفاء الناقص بها.

و مقتضى الجمع العرفى بين دليل التام و بين دليل الناقص عند العجز عن التام ليس تقييد إطلاق دليل التام به حتى يقال: إن نتيجة الجمع كون التام رافعا حال الاختيار و الناقص رافعا حال الاضطرار، فليس الاختيار و الاضطرار كالحضر و السفر.

بل مقتضى الجمع العرفى بينهما هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التام من

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 553.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 391

جهة العجز، فيكون ملاك التام موجودا حتى في حال

عجزه مثل ثبوته و وجوده حال الاختيار، غاية الأمر يكون المكلف لأجل اضطراره معذورا في تركه، و مقتضى ذلك عدم رافعية الناقص و إلّا لم يتعين التام للرافعية لعدم إمكان كون كل منهما رافعا بعد كون ما هو التام متعينا للرافعية، فالنتيجة هو عدم كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث.

و بذلك يقال في جميع الأبدال الثابتة في حال العذر عن الواقع الأولىّ فإنه يترتب عليها أثر المبدل منه في الجملة لا جميع الآثار.

و فيه أن الكلام تارة يقع في مقام الثبوت و أن المأمور به بالأمر الاضطراري هل يفى بمصلحة المأمور به الاختياري أم لا، فهو كلام لسنا فعلا في مقامه و محله باب الاجزاء.

و تارة يقع الكلام في مقام الاثبات و أن لسان الدليل المأمور به بالأمر الاضطرارى يكون لسانه لسان الفردية، لأنّه بعد كون لسانه الفردية يكون معناها أن للطبيعة فردين: فردا اختياريا و فردا اضطراريا.

فكما أن إتيان الفرد الاختياري في مورده محصّل للطبيعة و امتثال لها، كذلك الفرد الاضطرارى محصّل للطبيعة في مورده و امتثال لها، فعلى هذا كل أثر يترتب على امتثال الطبيعة يحصل و يترتب على كل من الفردين في موردهما، و بعد كون طبيعة الوضوء رافعا للحدث، فكما أن الوضوء التام رافع له كذلك الوضوء الناقص.

و مقتضى الجمع بين دليل الوضوء التام و وضوء الجبيرة هو التقييد، لأنّ هذا مقتضى الجمع العرفي.

و المستفاد من الجمع العرفى بتقييد إطلاق دليل التام بدليل الناقص و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 392

هو بدلية الناقص عن التام، لكن هذا حاصل الجمع العرفى بتقييد إطلاق دليل التام بدليل الناقص، بمعنى إنا نفهم بعد الجمع أنّ وضوء الجبيرة بدل

عن الوضوء الغير الجبيرة.

اما بعد فرض تقييد دليل التام بدليل الناقص معناه وجوب الوضوء في حال الاختيار كذا، و وضوء الجبيرة في حال الاضطرار كذا، و هذا معنى فردية كل منهما للطبيعة.

و خصوصا في الوضوء الجبيرة، ففي بعض رواياتها ما هو نص على فردية كل من التام و الناقص، و كون كل منهما في عرض الآخر في كونهما فرد الطبيعة الوضوء.

راجع الروايات من الطائفة الثالثة من روايات الجبيرة قد منّا ذكرها، فكما أنّ الفرد التام رافع للحدث كذلك الفرد الناقص.

***

[مسئلة 26: الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه كما يستفاد مما تقدم.

أحدها: أنّ الاولى بدل الغسل و الثانية بدل عن المسح.

الثاني: أن في الثانية يتعين المسح و في الاولى يجوز المسح أيضا على الأقوى.

الثالث: أنّه يتعين في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف و بالكف، و في الاولى يجوز المسح بأىّ شي ء كان، و بأيّ ماء و لو بالماء الخارجى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 393

الرابع: أنّه يتعين في الاولى استيعاب المحلّ إلّا ما بين الخيوط و الفرج، و في الثانية يكفى المسمى.

الخامس: أن في الاولى الاحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء بخلاف الثانية فالأحسن فيها أن لا يصير شبيها بالغسل.

السادس: أنّ في الاولى لا يكفى مجرد ايصال النداوة بخلاف الثانية حيث أن المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفى فيه هذا المقدار.

السابع: أنّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تخفيفها في الاولى بخلاف الثانية.

الثامن: أنّه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الاولى دون الثانية.

التاسع: أنّه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح بخلاف الاولى فيكفى فيها بأيّ

وجه كان.

(1)

أقول: ذكر المؤلف رحمه اللّه فروقا بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح.

أحدها أنّ الاولى بدل الغسل للأمر به في محل الغسل،

و الثانية في محل المسح، للامر به في محل المسح فالاولى بدل عن الأوّل و الثانية بدل عن الثاني.

الثاني أن في الثانية يتعين المسح

لأنها في محل المسح، و بعد كون الواجب في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 394

المبدل المسح فكذلك في البدل، مضافا إلى الأمر بالمسح كما في بعض روايات الواردة في الجبيرة الواقعة في محل المسح مثل رواية عبد الأعلى و غيرها.

و أمّا في الاولى فقال المؤلف رحمه اللّه يجوز الغسل أيضا.

و وجهه كون الجبيرة بدلا عن البشرة فكما يجوز غسل البشرة يجوز غسل الجبيرة و إمّا من باب أن الأمر بالمسح على الجبيرة حيث يكون في مقام توهم الحظر لكون المورد مورد توهم حرمة المسح، فلا يستفاد من الأمر بالمسح الّا الجواز، و بعد عدم وجوب المسح فكما يجوز المسح يجوز الغسل أيضا، أو من باب أنّ الطائفة الثانية من الروايات و هى رواية العياشى و الحسن بن على الوشاء دالة على إجزاء المسح لا تعينه.

و فيه أنّه لو لم يكن في البين أمر بالمسح و كان مقتضى الدليل بدلية الجبيرة عن البشرة كون الواجب تعين الغسل على الجبيرة.

و أمّا مع الأمر في النص بالمسح حتى في محل الغسل يتعين المسح و لا مجال للقول بجواز الغسل.

و أمّا ما قيل من أن الأمر بالمسح يحمل على مجرد الجواز لوقوعه مقام توهم الحظر.

ففيه أولا أنّه بعد ما لا دليل بين الأخبار الواردة في الجبيرة يدل على غسل الجبيرة لمن عليه الجبيرة.

فإن حمل الأمر بالمسح على مجرد الجواز، و لا يكون الأمر بالمسح للوجوب و تكون النتيجة عدم وجوب المسح على الجبيرة، يكون لازمه القاء الروايات الدالة على وجوب المسح عن الوجوب، و القول بكفاية

الوضوء بغسل ساير مواضعه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 395

و عدم وجوب غسل موضع الجبيرة و لا مسحه و لا غسل ظاهر الجبيرة و لا مسحه، و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا بعد ما كان الواجب أوّلا غسل البشرة، فلو أمر بمسح البشرة مكان غسلها يمكن ان يقال بأن الأمر بمسحها لا يفيد إلّا مجرد الجواز، لأنّ الأمر بمسح البشرة يكون في مقام توهم الحظر لأنّه بعد كون الواجب غسل البشرة فيكون المسح بها مورد توهم الحظر و تكون النتيجة جواز غسل البشرة و جواز مسحها و بعبارة اخرى التخيير بينهما.

و أمّا الأمر بمسح ظاهر الجبيرة مع عدم ورد أمر بغسله، بل الأمر كان بغسل ظاهر البشرة، فلا وجه لحمل أمره على الجواز حتى تكون النتيجة جواز غسل ظاهر الجبير أو مسحها، لعدم أمر بغسل ظاهرها حتى يقال أن الامر بالمسح عليها بقرينة الأمر بالغسل يحمل على الجواز لوروده مورد توهم الحظر.

و أمّا التمسك بروايتى العياشى و الحسن بن على الوشاء فقد مرجوا به في الجهة الثانية من الجهات المتعرضة في المورد الثانى من شرح فصل الجبيرة.

فتلخص أن الأقوى وجوب مسح ظاهر الجبيرة حتى فيما إذا كان في محل الغسل من الوضوء و الفرق الثاني بين كون الجبيرة على محل الغسل و بين كونه على محل المسح غير تمام.

الثالث: في الجبيرة التي في محل الغسل يكفى مسح ظاهرها بأيّ ماء كان،

فلا يجب أن يكون بنداوة الماء الذي في يده، بل يصح و لو بالماء الجديد و بأيّ شي ء كان فلا يجب أن يكون باليد و بالكف من اليد.

لأن الواجب حيث يكون غسل البشرة في محل الغسل و لا يعتبر أزيد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 396

ذلك فلو غسل كل جزء من البشرة التي موضع الغسل من الوضوء بالماء الجديد يصح ذلك، فكذلك في بدل البشرة و هو ظاهر الجبيرة، غاية الأمر يجب في البدل الغسل و في البدل المسح.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في موضع المسح فالواجب كون المسح على ظاهر الجبيرة بنداوة الوضوء لوجوب ذلك في المبدل و كذلك في بدله، و أن يكون بالكف و بالماء الذي في الكف بالتفصيل المتقدم في المسح.

الرابع: يتعين في المسح على الجبيرة الواقعة على محل الغسل استيعاب المسح ظاهر الجبيرة

لوجوب غسل المبدل و هو البشرة كذلك فيجب في بدله كذلك.

و أمّا في مسح ظاهر الجبيرة الواقعة في محل المسح يكفى المسمى في الطول و العرض في الرأس و يكفى المسمى في الرجل في العرض، و أمّا في الطول فيجب مسح ما بين الحدين بالتفصيل المتقدم في مسح الرجلين.

الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه في مسح الجبيرة في موضع الغسل:

الأحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء بخلاف المسح على الجبيرة في موضع المسح فالأحسن أن لا يصر شبيها بالغسل.

أقول: أمّا في الصورة الاولى فبعد ما قلنا من أن الواجب مسح ظاهر الجبيرة فيكفى ما يحصل به المسح، نعم حيث يكون بدل الغسل يجب ما يجب فيه من أنّه يكون من الأعلى إلى الاسفل، فإن كان نظره من أنّه يكون شبيه الغسل من الحيث الذي قلنا فتمام، و أمّا إن كان نظره إلى ان المسح يكون مثل الغسل في جريان الماء عليه فلا يجب لعدم اعتبار ذلك في المسح.

و أمّا في الصورة الثانية فالاحسن أن لا يصير شبيها بالغسل، بل إن كانت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 397

الرطوبة الواقعة على الماسح زائدة فالاولى تقليلها كما مر في المسألة 29 من مسائل أفعال الوضوء.

السادس: قال المؤلف رحمه اللّه: إن في الاولى لا يكفى مجرد ايصال النداوة بخلاف الثانية

حيث المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفى فيه هذا المقدار.

أقول: كما بينا في شرح فصل الجبيرة بأن ما دل عليه أخبار الواردة في الباب هو المسح، و المسح كما بينا في مسئلة المسح ليس إلّا إمرار الماسح على الممسوح، غاية الأمر بالنداوة، فيكفى المسح بالنداوة أعنى: مع الرطوبة في كل من المسح الواقع في محل الغسل، أو الواقع في محل المسح، غاية الامر يجب أن يكون في الثاني بالرطوبة و النداوة الباقية على باطن الكف، فلا فرق بين المورد الأوّل و الثاني من حيث كفاية كون المسح بالنداوة و الرطوبة.

فما قال المؤلف رحمه اللّه من أنّه لا يكفى في الاولى مجرد النداوة لا يتم حتى على مختاره فى الجبيرة في محل الغسل بالتخيير بين الغسل و المسح، لأنّه مع جواز المسح يكفى مجرد النداوة، و أما

على مختارنا يتعين ما يحصل به المسح و إن كان فى موضع الغسل كما نقول فى الفرق السابع.

السابع: من الفروق على ما قاله المؤلف رحمه اللّه

انّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تخفيفها في الاولى بخلاف الثانية.

أقول: ما قال رحمه اللّه من وجوب تخفيف الرطوبة الواقعة في مسح الجبيرة إن كانت الرطوبة زائدة فصحيح، و لا يخالف مع ما قاله في المسألة 29 من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء حيث قال مسئلة 29 إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها، بل يقصد المسح بامرار اليد و إن حصل به الغسل و الاولى تقليلها) لأنّ هنا يقول بوجوب التخفيف في رطوبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 398

الممسوح كى يغلب عليها الرطوبة التى فى الماسح و أما فى مسئلة 29 فيكون نظره الى صورة تكون رطوبة الماسح زائدة، فقال بعدم وجوب تخفيفها، بل الاولى تخفيفها كما نحن أيضا نقول به، كما نذكر بعد ذلك في قولنا: فعلى هذا صح ما قاله من الفرق السابع.

الثامن: قال المؤلف رحمه اللّه: يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الاولى دون الثانى.

أقول: ما يجب في المسح في الجبيرة في محل الغسل يجب مراعاة الأعلى فالأعلى لوجوبها في المبدل فكذلك في البدل.

و أمّا في المسح على الجبيرة في موضع المسح، أما إذا كان في محل مسح الرأس فحيث قلنا بعدم وجوب كون المسح من أعلى الرأس الى أسفله، بل إن كان الأحوط استحبابا مراعاته، نقول في المسح على الجبيرة الموضوعة على الرأس بعدم وجوب كون المسح من أعلى الرأس و إن كان الأحوط استحبابا ذلك.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في محل المسح من الرجلين، فقد مرّ عند البحث عن مسح الرجلين بأنّ الاقوى جواز المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين كما يجوز عكسه و إن كان الأحوط استحبابا هو الأوّل، فكذلك نقول في المسح على الجبيرة الموضوعة

على محل المسح منهما.

التاسع: قال رحمه اللّه: من الفروق أنّه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح

بخلاف الاولى فيكفى فيها بأيّ وجه كان.

أقول: أما إذا كانت في محل المسح فلا بدّ من إمرار الماسح على الممسوح لتحقق صدق المسح.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في محل الغسل، فإن قلنا بكفاية الغسل على ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 399

الجبيرة و أنّه لا يعتبر في صدق غسل إلّا ايصال الماء على الموضع المغسول كما قوّيناه فصحّ ما قاله لان يمكن أن يوصل الماء بكل نقطة نقطة من ظاهر الجبيرة مع مراعاة الأعلى فالأعلى بدون إمرار الماسح عليه.

و لكن بعد ما قويّنا وجوب المسح في الجبيرة الموضوعة على محل الغسل أيضا فندور مدار صدق المسح، فكلما نقول في مسح ظاهر الجبيرة في محل المسح فنقول في المسح على الجبيرة في محل الغسل.

***

[مسئلة 27: لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة.

(1)

أقول: لاطلاق الأدلّة الواردة فيها، فلا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب.

***

[مسئلة 28: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء واجبة و مندوبة، و إنما الكلام في أنّه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيبا أو يجوز الارتماسى أيضا، و على الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ الأقوى جوازه و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 400

عدم وجوب المسح و إن كان الأحوط اختيار الترتيب، و على فرض اختيار الارتماسى فالأحوط المسح تحت الماء، لكن جواز الارتماسى مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الاعضاء أو كونه مضرّا من جهة وصول الماء إلى المحل.

(1)

أقول: يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء

واجبة و مندوبة في الجملة لأن مورد بعض الأخبار الواردة في الجبيرة مورد الغسل أيضا و اطلاقه يشمل الغسل الواجب و المندوب.

الجهة الثانية: هل يتعين في الغسل الجبيرة ايقاع الغسل ترتيبيّا أو يتخيّر

بينه و بين إيقاعه ارتماسيا.

وجه تعين الترتيبى انّه بعد كون الواجب على من عليه الجبيرة مسح ظاهر الجبيرة، و بعد كون الواجب في غسل الارتماسى وقوعه دفعه واحدة، فمع وجوب المسح لا يمكن مع ايجاد المسح على الجبيرة الدفعة المعتبرة في الارتماسى.

وجه جواز الارتماسى، إمّا عدم وجوب المسح، بل كفاية غسل ظاهر الجبيرة، و إمّا عدم وجوب الدفعة العرفية في الغسل الارتماسى.

و حيث بينّا أن الواجب هو المسح على الجبيرة معيّنا و لا يمكن اعتبار تحقق الغسل الارتماسى دفعة واحدة مع المسح و يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه، فنقول الأحوط الغسل الترتيبى و يأتي الكلام في الغسل إنشاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 401

الجهة الثالثة: و على فرض اختيار الارتماسى فالأحوط المسح تحت الماء

رعاية لاحتمال وجوب المسح و الآنية التي ليس لها الامتداد في الغسل الارتماسى لأنّه بعد وقوع تمام البدن آنا ما تحت الماء يحصل الارتماس، ففى هذا الآن لو مسح وقع في الآن الحاصل فيه الارتماس للغسل.

الجهة الرابعة: لو قلنا بجواز الغسل الارتماسى مع الجبيرة فهو مشروط بعدم وجود مانع آخر

من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الاعضاء مثل ما إذا كان الارتماس في الماء القليل، فإن كان عضو نجسا و كان الماء قليلا ينجّس الماء و ينجس ساير الاعضاء، و مثل ما كان الارتماس مضرا من جهة وصول الماء إلى المحل.

***

[مسئلة 29: إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما فالحال فيه حال الوضوء في الماسح كان أو في الممسوح.

(1)

أقول: و العمدة في وجه إلحاق التيمم بالوضوء و الغسل هو كونه مورد الوفاق عند الأصحاب لما يرى من دعوى عدم خلاف ظاهر في المسألة عن بعض، أو كانه لا خلاف فيه عن بعض آخر.

و مع قطع النظر من ذلك يمكن الاستدلال برواية الحسن بن على الوشاء قال سألت أبا الحسن عليه السلام: عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه) و هى الرواية الثانية من الطائفة الثانية من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 402

روايات الجبيرة قد منا ذكرها.

و برواية الكليب الاسدى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل) ذكرناها في الطائفة الثالثة من الروايات المربوطة بالجبيرة.

وجه الاستدلال أن السؤال في الأوّل عمن في يديه الدواء و سؤاله عن إجزاء المسح على الدواء، و كذلك في الثانية يكون السؤال عن الكسير المتخوف على نفسه فقال فليمسح على جبائره بدون وقوع السؤال عن الوضوء أو الغسل أو التيمم فيستفاد منهما تعميم الحكم لكل من الثلاثة.

و لا فرق في الالحاق بين الماسح و هو باطن الكف في

التيمم أو الممسوح و هو الجبهة و الجبينين و ظاهر الكفين لشمول الفتوى لهما و لشمول الروايتين لهما.

***

[مسئلة 30: في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال بل لا يبعد انفساخ الاجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الاتمام و اشتراط المباشرة، بل اتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجوّ الزوال، و كذا يشكل كفاية تبرعه عن الغير.

(1)

أقول: قد يقال «1» بأن جواز استيجار صاحب الجبيرة و عدمه مبنى على كون

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 558.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 403

رافعية الناقص و هو الوضوء مع الجبيرة رافعية تامّة، و عدم كون رافعيتها رافعية تامة، لأنّه بناء على الأوّل فوضوء صاحب الجبيرة له رافعية تامة مثل وضوء من ليس عليه الجبيرة، فلا مانع من استيجاره لمن كان عليه الصلاة مع الوضوء التام في الرافعية، لأنّ صلاة من استوجر له الاجير مشروط بالطهارة، و هو على الفرض وضوئه رافع للحدث و محصل للطهارة.

و أمّا بناء على كون رافعية وضوء صاحب الجبيرة رافعية ناقصة كما اختار هذا القائل في شرح مسئلة 25 فلا يجوز استيجاره، لأنّ غاية ما يدل دليل تشريع الجبيرة هو تشريعه لصلاة نفسه فرافعيته الناقصة تكون مشروعة بالنسبة إلى صلاة نفسه، و أمّا بالنسبة إلى صلاة غير فلا دليل على تشريع وضوء الجبيرة لها، فلا يكون وضوئه رافعا للحدث بالنسبة إلى صلاة غيره، فلا يصحّ استيجاره لعدم تمكينه من الصلاة مع الطّهارة الرافعة للحدث.

أقول: أولا كما بينا في المسألة 25 أنّ الاقوى كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث لا مبيحا و لا رافعا ناقصا، لان المستفاد من الأدلّة

أن للوضوء فردين فردا مع غير الجبيرة و فردا مع الجبيرة، فعلى هذا لا مانع من استيجار صاحب الجبيرة لكون وضوئه كوضوء من ليس عليه الجبيرة وضوء تامّا يرفع به الحدث و يحصل به الطّهارة فلا مانع من استيجاره.

و ثانيا أن ما زعم هذا القائل من أن صحة الاجارة و عدمها مبنى على القول بكون وضوء صاحب الجبيرة رافعا تامّا فيصح استيجاره و إن كان رافعا ناقصا لا يصح استيجاره غير تمام.

لان المتيقن من أدلة الجبيرة مشروعية الوضوء الجبيرة بالنسبة إلى صلاة نفسه بمناسبة انّه صار مبتلى بها و لم يقدر على الوضوء بلا جبيرة و لا بد من الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 404

فشرع باعتبار اضطراره له الجبيرة و أمّا ما لا يضطر إليه مثل صلاة الغير فلا اضطرار له بها فلا وجه لتشريع الوضوء مع الجبيرة له و لهذا يكون وضوئه رافعا ناقصا لخصوص صلاة نفسه لا صلاة غيره.

فكما أنّه لو قلنا بأن الوضوء مع الجبيرة و إن شرع لمن عليه الجبيرة لكن رافعيته للحدث مطلق من حيث صلاة نفسه و صلاته نيابة عن غيره بناء على رافعيته المطلقة.

كذلك يمكن أن يقال بناء على رافعيته الناقصة، لأنّ معنى رافعيته الناقصة كما قال هذا القائل هو ترتب آثار اثر التام على الناقص في ظرف كونه ذى الجبيرة فاثره من سنخ أثر المبدل، و بعد كون سنخ اثر المبدل هو الرافعية يكون اثر البدل الرافعية، غاية الأمر في الأوّل رافعية تامه و في الثانية رافعية ناقصة فبناء عليه لا إشكال في استيجار ذى الجبيرة.

ثم إنّه على ما قلنا من كون الوضوء الجبيرة رافعا للحدث و رافعيته رافعية تامة كالوضوء بلا

الجبيرة، فلو صار اجيرا للصلاة و طرأه العذر في أثناء مدة الاجارة و احتاج إلى الجبيرة ينفسخ الاجارة في موردين.

الأوّل أن يكون الاجارة مقيدة بكون وضوء صلاته بلا جبيرة مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة بلا جبيرة و الثاني أن تكون مقيدة بالمباشرة.

و أمّا لو لم تقيد بعدم كون الوضوء للصلاة المستأجرة الوضوء بلا جبيرة، أو عدم التقيد بمباشرة نفسه.

فتارة يكون للمستأجر الخيار، و هو فيما يشترط كل منهما أو واحد منهما في الاجارة بنحو يكون المشروط أصل ايقاع الصلاة و يشترط فيها أحد الشرطين أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 405

كليهما بحيث يكون بنحو تعدد المطلوب، فعدم القدرة على الشرط أو عدم اتيانه لا يقتضي بطلان الاجارة، بل يكون للمستأجر الخيار فيكون في هذا الفرض مثل صورة لا تقيد الاجارة بهما أو بأحدهما و لا يشترط فيها أحد الأمرين أو كليهما فتصح الاجارة و لا تنفسخ بطروّ العذر المقتضى للجبيرة كما بينّا لك.

هذا كله على ما اخترنا من صحة استيجار ذى الجبيرة.

و أمّا على قول من يقول بعدم صحة استيجار ذى الجبيرة للصلاة، فاذا طرأ العذر المسوّغ للجبيرة في أثناء مدة الاجارة، فتارة ليست الاجارة مقيّدة بالمباشرة و لا مشروطة بها فلا وجه لانفساخ الاجارة، لأنّ عليه العمل و هو الصلاة أعم من المباشرة و غير المباشرة، فيقدر على اتيان العمل و لو بوسيلة الغير فلا وجه لبطلان الاجارة.

و تارة تكون الاجارة مقيدة بالمباشرة بحيث يرجع عقد الاجارة إلى تمليك عمل نفسه للصلاة، فمع تعذر العمل لعدم امكان اتيانه الصلاة مع الوضوء التام، و هو الوضوء بلا جبيرة و عدم كفاية الوضوء مع الجبيرة على الفرض، تنفسخ الاجارة، لأنّ فرض

الكلام على القول من يقول بعدم صحة استيجار ذى الجبيرة ذلك.

و تارة لا تكون الاجارة مقيدة بالمباشرة بل يكون بنحو الاشتراط و تعدد المطلوب، بمعنى ان المطلوب الاولى هو العمل في ذمته و المطلوب الثاني ايقاع هذا العمل بالمباشرة، ففي هذه الصورة لا ينفسخ عقد الاجارة، لان العجز يوجب بطلان الشرط و بطلان الشرط لا يوجب بطلان المشروط بل للمستأجر خيار الفسخ في هذه الصورة.

فمن هنا يظهر أن كلام المؤلف رحمه اللّه من أنّه لا يبعد انفساخ الاجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الاتمام و اشتراط المباشرة ليس إطلاقه بتمام، إذ مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 406

كون المباشرة شرطا ففقدها لا يوجب انفساخ عقد الاجارة.

ثم إنّه هل يجوز على من عليه الجبيرة قضاء الصلوات عن نفسه، الأقوى جوازه سواء كان العذر مرجوّ الزوال أم لا.

ثم إن سيدنا الاعظم رحمه اللّه قال في حاشيته على العروة فى هذا الفرض «اذا توضأ صاحب الجبيرة وضوئه المشروع فجواز اتيانه بعده بالقضاء عن نفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة السابقة الثابتة لا يخلو من قوة، نعم لا يشرع له وضوئه لصلاة القضاء عن نفسه أو عن غيره على الاقوى»

أقول: ان قيل: إن المنصرف إليه من أخبار الجبيرة هو مشروعية الوضوء لخصوص الصلوات اليوميّة الادائيّة لاضطراره بأدائها و لعدم امكان الوضوء لها إلا بالجبيرة ليصح ما قاله، و لازمه عدم مشروعية الوضوءات المستحبة للغايات المستحبة لعدم اضطرار بها، و أمّا لو لم نقل بذلك كما هو ظاهر الأخبار و مورد الاخبار مطلق، فمن يريد الوضوء للعمل الموظف وجوبا أو ندبا إذا صار مبتلى بالجبيرة فيتوضأ الوضوء الجبيرة فكما

يشرع الوضوء الجبيرة لصلاته الأدائية و رافع للحدث، كذلك لصلاته القضائية و الصلاة التى صار اجيرا لادائها او متبرعا لادائها، فتأمل.

و كذا لو تبرع عن الغير في قضاء صلواته، لأنّه بعد كون الوضوء الجبيرة على ما بينّا رافعا للحدث، و لم يكن في البين ما يوجب تقييد أدلة الجبيرة بكون رافعيته لخصوص الصلاة التي صار معذورا فى وضوئها لا صلوات آخر قضائية عن نفسه أو غيره.

فنقول بأن إطلاق دليلها يقتضي رافعية وضوئه للحدث ما دام معذورا، و بعد عدم كونه محدثا و يكون واجدا للطهارة فلا مانع من اتيان كل ما يشترط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 407

فيه الطّهارة.

***

[مسئلة 31: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلوات التي صلاها مع وضوء الجبيرة و إن كان في الوقت بلا إشكال، بل الأقوى جواز الصلوات الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلفا بالجبيرة.

و أمّا في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة و التيمم فلا بدّ من الوضوء للأعمال الآتية لعدم معلومية صحة وضوئه، و إذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستيناف أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب قضاء الصلوات

التي مضى وقتها و قد أتى بها مع الوضوء الجبيرة مسلما سواء كان وضوء الجبيرة رافعا تاما كما هو الأقوى، أو كان رافعا ناقصا أو كان مبيحا، لأنّه في كل هذه الصور تكون الصلاة الواقعة صحيحة واجدة لما يعتبر فيها.

الجهة الثانية: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة و صلى صلاة مع الوضوء الجبيرة

و لم يقض وقتها فهل تصح هذه الصلاة أو يجب إعادتها؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 408

وجه وجوب الاعادة هو عدم جواز البدار على ذوى الاعذار مطلقا، أو في خصوص ذى الجبيرة لعدم إطلاق لدليل الجبيرة يشمل العذر الغير المستوعب للوقت، لأنّ مورد الجبيرة هو العذر عن اتيان التكليف التام و العجز عنه، و لا يصدق مع القدرة على امتثال المأمور به التام في بعض من الوقت، لأنّ العجز لا يصدق إلّا بالعجز عن تمام أفراد الطبيعة، فمتى يقدر على امتثال المأمور به في بعض الوقت فهو قادر على امتثال الوضوء التام و اتيان المأمور به و هو الصلاة مع الوضوء التام فيجب إعادة الصلاة.

و وجه عدم وجوب الاعادة هو جواز البدار، لأنّه بعد كون الوضوء له فردان فرد بالوضوء التام و فرد مع الجبيرة، فكما يجوز له البدار في الأوّل يجوز له البدار في الثاني، و يكون الوضوء مع الجبيرة و الوضوء بلا جبيرة كصلاة المسافر و الحاضر.

أقول: اعلم أن الناظر في أخبار الواردة في الجبيرة يرى عدم كون هذه الأخبار في مقام البيان من حيث كون البدار جائزا أم لا، فلا معنى للتمسك بإطلاق الأخبار من هذا الحيث.

فبعد ذلك نقول: بأنه بعد كون مقتضى إطلاق الأدلّة الاولية الواردة في الوضوء الغسل و المسح على البشرة فيما يجب الوضوء للصلاة، فبعد دخول وقت الصلاة و تخيير المكلف في أفراد الوقت، فالاضطرار

يصدق فيما يحصل العجز بالنسبة إلى تمام أفراد المأمور به، فاذا اضطر في تمام الوقت و يعجز عن الصلاة مع الوضوء بلا جبيرة ينتقل التكليف بالوضوء مع الجبيرة.

و أمّا لو لم يكن العجز مستوعبا و يمكن امتثال التكليف بالصلاة مع الوضوء بلا جبيرة فلا يصح الوضوء مع الجبيرة، لأنّ المتقين من تقييد الاطلاقات الأوّليّة في الوضوء بأخبار الجبيرة هو العذر المستوعب، فلا يصح في غير المورد، و لازم ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 409

عدم جواز البدار في أول الوقت مع رجاء زوال العذر في آخر الوقت.

الثالثة: هل يجوز إتيان الصلوات الآتية بالوضوء الجبيرة بعد رفع العذر

عن الجبيرة في الموارد التي يعلم بكونه مكلفا بالجبيرة فتوضأ وضوء الجبيرة أم لا؟

الأقوى جوازه لأنّه بعد ما بينّا من كون الوضوء الجبيرة رافعا للحدث، فما دام الوضوء باقيا يصح إتيان كل غاية من الغايات المشروطة بالطهارة، فيجوز الصلوات الآتية بهذا الوضوء.

الرابعة: و أمّا في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة و التيمم،

فهل يجوز اتيان الصلوات الآتية و غيرها من الغايات المشروطة بالطهارة بالوضوء الجبيرة بعد وقع العذر أم لا؟

الأقوى عدم الجواز لأنّه بعد كون المحتمل في صورة الاحتياط بين الوضوء الجبيرة و بين التيمم أن يكون التكليف هو التيمم، و لا ريب في انتقاض التيمم بارتفاع العذر، فلا يكون واجدا للطهارة فلا يصح الصلاة.

الخامسة: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة في أثناء الوضوء

وجب استيناف الوضوء أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها، أو المسح على البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة أو لا، بل يصح الوضوء الواقع مع الجبيرة و إن ارتفع العذر قبل إتمام الوضوء.

أقول: لا يبعد وجوب استيناف الوضوء أو العود إلى غسل البشرة أو مسحها التي كانت مسح على جبيرتها مع عدم فوت الموالاة، لأنّ أدلة الاكتفاء بالمسح على الجبائر منصرف عن هذه الصورة و إن كان البدار جائزا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 410

[مسئلة 32: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة اوّل الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة اوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره، و مع عدم الياس الأحوط التأخير.

(1)

أقول: بعد فرض عدم جواز البدار في أول الوقت مع رجاء زوال العذر.

يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في جواز البدار مع اليأس عن زوال العذر في آخر الوقت.

فنقول بجواز البدار و الوضوء في أول الوقت، لأنّه بعد كون مورد الجبيرة العذر المستوعب و هو على الفرض مأيوس عن زوال العذر، فيعلم بالعذر المستوعب فيجوز له الوضوء الجبيرة في أوّل الوقت.

المورد الثاني: مع عدم اليأس عن زوال العذر في آخر الوقت، هل يجوز الوضوء في اوّل الوقت أم لا؟

قد يقال بعدم جوازه لأنّ موضوعه العذر المستوعب و هو غير معلوم فلا يجوز البدار.

أقول: بناء على عدم مضرية الترديد في النية لا مانع من الوضوء في أوّل الوقت مع الجبيرة في هذا الفرض برجاء بقاء العذر، غاية الأمر إن استمر العذر صح الوضوء و إلّا فلا.

***

[مسئلة 33: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة ثم تبين عدم الضرر في الواقع، أو اعتقد عدم الضرر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 411

فغسل العضو ثم تبيّن أنّه كان مضرا و كان وظيفته الجبيرة، أو اعتقد الضرر و مع ذلك ترك الجبيرة ثم تبيّن عدم الضرر و أنّ وظيفته غسل البشرة، أو اعتقد عدم الضرر و مع ذلك عمل بالجبيرة ثم تبين الضرر صح وضوئه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين، و الأحوط الاعادة في الجميع.

(1)

أقول: إن قلنا بأن الضرر الموضوع لحكم الجبيرة هو الضرر الواقعى ففي الصورة الاولى يبطل الوضوء.

و أمّا إن كان موضوع الحكم هو الخوف الفعلى

كما استظهرنا ذلك من رواية الكليب فمجرد اعتقاد الضرر كاف لصحة الوضوء الجبيرة و إن لم يكن ضرر واقعا كما قال المؤلف، و لكن الصحة مخالف مع مبناه من كون الضرر الضرر الواقعى و عدم إجزاء الحكم الظاهرى.

كما أن في الصورة الثانية يبطل الوضوء على الاحتمال الأوّل و يصح على الاحتمال الثاني الذي اخترناه، و اختيار المؤلف رحمه اللّه الصحة في هذه الصورة مخالف مع مبناه كما قلنا فى الصورة الاولى، كما أن في الصورة الثالثة يصح الوضوء على الاحتمال الأوّل من حيث عدم الضرر لكن يبطل وضوئه لتجريه فمع تجريه لا يكون وضوئه مقربا. كما انّه يبطل الوضوء على ما اخترنا من الاحتمال الثاني، لأنّ موضوع الجبيرة الخوف الفعلى الحاصل من الضرر.

كما انّه في الصورة الرابعة و إن صح الوضوء على الاحتمال الأوّل من حيث كون الضرر ضررا واقعيا لكن يبطل الوضوء لأجل أنه مع تجريه لا يكون مقربا، و امّا ما اخترنا من الاحتمال الثاني فيبطل الوضوء لأجل أنّه مع اعتقاده عدم الضرر يكون تكليفه الوضوء الصحيح لا الوضوء مع الجبيرة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 412

و الأحوط في الجميع إعادة الوضوء رعاية الاحتمالين.

***

[مسئلة 34: في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط الجمع بينهما.

(1)

أقول: منشأ الشك إن كان الشك في الموضوع، و بعبارة اخرى كانت الشبهة موضوعية، فتارة يجرى الاستصحاب، مثلا كانت الجبيرة طاهرة سابقا و يشك بعد ذلك في أنها باقية على طهارتها أو صارت نجسة بناء على عدم جواز المسح على الجبيرة النجسة و وجوب التيمم، فيستصحب طهارتها و يمسح عليها.

و تارة ليس للشك حالة سابقة فيعلم إجمالا بأن وظيفته

إمّا الوضوء الجبيرى أو التيمم، فمقتضى العلم الاجمالى هو الجمع بينهما.

و أمّا إن كان منشأ الشك الشبهة في الحكم و كانت الشبهة حكمية فأمرها راجع الى المجتهد، و ما يقتضي الاجتهاد فيما يشك في أن الوظيفة الوضوء مع الجبيرة أو التيمم، و ليس دليل يدل على وجوب الوضوء مع الجبيرة فالتكليف هو التيمم، لأنّ في موارد الضرر إن لم يدل دليل على مشروعية الجبيرة فعموم أدلة التيمم أو إطلاقها محكم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 413

فصل: في حكم دائم الحدث

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 415

قوله رحمه اللّه

فصل في حكم دائم الحدث المسلوس و المبطون إمّا أن يكون لهما فترة تسع الصلاة و الطّهارة و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات أم لا، و على الثاني إمّا أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة مثلا أو هو متصل، ففي الصورة الاولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة سواء كانت في أول الوقت أو وسطه أو آخره، و إن لم تسع إلّا لاتيان الواجبات اقتصر عليها و ترك جميع المستحبات، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت نعم لو اتفق عدم الخروج و السلامة إلى آخر الصلاة صحت إذا حصل منه قصد القربة، و إذا وجب المبادرة لكون الفترة في أول الوقت فأخّر إلى الآخر عصى لكن صلاته صحيحة، و أمّا الصورة الثانية و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلّا أنّه لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقة في التوضؤ في الأثناء و البناء يتوضأ و يشتغل بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه، فإذا خرج منه شي ء توضأ بلا

مهلة و بنى على صلاته من غير فرق بين المسلوس و المبطون، لكن الأحوط أن يصلى صلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 416

اخرى بوضوء واحد خصوصا في المسلوس، بل مهما امكن لا يترك هذا الاحتياط فيه.

و أمّا الصورة الثالثة و هي أن يكون الحدث متصلا بلا فترة أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كل حدث و بنى لزم الحرج يكفى أن يتوضأ لكل صلاة، و لا يجوز أن يصلى صلاتين بوضوء واحد نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة، هذا إن امكن اتيان بعض كل صلاة بذلك الوضوء، و أمّا إن لم يكن كذلك بل كان الحدث مستمرا بلا فترة يمكن إتيان شي ء من الصلاة مع الطّهارة فيجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة، و هو بحكم المتطهر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكل صلاة، و الظاهر أن صاحب سلس الريح أيضا كذلك.

(1)

أقول: الكلام يقع في صور ثلاثة:

الصورة الاولى: يقع الكلام في المسلوس و المبطون

اشارة

الذي يكون لهما فترة تسع الصلاة و الطّهارة و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات ففي هذه الصورة يجب اتيان الصلاة في هذه الفترة معيّنا، لأنّ هذا مقتضى الأمر بالصلاة مع الطّهارة، فمع القدرة عليها يجب امتثاله و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات، و هذا واضح لوجوب اتيان الواجبات و جواز ترك المستحبات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 417

و لا مجال للقول بعدم وجوب اتيان الصلاة في هذه الفترة كما حكي عن الاردبيلى رحمه اللّه لعدم شمول الأخبار الواردة في المسلوس و المبطون هذه الصورة كما نبيّنه في طى

بعض الصور الآتية.

ثم بعد فهم حكم الصورة في الجملة يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: لا فرق فيما قلنا من وجوب اتيان الصلاة في فترة تسع لها و للطهارة من الوقت

بين كون هذه الفترة في أول الوقت أو وسطه أو آخره، لأنّ المكلف و إن كان في الوقت الموسّع للصلاة مخيّرا في اتيانها في أيّ جزء من الوقت لكن بعد تعذر اتيانها في بعض من الوقت يتعين اتيانها في خصوص الجزء المقدور لأنّه مع تعذر بعض أفراد الواجب التخييرى تعين ما لم يتعذر من أفراده، فإذا كان الوقت المقدور أول الوقت يجب اتيان الصلاة مع الطّهارة في هذا الوقت، و إن كان وسط الوقت يتعين اتيانها فيه، و إن كان آخر الوقت يتعين إتيانها فيه.

الجهة الثانية: لو أتى بالصلاة في غير هذه الفترة

بطلت الصلاة، لأنّه بناء على ما عرفت من كون المأمور به هو الصلاة مع الطّهارة فلو أتى في الوقت الذي لا يتمكن من الصلاة مع الطّهارة، مع قدرته في الجزء الاخر من الوقت و هو حال الفترة من اتيان الصلاة بشرائطها، بطلت الصلاة لكونها غير المأمور به.

الجهة الثالثة: لو أتى بالصلاة في غير وقت الفترة

و اتفق عدم الخروج و السلامة الى آخر الصلاة، فتارة يحصل منه قصد القربة فتصح صلاته لوقوعها مع الشرط و هو الطّهارة مع قصد القربة.

و تارة لم يحصل منه قصد القربة فلا تصح صلاته لفقد ما هو المعتبر من نية التقرب في العبادة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 418

الجهة الرابعة: لو كان حال الفترة الذي يتمكن من إتيان الصلاة مع الطّهارة

أول الوقت أو وسطه، فأخّر عمدا عن هذا الوقت و بعد تأخيرها لا يتمكن من الصلاة مع الطّهارة لطرو السلس او البطن فقد عصى بسبب عدم اتيانه المأمور به في وقته المعيّن و لا كلام في عصيانه.

و أمّا لو فعل ذلك و عصى فهل تصح صلاته التي يأتي بها في حال الابتلاء بالسلس و البطن بالكيفية التي نتعرض إنشاء اللّه في الصورة الثانية أو الثالثة أم لا؟

الأقوى صحتها لاطلاق الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون من حيث كون وقوع صلاته في الحالتين باختياره أو باضطراره.

الصورة الثانية: و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة لأن يصلى الصلاة

اشارة

مع الطّهارة إلّا أنّ طروّ أحدهما في أثناء الصلاة لا يزيد على مرتين أو مرات أو أزيد بلا مشقة في التوضؤ في اثناء الصلاة و البناء على ما مضى منها و اتيان ما بقى من الصلاة.

فهل يجب ذلك عليه أو يتوضأ لكل صلاة و عفي عما يتقاطر أو يخرج في أثنائها أو غير ذلك من الاحتمالات، بل الاقوال في المسألة.

أقول: و قبل بيان ما يأتي بالنظر

نذكر الأخبار المربوطة بالباب

ينفعك لفهم حكم هذه الصورة و الصورة الثالثة، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن تقطير البول، قال: يجعل خريطة إذا صلى «1».

الثانية: ما رواها حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علقه عليه

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 419

و أدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر، يؤخر الظهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصبح «1».

الثالثة: ما رواها منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه، قال: فقال لى: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه اولى بالعذر يجعل خريطة «2».

الرابعة: ما رواها سماعة قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من (فرجه) إمّا دم و إمّا غيره، قال: فليصنع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدون إلّا من الحدث

الذي يتوضأ منه «3».

الخامسة: ما رواها محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المبطون، فقال: يبنى على صلاته «4».

السادسة: ما رواها محمد بن المسعود العياشى قال حدثنا محمد بن نصير عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن عبد اللّه بن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى «5».

و حيث إن في طريق الرواية محمد بن نصير و عبد اللّه بن بكير يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 5 من نواقض الوضوء من كتاب جامع احاديث.

(4) الرواية 3 من الباب 19 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 420

أقول: أما الكلام في الرواية الاولى و الثانية و الثالثة الواردة في سلس البول.

فاما الاولى منها فالمستفاد منها جعل الخريطة لأن لا يسرى النجاسة إلى غير موضع خروج البول، و يحتمل دلالتها على اغتفار الموضع من حيث النجاسة.

أما حكم الوضوء لو خرج البول في أثناء الصلاة فقد يقال: بأنها ساكتة عنه، لكن لا يبعد دلالتها على اغتفاره من حيث النجاسة و من حيث الناقضية، لأنّه بعد كون المرتكز عند السائل و المسئول عنه كون البول نجسا و ناقضا، فسؤاله يكون عن كل من الجهتين و جواب الامام عليه السّلام عن جعل الخريطة بدون تعرض عن بطلان الصلاة من حيث ناقضيته و نجاسته مع كون المورد

مورد الجواب دليل ظاهر على اغتفاره من كل من الجهتين.

و كذا الثانية منها تدلّ على جعل الكيس و جعل القطن فيه، و من المعلوم أن ذلك لاجل عدم سراية النجاسة إلى ساير المواضع، و يحتمل اغتفار نجاسة الموضع و المحل بالجمع بين الصلاتين و يحتمل اغتفار ناقضيته أيضا و الظاهر ذلك كما بينا في الرواية الاولى، نعم هنا كلام فى أن وجه التعجيل وقوع الصلاة مع الطّهارة قبل خروج البول.

و أمّا حكم ما إذا خرج البول في أثناء الصلاة من حيث وجوب تطهير البدن و عدمه أو ناقضية البول و عدمها و من حيث وجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة لو طرأه البول و عدمه فساكتة عنه.

أو أن مورد الرواية صورة خروج البول لأنّ السائل فرض أنّ الرجل يقطر منه البول.

و ما يأتى بالنظر عاجلا هو الاحتمال الاول لأن الامر بالجمع بين الصلاتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 421

بأذان و إقامتين لا يناسب الّا مع كون مفروض كلامه عليه السلام صورة عدم خروج البول فى أثناء الصلاة، و ما فرض السائل من أنّ «الرجل يقطر منه البول» لا ينافى ذلك لانّ من يقطر منه البول تارة له فترة بقدر الصلاة، و تارة لا يكون له هذه الفترة، بل يخرج منه البول حال الصلاة، فبيّن عليه السلام الصورة الاولى فعلى هذا تكون الرواية مربوطة بالصورة الاولى من الصور الثلاثة المذكورة فى المتن.

و الثالثة هل تدلّ على أن من لم يقدر على حبس بوله فهو معذور من حيث نجاسة البول و ناقضيته، و يستفاد منها حكم الوضوء في أثناء الصلاة إن طرأه البول مرة أو مرات بحيث لا يكون حرج في الوضوء و

البناء على ما مضى من صلاته و إتيان ما بقى منها بدعوى أن إطلاقها يقتضي كونه معذورا من حيث طرو البول من حيث النجاسة و الناقضية، لأنّه لا يقدر على حبسه في الصلاة.

أو لا بل يقال: إن الرواية لم تتعرض لحال الصلاة، فالمستفاد منها عدم مضرية خروج البول لمن لم يقدر على حبسه من حيث النجاسة.

أقول: بعد كون خروج البول له اثران النجاسة و ناقضيته للطهارة فبعد كون السؤال و الجواب مطلقا، فالمستفاد منها هو أن مع العذر يكون طروه بماله من الاثرين مغتفرا، فلا يبعد دلالتها على انّه لو طرأ لسلس البول البول بحيث لا يقدر على حبسه فهو معذور، لأنّ اللّه تعالى أولى بالعذر، بل الوظيفة هي جعل الخريطة لان لا يسرى إلى غير موضعه.

فعلى هذا يمكن أن يقال: إن مفاد الرواية الثالثة مفاد الرواية الرابعة التى نتعرض لمفادها إنشاء اللّه.

و أمّا الرواية الرابعة فمفادها أن من يخرج من فرجه دم أو غيره (و غيره يشمل البول) ليضع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فانّما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 422

إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه.

فهذه الرواية كما أشرنا في ذيل الرواية الثالثة تدلّ على أن من يخرج من فرجه دم أو غيره إذا توضأ لا يعيد وضوئه إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه، فما لم يحدث حدث يتوضأ منه يجوز له صلوات و إن طرأ بين كل واحدة منها أو بعد كل واحدة منها قبل إتيان صلاة اخرى البول.

لكن قد يشكل الاستدلال بالرواية الرابعة لكونها مضمرة، إذ لم يذكر سماعة عمن يروى الرواية، و لأجل أن الصادر هل هو (قرحه) أو (فرجه) و

إن كان لا يبعد كون الصادر (فرجه) لما فى ذيلها فلا يعيدون الّا من الحدث الّذي يتوضأ منه، لأنّ ذكر خصوص الحدث يناسب كون الخارج ما يبطل الوضوء بحسب طبعه و إن كان للاشكال فيه مجال.

و على كل حال يمكن أن يقال: إنّ مفاد هذه الاربعة من الروايات- بعد ضم بعضها الى بعض، و الالتزام بعدم كون الثانية منها مربوطة بصورة عدم خروج البول في أثناء الصلاة-.

هو أن المسلوس الذي يعتريه البول و لا يقدر على حبسه بمقدار الصلاة بعد ما توضأ لا يجب إعادة وضوئه و إن طرأه البول في أثناء الصلاة إلّا للحدث الّذي يتوضأ منه، و هو إمّا البول الخارج بطريق المتعارف و إمّا ساير النواقص، و مقتضاه عدم بطلان الصلاة بل الصلوات من حيث النجاسة و ناقضية البول بلا فرق بين كون طرو البول مرّة أو مرّات أو أكثر في صلاته للاطلاق هذا.

و أمّا من يكون قادرا على حبس بوله بقدر الصلاة فهو خارج عن موضوع هذه الروايات، لعدم كونه معذورا حتى يقال: إن اللّه أولى بالعذر، فحكمه ما بينا في الصورة الاولى هذا بالنسبة إلى هذه الروايات الأربعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 423

و أمّا الرواية الخامسة فهى في المبطون و مقتضاها بحسب ظاهرها هو أن المبطون يبنى على صلاته، و موردها من لا يتمكن من حبس بطنه إلى آخر الصلاة، لأنّ (قوله عن المبطون قال: يبنى على صلاته) هو الذي يخرج منه في حال الصلاة و لا يتمكن من حبس بطنه بقدر الصلاة، و لهذا قال يبنى على صلاته.

و إطلاقها يشمل ما كان خروجه مرّة أو مرآت أو أكثر في صلاة واحدة فيستفاد منها اغتفار ذلك

من حيث النجاسة و الناقضية.

و أمّا الرواية السادسة فمع قطع النظر عن الكلام في سندها، و يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه، فهي في المبطون، فقال (صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى) و موردها كما يظهر منها هو من لا يقدر على حبس بطنه بقدر الصلاة فقال يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى) بمعنى أنه إذا طرأه في أثناء الصلاة يتوضأ حال الصلاة ثم يتم صلاته.

و اطلاقها يقتضي أنّه كلما طرأ ذلك مرة أو مرات أو أكثر في صلاته يفعل ذلك.

إذا عرفت ذلك نقول أن

الكلام في موضعين:
الموضع الأوّل: في أن الروايتين الواردتين في المبطون

و هي الخامسة و السادسة من الروايات المتقدمة هل يكون بينهما التعارض أم لا؟ و على فرض التعارض هل يمكن الجمع بينهما أم لا؟

فنقول بعونه تعالى: إن مقتضى إطلاق الرواية الخامسة هو أن المبطون ينبى على صلاته و لا يعيدها بما يخرج منه و لا يجب عليه الوضوء في أثناء الصلاة بسبب ما يخرج منه، و مقتضى الرواية السادسة هو انّه يتوضأ بما يخرج منه حال الصلاة ثم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 424

يبنى على صلاته و يأتي بما بقى منه، و إطلاقها وجوب الوضوء لو خرج منه حال الصلاة و إن كان أكثر من مرّة.

فيتوهم أن بينهما التعارض، لأنّ الاولى تدلّ على وجوب اتمام الصلاة و البناء عليها و عدم بطلانها بما خرج منه و عدم وجوب الوضوء، و الثانية تدلّ على وجوب الوضوء ثم البناء على صلاته.

فيقال: بتقييد الرواية الاولى بالثانية فتكون النتيجة وجوب الوضوء لو طرأ البطن في الاثناء ثم إتمام ما بقى من الصلاة.

و يمكن أن يقال: بأن الرواية الاولى أعنى: الخامسة، لا إطلاق لها

من هذا الحيث أعنى: من حيث وجوب الوضوء بخروج ما خرج منه و عدمه، بل يكون بسدد بيان عدم بطلان الصلاة به و البناء عليها، فلا تعارض لها مع الرواية الثانية، أعنى: السادسة من الروايات المتقدمة، بل الرواية السادسة تفيد أمر آخر و هو وجوب الوضوء لو طرأ في الاثناء ثم إتمام الصلاة.

و على كل حال لو كان تعارض بينهما بحسب الظاهر يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد.

الموضع الثاني: يقع الكلام في كيفية المعاملة بين الأخبار

الواردة في المسلوس- و هي الرواية الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة بناء على شمول الرابعة للمسلوس-

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 424

و بين الأخبار الواردة في المبطون، و هي الرواية الخامسة و السادسة.

فهل يقال بعدم وجود ملاك واحد بين ما ورد في المسلوس و بين ما ورد في المبطون؟ فنعامل في كل من المسلوس و المبطون ما يقتضي الخبر الوارد فيه، و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 425

منافيا مع ما يقتضي الخبر الوارد في الآخر منهما.

فيقال في المسلوس بأن مقتضى مجموع الروايات الواردة فيه، بعد ضم بعضها على بعض، هو أنّه فيما لا يكون للمسلوس فترة واسعة لأن يصلى صلاته مع الطّهارة في وقتها يكتفى بالوضوء قبل الصلاة و يتم صلاته و إن طرأ السلس في أثناء الصلاة و لا يجب غسل المحل و لا الوضوء و لا إعادة عليه، لأنّه صار معذورا و مع معذوريته فاللّه أولى بالعذر، فما لم نحدث بحدث يتوضأ منه لا يجب عليه إعادة الوضوء، و المراد بالحدث الذي يتوضأ منه إما

خروج البول عنه اختيارا أو حدوث ناقض آخر مثل النوم.

و يقال في المبطون، بعد ضم الروايتين الواردتين فيه و هي الخامسة و السادسة من الأخبار المتقدمة بعضهما ببعض، بأن المبطون الذي لم يكن له فترة يصلى صلاته مع الطّهارة يتوضأ و يصلى فإذا خرج من بطنه شي ء في حال الصلاة يتوضأ ثم يتم صلاته من الموضع الذي خرج من بطنه الشي ء.

غاية الأمر يقال: هذا الحكم، أى: تجديد الوضوء في أثناء الصلاة و اتمامها، يكون بالمقدار الذي لا يكون حرجيّا مثل ما إذا كان مثلا أكثر من مرّات، فبمقتضى دليل نفى الحرج تقول بعدم وجوب الوضوء، بل يكفى وضوء واحد قبل الصلاة لأن دليل لا حرج يقيد هذا الحكم.

أو يقال: بأن معذورية المسلوس و المبطون يكون بملاك واحد فعلى هذا لا يختص الحكم الوارد في كل منهما بخصوصه بل يتعدى من كل منهما إلى الآخر.

فعلى هذا يقال: إنّه في الحقيقة هذه الروايات الواردة في المسلوس و المبطون روايات واردة في موضوع واحد، فلا بدّ من أن نرى أولا هل يكون تعارض بينها أم لا؟ و مع فرض التعارض كيف يمكن الجمع و التوفيق بينها؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 426

فنقول: إن مقتضى الروايات الواردة فى المسلوس كما عرفت هو أن من لا يكون له فترة بقدر الصلاة و لا يتمكن من حبس بوله و خرج منه فى أثناء الصلاة فهو معذور من حيث البول من حيث ناقضيته و من حيث نجاسته، فلا يضرّ بصلاته لا من حيث النجاسة و لا من حيث الناقضية خروج البول، و كذلك المبطون لكونه متحدا مع المسلوس ملاكا على هذا الاحتمال، و لا يجب إعادة الوضوء إلّا بعد

حدوث حدث يتوضأ منه.

و مقتضى الرواية الخامسة و السادسة بعد تقييد الخامسة بالسادسة هو أنّه لو خرج شي ء من بطنه حال الصلاة يتوضأ و يتم الصلاة و مثله المسلوس لكونه متحدا مع المبطون ملاكا، فلا بد على هذا من تقييد الروايات الأربعة بهذه الرواية الخامسة فتكون النتيجة أن المسلوس و المبطون معذوران من حيث خروج شي ء من البول أو الغائط أو الريح (بناء على الحاق الريح بهما) من حيث النجاسة و حدوث الحدث الناقض، لكن يجب بعد حدوث احدها الوضوء حال الصلاة ثم إتمام الصلاة فكلما يحدث من السلس أو البطن شي ء أثناء الصلاة لا بدّ من تجديد الوضوء ثم اتمام الصلاة.

و هذا الجمع ممكن في هذه الصورة بين الطائفتين لو اغمضنا النظر عن الرواية الرابعة أعنى: رواية سماعة إمّا بضعف سندها و اما من الاشكال فى دلالتها من باب عدم معلومية كونها واردة في مورد المسلوس، فحيث إنّه يعنى الرواية الاولى و الثالثة يكونان مطلقتين من حيث وجوب الوضوء فى أثناء الصلاة و عدمه نقيدهما بالرواية السادسة الواردة فى المبطون بعد فرض كون الملاك فى كل من المسلوس و المبطون واحد، و أمّا الرواية الثانية فعلى ما عرفت غير مربوطة بصورة خروج البول فى أثناء الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 427

و أمّا إن قلنا بعدم اشكال فى رواية سماعة، اعنى: الرواية الرابعة، من حيث السند و الدلالة فمقتضاها هو عدم وجوب إعادة الوضوء الا من الحدث الّذي يتوضأ منه، فهى معارضة مع الرواية السادسة الدالة على وجوب الوضوء فى اثناء الصلاة لو طرأه البطن ثم البناء على الصلاة و اتمامها إلّا أن يحمل رواية سماعة على صورة كون الوضوء فى

الأثناء حرجيّا.

ثم يقال بعد فرض الجمع بين الأخبار إنه إذا كثر طرو أحدهما في اثناء الصلاة بحيث كان الوضوء في اثنائها حرجيّا يرفع وجوب إعادة الوضوء بدليل لا حرج، فيقال بوجوب الوضوء إذا طرا أحدهما في أثناء الصلاة إذا لم يكن في الوضوء مشقة فتكون النتيجة ما اختاره المؤلف رحمه اللّه في الصورة الثانية.

كما أن وجه احتياطه باعادة الصلاة بوضوء واحد في كل من المسلوس و المبطون لعله يكون من باب ضعف سند الرواية السادسة بمحمد بن نصير.

أو من باب احتمال قدح الوضوء في أثناء الصلاة للصلاة، كما أنّ وجه خصوصية الاحتياط بصلاة اخرى بوضوء واحد بالنسبة إلى المسلوس يكون لأجل كون مورد الرواية السادسة الدالة على وجوب الوضوء بخروج الشي ء من البطن في أثناء الصلاة خصوص المبطون، و ليس ما يدل على ثبوت هذا الحكم في المسلوس إلّا ما قلنا من دعوى وحدة الملاك بينه و بين المبطون.

أو يقال في وجه وجوب الوضوء لو طرأ أحدهما في اثناء الصلاة ثم اتيان ما بقى منها مع الوضوء.

أما في المبطون فلدلالة الرواية السادسة من الروايات المتقدمة لأنّ موردها المبطون، و أمّا في المسلوس و كذا في المبطون بأن بعد كون الطّهارة شرطا و الحدث قاطعا فقدر المتقين من الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون هو اغتفار الحدث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 428

و عدم قاطعيته للصلاة، و أمّا شرطية الطّهارة فباقية بحالها فيجب الوضوء لاشتراط الطّهارة في الصلاة فمع طرو احدهما يجب الوضوء لحصول شرط الطّهارة.

و يساعده الاعتبار لان ما يرفعه العذر و يكون اللّه تعالى أولى بالعذر فيه هو المقدار الذي يوجب حفظ الشرط الحرج، و أمّا ما لا يوجب ذلك

فهو باق بحاله من الشرطية و الاعتبار، فيقال في الصورة الثانية بأنه ما لم يوجب الوضوء في الاثناء بعد طرو البول أو الغائط أو ما بحكمهما الحرج يتوضأ في أثناء الصلاة ثم يأتي بما بقى من صلاته، و أمّا مع الحرج فيبنى على صلاته و لا يجب الوضوء و إن طرأ أحدهما في الاثناء.

أقول: اعلم أن فهم حكم المسألة حيث يكون مشكلا و فيها أقوال مختلفة ينبغى لنا التكلم في مدركها و ما يستفاد منها مجددا و إن بينّا أكثر ما كان ينبغى أن يقال، فنقول بعونه تعالى:

بأنّا تارة نكون في مقام فهم مفاد الروايات الواردة في الباب، فنقول: أمّا الروايات الواردة في المسلوس بعد كون الاحتمال الظاهر في الرواية الثانية صورة عدم خروج البول حال الصلاة، فهذه الرواية خارجة عن مورد كلامنا في الصورة الثانية.

و كذا بعد كون المحتمل في الرواية الرابعة «1» و هي مضمرة سماعه أن النظر فيها إلى صورة لا يدرى ان ما يخرج منه يخرج من قرحه أو فرجه باعتبار اختلاف النسخ، فلا ندرى أن ما قاله عليه السلام في ذيل الرواية (فلا يعيدن إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه) ناظر إلى أيّ شي ء لأنّه إن كان المذكور (قرحه) فيكون مراد الذيل عدم

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 7 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 429

وجوب الاعادة بسبب خروج شي ء من قرحته، بل الواجب إعادته للحدث الذي يتوضأ منه، نعم بناء على كون الصادر (فرجه) يشمل قوله (و أمّا غيره) في قوله (إما دم أو غيره) للبول أيضا، فيكون المراد من الذيل عدم كون خروج البول الخارج للابتلاء سببا لاعادة الوضوء لصلاة،

بل لا يعيد إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه، أعنى: البول على وجه الاختيار و ساير النواقض، و حيث أن كلا منهما محتمل فلا ظهور للرواية في أحد الاحتمالين فلا يمكن التمسك بها على مسئلتنا.

فيبقى روايتان الرواية الاولى و الثالثة، و هما كما بنيّا تدلّان على اغتفار خروج البول من حيث النجاسة و الناقضية و مقتضى إطلاقهما عدم كون خروج البول ناقضا لمن عليه سلس البول إلّا أن يحدث بناقض آخر، و هو إمّا البول بالاختيار أو بعض نواقض اخر للوضوء.

و رواية سماعة على فرض تمامية دلالتها و عدم الاشكال في سندها لا تفيد إلّا ذلك، فتكون نتيجة ما ورد في المسلوس هو ان البول الخارج منه لا يكون ناقضا لوضوئه و لا يوجب نجاسته له بطلان الصلاة، فاذا توضأ و دخل في صلاته فكلما يخرج منه حال الصلاة من البول مغتفر من حيث النجاسة و من حيث الناقضية و طهارته باقية إلى طرو حدث آخر.

و أمّا مفاد روايتين الواردتين في المبطون فمفاد هما بعد ضم كل منهما على الاخرى و تقيد إحداهما بالاخرى هو أن البطون إذا توضأ و صلى فعرضه داء البطن في أثناء الصلاة و خرج منه شي ء يوجب الوضوء يتوضأ يأتي بما بقى من صلاته و تصح صلاته، بل يستفاد منهما أن وضوئه يبطل بخروج ما يخرج من بطنه لا جل داء البطن.

و بعد ما عرفت مفاد الطائفتين من الروايات، فكما قلنا، إن قلنا بأن معذورية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 430

المسلوس و المبطون ليس بملاك واحد، فنقول في المسلوس: بأنه لو توضأ و صلى فلو طرأه السلس في أثناء صلاته لا يجب تجديد الوضوء و لا

إعادة الصلاة، بل يتم صلاته بالوضوء السابق قبل صلاته، و لا يجب إعادة الوضوء بعد الصلاة ما لم يحدث بما يوجب الوضوء كالبول اختيارا أو غيره من النواقض.

و نقول في المبطون: بأنه إذا توضأ و صلى و خرج منه شي ء حال الصلاة يتوضأ حال الصلاة و يتم صلاته إلّا أن يصير بحدّ الحرج بأن يكون خروج ما خرج منه أكثر من مرآت بحيث يكون تجديد الوضوء حال الصلاة حرجيّا فنتصرّف في إطلاق دليل المبطون بدليل لا حرج.

كما انّه يمكن أن يقال في المسلوس: بأن قدر المتيقن من دليله من اغتفار نجاسة البول و ناقضيته هو صورة كون تجديد الوضوء حرجيّا لان المقدار المسلم من دليله هو التصرف فى قاطعية الحدث، و اما اشتراط الطهارة فى الأجزاء من الصلاة فباق بحاله و هو يقتضي الوضوء، نعم يمكن أن يقال: بان مورد تجديد الوضوء صورة عدم كون الوضوء فعلا كثيرا مبطلا للصلاة.

و إن قلنا بأن معذورية كل من المسلوس و المبطون يكون بملاك واحد و لهذا يلحق بالمبطون كل ما لا يقدر على أن يمسك نفسه من الريح بل عن النوم.

فنقول: بأنه و إن كان يتوهم التعارض بين ما ورد في المسلوس و بين ما ورد في المبطون من باب أن مقتضى الأوّل انّه بعد ما توضأ عدم ناقضية البول حال الصلاة و بعدها إلى أن يحدث ما يتوضأ منه، و مقتضى ما ورد في المبطون هو تجديد الوضوء لو طرأ في أثناء الصلاة.

لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الاول على صورة كون الوضوء حرجيّا لكثرة خروج الخارج لان المتيقن من عدم قاطعية الحدث صورة الحرج، و حمل الثاني على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص:

431

ما لا يكون تجديد الوضوء في أثناء الصلاة حرجيّا.

أو تقيد إطلاق الأوّل بالثانى و تكون نتيجته اغتفار البول و الغائط و ما بحكمهما في الصلاة بعد أن يتوضأ، هذا كله في مقام الجمع بين روايات الواردة في المسلوس و المبطون بعد تمامية حجية الروايات.

و تارة نتكلم في الأخبار بعد ملاحظة حجيتها و عدم حجيتها فنقول:

أمّا رواية سماعة و هي الرواية الرابعة الواردة في المسلوس على احتمال فهى مضمرة و هل يقال: إن مضرات سماعة بحكم المسندات أو لا؟

و على كل حال لا ثمرة في البحث عن حجية رواية سماعة مثل عدم ثمرة في البحث عن دلالتها، لأنّه بعد حجيتها و دلالتها لا تدل على أزيد مما تدلّ عليه الرواية الاولى أعنى: رواية الحلبى و الرواية الثالثة أعنى: رواية منصور بن حازم.

و أمّا الكلام في الرواية السادسة أعنى: رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء في المبطون لو طرأ في أثناء الصلاة.

فنقول: إنّه قد يقال بضعف سندها من باب كون عبد اللّه بن بكير في طريق الرواية من باب كونه فطحيا، فيمكن جوابه بأنه و إن كان فطحيا لكن وثّقوه، و لكن قد يقال بضعف سندها بمحمد بن نصير لأنّه ضعيف كما ترى من ذكر حاله في الرجال، و قد يجاب عنه بأن هذا الذي مذكور في طريق الرواية محمد بن نصير آخر، و هو من يروى عنه الكشى و هو ثقة، و في «1» جامع الروات للاردبيلى في ذيل كلامه في (محمد بن نصير النميرى) كلام و هو هذا (يظهر من العلامة فى المختلف و عدة أنّ محمد بن نصير الذي يروى عنه العياشى هو الثقة الآتي لا النميرى الغالى لأنّه طعن في

______________________________

(1) جامع الروات، ج 2 ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 432

رواية محمد بن مسلم في مسئلة المبطون بأن في رجالها ابن بكير و هو فطحى و لم يطعن فيها بمحمد بن نصير مع وجوده فيها، و الراوى عنه العياشى، و أيضا و قد عد الرواية المذكورة فيه من الموثقات و كذا في المدارك و كشف اللثام و هو يدل أيضا على كون محمد بن نصير فيها ليس النميرى، فتأمل و لا يذهب عليك أنّ مراعاة الطبقة لا تابى عن كونه النميرى، لأنّ العياشى يروى عن عبد اللّه بن محمد بن خالد الطيالسى و هو من أصحاب (رى) كالنميرى كما مرّ).

أقول: إن لم نقل بكون محمد بن نصير الواقع في طريق الرواية هو الغالى مسلما، فلا اقل من قابلية كونه هو لا محمد بن نصير الثقة، فلا يكون مقتضى الحجية و هو الوثوق موجودا، فلا يمكن التعويل على الرواية، فلا يبقى في البين ما نقول بمقتضاه على وجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة لو خرج عنه شي ء حتى في المبطون.

بل نقول: بأنه لو توضأ المسلوس في الصورة التي ليس له فترة بقدر الصلاة، كما هو المفروض في الصورة الثانية التي يكون كلامنا فيها، فلا يبطل وضوئه إلّا بالحدث الذي يتوضأ منه غير ما يبتلى به من جهة السلس، و لو خرج منه شي ء من البول في اثناء الصلاة لا يجب تجديد الوضوء، بل يتم صلاته سواء كان خروج الخارج مرة أو مرات كثيرة.

و أمّا في المبطون فإن قلنا بأن معذوريته مع معذوريته المسلوس يكون بملاك واحد، فيمكن أن يقال فى المبطون بعين ما قلنا فى المسلوس من عدم وجوب تجديد الوضوء

لو طرأ الحدث فى اثناء الصلاة، بل يكفى وضوء واحد لصلاة واحدة، بل أكثر ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء، لأنّه بعد استفادة ذلك من دليل المسلوس فيتعدى الى المبطون لاتحاد ملاك معذوريته مع المسلوس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 433

و أما لو لم نقل بوحدة ملاكهما و قلنا بعدم حجية الرواية السادسة فالرواية الواردة فى المبطون لا يقتضي الا البناء على الصلاة و عدم بطلانها بحدوث الحدث، و عدم وجوب الوضوء لما بقى من الصلاة و امّا وجوب الوضوء لصلاة اخرى فهى عنه ساكتة فلا بد من الالتزام بوجوب الوضوء لصلاة اخرى و لكل صلاة بمقتضى القاعدة الّا أن يدعى أن قوله فى الرواية الخامسة الواردة فى المبطون (يبنى على صلاته) دليل على عدم كون الحدث الخارج من المبطون ناقضا فلا يجب إعادة الوضوء الا للحدث الّذي يتوضأ منه.

فتلخص من كل ما ذكرنا في الصورة الثانية و هي ما ليس للمسلوس و المبطون فترة بقدر الصلاة أنّه لو لم نقل بحجية خبر محمد بن مسلم و هو الرواية السادسة يكون مقتضى بعض ما ورد في المسلوس و بعض ما ورد في المبطون هو انّه لو توضأ المسلوس و المبطون و صلى يتم صلاته إن خرج حال الصلاة منهما البول أو الغائط و لا يجب عليه الوضوء في الأثناء و في المسلوس لا يجب صلاة اخرى ما لم يحدث بحدث يوجب الوضوء، و امّا فى المبطون فلا يجب الوضوء للصلاة التى توضأ لها و خرج الحدث فى اثنائها، و امّا للصلوات الاخرى يجب على احتمال و لا يجب على احتمال بينا لك قبل ذلك فراجع.

و إن قلنا بحجية الرواية السادسة فمع

الالتزام بوجود ملاك واحد بين المسلوس و المبطون في معذوريتهما فنقول: بأنه كلما يخرج منه شي ء منهما حال الصلاة يتوضأ و يتم صلاته إلا كان خروج أحدهما حال الصلاة كثيرا يوجب الوضوء العسر و الحرج فلا يجب في هذه الصورة للحرج و العسر.

و إن قلنا بعدم وجود ملاك بينهما، ففي المسلوس إذا توضأ و صلى لا يجب عليه إعادة الوضوء و إن خرج عنه البول في اثناء الصلاة، بل ينبى على صلاته و لا يفسد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 434

وضوئه إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه.

و في المبطون إذا صلى فكلما يخرج منه شي ء حال الصلاة يتوضأ و يبنى على صلاته و يتمه من الموضع الذي حدث هذا الحدث و يجب الوضوء للصلوات الآتية نعم لو كان كثيرا بحيث يكون الوضوء حرجيّا لا يجب الوضوء بل يبنى على صلاته.

و الأقوى بالنظر و إن كان الاحتمال الأوّل و هو القول بأنه في الصورة الثانية و هي ما ليس لهما فترة بقدر أن يصليا صلاتهما بدون خروج البول أو الغائط يتوضئان و يصليان و لا يجب الوضوء لطروّ أحدهما في أثناء الصلاة، بل يتمّان صلاتهما بهذه الحالة و لا يتوضئان إلّا بالحدث الذي يتوضئان منه لعدم تحقق مقتضى الحجية في الرواية السادسة أعنى: رواية محمد بن مسلم.

و لكن نقول في مقام العمل: بأن الأحوط وجوبا إتيان صلاتين: صلاة مع فرض انّه لو طرأه أحدهما يتوضأ في اثناء الصلاة و يتم ما بقى من صلاته، و الأحوط اتيان الوضوء معجلا بالنحو الّذي لا يوجب الفعل الكثير و صلاة اخرى لو طرأه أحدهما لا يعيد الوضوء بل يتمها بالوضوء الأوّل الذي يتوضأ قبل الصلاة.

الصورة الثالثة: ما إذا كان خروج الحدث في أثناء الصلاة بمقدار يكون الوضوء

اشارة

بعد كل حدث و البناء عليها و اتمام الصلاة حرجيّا بخلاف الصورة الثانية التي لم يكن الوضوء في الاثناء لعدم كثرة خروج الخارج حرجيّا.

و هذه الصورة لها فرضان:

الفرض الأوّل أن يكون فترات يسيرة بين خروج الحدث في اثناء الصلاة و لكن الوضوء بعد خروج الحدث كل مرة يكون حرجيّا.

الفرض الثاني أن يكون الحدث مستمرا بلا فترة يمكن اتيان شي ء من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 435

الصلاة مع طهارة.

أما في الفرض الأوّل

قال المؤلف رحمه اللّه يكفى أن يتوضأ لكل صلاة و لا يجوز ان يصلى صلاتين بوضوء واحد نافلتين كانتا أو فريضتين أو مختلفتين.

أما وجه كفاية الوضوء الواحد لكل صلاة إما لكون الوضوء في أثناء الصلاة عند طرو كل حدث حرجيّا، و إمّا لانتفاء فائدته لانه متى يتوضأ يحدث بعده فلا فائدة فى الوضوء المجدّد كما قال فى المستمسك «1».

و أمّا وجه عدم الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتين لعدم الدليل على العفو عما يخرج من الحدث بين الصلاتين.

أقول: قد مضى الكلام في الصورة الثانية وجه الاكتفاء لصلاة واحدة بوضوء واحد، و كذا وجه الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة ما لم يحدث حدثا آخر يوجب الوضوء، و الحدث الآخر هو البول أو الغائط بطريق المتعارف أو غيرهما من النواقض.

امّا في المبطون وجه الأوّل فلانه لو قلنا بعدم حجية رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء لو أحدث المبطون في أثناء صلاته فمقتضى الرواية الأخرى من محمد بن مسلم و هي الرواية الخامسة هو البناء على الصلاة و عدم وجوب تجديد الوضوء في الاثناء.

و إن قلنا بحجيتها فنقول: بأنه و إن كان إطلاقها يقتضي تجديد الوضوء مطلقا.

لكن بعد فرض كونه حرجيّا كما هو مفروض الكلام نقيد

إطلاقها بدليل الحرج فتكون النتيجة عدم وجوب تجديد الوضوء لو طرأ الحدث في الأثناء، لكن

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 529.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 436

بناء على التمسك بلا حرج فينتفى الحكم في مقدار الحرج، و أما فى المقدار الغير الحرج فلا، فعلى هذا لا بد من الوضوء مرّة او مرّات لا يوجب الحرج، ثم اذا بلغ الحرج لا يتوضأ بلى يبنى على صلاته بلا إعادة وضوئه

فما قال المؤلف رحمه اللّه فى المقام من انه يكفى وضوء واحد فيما لم يكن الحدث مستمرا بدليل الحرج غير صحيح، لأنه إن كان لاجل الحرج فيقتصر فى رفع حكم الوضوء بقدر الحرج، نعم نحن حيث قلنا بعدم حجية رواية محمد بن مسلم الدالة على وجوب الوضوء، فنقول بعدم الوضوء حتى فى صورة لم يبلغ الحرج كما قوّينا فى الصورة الثانية و إن قلنا بأن الأحوط صلاتان صلاة مع إعادة الوضوء فى أثناء الصلاة لو طرأ الحدث، و صلاة بلا اعاده الوضوء فى اثنائها و إن طرأ الحدث فى الاثناء.

و أمّا فى المسلوس فوجه كفاية وضوء واحد هو أنّه لو أغمضنا عن مضمرة سماعة نقول كما قلنا: إن مقتضى الرواية الاولى و الثالثة اعنى رواية الحلبى و منصور بن حارم هو اغتفار خروج البول في أثناء الصلاة من حيث النجاسة و الناقضية فيكتفى بوضوء واحد لصلاة واحدة من حيث النجاسة و الناقضية، هذا كله بناء على عدم كشف مناط واحد بين المسلوس و المبطون في المعذورية.

و أمّا على فرض وحدة الملاك فأيضا يكفى وضوء واحد لصلاة واحدة في المسلوس و إن قلنا بحجية الرواية السادسة اعنى رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء

لو طرأ الحدث في أثناء الصلاة، لأنّه كما قلنا في المبطون لا بدّ من تقييدها بصورة عدم كون الوضوء حرجيّا و على الفرض يكون الوضوء حرجيّا.

و أمّا وجه الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتين بل الصلوات ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء أما في المسلوس فنقول: بعد ما عرفت من أنه لو أغمضنا النظر عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 437

مضمرة سماعة و هى الرواية الرابعة الدالة ذيلها على عدم وجوب إعادة الوضوء ما لم يحدث حدثا على أحد احتمالاته نقول: بأن مقتضى إطلاق رواية الحلبى و هي الاولى من الروايات و منصور بن حازم و هي الثالثة من الروايات هو أنّه ليس عليه شي ء إلّا اتخاذ الكيس (و لعل كان وجه الأمر به أن لا يسرى البول إلى ساير المواضع) و بعد كون المرتكز عند السائل و المسئول عنه نجاسة البول و ناقضيته للوضوء و مبطلية حدوثه للصلاة، فمن سكوته في مقام الجواب عن كل ذلك مع كون المورد مورد البيان نفهم عدم ناقضية البول لمن يكون مبتلى بالسلس و عدم مضرية نجاسته للصلاة فهو بوضوئه واجد للطهارة ما لم يحدث حدثا آخر يوجب بطلان الوضوء.

و أمّا في المبطون فبعد عدم مقتضى الحجية للرواية السادسة أعنى رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه لو طرأ الحدث في اثناء الصلاة يجب إعادة الوضوء و كون مقتضى روايتى الحلبى و منصور بن حازم الواردتان في المسلوس كان لهما الاطلاق كما عرفت من حيث عدم ناقضية البول و بعد كون معذورية المبطون بملاك معذورية المسلوس، فنتعدى عن المسلوس بالمبطون و نقول: بعدم وجوب الوضوء الا إذا حدث بحدث يوجب الوضوء، فيكتفى بالوضوء قبل صلاته لصلوات

اخرى ما لم يحدث ما يوجب الوضوء.

نعم لو قلنا بعدم اتحاد ملاكها في المعذورية يبقى الكلام في أنّه هل يستفاد من الرواية الخامسة الواردة في المبطون (و يبنى على صلاته) اغتفار ناقضية الحدث الخارج عن بطنه، فاذا توضأ كما يكتفى لصلاة واحدة و لا يجب اعادة الوضوء لو طرأ الحدث في أثنائها، كذلك لا يجب إعادتها حتى يحدث ما يوجب الوضوء فيكتفى بهذا الوضوء لصلاة أو صلوات اخرى و لا يبعد ذلك.

أو لا يستفاد منها إلّا البناء على ما بيده من الصلاة و عدم وجوب الوضوء مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 438

طرو الحدث في اثنائها، و أمّا الصلوات الاخرى فهي مشروطة بالطهارة و لا بدّ من تحصيلها.

الفرض الثاني: ما إذا كان الحدث مستمرا بلا فترة

يمكن اتيان شي ء من الصلاة مع الطّهارة، فقال المؤلف رحمه اللّه، يجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة و هو بحكم المتطهر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه، أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكل صلاة.

أقول: و قد مضى الكلام في وجهه في الفرض الأوّل مضافا إلى أنّه لا فائدة في تجديد الوضوء في هذا الفرض فيجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة.

و ينبغى الاحتياط بالوضوء لكل صلاة لانه حسن على كل حال.

نعم أن صار محدثا بحدث آخر يجب الوضوء لعدم الدليل على اغتفاره.

ثم إنّ المؤلف رحمه اللّه قال: إن صاحب سلس الريح أيضا كذلك يعنى: بحكم المسلوس و المبطون.

أقول: لا يرى في الأخبار ذكر عن سلس الريح فوجه الالحاق ليس إلّا وجود المناط و الملاك الموجود في المسلوس و المبطون فيه، كما أنّه ربّما يلحق بها بهذا المناط من لم

يمسكه النوم.

***

[مسئلة 1: يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 439

(1)

أقول: أمّا في الصورة الثانية و هي ما لم يمهله الحدث لاتيان الصلاة مع الطّهارة لكن ليس خروجه بمقدار يوجب الوضوء في أثناء الصلاة حرجيّا أمّا بالنسبة إلى طرو الحدث في أثناء الصلاة فان قلنا بوجوب تجديد الوضوء في الاثناء عند طرو الحدث فيتوضأ و يبنى على صلاته فلا فائدة في المبادرة و إن قلنا بعدم وجوب تجديد الوضوء فأيضا لا فائدة في المبادرة.

و إن كان من أجل انّه بعد ما توضأ لم يخرج منه الحدث قبل الدخول في الصلاة فأيضا لا تفاوت بين المبادرة و عدمها.

لأنّه إن قلنا بوجوب كون دخوله في الصلاة مع الطّهارة من باب أنّه كلما طرأ الحدث يجب تجديد الوضوء ما لم يكن حرجيّا فلو طرأ الحدث بعد وضوئه لعدم المبادرة يتوضأ مجددا ثم يدخل صلاته فلا وجه لوجوب المبادرة.

و إن قلنا بعدم وجوب الوضوء بل بعد ما توضأ للحدث الذي يتوضأ منه يشرع له الصلاة و لا يجب الوضوء ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء فأيضا لا يجب المبادرة لأنّه لو حدث بأحدهما قبل الصلاة لا يجب تجديد وضوئه إلّا للحدث الّذي يتوضأ منه.

و أمّا في الصورة الثالثة فبعد كون الوضوء في الاثناء حرجيّا لا يجب عليه الوضوء لو طرأ أحد من الحدثين في أثنائها سواء بادر بعد الوضوء إلى الصلاة أم لا.

و أمّا إن كان النظر فى وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء إلى أن لا يتخلل الحدث بين الوضوء و بين الصلاة فنقول: إن قلنا بوجوب تجديد الوضوء بعد طرو الحدث قبل الصلاة فيتوضأ

فلا وجه لوجوب المبادرة.

و إن لم نقل به لأنه بعد كون الوضوء حرجيّا لا يجب الوضوء إلّا لحدث الذي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 440

يتوضأ منه غير السلس و البطن، فلو طرأ الحدث بعد الوضوء قبل الصلاة لا يجب الوضوء و لا وجه لوجوب المبادرة مضافا إلى عدم الفائدة في تجديد الوضوء لو كان حدوث أحدهما مستمرا بلا فترة.

***

[مسئلة 2: لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين، بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها، بل و كذا صلاة الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شك فيها و إن كان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطويل و عدم الاستدبار.

و أمّا النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها، بل يشترط الوضوء لكل ركعتين منها.

(1)

أقول: الأقوى أن حال قضاء التشهد و السجدة المنسيين، و كذا صلاة الاحتياط حال أصل الصلاة.

ففي كل صورة قلنا بوجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة مع فرض طرو الحدث نقول بوجوبه فيها، و إن لم نقل فيها أيضا، لأنّه بعد كونها من توابعها فحكمها حكمها.

و إن لم نقل فرضا بكونها من توابعها، نقول: أما على ما قوّينا من عدم وجوب الوضوء لو طرأ الحدث في أثناء الصلاة حتى في الصورة الثانية، فلا يجب الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 441

لو طرأ السلس أو البطن بين واحد من هذه الثلاثة و بين الصلاة، لأنّه على ما اخترنا لا يجب الوضوء الّا بعد طرو حدث يوجب الوضوء لا السلس و البطن.

نعم بناء على ما اختاره المؤلف من وجوب الوضوء لو طرأ أحدهما و لا يكون الوضوء حرجيّا يجب الوضوء على

كل حال سواء كانت هذه الثلاثة من توابع الصلاة و بحكم أجزائها أولا، لأنّه على هذا يوجبان الوضوء فبمجرد حدوث أحدهما فى هذا الفرض يوجب الوضوء، فما قال من كفاية وضوء الصلاة بإطلاقه لا يناسب مع مختار نفسه قدس سرّه.

و أمّا النوافل فإن قلنا بوجوب تجديد الوضوء فى أثناء الفريضة مع طرو الحدث نقول فى النافلة، و إن قلنا بأنه إذا توضأ لا يجب عليه الوضوء إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه فلا يجب تجديد الوضوء للنافلة أيضا إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه لاطلاق الأدلّة فكما تشمل الفريضة تشمل النافلة.

***

[مسئلة 3: يجب على المسلوس التحفظ من تعدى بوله بكيس فيه قطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجب على المسلوس التحفظ من تعدى بوله بكيس فيه قطن أو نحوه، و الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة، و أمّا الكيس فلا يلزم تطهيره و إن كان أحوط.

و المبطون أيضا إن امكن تحفظه بما يناسب يجب، كما أن الأحوط تطهير المحلّ أيضا إن أمكن من غير حرج.

(1)

أقول: وجه وجوب التحفظ من تعدى البول بوسيلة الكيس هو شرطية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 442

الطّهارة من الخبث للصلاة، لإن الأمر باتخاذه يكون لحفظ ساير المواضع، و أمّا نفس الكيس فلا يلزم تطهيره كما قال المؤلف رحمه اللّه، و يستفاد من بعض الروايات الدالة على اتخاذ الكيس أو الخريطة على المسلوس اغتفار نجاستها، لأنّ النظر في اتخاذه إلى عدم التعدى بسائر مواضع البدن أو اللباس، و أمّا نفس الكيس فلا مانع منه.

و كذا في الحشفة فالظاهر من الروايات عدم وجوب غسلها، لأنّ الجواب باتخاذ الكيس أو الخريطة بدون الأمر بتطهير الحشفة أو الكيس مع كون السؤال عن جهات المسلوس شاهد على عدم وجوب تطهيره.

و أمّا المبطون فوجوب تحفظه

بشي ء لأن لا يتعدى النجاسة إلى ساير المواضع مبنى على كونه متحد الملاك مع المسلوس، و الّا فمقتضى رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه يبنى على صلاته بدون الأمر بتطهير المحل و لا الأمر بجعل شي ء عدم الوجوب.

و أمّا تطهير المحل فلا يجب كما قلنا في الحشفة.

و على فرض القول بوجوب التطهير في كل مورد قلنا به فهو مخصوص بما لا يكون التطهير حرجيّا، و إلّا فلا يجب ذلك.

***

[مسئلة 4: في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال و الأحوط المعالجة مع الامكان بسهولة، نعم لو أمكن التحفظ بكيفية خاصة مقدار أداء الصلاة وجب و إن كان محتاجا إلى بذل مال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 443

(1) أقول: وجه وجوب المعالجة إطلاق وجوب الطّهارة غير مشروطة بعدم المرض، غاية الأمر في حال المرض ينفى الحكم بدليل خاص أو عام مثل الضرر أو الجرح، فمع القدرة على العلاج ليس المكلف معذورا في فوات الواجب.

و فيه أن الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون مطلق يدلّ بإطلاقها على معذوريتهما سواء كان قادرا على المعالجة أم لا.

و أمّا فيما أمكن التحفظ بكيفية خاصة وقت الصلاة بقدر أدائها يجب ذلك و لو ببذل المال لقدرته على امتثال التكليف المتعلق به المقدور، و على الفرض يكون التكليف مطلقا.

***

[مسئلة 5: في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث و خروجه بعده إشكال حتى حال الصلاة إلّا أن يكون المسّ واجبا.

(2)

أمّا فيما لا يكون مسّ كتابة القرآن واجبا فوجهه عدم معلومية ارتفاع الحدث حقيقة أو تنزيلا بالوضوء فيشكل مسّ كتابة القرآن المشروط بالطهارة.

ما ورد في المسلوس و المبطون إن كان مقيدا أو مخصصا لدليل شرطية الطّهارة فالمتيقن منه عدم شرطيتهما للصلاة في حقهما، و أمّا غيرهما مما هو مشروط بالطهارة فهو غير معلوم فلا يجوز مس كتابة القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 444

و أمّا إن كان مقيدا أو مخصصا لدليل ناقضية البول أو الغائط أو الريح، بمعنى عدم كونها ناقضا فى هذا الحال، فهو بعد وضوئه طاهر و مع كونه طاهرا يجوز له

اتيان كل عمل مشروط بالطهارة، و منه مس كتابة القرآن الكريم.

إلّا أن يدعى عدم ناقضيتهما لخصوص الصلاة التي مضطرّ إلى اتيانها لا غيرها.

و أمّا إن كان مقيدا أو مخصصا لما دلّ على قاطعية الحدث للصلاة فتكون النتيجة عدم قاطعية ما يخرج في أثناء الصلاة للصلاة، فإن كان ذلك لا يجوز مسّ كتابة القرآن مع الوضوء الذي توضأ للصلاة بعد فرض خروج واحد منهما منه حال الصلاة، لانهما ناقضان للطهارة، و لكن لا يبطل الصلاة كما أن شرطية الطّهارة باقية بحالها.

لكن يمكن الذهاب إلى هذا الاحتمال لو قلنا بتجديد الوضوء بعد طرو الحدث لحفظ شرطية الطّهارة.

و أمّا لو لم نقل به لا بدّ من القول بأحد من الاحتمالين الاولين كما لم نقل به إلّا على سبيل الاحتياط.

و الاحتمال الأوّل بعيد فى الغاية، لأنّ الطّهارة من البول و الغائط و الريح شرط فى الصلاة، فيبقى الاحتمالين الآخرين، و حيث لم يعلم أن الدليل الوارد فيهما مخصّص او مقيّد لأيّ من المطلقين أو العامين مع انّه لو كان مقيدا أو مخصصا لاطلاق ناقضيتها أو عمومها يمكن ان يكون عدم ناقضيتها لخصوص الصلاة، فلا يجوز مس كتابة القرآن لهما حتى في حال الصلاة.

نعم الظاهر كون ما دل على معذورية المسلوس و المبطون و كفاية الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 445

الواحد لهما كما قوّينا يكون مقيدا أو مخصصا لدليل ناقضية البول و الغائط لا لقاطعية الحدث و لا شرطية الطهارة.

أمّا عدم كونه مقيّدا لدليل قاطعية الحدث لانه كما بيّنا فى الصورة الثالثة فيما يخرج البول و الغائط دائما بلا فترة فلا يقطع الصلاة بالحدث و لا يمكن حفظ الشرط بالنسبة إلى أجزاء الصلاة و هو

الطهارة لخروج الحدث دائما، فلو قيّدنا دليل قاطعية الحدث بدليل المسلوس، فيبقى الاشكال فى هذه الصورة.

و أمّا لو قيّدنا دليل ناقضية البول و الغائط بدليل المسلوس و المبطون فلا يبقى إشكال، إذ عدم وجوب تجديد الوضوء لا يكون لأجل عدم ناقضية البول و الغائط، إذ هو فى هذا الفرض مع الطهارة فيجوز مس كتابة القرآن للمسلوس و المبطون إلّا ان يدعى عدم ناقضيتهما مخصوص الصلاة و هو بعيد، فعلى هذا الاقوى جواز مس كتابة القرآن بعد الوضوء و إن كان الاحوط عدم المسّ استحبابا.

هذا اذا لم يكن مس كتابة القرآن واجبا، و امّا إذا كان واجبا يقع التزاحم بين حكم وجوب المس و حرمة مس كتابة مس كتابة القرآن بلا طهارة، فإن كان وجوب المس أهمّ أو كان مساويا لحرمة المسّ يجب المس و الا فلا.

***

[مسئلة 6: مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر بل الأحوط الصبر إلى الفترة التي هي أخفّ مع العلم بها، بل مع احتمالها، لكن الأقوى عدم وجوبه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 446

(1)

أقول: أمّا الكلام في فرض احتمال حصول الفترة الواسعة لاتيان الصلاة مع الطّهارة في جزء من الوقت، فالظاهر وجوبه، لأنّه لا ينتقل التكليف من المأمور به التام بالمأمور به الناقص إلّا بعد العلم بعدم القدرة على امتثال المأمور به التام كما عرفت فى الصورة الاولى من الصور الثلاثة المذكورة في الفصل المنعقد للمسلوس و المبطون.

نعم لو أتى بها مع هذا الاحتمال ثم انكشف بعد ذلك عدم التمكن من المأمور به التام صحّ ما أتى به من الفرد الناقص مع تمشّى قصد القربة منه.

و أمّا الكلام في وجوب الصبر إلى حصول الفترة التي هي

أخف من الفترة الحاصلة له فعلا و عدمه.

فنقول: إنّه بعد كون مورد الروايات الواردة في المسلوس و المبطون و معذوريتهما من ليس له فترة تسع اتيان الصلاة مع الطّهارة سواء كان دائم الحدث أو من كانت له فترة أقل من زمان تسع الصلاة مع الطّهارة فيه.

فبمجرد عدم فترة تسع الصلاة مع الطّهارة يكون مورد الحكم المجعول للمسلوس و المبطون سواء كان السلس أو البطن بحد لا يصل إلى حد يكون الوضوء له الحرج، أو يصل بهذا الحد، و سواء كان له فترة أو يكون دائميّا، فعلى هذا لا وجه لوجوب الصبر إلى حصول فترة الأخف لمن يكون مبتلى بالفترة الاثقل سواء علم حصول فترة الأخف أو احتمل ذلك.

***

[مسئلة 7: إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 447

عدم الفترة الواسعة و في الاثناء تبيّن وجودها قطع الصلاة، و لو تبيّن بعد الصلاة أعادها.

(1)

أقول: لأنّ شرطية الطهارة و قاطعية الحدث و ناقضية النواقض واقعية فهو واقعا مكلف بالصلاة مع الطّهارة.

فلو تبين في الأثناء وجود فترة له تسع الصلاة مع الطّهارة قطع الصلاة و يأتي بما هو المكلف به من الصلاة مع الطّهارة، كما أنّه لو تبيّن بعد الصلاة أعاد الصلاة لما قلنا.

***

[مسأله 8: ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما اتيان الصلاة الاضطراريّة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما اتيان الصلاة الاضطراريّة و لو بأن يقتصرا في كل ركعة على تسبيحة و يوميا للركوع و السجود مثل صلاة الغريق فالأحوط الجمع بينها و بين الكيفية السابقة، و هذا و إن كان حسنا لكن وجوبه محل منع، بل تكفى الكيفية السابقة.

(2)

أقول: إنّ لم يكن في البين ما يدل على تبيين التكليف للمسلوس و المبطون و كنّا و الأدلّة الأوليّة الدالّة على اشتراط الطّهارة، و على ناقضية البول و الغائط، و على مبطليتهما و قاطعيتها للصلاة، و في قبالها ما دل على جزئية الركوع و السجود و القراءة و غيرها، فيدور الأمر بين حفظ شرطية الطّهارة مثلا و جزئية الانحناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 448

الخاص في الركوع و السجود أو جزئية القراءة، كان للبحث في أنّه مع دوران الأمر بين شرطية الطّهارة، أو قاطعية الحدث للصلاة، أو ناقضية البول و الغائط و بين جزئية أحد هذه الأمور هل يقدم الاولى أو الثانية مجال.

و أمّا مع ورود الدليل على ما يصنع المسلوس و المبطون بالنسبة إلى الصلاة من حيث شرطية الطّهارة،

أو قاطعية الحدث، أو ناقضية الوضوء، و أنّه كيف يتوضأ و كيف يصلى فلا مجال لأن يبحث في أن حفظ شرطية الشرط مقدم أو جزئية الجزء بل يأتي المسلوس و المبطون بما عيّن له من الوظيفة في صلاته مع إتيانها بأجزائها و شرائطها الاخرى.

و لكن الاحتياط بالنحو المذكور حسن إن لم يكن منافيا مع التسهيل الذي أراد الشارع بالنسبة إليهما، فتأمل.

***

[مسئلة 9: من أفراد دائم الحدث المستحاضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: من أفراد دائم الحدث المستحاضة و سيجي ء حكمها.

(1)

أقول: المقصود في المقام ليس إلّا بيان كون المستحاضة من أفراد دائم الحدث، و سيأتى الكلام فيها إنشاء اللّه في محلّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 449

[مسئلة 10: لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات، نعم إذا كان في الوقت وجبت الاعادة.

(1)

أقول: أمّا إذا حصل البرء لهما في الوقت، و كان الوقت بمقدار يسع لهما إتيان الصلاة مع الطّهارة يجب إعادة الصلاة التى صليها حال الاضطرار لما قد مرّ فى الفصل، و كذا في المسألة 7 لأنّه مكلف فى الفرض بالصلاة مع الطّهارة.

أما لو كان العذر مستوعبا في تمام الوقت و حصل البرء لهما بعد مضى الوقت فلا يجب عليهما قضاء الصلاة لظهور النصوص فى صحة صلاتهما و إجزائها، و هذا هو المقدار المتيقن من الاجزاء في التكاليف الاضطرارية.

***

[مسئلة 11: من نذر أن يكون على الوضوء دائما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: من نذر أن يكون على الوضوء دائما إذا صار مسلوسا أو مبطونا الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج، و يمكن القول بانحلال النذر و هو الأظهر.

(2)

أقول: أمّا بناء على عدم بطلان وضوء المسلوس و المبطون إلّا بالحدث الّذي يتوضأ منه كالبول و الغائط بطريق المتعارف أو غيرهما من النواقص فلا مانع من الوفاء بنذره و لا ينحل نذره، و قد قوّينا ذلك.

و أمّا بناء على بطلان وضوئه و وجوب الوضوء عليه كلما طرأه أحدهما فما لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 450

يكن حرجيّا تجديد الوضوء يتوضأ و وفى بنذره، و أمّا لو كان دائم الحدث و لا فترة له، أو كانت الفترة و لكن يكون بحيث يكون الوضوء حرجيّا، فيكون عاجزا عن الوفاء بنذره و ينحل نذره.

هذا تمام الكلام في هذا الفصل و قد فرغت عن البحث و كتابته في اليوم السابع و العشرين من الجمادى الاولى 1379 من الهجرة النبوية و الحمد للّه و

الصلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على أعدائهم أجمعين و أنا العبد أقل خدمة أهل العلم علي الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد رحمه اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 451

الفهرس

فصل فى شرائط الوضوء 7

الشرط الاوّل: اطلاق الماء 8

الشرط الثانى: طهارة الماء 11

طهارة المواضع الوضوء 11

لا يضر نجاسة ساير المواضع 20

الشرط الثالث: عدم الحائل 23

الشرط الرابع: إباحة الماء 26

إباحة ظرف الماء 27

إباحة مكان الوضوء 33

الجهل بفقد شرائط الوضوء 35

عبادة الناسى للغصبية 36

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 452

الالتفات إلى الغصبية في أثناء الوضوء 41

مع الشك في رضى المالك 45

الوضوء و الشرب من الانهار الكبار 46

الوضوء في الارض الوسيعة 55

الوضوء من حياض المساجد و المدارس 57

الوضوء تحت الخيمة المغصوبة 68

الوضوء حال الخروج عن الغصب 73

الشرط الخامس: عدم كون ظرف الماء من الذهب و الفضة 77

الشرط السادس: عدم كون الماء مستعملا في رفع الخبث 81

الشرط السابع: عدم المانع من استعمال الماء 86

الشرط الثامن: وسعة الوقت للوضوء و الصلاة 87

إذا كان استعمال الماء مضرّا 91

الشرط التاسع: المباشرة في افعال الوضوء 92

الوضوء من ماء الميزاب 101

جواز الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة 103

الشرط العاشر: الترتيب 110

الشرط الحادى عشر: الموالاة 120

تذكّر ترك المسحات في الصلاة 137

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 453

ترك الموالاة نسيانا 139

الشرط الثانى عشر: النية 141

هل يجب التلفظ بالنية 153

هل يعتبر الاخطار بالبال في النية 154

يجب استمرار النية 155

نية

الخلاف في الاثناء 156

نية الوجوب وصفا أو غاية 158

إذا نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس 166

لا يجب قصد رفع الحدث 169

هل يجب قصد الغاية 174

هل يجب قصد الموجب 176

الشرط الثالث عشر: الخلوص في النية 178

بطلان العبادة بالريا 183

العجب في العبادة 197

السمعة في العبادة 202

الضمائم الراجحة 204

الضمائم المباحة 212

الضمائم المحرمة غير الرياء و السمعة 213

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 454

الرياء بعد العمل 215

اجتماع الغايات المتعددة للوضوء 217

نية جميع الغايات تكفى عن الجميع 218

نية بعض الغايات تكفى عن الجميع 221

تعدد الأمر بتعدد الغاية 222

دخول الوقت أثناء الوضوء 231

اتصاف الوضوء بالوجوب و الندب 234

تضرر المتوضى باستعمال الماء 236

عدم بطلان الوضوء بالارتداد 239

بطلان الوضوء بنهي المولى 240

حكم وضوء الزوجة مع نهي الزوج 242

حكم وضوء الاجير مع نهي المستأجر 243

الشك في الحدث بعد الوضوء 245

الشك في الوضوء بعد الحدث 247

الشك في تقدم الطهارة على الحدث و بالعكس 249

نسيان الوضوء مع الشك فيه بعد الحدث 254

تيقن بطلان أحد الوضوءين 257

حدوث الحدث بعد أحد الوضوءين 264

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 455

لا يعلم تقدم الصلاة و الحدث 281

ترك الجزء الوجوبي أو الاستحبابي 282

ترك جزء أو شرط من الوضوء 285

الشك في الجزاء و الشرط بعد الفراغ 293

ما يتحقق به الفراغ من الوضوء 295

لا اعتبار بشك كثير الشك 299

حكم الشك في التيمم و الغسل 302

حكم المسح في موضع الغسل و بالعكس 304

الشك في إتمام الوضوء صحيحا 305

الشك في وجود الحاجب قبل الوضوء 306

العلم بوجود المانع مع الشك في حدوثه قبل الوضوء أو بعده 314

كون محل الوضوء نجسا مع الشك في تطهيره 315

الشك بعد الصلاة في الوضوء لها 318

إذا علم قبل المسح ترك غسل اليد اليسرى 324

فصل في أحكام الجبائر 329

معنى الجبيرة 330

الاخبار الواردة في الجبيرة 331

الطائفة الاولى 331

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 456

الطائفة الثانية 332

الطائفة الثالثة 332

الطائفة الرابعة 334

الطائفة الخامسة 336

الطائفة السادسة 339

وجوه الجمع بين الاخبار 340

الوجه الاوّل 340

الوجه الثاني 340

الوجه الثالث 341

الوجه الرابع 341

الوجه الخامس 341

الوجه السادس 343

إذا أمكن غسل المحل 346

لا يمكن ايصال الماء تحت الجبيرة 347

إذا كان موضع الكسر وعره مكشوفا 348

كون بعض الكسر مستورا 352

المسح بنداوة الوضوء واجب أو لا 354

إذا أمكن رفع الجبيرة 356

عدم امكان مسح الجبيرة لنجاستها 357

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 457

كون الجبيرة في موضع المسح 360

استيعاب الجبيرة لعضو واحد 361

إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة 364

إذا لم يمكن رفع الجبيرة من موضع المسح 366

إذا كان استعمال الماء مضرّا من دون جرح و قرح 369

في الرمد يتعين التيمم 371

محل الفصد داخل في الجروح 371

لصوق شي ء ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح 373

إذا كانت الجبيرة مغصوبة 377

كون الجبيرة حريرا أو 380

بقاء حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا 380

إذا أمكن رفع الجبيرة 383

اختلاط الدواء الموضوع على الجرح مع الدّم 384

عدم جريان حكم الجرح إذا كان

العضو نجسا 388

عدم لزوم تخفيف الجبيرة 389

الوضوء مع الجبيرة رافع 390

الفروق بين جبيرة محل الغسل مع جبيرة محل المسح 392

حكم الجبائر في الغسل 399

حكم جبائر مواضع التيمم 401

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 458

استيجار صاحب الجبيرة 402

ارتفاع عذر صاحب الجبيرة 407

جواز البدار لصاحب الجبيرة 410

العمل بالجبيرة مع اعتقاد الضرر 411

فصل في حكم دائم الحدث 415

الصورة الاولى 416

الصورة الثانية 418

الصورة الثالثة 434

وجوب المبادرة إلى الصلاة 438

وجوب التحفظ من تعدى البول على المسلوس 441

في لزوم معالجة السلس و البطن 442

في جواز مس كتابة القرآن 443

مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر 445

لا يجب على المسلوس و المبطون قضاء الصلوات 449

الفهرس 451

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.